داعش سيناء يفتح المواجهة مع حماس على "ملة إبراهيم"

العدد الأسبوعي

عناصر داعش الإرهابية
عناصر داعش الإرهابية


التكفير ومحاولات اغتيال القيادات واستهداف المقرات بعد تدريب المقاتلين وعلاج جرحى التنظيم فى غزة

الفيديو الأخير هدفه تجنيد عناصر الحركة الفلسطينية لصالح التنظيم الإرهابى


فى 18 أغسطس الماضى، أوقفت عناصر الأمن التابعة لحركة حماس على الحدود مع مصر، أربعة من المقاتلين كانوا يحاولون العبور للالتحاق بتنظيم «ولاية سيناء»، فما كان من أحد هؤلاء المقاتلين إلا أن قام بتفجير نفسه وسط زملائه، وعناصر القوات الأمنية، فى عملية انتحارية لقى فيها مصرعه مع قائد ميدانى فى كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس.

ما حدث ترجم على أرض الواقع حينئذ بوضوح ما آلت إليه العلاقة الملتهبة بين تنظيم «ولاية سيناء»، وحركة حماس التى تشدد قبضتها الأمنية على الحدود، بالتعاون مع الدولة المصرية، منعاً لتسرب المقاتلين إلى التنظيم السيناوى.

وذلك بالتوازى مع حوادث طعن أيضاً تتعرض لها قوات الأمن التابعة لحماس من عناصر موالية لداعش فى غزة، بخلاف عمليات تفخيخ لسيارات القيادات، ومحاولات لاغتيالهم، واكتشاف ضخ تمويلات لاستهداف مواقع أمنية وعسكرية للحركة.

لم يكن ينقص المشهد المتصاعد، إلا إصداراً دموياً من نوعية «ملة إبراهيم»، الذى أطلقه تنظيم «ولاية سيناء» مطلع الشهر الحالى، ضد حركة حماس، إيذاناً بوصول الطرفين إلى مرحلة المواجهة الدموية المفتوحة، بعد فترات «ذهبية» سابقة، تنوع التعاون بينهما خلالها، ما بين تهريب السلاح وتدريب المقاتلين، واستقبال الجرحى من عناصر «ولاية سيناء» للعلاج فى غزة .

كما تقرر خلال تلك الفترات «تجميد» العداء الراسخ، والتباينات الأيدولوجية والاستراتيجية بين حماس بهويتها الإخوانية، وبين تنظيمات السلفية الجهاديةً، نزولاً على مصالح متبادلة بين الحركة وتنظيم «ولاية سيناء».

قفزت حماس على خسائرها من إعلان تنظيم «جيش الإسلام»، أكبر تنظيمات السلفية الجهادية فى غزة، مبايعته لخليفة داعش أبوبكر البغدادى فى 30 يونيو 2015، وسعى «ولاية سيناء» بدوره للتعاون، متجاهلاً واقعة الصدام المسلح الشهيرة قبلاً بين حماس، وجماعة «أكناف بيت المقدس» التابعة لداعش فى مخيم اليرموك.

وذلك على وقع علاقة شديدة التشابك والتعقيد بينهما تأرجحت منذ إعلان تنظيم «ولاية سيناء» تبعيته لأبو بكر البغدادى، ما بين الاحتواء والتعاون والمواجهة، إلى أن وصلت إلى مرحلة «القطيعة»، كما يصفها الدكتور حسن أبو هنية، الباحث فى الحركات الإسلامية، فى تحليل منشور له.

فيما كان شكل العلاقة بين حماس والدولة المصرية محدداً رئيسياً طوال الوقت، لصياغة الحركة لعلاقتها مع «ولاية سيناء»، وتباين مراحل تلك العلاقة على مدار الفترة الماضية .

بحسب هنية فإن حماس كانت تتوجس دوماً خيفة من احتمالات التعاون بين الخلايا الموالية لتنظيم داعش فى غزة، وتنظيم ولاية سيناء، واتخذت كل الإجراءات والاحترازات الأمنية لمنع تكوين روابط متينة بينهما، خشية التهديد الذى يمثله جهاديو غزة على الاستقرار، أو التسبب فى حدوث اضطرابات فى القطاع، ومنذ تدهور العلاقة بين حماس ومصر، بعد عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى، تجنبت حماس الدخول فى عداوة مع تنظيم ولاية سيناء، وتعاونت معه بحذر شديد، فى الوقت الذى كانت تسعى بالتوازى لإنهاء عزلتها وتحسين علاقتها مع الدولة المصرية.

بدأت علاقة حماس مع القاهرة تتحسن بزيارة إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحماس للقاهرة فى 23 يناير2017، ثم زيارة وفد من الأجهزة الأمنية لحماس مصر فى 31 من الشهر نفسه.. هنا بدأت علاقة حركة حماس بـ«ولاية سيناء» تتوتر.

بعد زيارة هنية مجدداً للقاهرة فى 9 سبتمبر 2017، على رأس وفد من الحركة، انتهت إلى إبرام المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس برعاية مصر، كانت الأمور بين حماس والتنظيم الداعشى فى سيناء، قد وصلت إلى مرحلة المواجهة.

أطلق الوالى الجديد القادم من العراق، على رأس ولاية سيناء «أبو هاجر الهاشمى»، هجومه المباشر على حركة حماس، واصفاً قياداتها بالكافرة المرتدة، معلناً وجوب تنفيذ عمليات مسلحة لاستهداف مقراتها الأمنية والسياسية، وموجهاً دعوة صريحة لأعضاء الحركة بالانشقاق و«الهجرة» للإنضمام لتنظيم «ولاية سيناء».

كما قام التنظيم للمرة الأولى، فى سابقة من نوعها، بنشر صور وأسماء أعضاء حركة حماس، الذين سبق أن انضموا له، أو قتلوا بين صفوفه، فى محاولة لضرب تقارب الحركة مع مصر، وأيضاً لنفى احتمالات أية معلومات متداولة عن اضطهاد تتعرض له العناصر الحمساوية المنضمة له.

سبق ذلك إجراءات أمنية مشددة بدأتها حركة حماس، بحملة اعتقالات واسعة شملت 350 من عناصر وقيادات السلفية الجهادية، والمتعاونين مع «ولاية سيناء» فى قطاع غزة.

ورد تنظيم «الهاشمى» بدوره من سيناء، بقطع الطريق على البضائع إلى القطاع، وأجبرت التجار المسئولين عن عمليات التهريب من رفح المصرية على منعها.

وكان أحد عناصر «داعش غزة» قد أرسل، منتصف العام الماضى، رسالة إلى أبى بكر البغدادى، تم تداولها بعنوان «رسالة الاستنصار»، طالبه فيها بإعطاء الإذن للعناصر الداعشية فى غزة بالزحف نحو سيناء، للقتال فى صفوف تنظيم «ولاية سيناء»، هرباً من بطش حماس، وقتلها لعناصر التنظيم ونسف بيوتهم، على حد قوله.

على أرض الواقع، تضرر تنظيم «ولاية سيناء» فعلياً، من التعاون الأمنى بين القاهرة وحماس، ومع إنشاء المنطقة العازلة على الحدود بين قطاع غزة ومصر، بسبب تأثير ذلك على عملية تدفق المقاتلين إليه من القطاع.

فى السياق ذاته، قامت عناصر تابعة لداعش فى غزة بتنفيذ محاولة لاغتيال قائد قوى الأمن الفلسطينى الحاج أبوعبد الله توفيق أبو نعيم، بسبب دوره فى تحجيم السلفية الجهادية فى غزة، إضافة لإشرافه مؤخرًا على إقامة المنطقة العازلة بين القطاع ومصر، عبر تفجير سيارته.

ثم اتخذ تنظيم «ولاية سيناء» خطوة أكثر تصعيدا، بإصدار فيديو بعنوان «ملة إبراهيم» ضد حركة حماس، يحمل العديد من الشفرات والرسائل، ويتهم الحركة بالكفر والارتداد، بسبب احتكامها إلى الديمقراطية وللقوانين الوضعية ومحاربتها لأتباع التنظيم فى غزة، إضافة إلى تحالفها مع النظام المصرى والنظام الإيرانى، وخصومتها لليهود بصفتهم محتلين وليس بصفتهم الدينية.

وظهر فى الفيديو متحدثاً رئيسياً هو أبو كاظم المقدسى، اتضح بعد ذلك أنه المنشق عن حماس، الفلسطينى حمزة عادل محمد الزاملى، من مواليد 2 فبراير 1992، وقد التحق بالتنظيم قبل عامين، وسبق اتهامه بقضايا أخلاقية وسرقة، تبرأ بسببها منه والده، خطيب أحد المساجد فى رفح.

وتلا ما سماه قرار المحكمة الشرعية لتنظيم ولاية سيناء بإعدام أحد أعضاء التنظيم، ويدعى موسى أبو زماط، بتهمة تهريب الأسلحة إلى كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكرى لحركة حماس، وقد نفذ حكم الإعدام فلسطينى آخر هو محمد الدجنى، وكلاهما كانا عضوين سابقين فى كتائب القسام، إضافة إلى أن الدجنى هو ابن «أبو راشد» القيادى فى حركة حماس، والمدير المسئول عن ملف الحماية ومعالجة الجرحى فى غزة.

وهو المغزى المقصود تماما من إطلاق تسمية، «ملة إبراهيم» على فيديو «ولاية سيناء»، وهى تسمية تحمل دلالة خاصة فى أدبيات تلك التنظيمات، حيث أقدم إبراهيم عليه السلام، على ذبح ابنه، نزولاً على الأمر الإلهى، وبنفس الحال يصدر الفيديو على أنه تطبيق عملى أيضاً لمفهوم الولاء والبراء، فيعدم الحمساوى «المرتد» وفقاً لفيديو أنصار بيت المقدس فلسطينى حمساوى مثله.

إصدار «ولاية سيناء الأخير»، الذى يضع على أولوية أهدافه تجنيد المزيد من شباب حماس، حرص كذلك على إلهاب مشاعرهم، وتذكيرهم بالواقعة الدموية الشهيرة فى مسجد ابن تيمية برفح فى 14 أغسطس 2009، حيث قامت حماس بتصفية أبوالنور المقدسى، الدكتور عبداللطيف موسى، زعيم تنظيم «جند أنصار الله»، وهو يخطب على المنبر، بعد دقائق فقط من إعلانه تأسيس إمارة إسلامية فى رفح، وأسفر الهجوم عن مقتل 20 وإصابة 100.