عبدالحفيظ سعد يكتب: استحلاب محمد صلاح

مقالات الرأي



لأكثر من عامين، تحول الأسطورة الحديثة لكرة القدم المصرية محمد صلاح، لأحد أهم مصادر البهجة، ليس فقط لإسهاماته مع المنتخب الوطنى، ولعبه الدور الرئيسى فى صعود المنتخب المصرى لكأس العالم وتحقيقه نتائج مذهلة فى نهائيات كأس الأمم الإفريقية الأخيرة فى الجابون.

بل صلاح كان نجم فوق العادة فى الدوريات الأوروبية (الإيطالى والإنجليزي).. لا أحد ينكر من الجماهير، وأنا منهم، أن التمتع بأهدافه ومراوغاته، خاصة فى الفترة الأخيرة، صارت مصدر متعة، وتحولت مشاهدة كل لمسة لهذا اللاعب الموهوب والخلوق، والمتواضع، المحب لبلده وانتمائه، لأحد الاهتمامات التى لا نتغافل عنها حتى مع انشغالات العمل والحياة.

عشق صلاح، لم يقتصر على المصريين فقط.. وانتقلت محبته للجماهير العربية، وصار فى إنجلترا أحد العلامات، المهمة والمؤثرة فى الدورى الإنجليزى الذى يعد من أهم المسابقات الرياضية فى العالم كله..

وصارت لمسة الفرعون، سحرا لجماهير ناديه، لدرجة وضعته كأهم لاعب فى الدورى بعد أن غرد منفردا بقائمة هدافيه.. وغنت له جماهير نادى ليفربول " مو.. صلاح".. وتخرج "الآهات" مع كل هدف بقدميه، متبوعة بسجدة شكر.. فصار الفتى الذهبى، "أسطورة" يعشفها الشباب، ويتمنى الشيوخ أنه يتحول أبناؤهم مثله.

لكن "صلاح" صاحب الأداء البديع والخلق الرفيع، سعت الألسنة والأقلام، أن تحوله من أسطورة كروية، صنعها بتركيزه فى عمله، وقدرته وإصراره على تطوير أدائه، إلى هدف أكبر مما يتصور هو شخصياً، بأن يصير "المجد المصرى، صاحب الرسالة..

وقبل أيام قليلة خرج أحد أهم الكتاب فى الصحافة المصرية "صلاح منتصر" ليطالب اللاعب بأن يهذب لحيته، حتى لا يتصور أحد فى الغرب أنه "متشدد"، وأنه رمز للتعصب.. وطالبه أيضا أن يقصر شعر رأسه حتى لا يتحول مثل "الهيبز"، بعد أن صار نموذجا مشرفا للشباب.

كاتبنا الطاعن فى السن يريد أن يفرض وصاية غريبة من رجل بلغ من العمر عتيه، على شاب "26 عاما" يلعب الكرة وينتمى لجيل، بالنسبة له إطلاق الشارب واللحى وطلق شعر الرأس موضة، وهو ثقافة ليس لها مدلول دينى أو ثقافى، هى مجرد "استايل".

لم يقتصر الامر على الوصاية، من كاتبنا الكبير على "صلاح" وشكله، فمع زيادة نجومية وارتفاع أداء اللاعب الموهوب، أرد البعض أن يحوله لـ"رمز للإسلام" ليغير الصور التى لحقت به بسبب التعصب، وأنه بأدائه وخلقه وسجدته مع كل هدف، يمكن أن يعمل على تحسين صورة المسلمين، ومحو الغبار الذى لحق بالمسلمين من أعمال الإرهابيين والمتطرفين، خاصة بعد زيادة شعبيته والأنباء التى تتحدث عن تحول بعض عشاق فريق ليفربول، للإسلام، وهو ما أغرى أحد الشيوخ السعوديين (عائض القرنى)، أن يغرد للثناء على "أبو مكة من مكة"، واعتباره رمزا للإسلام، وأنه يحسن صورته..

وظهر أن الجميع من اليمين لليسار، يريد استحلاب الشاب المجتهد، وأنه يتوقع منه ما لا طاقة له به، وهم لا يدركون أن حب الجماهير فى الغرب والشرق لـ"صلاح" غير مرتبط بشكل لحيته أو شعر رأسه، وليس بأدائه سجدة الشكر.. بل الجماهير تعشقه لأنه يمتعها بمهارته ومراوغته وإحرازه للأهداف.. حب صلاح لأنه متعاون وصاحب أخلاق مع زملائه فى الملعب ونجوميته ستزداد طالما حقق الفوز لفريقه، ونفذ تعليمات مدربه، فهو ليس مبشر بالإسلام، كما يريد "القرنى" وليس شكله نموذج يمنع الشباب من التطرف، كما يهدف "منتصر"..

محمد صلاح لاعب كرة، سيستمر حب الجماهير له بأدائه، ومجهوده فى الملعب.. فهو لا يغير صورة الإسلام، ولن يمنع بشكله التطرف.. صلاح لاعب كرة سيعتزل بعد سنوات، كطبيعة كل النجوم.. أما صورة الإسلام والمسلمين ومحاربة التطرف، فلن تتحقق بقدم لاعب كرة، أو حتى فريق بالكامل، فدعه يلعب ويحرز الأهداف ويمتع الجماهير، أما صور الإسلام لن يحموها إلا عمل مليار ونصف المليار مسلم.