لأول مرة.. سائق ناصر والسادات يتحدث لـ"الفجر" في حوار خاص

تقارير وحوارات



 

الرئيس جمال عبدالناصر كان يرتدى "جلابية وشالًا" وينزل إلى الأسواق بدون حراسة لمراقبة الأسعار

أسعد لحظات الرئيس بعد إعلانه تأميم قناة السويس

طلبت منه صورة شخصية فوقعها بخط يده وقال: "اتفضل يا عم زيدان"

سألنى عن مسقط رأسى فأخبرته بأننى صعيدى فقال: "الصعيد ولادة برجالتها"
 

داخل الدوائر القريبة من رؤساء الدول هناك العديد من الرجال الذين قد يكونون مصدرًا لتحليل شخصيات هؤلاء الحُكام، من خلال المواقف والتفاصيل المتراكمة التى جمعت بينهم. الحاج «زيدان» واحد من هؤلاء، بقيادته لسيارة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ونائبه -آنذاك- محمد أنور السادات، «الفجر» قابلته وفتحت خزائن أسراره معهما، لمعرفة ما كانا يفعلان فى خلواتهما ولحظات حياتهما الطبيعية بعيدًا عن المعترك السياسى، اخترقنا جوانبهما الإنسانية إلى حد بعيد ورصدنا العديد من الحكايات والمواقف التى ربما لم يسمع بها أحد قبل ذلك، وهذا ما سنعرضه خلال هذا التقرير.

 

يقول الحاج زيدان عبداللطيف زيدان أو كما يحب أن ينادى بـ«سائق الرؤساء»: أحسن أيام حياتى قضيتها فى خدمة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذى كان رجلا طيبًا يحب الخير للجميع، لم يتعال أو يتكبر على أحد إطلاقا، فهو رجل صعيدى ريفى بمعنى الكلمة، لم يفرق بين أحد فى التعامل ولم يهاب أحدا مهما كان، ورغم ما تم تداوله عن حياة «ناصر» فى وسائل الإعلام والسينما إلا أنه لم يوف حقه حتى اليوم.البداية عندما تطوعت فى الجيش المصرى لكى أخدم بلادى، وتعلمت داخل القوات المسلحة قيادة السيارات لدرجة أننى أصبحت سائقا ماهرا للغاية، بعدما تلقيت تدريباتى بحرفية عالية، فأكرمنى الله بأن أصبح السائق الخاص لرؤساء الجمهورية والشخصيات المهمة، ولدت فى 3 أكتوبر عام 1930، فى مركز أبوقرقاص التابع لمحافظة المنيا بالصعيد.


انضممت إلى الجيش عام 1949، وتم تصنيفى ضمن كتيبة المشاة، وهناك خضعت لاختبارات القيادة مع 50 مجندا آخر، تمت تصفيتهم إلى 30 ثم إلى 10.. هم أمهر المجندين المصريين فى قيادة السيارات آنذاك، وبعد ذلك تم تصفيتنا إلى 5 مجندين، تم توزيعنا للخدمة فى الأماكن السيادية ذات الحيثية، وأكرمنى الله بأن تم اختيارى لكى أنضم إلى سائقى القصر الجمهورى، وعندما علمت بالأمر ملأت الفرحة قلبى وكأننى ولدت من جديد، حياة أخرى ومعاملة مختلفة ووضع أفضل، وتم إجراء اختبارات قيادة لسائقى القصر، وكان عددنا 5 سائقين، وكانت المفاجأة الكبرى عندما تم اختيارى «سائق خاص» للرئيس جمال عبدالناصر، فهذا كان حلم العمر كله الذى تمنيته وتحقق.

 

«زيدان حضر العربية الرئيس نازل»، كان هذا هو أول أمر لى من الحرس الخاص للرئيس عبدالناصر، وفور دخول «ناصر» إلى السيارة وحتى إشعال أول سيجارة له لم أصدق حقيقة ما أنا فيه، فأنا سائق رئيس الجمهورية، بعدها بلحظات بدأ أول حوار بينى وبين أعظم شخصية فى تاريخ الوطن العربى، عندما سألنى اسمك إيه؟، فأجبته زيدان يا سيادة الرئيس، فسألنى ثانية أنت منين؟، فأخبرته بأننى من محافظة المنيا - مركز أبو قرقاص، فداعبنى متسائلا: وعلى كده أنت سواق شاطر زى ما قالوا عليك؟، وبابتسامة بسيطة أجبته «اللى تشوفه حضرتك يا ريس»، فقال وقد كست الراحة وجهه «يا زيدان الصعيد ولادة برجالتها».

 

وبعدما حكى لنا سائق الرؤساء أول حوار جمعه بـ«ناصر» قال: الرئيس جمال لم يعتمد على التقارير التى كانت تأتى إليه يوميا على مكتبه، خاصة تلك الخاصة بأسعار السلع فى الأسواق، كان دائمًا يهتم بأسعار السوق على أرض الواقع، فذات يوم تم إخبارى من الحرس الشخصى للرئيس بتجهيز سيارة ملاكى، كان ذلك عقب صلاة الظهر، وبالفعل صعد الرئيس للسيارة وهو يرتدى جلبابا وشالا وأمرنى بالرحيل من القصر، والغريب أننى لم أجد سيارات تأمين خلفى أو أمامى، علمت بعد ذلك أن هذا كان بناءً على طلب من الرئيس شخصيا، وطلب منى أن أذهب به إلى سوق الخضروات، وأمرنى بأن أوقف السيارة بعيدًا عن السوق، وبدأ الرئيس يضع شالا أبيض على رأسه، وقرر النزول من السيارة ليتفقد السوق بنفسه ويشترى كمواطن بسيط، وبالفعل بعد مدة عاد إلى السيارة حاملا بعض أكياس الخضروات. وتابع: عاصرت فترة كبيرة مع الرئيس جمال عبدالناصر، وحضرت فترة مع الرئيس محمد أنور السادات وهو نائب له وكنت سائقا شخصيا له، ولأحمد ابن الملك فؤاد، فضلا عن عدد من الوزراء، وفى عام 1955 طلبت من الرئيس عبدالناصر أن أحصل على صورة له، فقال لى اتفضل يا عم زيدان ووقع عليها، ومن يومها وأنا أحتفظ بتلك الصورة، الحقيقة كان طبعه هادئ يحب المواطنين، والرئيس السادات أيضًا، كان ينزل يقف أمام منزله مع المواطنين فى الشارع دون أى غرور أو تكبر وكان دائما يحب الخير للبلد والناس. الحاج زيدان أكد أن الحياة داخل القصر الرئاسى كانت فى غاية الروعة، والسؤال الذى اعتاد كل من «عبد الناصر» و«السادات» طرحه على هو «مش محتاج أى حاجة يا زيدان؟»، وكانت إجابتى واحدة «شكرًا يا سيادة الرئيس»، بصراحة عملى كسائق خاص للرئيس كان مصدر حقد على من الكثيرين، وكان الجميع يتساءل لماذا «زيدان».. لماذا هو سائق الرئيس؟، وحين وجهنا له سؤالا عن سرعة القيادة التى كان يفضلها «ناصر»، أكد أنه كسائق هو من يحدد السرعة على حسب الموقف، يسرع عندما يتوجب عليه أن يقود بسرعة ويبطئ عندما يستدعى الموقف ذلك.

 

واستطرد: على سبيل المثال بعض المواقف كان يتوجب عليَ أن أقود بسرعة 40 كيلو مترا فى الساعة، عندما يكون المواطنون مصطفين على جانبى الطريق، فتلك السرعة تساعد الرئيس على رؤية المواطنين ورؤيتهم له، وداخل القاهرة أو الإسكندرية كنت أقود السيارة على سرعة 80 كيلو مترا فى الساعة على خلاف السفر، فكانت السرعة المناسبة للرئيسين الراحلين «عبد الناصر» و«السادات» فى السفر هى 100 كيلو متر فى الساعة، وعندما أشعر أن الرئيس يتحدث فى الهاتف كنت أقلل السرعة لكى يتحدث على راحته دون أن تلفت السرعة انتباهه، ولم أسمع على الإطلاق جملة «هدئ السرعة يا زيدان» طوال فترة خدمتى لهما.

 

وعندما انتهت خدمتى مع الرئيس عبدالناصر سلم على وقال لى ربنا يوفقك، وفى عام 1977 سافرت مع السيدة جيهان السادات إلى فرنسا لقيادة السيارة لها هناك، وكانت تتخلل تلك الأعوام إجازات شهرية، واستلمت سيارة خاصة مجهزة بأحدث الإمكانيات من السفارة المصرية فى فرنسا، وهناك تعرفت جيدًا على الطرق والكبارى وأماكن التسوق والمطاعم والكافيهات المشهورة فى باريس، السيدة جيهان كانت بطبعها هادئة وتعشق الأماكن الراقية، ولكن لم يكن لها مطعم معين أو كافيه بعينه تعتاد الجلوس به دائما، فهى كانت تحب التنوع. وحينما سألناه عن ما إذا كان متواجدا أثناء تأميم قناة السويس أجاب بأنه شاهد عبدالناصر فى فرحة لم يفرحها من قبل أو من بعد، وأضاف كنت أتقاضى وقت خدمتى كسائق للرئيس مبلغ جنيهين شهريا، ولكن بين الحين والآخر كان الرئيس يصرف لى مكافآت خاصة.. شيك بـ«100 أو 200 جنيه»، والآن أتقاضى معاشا شهريا قدره 7 آلاف جنيه، ولدى ولدان و6 فتيات، وأعيش حياة طبيعية وسط أهلى فى القاهرة، وأتوجه على فترات لزيارة أهلى فى مركز أبو قرقاص بمحافظة المنيا.

 

وطالب «زيدان» المواطنين بضرورة المشاركة فى انتخابات الرئاسة المقبلة، مؤكدًا دعمه للرئيس عبدالفتاح السيسى، قائلًا: «السيسى محبوب وابن بلد.. حافظ على الشعب فى وقت صعب وقضى على الإخوان والإرهاب وبنى مصر، وخلال فترة رئاسته الأولى أنشأ العديد من المشروعات الاقتصادية والوحدات السكنية والطرق والكبارى ووفر فرص عمل عديدة للشباب، علاوة على توفير السلع التموينية بأسعار مخفضة، وعلاقتنا الجيدة بالعديد من الدول، وأصبح لمصر دورها القوى بين الدول».

 

ولمشاهدة الحوار "فيديو" يرجى زيارة موقعنا الرسمى www.elfagr.org أو عبر القناة الرسمية على موقع يوتيوب.