إيمان كمال تكتب: أفلام الصدمات فى مهرجان القاهرة السينمائى.. قتل وتحول جنسى ومراهقون

مقالات الرأي




فى سينما المراهقين دائما ما نعيش قصص الحب ومشاكلهم العاطفية لكن ضمن أفلام مهرجان القاهرة السينمائى قضايا مختلفة تماما عن قضايا المراهقين بين تجربة الثأر والقتل وتحرر الذات والبحث عن الهوية والتحول الجنسى فى مجموعة من الأفلام لأبطال لم تتجاوز أعمارهم الـ18 عاما، ولكن تتمحور جميعها حول أن الهوية الحقيقية للبشر هى الانسان والتسامح وتحرر الروح وذلك فى عدة أفلام عرضت ضمن المسابقات المختلفة طوال فترة المهرجان.

1- فقط تشارلى (صدمة التحول الجنسى وكبت الطبيعة البشرية)

كيف يمكن أن تتخيل نفسك تعيش بجسد لا يعبر عن ذاتك الحقيقية ؟ كيف يعيش الانسان بشخصية لا تمت له بصلة فى حين يبحث عن التحرر والتعبير عن ذاته ليواجه غضبا وقسوة من مجتمعه وشذوذ أفكارهم! التى لا تعترف بالطبيعة البشرية والفطرة!

«تشارلى» فتاة محاصرة بداخل جسد شاب مراهق يحاول التحرر من الشخصية التى اختارها له المجتمع هو فقط يحلم بأن يعيش ك «تشارلى» فالمؤلف اختار اسما يصلح للجنسين اناثا وذكورا.

نعيش معه أو «معها» التفاصيل والأحداث خلال 97 دقيقة مدة عرض فيلم «فقط تشارلى» وكيف أن مشاعره وهويته الحقيقية يقرر من حوله أن يتجاهلوها من أجل الحفاظ على الحياة التى اعتادوها بدون خروج عن المألوف أو الاعتراف بأحقيته فى الحياة كما يريد سواء والده الذى رفض الأمر لتعلقه بطفله «تشارلى» الذى يتقاسم معه التفاصيل حتى إنه يشبهه فى لعب كرة القدم إلا أن (تشارلى) أمامه الكثير من الفرص للاحتراف وتغيير حياته على عكس والده الذى انغمس فى الحياة الروتينية ومهنة تقليدية، فيحاول تحقيق احلامه من خلال ابنه الصغير، أما زملاؤه فى المدرسة فينعتوه بالشاذ صاحب الميول المختلفة، ولكنه قرر أن يواجه الأمر بشجاعة بعد معاناة وكبت فقرر أن يتحرر من فكرة أن يعيش بهوية لا يشعر بها وشخص آخر لا يراه فى المرآة فتشارلى الذى تراه الاسرة والأصدقاء ليس هو الشخص الذى يعيش بداخله فهو يحلم بالملابس الناعمة البسيطة ويحلم بالألوان الزاهية التى ترتديها النساء وان يمارس حقوقه كأنثى.

صدمة كبيرة عاشتها اسرته ومن حوله وصدمة أخرى للمشاهد فى عمل وصف بالجرىء فى فكرته، فعلى الرغم من اعتراف بريطانيا بحق التحول الجنسى فإن المجتمع لا يزال يرفض الفكرة من أساسها وهو ما جعل الأمر فى غاية الصعوبة وهو ما أكده مؤلف الفيلم بيتى ماكن فى ندوة على هامش المهرجان حيث عرض فى مسابقة «أسبوع النقاد» بعد اعتذار مخرجته ريبيكا فورتشن عن الحضور.

السؤال هنا أليس من حق تشارلى أن يعيش هويته الحقيقية أن يتعامل معه الآخرون كما هو وليس كما اعتادوا؟ فهو لم يتغير لا يزال يحب كرة القدم التى حرم منها، لا يزال يحب أسرته يحب أصدقاءه.

بمساعدة والدته وشقيقته تستطيع «تشارلى» أن تبدأ حياة جديدة وسط العديد من العراقيل فى رحلة البحث عن الهوية.. وبالرغم من صغر سن الممثل الذى لعب الشخصية الرئيسية لكنه استطاع أن يجسد التحول ليس فقط بمجرد وضع مساحيق التجميل أو ارتداء ملابس الفتيات لكن ايضا فى التعبير الجسدى الذى حوله بالفعل إلى هذه الفتاة التى تحلم بأن تعيش حياتها كما هى ليس كما يتمناها الآخرون.

يظل الفيلم هو صدمة حقيقية لكن ليس فى الفكرة التى تبدو لأول وهلة رئيسية وهى التحول الجنسى إلا أن الصدمة فى فكرة الهوية وكيف يعيش الإنسان سجينا بداخل جسد لا يحمل روحه ويظل يحارب القمع فى محاولاته للتحرر وهو القمع الذى تواجهه البشرية بشكل عام فالبعض يحمل وجها وكيانا لا يخص روحه الحقيقية فى مواجهة ضغوط وكبت المجتمع تخوفا من أن يشذ عن قواعد من حوله أو يكسر الروتين الخاص بهم.

2- البجعة (كيف تطغى المنفعة على المشاعر)

متى يتحرر الجسد من أعبائه! متى يصل الإنسان للحرية؟ الحقيقية وكيف يعيش هذا العالم وهو لا يملك سوى التجارب، أسئلة فلسفية عديدة حملها فيلم «البجعة» من إخراج آسا هيلجا هيورليفسدوتير والذى عرض فى اسبوع النقاد، وقد اختار صناعه التيمة الشاعرية والمزج بين الخيال والواقع للتعبير عن ذلك، البطلة فى الفيلم هى طفلة صغيرة تدعى «سول» تذهب لقضاء إجازة مع أقاربها فى الريف وبالتحديد فى إحدى القرى البعيدة أقصى شمال أيسلندا، سول هى طفلة متمردة تحب الحكى والقصص وشغوفة بالمعرفة أيضا تبدأ فى التعامل مع الطبيعة وترتبط بكل تفاصيل المكان من عشب وحشرات وحيوانات فتتورط فى تناغم روحى بينها وبين الطبيعة حولها وفى نفس الوقت فهى تتعرف على جون العامل الذى يأتى للمزرعة كل فترة ويرتبط بعلاقة مع أستا ابنة الفلاح أيضا وتسرق سول مذكراته الشخصية التى تفضح النفس البشرية وكيف أن هذه الأسرة التى تبدو سعيدة هى فى نهاية الأمر لا تواجه أى مشكلات بل يعيش الاب والأم على هامش الحياة، وحينما تقرأ استا هذه المذكرات تغرق فى معرفة العديد من الحقائق التى تكشف لها فهى فتاة جامعية مستهترة تحاول الخروج من حياة اسرتها البعيدة عن المدنية إلا انها سرعان ما تكبت رغباتها وتكمل حياتها بإيقاعها الروتينى مجددا لتطرح اسئلة على امها حول أن هذه الحياة على العكس حولتهم إلى اشخاص لا ينظرون إلى الإنسانية إلا من خلال المنفعة فقط فلم يعد هناك رابطة سواها بدون مشاعر حقيقية.

وفى خلال ندوة بعد عرض الفيلم قالت المنتجة إنه كان هناك صعوبة لاختيار الفتاة الأمثل لتجسيد شخصية سول حتى وجدوا فتاة تمتلك صفات التمرد .

3- قتل عيسى (الحب يتغلب على القتل)

لكى تقتل شخصا لابد أن تشعر بكراهية شديدة وأن تضغط على الزناد وإلا فلن تقتله، كلمة جاءت على لسان «عيسى» بطل الفيلم الأرجنتينى الكولومبى (قتل عيسى) موجهة للبطلة باولا وهى تطلب منه أن يعلمها كيف يمكن أن تستخدم البندقية، فباولا الفتاة التى قتل والدها الأستاذ الجامعى أمامها وهى فتاة فى سن المراهقة تقرر أن تنتقم لوالدها خاصة مع تقاعس الحكومة فى الأمر وهو طبيعى فى بلد تزداد فيه نسبة الجرائم وتسيطر عصابات المافيا التى تستغل احتياج الشباب المادى فى اعمال قتل مأجورة وتبدأ الفتاة فى التقرب لعيسى الذى تتعرف عليه ليلة الاحتفال بميلاد المسيح «عيسى» والذى اسمته والدته هذا الاسم تيمنا به، وتقترب منه بنية قتله وفى كل مرة تلتقى به تبدأ فى التقارب الروحى معه وتضعف تجاه مشاكله وأزماته وما يعانيه حيث بدأت تعيش معه التفاصيل الخاصة به ولحظات ضعفه فهو شاب فقير بائس يعيش فى حوارى مادلان يحترف قتل ضحايا لا يعرفهم ولا جريمة لهم ولكنه يعتبره عمل بمقابل حتى أنه لا يعرف سبب قتلهم الحقيقى ومن وراء هذه القضايا.

باولا بالفعل التى وجدت نفسها متورطة بالتعاطف معه تعجز فى النهاية عن قتله لأن «الكراهية بالفعل» صعبة خاصة بعدما تأكدت بأنه مجرد أداة تم استخدامها لتصفية والدها وليس القاتل الحقيقى وترمى السلاح لتعلو المشاعر الانسانية والعفو والغفران على الثأر والقتل بالرغم من وجود كراهية شديدة لكونه حرمها من والدها .

نجح الفيلم الذى استخدمت مخرجته لورا مورا كاميرات قديمة تعود للسبعينيات فى نقل صورة عصابات المافيا وكيف كانت شوارع كولومبيا فى هذا الوقت وانعدام الأمان وهو ما اكدته فى ندوتها عقب عرض الفيلم ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائى لتكشف عن أن العمل هو قصة حياتها حيث عاشت التجربة مرتين على الشاشة وفى الواقع ايضا حيث قتل والدها الذى كان يعمل بالمحاماة امامها فى عام 2002وكانت المافيا هى المسيطرة على الشارع على عكس التغيرات التى حدثت الآن.

4- نينا (تيمة التمزق الأسرى بحبكة توحش وأنانية)

تمزق الأسرة وتفككها قصة دارجة واعتيادية نقابلها فى العديد من الأفلام لكن فى فيلم «نينا» للمخرج السلوفاكى جور آى ليوتسكى يقدم الفيلم هذا التفكك بمنظور مختلف فالأنانية والتوحش هو عنوان الأبوان فى هذه المعادلة الاسرية.

فنينا ابنة الـ12 عاما تعانى من انفصال ابويها ودخول امها فى علاقة جديدة دون احترام لوجودها أو مشاعرها فدائما ما ترى العراك بين الأبوين والشتائم المتبادلة والتهديد بالحرمان وتقرر الهرب من هذه المشاكل والتركيز على هوايتها وعشقها للسباحة والدخول فى مسابقة لتحرمها أمها من المشاركة فتقرر الهرب من كل هذه القسوة بعد صراع عاشته ومشاعر قاسية لطفلة فى هذا العمر على مشارف عمر المراهقة وكيف تحول الأبوان إلى اشخاص أنانية يبحث كل منهما عن راحته فقط لتغوص الحكاية العادية فى النفس البشرية المتناقضة والتى قد تدمر أقرب الأشخاص اليها.

وبعد هرب نينا يواجه الأبوان سؤالًا مهما هل سيظل الخصام والتوحش أم يقرران الغفران عن كل ما مضى من أجل نينا؟