القصة الكاملة لـ"مؤذن" داعش فى سيناء

العدد الأسبوعي

أبو أنس الأنصاري
أبو أنس الأنصاري

بالأسماء.. ننشر خريطة قيادات تنظيم الدم

■ مستشار «الزواج» بين شباب «بيت المقدس».. والأمراء منعوا مشاركته فى بعض «الغزوات» خوفا على حياته

■ التنظيم وزع مهام «الأنصارى» بعد مصرعه على أكثر من قيادى لـ«سد الفراغ»


فى سياق الإعلان عن نتائج عمليات الجيش المصرى الأخيرة ضد تنظيم "أنصار بيت المقدس"الإرهابى فى سيناء، كشف المتحدث العسكرى، العقيد تامر الرفاعى عن نجاح الغارة الجوية  يوم 18مارس الماضى، فى استهداف 5 إرهابيين "شديدى الخطورة"، وإلقاء القبض على 16 من المشتبه بهم، وأن من بين قتلى التنظيم سالم سلمى الحمادين "أبو أنس الأنصارى"، وهو أحد القيادات المؤسسسة لـ"أنصار بيت المقدس/ولاية سيناء"، وأحد أبرز قياداته بشمال سيناء، والمسئول كذلك عن تسليح وتدريب العناصر التكفيرية، وأنه قد لقى مصرعه متأثراً بجراحه نتيجة القذف الجوى.


1- حالة طوارئ "داعشية" للحفاظ على حياة "أبو أنس"

لم يتأخر تنظيم "أنصار بيت المقدس/ولاية سيناء" الداعشى بدوره طويلاً فى الاعتراف بخسارته "النوعية" الفادحة بمصرع قائده البارز من قبيلة "السواركة"، والتأكيد على ما سبق وأعلنه المتحدث العسكرى، فيما صدرالعدد الرابع والسبعون والأخير من مجلة "النبأ"، الذراع الإعلامية للتنظيم، متضمناً صفحة كاملة، ضمن تبويب "قصة شهيد"، ينعى فيها تنظيم داعش فى سيناء "الأنصارى" بحرارة بالغة، ويصف مقاتلى التنظيم أنهم أصبحوا "يتامى" من بعده، بعد أن كان يتولى شئونهم الصغيرة قبل الكبيرة، لدرجة حرصه على مساعدتهم فى ملء كل استمارات "استبيان التخصصات والأعمال" عنهم بنفسه، كما كان محل استشارة كل من يريد الزواج منهم، وأنه كان حريصا على النداء للصلاة فى صفوف التنظيم، وكان أول من يؤذن لصلاة الفجر.  

تشرح مجلة "النبأ" كواليس مشهد مقتل "الأنصارى"، بأن طائرة قنصته بعد أن اعتلى ربوة رملية، لرصد الطيران الحربى، وأنه على الرغم من أن الصاروخ لم يصبه، وسقط بجانبه، إلا أن 3 شظايا اخترقت جسده، أصابت إحداها رأسه وثانية يده وثالثة فى قدمه، قبل أن يلقى مصرعه.  

فيما يكشف تقرير المجلة "الداعشية" المزيد حول أهمية أبو أنس الأنصارى فى صفوف التنظيم "ولاية سيناء"، فيقول إنه كان صاحب "حظوة "بين أمراء وقيادات التنظيم، وأن الأمراء داخل التنظيم، من شدة حرصهم على حياته، ونظراً لخطورة وتعدد المهام التى يقوم بها داخل التنظيم وقلة من يسد مكانه أو يعوض دوره، كانوا يمنعونه من المشاركة فى القتال فى بعض "الغزوات"، ويصدرون الأوامر له بالتراجع إلى الصفوف الخلفية تجنباً لإصابته، وعلى ذلك فإن أمراء التنظيم قد احتاجوا  بعد مصرع " الأنصارى" إلى الاستعانة بعدة قيادات لسد فراغه، لاقتسام المهام التى كان يتولاها بمفرده.

وقام  تنظيم "ولاية سيناء" للمرة الأولى أيضاً، بنشر صورة أبو أنس الأنصارى، كما حرص على سرد السيرة الذاتية  للأنصارى بصفته "لبنة"من "اللبنات" الأولى للجهاد فى سيناء، و" أحد الذين تبوأوا الداروالإيمان" - بحسب عنوان المجلة الداعشية.

وذلك بداية من رحلة تنقله بين السجون المصرية، وانضمامه أيضاً لتنظيم "التوحيد والجهاد" الذى نفذ التفجيرات الدامية على المنتجعات السياحية فى طابا وشرم الشيخ من 2004 إلى 2006، وأن "الأنصارى" كان من أوائل الملتحقين  بعد ذلك بتنظيم "أنصار بيت المقدس"الذى بايع تنظيم "الدولة الإسلامية/داعش" بعد ذلك فى نوفمبر 2014، وتحول إلى "ولاية سيناء"، حيث كان حجر زاوية فى الدفاع عن  أبو بكر البغدادى، "خليفة داعش"عند وقوع الخلاف بينه وبين أبو محمد الجولانى زعيم جهة النصرة الموالى لتنظيم "القاعدة" وزعيمه أيمن الظواهرى، وأنه كان  صاحب الدعوة لمبايعة "أنصار بيت المقدس" لتنظيم "الدولة الإسلامية"، كما كان عاملاً شديد الخطورة بالنسبة لـ"ولاية سيناء" بعد ذلك، الذى انضم إليه عدد كبير من المقاتلين الشباب تأثرا بـ"الأنصارى"واستجابة" لدعوته لهم.    

تضمن تقرير "النبأ" المزيد من المفاجآت أيضاً بشأن القبض عليه أثناء محاولة هروبه من السجن إبان ثورة 25يناير2011، ثم قيام الرئيس الإخوانى محمد مرسى بالإفراج عنه بعد ذلك، إبان فترة حكمه، فى سياق مايقرب من 2500 محكوم قضايا إرهاب واغتيالات وتهريب أسلحة فى سيناء، أفرج عنهم، وتحولوا الآن إلى قنابل موقوتة تفخخ الدولة المصرية،وتهددالأمن القومى منذ  ثورة 30 يونيو وحتى الآن.


2- خريطة الأمراء وقادة الجناح العسكرى

ومثلما كان أبو أنس الأنصارى،هو الصيد الثمين خلال العمليات والضربات الجوية الأخيرة للجيش المصرى ضد الإرهاب فى سيناء، فقد سبقه إلى ذلك أبو دعاء الأنصارى، أمير "ولاية سيناء" السابق بنفسه، وكانت القوات المسلحة قد أعلنت، مطلع أغسطس الماضى، أن قوات مقاومة مكافحة الإرهاب،  بالتعاون مع القوات الجوية، قد نفذت  ضربات دقيقة ضد معاقل التنظيم، ونجحت فى استهداف زعيمه "أبو دعاء"، وهو نفسه محمد فريج زيادة، شقيق  توفيق فريج زيادة، مؤسس تنظيم "أنصار بيت المقدس"، مع عدد من أهم مساعديه فى عملية نفذتها قوات مقاومة الإرهاب فى مدينة العريش، وأسفرت عن مقتل أكثر من 45 من عناصردواعش سيناء، وتدميرعدة مخازن للأسلحة.

و هو الإنجازالضخم الذى استهدفت المبادرة بالإعلان عنه آنذاك، ترسيخ الهزيمة  النفسية المطلوبة لدى التنظيم الإرهابى، مما  دفع "ولاية سيناء"وهو يعترف – بعدها بأسبوعين-  بمصرع أمير التنظيم "أبو دعاء الأنصارى"، إلى الإسراع بتسمية واليه الجديد "أبو عبدالله".

و"أبوعبدالله" الخليفة الجديد لأبو دعاء الأنصارى بعد مصرعه، ووفقاً لأغلب الخبراء الأمنيين، هو نفسه القائد الحالى للتنظيم "أبو هاجر الشامى" الذى افتتح ولايته بعملية "كمين المطافى" الدموية فى العريش، وذلك انطلاقاً من شيوع  استعمال العنصر أو القيادى الإرهابى أكثر من كنية، وأيضا لتعمد التنظيمات الإرهابية الإعلان عن كوادرها بأكثر من لقب لتشتيت الأجهزة الأمنية.

 وقرر فرع "داعش" فى سيناء" الكشف  إعلامياً عن هوية زعيمه الجديد "أبو هاجر الشامى"،فى سابقة هى الأولى من نوعها لدى  التنظيم الذى يكتنف زعماؤه عادة الغموض والسرية، وذلك فى حوار أجراه "الشامى"  فى العدد رقم 60 من صحيفة "النبأ" التابعة للتنظيم المركزى "الدولة الإسلامية/داعش".

فى كل الأحوال، فإن الخريطة التى تم الكشف عنها لقيادات فرع تنظيم داعش فى سيناء،وفقاً للباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد كامل البحيرى، تضم قائمة طويلة من أسماء القيادات العليا فى التنظيم وأغلبها من قيادات سيناوية، بدايةً من طبيب الأسنان خالد مساعد مؤسس تنظيم "التوحيد والجهاد"، الذى تحول بعد ذلك إلى "أنصار بيت المقدس"، بمؤسسه توفيق فريج زيادة مؤسس "أنصار بيت المقدس" وزعيمه، فضلاً عن شقيقه محمد فريج زيادة "أبو دعاء" زعيم التنظيم بعد ذلك وهما من قبيلة "السواركة "أيضاً، وأيضاً سليمان دهبيش أبو ملحوس وله كنيتان هما"أبو عمر" و"أبو الزبير"، وكذلك شادى المنيعى «نائب قائد التنظيم» الذى بايع أبو بكر البغدادى، وحول التنظيم إلى فرع لـ"داعش" فى مصر، فضلاً عن راشد محمد حسين راشد أبو القاسم، قائد الجناح العسكرى للتنظيم وينتمى لعائلة القاسم من قبيلة الرياشات فى مدينة الشيخ زويد، وكذلك كمال علام نائب قائد الجناح العسكرى للتنظيم  الذى خطط وأشرف على عدد كبير من العمليات فى سيناء، والقائد الميدانى لعملية هجوم "الشيخ زويد"، التى لقى مصرعه فيها، وهو من عائلة الفواخرة، وذلك بخلاف أحمد محمد زايد الجهينى، مسئول التدريب المسلح على استخدام الأسلحة والمتفجرات، وهو من قبيلة السواركة وله كنيتان هما أبو يعقوب وأبو سليمان.

وصولاً أيضاً إلى أبو أسامة المصري المتحدث الإعلامى ومسئول التثقيف بالتنظيم، واسمه الحقيقى محمد أحمد على العيسوى، وهو من مدينة الشيخ زويد، إضافةً إلى مسلم رشيد الأطرش قائد منطقة "المقاطعة"وزويد فرحان عيد المعاتقة قائد منطقة "الحمادين"، وعاطف أبو دراع مسئول زرع العبوات الناسفة بالتنظيم، ومحمد حرب المنيعى "مسئول التسليح"، فيما مثلت قيادات أخرى مثل الدكتور محمد أحمد نصر قائد كتيبة الفرقان التى اندمجت فى تنظيم "أنصار بيت المقدس"  ومحمد بدير ناصف الذى نفذ فيه حكم الإعدام، كوادر شديدة التأثير فى مسار التنظيم. 


3- ضابط عراقى سابق يقود «ولاية سيناء»

وبذلك يكون أبو هاجر الهاشمى زعيم وأمير"ولاية سيناء"الحالى أيضاً، هو أول أمير"مستورد" للتنظيم، من قبل تنظيم داعش المركزى، ولا يحمل الجنسية المصرية، فيما يثير لقبه "الهاشمى" التساؤلات وعلامات الاستفهام كذلك عن جنسية الزعيم الجديد للتنظيم، حيث يرجح أن يكون من الأردن أو الحجاز فى حالة أن يكون اللقب دلالة على جنسيته، وفقا للباحث أحمد كامل البحيرى، الذى يرى ضرورة الوضع فى الإعتبار احتمال أن يكون اللقب من ناحية أخرى هو إشارة إلى نسبه أو قبيلته التى تنحدر أصوله منها كـ"بنى هاشم" مثلاً، ولا يكون دلالة على جنسية قريبة له.

وإن كانت صحيفة"النبأ" الإلكترونية الناطقة باسم تنظيم "الدولة الإسلامية/ داعش"، قد سبق وأعلنت أن أبو هاجر الهاشمى كان ضابطاً سابقا فى الجيش العراقى، وأنه قد انضم إلى داعش، قبل أن ينسب له قيادة فرع داعش المصرى. 

 وهو ما يفجر من جديد إشكالية القائد غيرالمصرى للتنظيم الداعشى فى سيناء، التى أثيرت قبلاً، وانفردت "الفجر" بنشرها، فور مبايعة تنظيم "أنصار بيت المقدس" لأبوبكر البغدادى، وتحول إلى "ولاية سيناء"نوفمبر 2014، حيث اشترط البغدادى لقبول البيعة،أن ينضوى التنظيم تحت ولاية قائد عراقى جديد من"الرقة" يقوم "الخليفة" بإرساله ليكون على رأس "ولايته" الجديدة فى سيناء، وهو الشرط الذى لم يلق قبولاً لدى قادة وأعضاء التنظيم، فتم التوصل إلى "صيغة توافقية" وقتها تقضى بتعيين قيادى داعشى يقيم فى العراق للإشراف على عمليات "ولاية سيناء "على الأرض فقط، على أن يتولى ذلك القائد مهمة نقل تعليمات البغدادى إلى "مسئول" يقود التنظيم بمصر.

وذلك علماً بأن تنظيم "أنصاربيت المقدس"، خاصة بعد تقديم البيعة لداعش قد تحول إلى تنظيم "متعدد الجنسيات"، يضم بين صفوفه إرهابيين من تركيا وغزة والشيشان والصومال واليمن والجزائر وليبيا وغيرهم من الجنسيات الأخرى ممن أصبحوا يمارسون، مايطلق عليه "سياحة الجهاد" فى سيناء، ومن بين هؤلاء مفلح أبو عدرا وعبد الواحد أبو عدرا وهما من قيادات عز الدين القسام الغزاوية.

بعض المعلومات المتداولة تفيد-على صعيد آخر- بأن "أبو هاجر الهاشمى" يحاول حالياً قمع أصوات مناهضة له داخل صفوف التنظيم، ومحاولات انشقاق بعد مقتل أبو دعاء الأنصارى ترى ضرورة "نقض"البيعة لأبو بكر البغدادى ولتنظيمه "الدولة الإسلامية /داعش"، والعودة من جديد إلى مبايعة تنظيم "القاعدة" وزعيمه أيمن الظواهرى، خاصة فى ظل حالة الضعف التى يعيشها التنظيم "الأم" الآن، على وقع هزائمه الفادحة والضربات المتلاحقة له من قوات التحالف الدولى، وخسارته لمعاقله التنظيمية فى سوريا والعراق ما ينعكس بالتالى على فروعه بما فيها "ولاية سيناء"، وذلك فى مقابل صعود جديد لنفوذ تنظيم القاعدة فى المنطقة. وهو مايعنى أن تلك التسريبات إن صحت بالفعل ونجحت تلك المعارضة الداخلية، ومحاولات الانشقاق فى تحويل مسار التنظيم، فسيكون ذلك منعطفاً فارقاً فى مسار تنظيم "ولاية سيناء"، وسابقة هى الأولى من نوعها تسجل "ولاية سيناء" كطليعة فروع داعش التى ستتحلل من بيعة التنظيم "الأم "فى عهد أميره الحالى "أبوهاجر الشامى"، وترشحها بعد ذلك للتكرار. فضلاً عن أنها ستكون موجة الانشقاقات الثانية التى تعصف بالتنظيم، على خلفية قضية "البيعة"، حيث شهدت الموجة الأولى بقيادة ضابط الصاعقة المفصول هشام عشماوى، مسئول العمليات، ومؤسس قسم "التدريب" بالتنظيم،  فى أعقاب نقض بيعة "أنصار بيت المقدس" لتنظيم القاعدة، وإعلان بيعته لداعش وتحوله إلى "ولاية" له فى سيناء، وهروب عشماوى بعد ذلك إلى ليبيا وتأسيسه لـ"كتيبة المرابطون".