أريجو ساكي

الفجر الرياضي



يُقال بأن إيطاليا هي "مربي" كرة القدم، حيث انبثقت وترعرعت في رحاب إنجلترا ثم تلقاها الطاليان، وعندما نتحدث عن دور الطليان وتطوير الساحرة المستديرة، فيجب أن نتذكر الرجل الذي كسر كل التقاليد الذي سطر حكاية ولا أروع في تاريخ المستديرة وهو أريجو ساكي.


لم يحترف أريجو ساكي كـ"لاعب"، حيث كان يقول دائماً: "الفارس الماهر لم يولد علي شكل حصان، والإنسان الناجح هو الذي لا يمل من المحاولة"، وهكذا فعل ساكي، فبعد أن فشل في لعب كرة القدم مع نادي فوسيجانو، قرر أن يقوم بتدريب الفريق الصغير، وبعد إنتهاء التدريبات كان يذهب إلي عمله "كبائع للأحذية" مع والده.


بدأ ساكي مسيرته كمدرب بتدريب ناشئي فيورينتينا، ثم انتقل إلي نادي بارما الذي كان يتواجد في الدرجة الثالثة، ليصنع معه نجاحاً كبيراً ويصعد به إلي دوري الدرجة الثانية، كما حقق المفاجأة واستطاع إقصاء آي سي ميلان من بطولة الكأس، مما وجه أنظار بيرلسكوني المالك الجديد للميلان نحوه من أجل إعادة الميلان إلي مكانته الطبيعية، لتبدأ بذلك واحدة من أجمل فترات كرة القدم وهي "ميلان ساكي".


ومع بدايات تدريب ساكي للميلان، كانت طريقة اللعب السائدة والمتعارف عليها هي 3/5/2؛ حيث القوة البدنية والزيادة العددية في الدفاع والمنتصف والإعتماد علي نجم بارز في الهجوم كدييجو مارادونا وميشيل بلاتيني مع، وهي خطة تعتمد بشكل كبير علي الكثافة في منتصف الملعب بوجود ثلاثة لاعبين في الوسط مع ظهيرين يلعبان ع الطرف، ومهاجمين في الأمام أحدهما صريح والأخر متحرك.


ومع سيطرة الخطة 3/5/2 وبروز النجم الأوحد في الفريق، فقد قرر أريجو ساكي الإعتماد علي فلسفته الخاصة والفريدة من نوعها، وهي أن الكرة وحدها لن تكون كافية للفوز، وأن هناك أموراً أخري مهمة كالتحركات والتمركز وملئ مساحات الملعب بشكل صحيح، ومن هذا المنطلق أعاد ساكي خطة الـ4/4/2 إلي الساحة الكروية، ولكن بمفاهيم مختلفة وواجبات محددة.


واعتمد أسلوب ساكي علي "جماعية اللعب" فالفرد أقل من الفريق، ولذلك لا داعي للإستغراب عندما يقوم في التدريبات بأشياء بعيدة كل البعد عن المنطق، حيث يقسم فريق مكون من 5 لاعبين بواقع حارس وأربع مدافعين لكنه منظم، في مواجهة فريق مكون من 10 لاعبين لكنهم غير منظمين، والمفاجأة هي تفوق الفريق المنظم رغم النقص العددي!! وبالتالي عند ساكي لا صوت يعلو علي صوت "النظام".


كما رأي ساكي ضرورة فهم اللاعب لتكتيك الفريق وليس فقط مركزه، أي أن اللاعب عليه معرفة كل صغيرة وكبيرة تخص خطوط الفريق الثلاثة بصرف النظر عن مركزه سواء كان مدافع أو مهاجم أو غير ذلك.


وفاجأ ساكي الجميع بفكرة جديدة في التدريبات عرفت بإسم "كرة الأشباح"، حيث ينزل اللاعبون إلي أرض الملعب ويخبرهم ساكي بوجود "كرة خيالية" في مكان ما بالملعب، ويبدأ كل فريق بالتحرك تجاه الكرة، بينما يراقب ساكي تحركات اللاعبين وتمركزهم، وحينما تأتي الكرة الوهمية أمام منطقة الجزاء، ينطلق الدفاع بشكل معين تجاهها بينما يحاول الهجوم استغلال مكانها لمفاجأة الخصم.


ولم يعتمد ساكي في خطته علي اللعب بليبرو ولا أداء دفاعي بحت كما كان معهوداً في إيطاليا، بل بدأ بطريقة الـ4/4/2 لكن مع ضغط غير طبيعي من أجل إستخلاص الكرة، ثم بعد ذلك التحول للهجوم، ويجد حامل الكرة معه 5 لاعبين للمساندة بالإضافة إلي ظهيري الفريق، وبالتالي فالفريق يهاجم ويدافع ككتلة واحدة.


ولكي يستطيع ساكي تطبيق فلسفته، كان عليه تحويل الفريق إلي كتلة واحدة، ويكون الفارق بين أول مدافع وأخر مهاجم في الملعب لا يزيد عن 30 متر، فيلعب الفريق كرجل الواحد، والمفارقة أن هذا الرجل هو الفريق بأكمله وليس لاعب بعينه.


البداية بخط دفاع متقدم مكون من: باريزي، كوستاكورتا، مالديني، تاسوستي، وهو ربما يكون الدفاع الأكثر الصلابة في تاريخ الكرة الحديثة، فجميعهم بارعون في عملية الرقابة الفردية والتغطية والضغط من منتصف الملعب، أي أن دفاع الميلان لم يكن يتواجد أمام منطقة جزائه بل ربما يتواجد أمام دائرة منتصف الملعب، ثم ثنائي الإرتكاز وهما ريكارد وأنشيلوتي، كلاهما يتحركان في وقت واحد بتناسق وتكامل، ولا يوجد بينهما لاعب دفاعي والأخر هجومي.


ودونادوني لاعب الجناح الذي يتحرك، بينما كولمبو هو من يميل إلي العمق، ورود خوليت لاعب الوسط التي تحول لمهاجم بارع لا يكل ولا يمل، وأمامه فان باستن الهداف العملاق.


وللوصول للمستوي العظيم الذي وصل إليه الفريق، فقد تدرب لاعبو الميلان كثيراً تحت قيادة ساكي حتي أصبحوا قادرين علي فهم فلسفته جيداً، حتي وصلنا للنتيجة وهي ميلان بنجوم عظام كـ فان باستن وخوليت، لكن تبقي النجومية للفريق ككل.


وحقق الروسونيري تحت قيادة ساكي نجاحات كبيرة، علي الرغم من وجود مارادونا مع نابولي، ولوثار ماتيوس وكلينسمان ورومينيجيه مع الإنتر، حيث استطاع التتويج بالدوري الإيطالي عام 1988، والنجاح الأكبر كان أوروبياً حيث حقق لقب دوري أبطال أوروبا عامي 1989 و1990، بالإضافة إلي لقب السوبر الأوروبي وكأس الإنتركونتينتال لنفس الأعوام.


كما درب ساكي منتخب إيطاليا بين عامي 1991و1996 وقاده إلي نهائي كأس العالم 1994، لكنه خسر أمام البرازيل بركلات الترجيح.