بيرم التونسى

الفجر الفني

بوابة الفجر


يحل غدًا، الموافق 5 يناير، ذكرى وفاة الشاعر الكبير الراحل بيرم التونسى، والذى يعد من أهم رواد وأشهر الشعراء العامية المصرية، كما أنه تعامل مع عدد كبير من أهم المطربين فى مصر والوطن العربى ومنهم شادية ومحمد الكحلاوى ونور الهدى ومحمد فوزى وغيرهما.

"الفجر الفنى"، يحتفى به ويرصد أهم اللقطات التى مرت فى حياته حتى وفاته


ولد محمود محمد مصطفي بيرم 23 مارس 1893، وشهرته شاعر مصري، ذو أصول تونسية.

كان يعيش في مدينة الإسكندرية، بحي السيالة، في 23 مارس 1893.

التحق بيرم بكُتاب الشيخ جاد الله، حينما أتم الرابعة من عمره، وكان الكُتاب يقع في حي زاوية خطاب الذي يتوسط بين حي الأنفوشي وحي الميدان الذي كان يقع فيه مصنع والده، فكان يخرج من الكُتاب إلي المصنع ليقضي باقي اليوم بعد الدراسة.

وكانت عقدة بيرم، أنه بليد في الحساب، لا يعرف كتابة السبعة من الثمانية، لذا لم ينج من وطأة الفلقة في يوم من الأيام.

ولايطيق الطفل قسوة الشيخ جاد عليه، فيذهب لأبيه ذات يوم ليترجاه أن يرحمه من قسوة الشيخ ولكن الأب لم يأبه، وأجبره علي الذهاب للكُتاب، وكانت النتيجة عدم استيعاب الطفل لأي معلومات يقولها الشيخ، وبالتالي زيادة معاقبته، وعندئذ لايجد الأب أي فائدة من تعليم الطفل الذي كان يطمع في رؤيته يوما ما فقيها في العلم، فيضطر للإخراجه من الكُتَّاب، ويجلسه مع أولاد عمه في دكان الحرير الذي يمتلكه.

ويقول بيرم في مذكراته عن تلك الفترة من حياته أنه لم يستفد من كتُاب سيدنا إلا في الإلمام بمبادئ القراءة والكتابة فقط؛ فلم يكن للشيخ أي دور في تشجيعه علي الثقافة أو النهم للمعرفة أو الاستدامة في القراءة.

ويحاول والد بيرم أن يعود إلي محاولة جديدة لتعليمه، فيرسله إلي مسجد المرسي أبو العباس، حيث المعهد الديني، الذي كان يتردد عليه أغلب أبناء تجار.

وأقبل بيرم علي ما كان يلقي في هذا المعهد من دروس في نهم وشغف، ولكنه لم يكمل دراسته في هذا المعهد حيث جاء موت أبيه ليوقفه عن دروسه.

وفي العام الذي خرج فيه بيرم من الكُتاب، فُوجئ بحادثين: الحادث الأول هو مولد أخته وموتها بعد هذا الميلاد بثلاثة أيام، والحادث الثاني جاء عن طريق المصادفة، حينما اكتشفت أمه أن زوجها تزوج عليها سرًا من فنانة كانت تتردد علي دكانه.

وكانت هاتين الحادثتين ذات أثر كبير علي نفس الطفل حيث أصبح طفلًا حزينًا، لا يقبل اللعب مع الأطفال، وكان يكتفي بمراقبتهم وقت اللعب.

وزاد من ذلك الحزن وتلك التعاسة المبكرة موت الأب الذي لم يترك للأم والأخت والابن غير المنزل الذي يعيشون فيه، حيث استولت زوجة أبيه علي ثروته لحظة موته، والتي كانت خمسة ألاف جنيه ذهبًا، واستولي أبناء عمه علي تجارة أبيه.

ونتيجة لذلك انقطع بيرم عن الدراسة وهو في الثانية عشرة من عمره، واضطر للالتحاق كصبي في محل بقالة، حيث أصبح رجل البيت، إلا أنه لم يستمر في هذا العمل حيث طُرد منه.

ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد من التعاسة حيث تزوجت أمه، والتحق بيرم بالعمل مع زوج أمه، في عمله الشاق وكان يعمل بصناعة هوادج الجمال.

ثم توفيت أمه عام 1910، ويعلق بيرم علي موت أمه قائلًا: بيرم التونسي ابتدأت حياة من الضياع، فقد انتقلت للاقامة مع أختي لأبي المتزوجة من خالي، وكانت تعد علي الأنفاس والحركات والسكنات وتضيق ذرعًا بأية خدمة تؤديها لي".

قرر بيرم الزواج وهو في السابعة عشر؛ خاصة بعدما ماتت أمه.

فيكلف شقيقته الكبري للبحث له عن زوجة من أسرة محافظة في الحي، وتجدها في ابنة تاجر عطارة، ويتم الزواج ويعيش معها في حجرة في بيت أبيها. ولكن الحياة كشرت عن أنيابها مبكرًا فأغلق بيرم محل البقالة الذي كان قد فتحه قبل الزواج، ويُفلس، فلا يستسلم بيرم لذلك، فهو الآن ليس وحده، وعلي عاتقه تقع مسئوليات زوجته، فيبيع المنزل الذي تركه له أبيه، ويعمل في تجارة السمن من ثمن المنزل ويشتري بباقي النقود بيت صغير في الأنفوشي.

وتموت الزوجة بعد ست سنوات زواج؛ تاركة له ولدًا اسمُه محمد وبنتًا اسمها نعيمة.

ويحار الأب مع الطفلين، إذ لايعرف كيف يعاملهما، وعندئذ لايجد طريقًا سوي الزواج مرة ثانية، فيضطر بيرم للزواج مرة أخرى بعد 17 يومًا من موت الزوجة.

كاد بيرم أن يقنع تمامًا بعمله الجديد، ويمضي في الكفاح من أجله إلى نهاية المشوار، لولا أنه فوجئ ذات يوم بالمجلس البلدي في الإسكندرية، وهو يحجز علي بيته الجديد، ويطالبه بمبلغ كبير كعوائد عن سنوات لا يعلم عنها شيئًا.

وفي وقت مبكر من صدر شبابه، ربط الفن بينه وبين سيد درويش، وعمق صداقتهما، وجمعهما في السهرات الفنية التي كانت تشهدها الإسكندرية في ذلك الوقت، وكتب بيرم لسيد درويش عدة أغان.

ويدخل بيرم مجال الصحافة حيث أصدر صحيفة «المسلة»، تبعها بعد ذلك بالعمل في عدة صحف مصرية.

وتم نفي بيرم التونسي عدة مرات؛ فقد نُفي من مصر إلى تونس ثم إلى باريس، لتبدأ حياته كشاعر منفي يحن إلى وطنه ويظهر ذلك في أعماله التي كان يقوم بها وهو في المنفى.

وقامت ثورة 1952 في مصر ففرح بها بيرم وأيدها وقال فيها الأشعار والأزجال.

وفي عام 1954 حصل بيرم على الجنسية المصرية، ثم يدخل بيرم المجال الفني فيؤلف الكثير من الأغاني والمسرحيات الغنائية فيتعامل مع أم كلثوم، وفريد الأطرش، وأسمهان، ومحمد الكحلاوي، وشادية، ونور الهدى، ومحمد فوزي، كما قدم العديد من الأعمال الإذاعية.

وهو ما دفع الرئيس جمال عبد الناصر إلى منحه جائزة الدولة التقديرية عن جهوده؛ في الأدب والفن عام 1960.

ولم يمر عام على تقدير الدولة المصرية له حتى رحل عن الدنيا في5 يناير 1961، بعد معاناة مع مرض الربو، تاركا للأجيال التالية إرثًا كبيًرا من الأزجال والقصائد والمسرحيات وتجربة عريضة مملوءة بالدروس؛ خاصة في مجال النضال الاجتماعي من أجل الوطن، مما جعل يُطلق عليه وبحق؛ فنان الشعب، وشاعر العامية، وهرم الزجل.