"الكونكار".. عندما يصبح طلاب المدارس مقامرين ولصوصا

العدد الأسبوعي

أرشيفية
أرشيفية


يحترفون السرقة ليلًا لتعويض خسائرهم


لا تندهش إذا رأيت عشرات الأطفال منهمكين فى لعب «الكونكار» فى محال النت كافيه، ولا تدع الدهشة تسيطر عليك، إذا علمت أن هذه اللعبة التى تدخل ضمن ألعاب القمار تحولهم مثل أى مقامر كبير إلى لص.

ظهرت لعبة «الكونكار» على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» منذ نحو 8 أعوام، وانتشرت بمعظم محال «النت كافيه» نظراً لأنها الأكثر جذباً للأطفال بين ألعاب الكمبيوتر المختلفة، وهى عبارة عن طاولات متعددة شبيهة بطاولات القمار المعروفة، وتنقسم إلى فئات، وتضم أول فئة 5 أفراد، والثانية 8 أفراد، أما المراهنة الافتراضية فمن مائة دولار وتصل لـ20 مليون دولار.

لعبة «الكونكار» تتم عبر الإنترنت وتحولت فى مصر من طابعها الافتراضى إلى حقيقة على أرض الواقع، وأصبح الأطفال يبيعون الملايين الافتراضية بأموال حقيقية، حيث يُباع المليون دولار بـ2 جنيه، والمليار دولار بـ2000 جنيه، ويقوم أصحاب الـ«نت كافيه» بدور الممول للأطفال كى يستمروا فى اللعبة، حيث يشترون المليار دولار الافتراضى بـ1500 جنيه فقط ويبيعونه لأطفال آخرين بـ2000 جنيه.

المليارات التى يلعب بها تلاميذ المدارس، وعمليات الربح والخسارة حولتهم لمقامرين بالفعل، تتنازعهم مشاعر الفوز وتفتك بهم آلام الخسارة، لذا يبحثون عن الأموال بأى طريقة سواء من خلال إنفاق مصروفهم اليومى، أو نفقات الدروس الخصوصية، على اللعبة ووصل الأمر فى حالات كثيرة إلى تثبيت زملائهم ليلاً وسرقتهم للعودة إلى الكونكار.

مع بداية اليوم الدراسى يتوافد الأطفال تدريجياً على محال الـ»نت كافيه» التى تفتح أبوابها منذ الصباح الباكر لاستنزاف أكبر قدر من أموال التلاميذ، وبعد مرور ساعة تقريباً من موعد بدء الدراسة يمتلئ الكافيه بأطفال لا تتجاوز أعمارهم الـ16 عاماً، حيث يلجأ عدد كبير من التلاميذ لمغادرة المدرسة بعد الحصة الأولى التى تشهد تسجيل الغياب والحضور، حتى لا يعلم الوالدان بانغماس أبنائهم فى ممارسة المقامرة.

صراخ وسب وضحك ومشاجرات يغطيها دخان السجائر التى يشربها الأطفال أثناء لعبهم الكونكار، بزعم أن التدخين يساعدهم على التركيز، أما المشهد المعتاد فهو تجمد التلاميذ أمام شاشات أجهزة الكمبيوتر للعب وانتظار البقية لمن يفقد أمواله للعب مكانه قبل انتهاء اليوم الدراسى والاضطرار إلى العودة إلى المنزل.

محمود علاء، طالب بالصف الثالث الإعدادى، قال إنه بدأ ممارسة هذه اللعبة مع بداية إجازة الصيف الماضى، عن طريق أحد أصدقائه، وأصبح متعلقاً بها بشكل كبير، ويمارسها نحو 10 ساعات يومياً، متحججاً بأنه لم يذهب إلى المدرسة لأنه استيقظ متأخراً، وأنه فَضل البقاء فى «النت كافيه» خوفاً من توبيخ مدير المدرسة له. «علاء» يؤكد أنه لم يصرف على هذه اللعبة أى أموال سوى حجز الكمبيوتر فقط، لأن صديقه ربح مليار دولار وباعها إلى صاحب «النت كافيه» بــ1500 جنيه، حيث يلعبان بهذه القيمة، الأمر الذى جعله يحلم بربح نفس المبلغ الافتراضى لممارسة الكونكار دون مشكلات، حيث حقق مكاسب تصل حالياً لنصف مليار.

أما «آسر مصطفى» الطالب بالصف الثانى الإعدادى، فقال إنه خرج من المدرسة بعد طرد المدرس له من الفصل، لأنه لم يأت بكتاب المادة معه، لافتاً إلى أنه من عشاق لعبة «الكونكار» وقال ضاحكاً: «اللعبة دى بتحسسنى إنى كبير وبرنس كده فى نفسى وبحس إنى تاجر بقدر أكسب فلوس»، آسر ربح 100 ألف دولار افتراضى فقط.

ليلاً يتكرر مشهد زحام الأطفال فى الـ»نت كافيه» لكنه يكون بالضرورة أقل من مستوى النهار ويكون المكان أكثر هدوءاً، وتتراوح أعمار الأطفال الموجودين داخل المحال بين 13 و17 عاماً، ومعظمهم يحملون كتباً خارجية وملازم الدروس الخصوصية، أما صاحب الـ»نت كافيه» فيشارك الأطفال فى اللعب كى يستطيع استنزاف أموالهم.

لا يقتصر مدمنو القمار الافتراضى على الأطفال فقط، حيث يلعب أحمد ظاظا، طالب الجامعى «الكونكار» منذ ثلاثة أعوام، ولكنه ابتعد عنها منذ فترة قريبة، لأنه شعر بأنه أدمن اللعبة وبدأت تستنزف أمواله، خصوصاً أنه لم يستطع خلال هذه الأعوام تحقيق أى ربح سوى 600 جنيه، بعد ما باع لصاحب الـ«نت كافيه» 400 مليون دولار.

«ظاظا» قال إنه قاطع اللعبة، عندما اكتشف أن أحد أصدقائه يسرق والديه كى يستطيع شراء دولارات يلعب بها، وخشى أن يصل به الأمر إلى هذه المرحلة، وتخوف أكثر عندما وجد أثناء تواجده بالمحال أحد الشباب يعرض بيع «توكتوك» لصاحب المحال بــ7000 جنيه، كى يستطيع شراء دولارات وتعويض خسارته، خصوصاً أن هناك قصة شهيرة بالمنطقة عن أحد الأطفال الممارسين لهذه اللعبة، قام بتثبيت امرأة عجوز ليلاً باستخدام سكين وسرق أموالها لشراء دولارات ليتمكن من اللعب وأمسك به أهالى المنطقة ثم تركوه بعد توسل والده حتى لا يتوجهوا به إلى قسم الشرطة.

أما عبدالله شحاتة، فأقنع والديه بشراء «لاب توب» خاص به لتعلقه باللعبة ورفضهم نزوله إلى الــ«نت كافيه» بشكل مستمر، حيث كان يجلس طويلاً أمام اللعبة وبين ربح وخسارة استحوذت اللعبة على كل تفكيره لدرجة أنه رفض الذهاب إلى المصيف مع أسرته، لأن شقة المصيف لا يوجد بها إنترنت.