حققت حلمها بالكروشيه.. الكرسي المتحرك نقطة تحول في حياة "فاطمة" (صور)

تقارير وحوارات



لم يتمكن الكرسي المتحرك الذي تجلس عليه فاطمة وارث، من منع إصرارها على الحياة، بل كان بمثابة نقطة تحول لها لتملأ المنزل حولها بالألوان المبهجة والتي تتشابك خيوطها الملتفة باستمرار على يديها لتنسج حلمها الصغير وتبدأ في تحويله إلى مشروع كبير مع مرور الوقت، ليكتظ منزلها الذي تبيع بداخله منتجاتها، بالسجاجيد والحقائب والمفروشات بكل أشكالها وأنواعها.

 

ولأن العجز الحقيقي هو العقول المغلقة والأيدي المكتوفة؛ آمنت هذه السيدة الثلاثينية، بأن القدر الذي كتب لها بأن تتعرض لحادث سير مؤلم، وأن تصبح جليسة هذا الكرسي المتحرك لأكثر من 6 سنوات، كان سببًا كبيرًا ورسالة قوية من الله لتتجه نحو تحقيق حلمها منذ الصغر وشغفها المستمر بالمشغولات اليدوية من خلال الكروشيه.

 

فبعدما تركت مهنتها كمدرسة بأحد رياض الأطفال قررت أن تشرع في نسج خيوط الكروشيه الملونة والتي صنعت البهجة لكل عين تراها، لتبدأ "وارث" في الوقوف على قدميها من جديد وتشعر بوجودها ونشاطها المؤثر داخل المجتمع بدلًا من أن تصبح عالة على الآخرين.



بابتسامة مرصعة بالفخر تصحبها نبرة قوية، استهلت فاطمة وارث حديثها عن المراحل التي مرت بها ليكبر مشروعها ويبدأ الناس في الانجذاب له والتعرف عليه، حيث أشارت إلى أن منتجاتها في البداية كانت مقصورة على محيطها وأصدقائها لتبيع لهم ، حتى اقترح بعضهن عليها أن تشارك في المعارض الصغيرة التي تستمر ليوم واحد فقط "الأوبن داي".

                               

ومع مرور الوقت؛ التقت بأحد زبائنها التي نصحتها بالتواصل مع مؤسسة "الحسن  الخيرية"، الخاصة بأصحاب الكراسي، للحصول على الدعم، وتابعت قائلة: "لما شافوا شغلي في البيت عرضوا عليا يقدمولي فلوس أشتري بيها الخيوط والخامات لشغلي إلا إني رفضت".

 

وأوضحت "وارث" أن سبب رفضها هو رغبتها في الشعور أنها تقف على قدميها وتحلق بمشروعها الصغير الذي تحلم أن يكبر يومًا بفضل يديها وإبرتها لا بفضل الآخرين، حيث طلبت منهم فقط أن يساعدوها في عرض منتجاتها داخل المعارض

واستطردت السيدة حديثها قائلة: "متوقفتش لما مبيعتش حاجة في البداية ، لحد ما ربنا كرمني وكل فترة المؤسسة بتاخدني أشارك معاهم في معرض بس انا مع الوقت بدأت أكون علاقات وأسأل على المعارض مع نفسي وأتعرف عليهم لوحدي لحد ما بقيت أنتقي المعارض الأفضل".

              

"مفيش أكتر من الصعوبات في شغلي"، كانت هذه الجملة المقتضبة التي قالتها فاطمة مع تنهيدة كبيرة، مفتاحًا لسيل من المعوقات التي تمثل معاناة كبيرة لها في عملها، فعدم وجود سيارة في حالتها للتنقل والحصول على الخامات والذهاب إلى المعارض، يمثل صعوبة كبيرة حيث تضطر إلى التواصل مع أحد تطبيقات السيارات لقضاء مشاويرها .

 

وحول حياتها الزوجية؛ تروي لنا السيدة الثلاثينية أنها تطلقت من زوجها منذ قرابة 12 عامًا، لذلك تجلس مع ابنتها الوحيدة لدى أقربائها، وهو ما يخلق شعورًا بالخجل لديها، لتناثر خيوطها ومشغولاتها في كل صوب وحدب، لتقول بنبرة حزينة "دا مزعلني أنا قبل أصحاب البيت".



وفيما يتعلق بالأيدي العاملة؛ وصفت لنا "وارث" كم المعاناة التي تشعر بها والضغط الذي يلازمها بسبب التعامل مع بعض السيدات لإنجاز كم كبير من المشغولات في وقت محدد، موضحة أن عدم التزامهن بالكمية والتوقيت المحدد يجعلها في حالة من القلق باستمرار، حيث تضطر أحيانًا لإنتاج الكمية المطلوبة للمعارض بمفردها بسبب التأخير .

              

وفي ظل الحالة الاقتصادية التي نعيشها؛ كان لابد أن تكون أسعار الخامات هي الأزمة الأكبر لدى هذه السيدة الباحثة عن رزقها، قائلة: "الأسعار زادت وبقت أكتر من الضعف والخامات فيه صعوبة في توفرها والألوان والخيوط بلف كتير عشان ألاقيها".

 

بالرغم مما تعانيه فاطمة وارث من صعوبات وماتواجهه من ضغوطات، إلا أن هناك تحدي أكبر وضعها الله فيه، من خلال ابنتها الوحيدة، والتي تعد المسؤولة بشكل كامل على مصروفاتها وتعليمها وكل مايتعلق بها، لتخبرنا بنبرة ممزوجة بنوع من الحزن "رغم أن والدها قريبي وعايش في الشقة اللي قصادنا إلا إنه ترك مسؤوليتها عليا كاملة وهي عشان رسالة ربنا وأمانة منه ليا بحاول على قد ما أقدر مقصرش في حقها".



وحول كيفية تقسيم يومها؛ أشارت فاطمة، إلى أنها تخصص الفترة الصباحية لأعمال الكروشيه حتى تعود ابنتها من المدرسة، لتخصص لها وقتًا بعد تناول الغداء للدراسة، موضحة: "أحيانًا بجيب الأدوات من المشغل وأقعد جنبها أشتغل".

                         

واختتمت السيدة التي تبلغ 38 عامًا حديثها: "بحلم أجيب شقة مستقلة لنفسي وعربية، وأكبر أحلامي إني يكون ليا مكان بيع ثابت عشان أنا هتجه للتصدير إلى الخارج ، وصعب يكون الموضوع في البيت لأن اللي بييجوا دول بيتعاطفوا بس معايا وأنا مش عاوزة تعاطف عاوزة محل أبيع بيه حتى لو في أي مول".