"الشيح جاكسون" سينما تجسد الصراع النفسي بين الدين والدنيا

الفجر الفني

بوابة الفجر


في فيلمه الأخير "الشيخ جاكسون" يتناول المخرج الشاب عمرو سلامة الصراع النفسي لشخصية انطوائية منذ طفولتها وحتى بلوغها الثلاثينيات من عمرها، صراع عاشه بطل الفيلم والذي لم يٌكشف عن اسمه حتى مرور ٧٨ دقيقة من أصل ٩٣ دقيقة هي المدة الزمنية للعمل، وهو ما كان له بعد أكبر ممثلًا في عدم إدراك الشخصية لحقيقة ذاتها الحائرة ما بين تدينها وزهدها وبين عشقها للموسيقى وأيقونة البوب مايكل جاكسون.

قصة الفيلم

يبدأ الفيلم بكابوس متكرر يراه البطل "خالد"، والذي يجسده في مرحلة الشباب الفنان أحمد الفيشاوي، عن موته ودفنه منذ علم بوفاة مايكل جاكسون ثم زيارته لطبيبة نفسية، تلعب دورها الفنانة بسمة، ويحكي لها أن مشكلته في عدم قدرته على البكاء وهو الدليل من وجهة نظره على انتكاس إيمانه.

يأخذنا الفيلم بعدها في رحلة لاكتشاف كيف وصل البطل لهذه الصراع، ومع الكثير من "الفلاش باك" نعود لطفولته وعلاقته بوالدته التي وافتها المنية في صغره وهو ما آثر سلبًا عليه كونها الوحيدة التي كانت تسهل له الحياة وتخفف عنه ما يحدثه والده صعب المراس ويلعب دوره الفنان ماجد الكدواني، والذي يتحكم في حياته ويعامله بخشونة زائدة عن الحد.

في مراهقته، يٌعجب خالد، والذي جسد دوره في هذه المرحلة الفنان أحمد مالك، بفتاة مغرمة بجاكسون وليتقرب منها يصبح نسخة منه يقلده في مظهره الخارجي ورقصاته، وهو ما آتى ثماره فقد أعجبت به لكنها لم تكن تعرف اسمه الحقيقي وكانت تناديه "جاكسون"، في واللحظة التي كان يمكنها تغير كل شيء هرب جاكسون وسافر لخاله وبدأ مرحلة جديدة من التدين لم ينتزعه منها سوى موت جاكسون الذي عصف بحياته وجعله يفكر لماذا لم تعجبه شخصيته في مراهقته ولماذا هرب ولم يواجه نفسه أولا؟.

قضية العمل

اختيار البطل لجاكسون، صاحب الأثر الكبير في حياة المخرج عمرو سلامة، راجع لشبه به فهو الذي عاش وحدة كبيرة رغم الأضواء والشهرة من حوله، وهو ما كان يعانيه البطل بعد رحيل والداته التي كانت تحب موسيقى جاكسون.

يطرح الفيلم الذي كتبه المخرج عمرو سلامة بالاشتراك مع عمر خالد، العديد من الأسئلة عن الصراعات النفسية لشخصية حائزة بين الدنيا والآخرة، بين الاستماع بالحياة والخوف من الموت، بين كره والدها وخوفها من تكرار التجربة مع ابنته، يواصل سلامة طرحه قضايا هامة بعد فيلم "أسماء" الذي تناول فيه قضية مرضى الإيدز، و"لا مؤخذاة" الذي عرض فيه مشكلتي التعليم والفتنة الطائفية بطريقة كوميدية، وفي "الشيخ جاكسون" يتناول تشكيل الشخصية في مرحلة المراهقة والتدين الظاهري والصراع بين الدين والدنيا، بين دين يدعي بعض أتباعه تشدده ورفضه لمظاهر الحياة المختلفة، وأخر يسعى لاكتساب الاثنين دون خسارة أحدهما .

التمثيل

برع الممثلون في أداء أدوارهم خصوصًا الأدوار الرئيسة فالتحول الشكلى لأحمد مالك وإتقانه الرقصات كان مبهرًا، وكعادته تميز الكدواني في لعب دوره بحرافية جعلت الجمهور يكرهه، وكذلك الصراع النفسي الذي جسده الفيشاوي والذي يثبت مجددًا أنه رغم هفواته الأخيرة إلا أنه أحد أهم أبناء جيله من الفنانين الشباب، أما الأدوار النسائية فلم تتوافر لها المساحة الكبيرة لتقديم جديد.

وعلى الرغم من نجاح الفيلم وتمثيله المشرف في عدد من المهرجانات الدولية منها مهرجان تورنتو والجونة وقرطاج إلى جانب عرضه في صالات السينما العالمية مطلع الشهر الجاري، إلا أنه لم يتمكن من الوصول للقائمة القصيرة للترشيحات الأوسكار بعدما اختارته الدولة لتمثيلها بعد تفضيله على فيلم "مولانا".

الموسيقى

ومن الأمور التي أضعفت الفيلم هو عامل الموسيقى، فلا يمكن أن يكون محور العمل الرئيسي هو أيقونة موسيقية بحجم مايكل جاكسون ولا نستمع في الفيلم إلى أي من أعماله، وقد يكون الأمر مفهومًا خصوصًا مع ارتفاع قيمة حقوق الملكية الفكرية للأعمال العالمية.

إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا يدعم رجال الأعمال من عشاق السينما مشاريع مثل هذا العمل بمبالغ مادية كبيرة تساعدها في المنافسة في الأسواق العالمية، ففي حال اكتفينا بالقصة والتمثيل والإخراج وأهملنا باقي العناصر المكلفة ومنها المؤثرات الصوتية والبصرية والموسيقى التصويرية فلا مجال للمنافسة مع رواد السينما في العالم.

كذلك الدعاية السلبية للفيلم بعد التحقيق مع كل من بطل العمل أحمد الفيشاوي ومخرجه عمرو سلامة بتهم ازدراء الأديان على خلفية عرض مشاهد يظهر فيها جاكسون في المسجد وهو يرقص، والذي لم يتعدى كونه خيالات تترآى للبطل وتفقده تركيزه، فكيف تحظى أعمالنا بنجاح في الخارج وتحارب على أرضها؟.