حساسية الحليب.. أطفال يصارعون الموت.. والسبب "رضعة" (تحقيق)

تقارير وحوارات

حساسية الحليب
حساسية الحليب



أب وأم لا حول لهم، تتوجع قلوبهم بسبب صرخات أطفالهم الُرضع، والغير قادرين عن التعبير عن سبب آلامهم، مما جعل آبائهم عاجزين عن مساعدتهم ليتوقفوا عن تلك الصرخات.

"أطفال حساسية الحليب"، الذين يعيشون  وذويهم خلال هذه الأيام في مأساة حقيقية بعد عدم توفر كميات الحليب المخصص لهم، وسط غفلة تامة من الدولة عن أوجاعهم التي تزداد يومًا بعد يوم.

- التعريف بالمرض
الحساسية ضد بروتين الحليب البقري، هي أكثر الأنواع شيوعاً بين الأطفال، (تصيب من 3 لـ8% من الأطفال)، ومعظمهم يتخلصون منها بعد سن الثالثة، ولكن هناك البعض قد تدوم معهم لسن الـ8 سنوات، وآخرون قد تستمر لمرحلة البلوغ، خاصةً إذا كان هناك تاريخ حساسية في العائلة.

وحساسية الحليب عبارة عن استجابة غير طبيعية من قبل الجهاز المناعي في الجسم، بسبب الحليب أو منتجاته، حيث يعمل الجهاز المناعي على تفسير وجود بروتينات الحليب على إنها أجسام ضارة فيقوم بمقاومتها، وعمل أجسام مضادة لها، تفرز في كل مرة يتم تناول الحليب بها، مما يؤدي إلى ظهور علامات التحسس، خاصة عند التعرض بشكل مباشر في السنة الأولى من العمر.

تظهر عادةً تلك الحساسية عند الاطفال الرُضع، ولم تفرق تلك الحساسية بين الذين يرضعون رضاعة طبيعية أو صناعية، ولكن حليب البقر هو أكثر الأنواع المسببة للحساسية.

- أعراض حساسية الحليب
هناك أعراض متنوعة لحساسية الحليب قد يظهر عرض واحد أو إثنان منها، وقد يتأخر ظهورها لبضع ساعات أو شهور، وتنقسم الأعراض إلى ثلاثة أقسام:

١- أعراض الجهاز الهضمي وتتمثل في: "إسهال، إمساك، قئ، انتفاخ، مغص، إرتجاع قد يصاحبه دم في الحالات الحادة، رفض الرضاعة، مخاط في البراز قد يصاحبه دم في الحالات الحادة، إلتهاب الحفاضة".

٢- أعراض جهاز تنفسي تتمثل في: "رشح حاد، التهاب في ملحمة العين، التهابات في الجهاز التنفسي، أزيز في الصدر، ألم في الأذن، كحة وتهيج في الفم، صدمة تحسسية في الحالات الحادة".

٣- أعراض جلدية تتمثل في:"هرش، حبوب، إحمرار الجلد، طفح جلدي، إكزيما".

- الممنوعات عن مرضى حساسية الحليب
وقال الدكتور سامي زايد، طبيب الأطفال، إن الكثير من الأطعمة والمنتجات تندرج تحت طائلة المحظورات للتناول بالنسبة لمرضى الحساسية، ومن أبرز تلك المحظورات والتي كان على رأسها منتجات الألبان والشكولاتات والمخبوزات واللحوم الحمراء، بالإضافة إلى الحلويات.

- أشهر مسببات الحساسية
وكشف زايد، أن من أشهر مسببات حساسية الحليب: "الحليب البقري ومشتقاته، البيض، فول الصويا، الفول السوداني،السمك، المحار، المكسرات، القمح (الجلوتين)، بعض الخضروات والفواكه مثل : (الموز، الفراولة، المانجو، الكيوي، الكوسة)".

- مأساة وحيرة أب 
وبعد التعرف على المرض، تواصلت " الفجر" مع أهالي الأطفال المصابين به لرصد معاناتهم، فقال محمد السيد، والد أحد الأطفال، إن سعر علبة اللبن الخاص بحساسية الأطفال وصل إلى 255جنيه بعد أن كانت بـ100 فقط، وهو ما تسبب في تفاقم أزمتهم التي تتلخص في عدم قدرتهم على شراء اللبن بذلك السعر، في ظل عدم توفر ذلك النوع من وزارة الصحة، باعتباره "رفاهية"، مؤكدًا أنه المصدر الرئيسي للأطفال المصابين بالحساسية من بروتين اللبن، حيث أن مرضهم يحرمهم من معظم الأطعمة.

وأوضح السيد، لـ"الفجر" أن بداية مشكلة الطفل تبدأ منذ يوم ولادته،عند اكتشاف مرضه بالحساسية من بروتين اللبن وكافة مشتقاته، مشيرًا إلى أن هناك بعض الأطفال يكون لديهم مشكلة أكبر، حيث أن الطفل يكون له حساسية من بعض المأكولات.

وتابع: "أنا ابني وصلت حالته إنه يعاني بالحساسية من الليمون والكوسة.. ولا يوجد لنا حل غير الرضاعة الطبيعيه من الأم، التي يجب بالتبعية أن تمنع كل مسببات الحساسية حتى لا تصل للطفل عن طريق اللبن أو بديل لبن صناعي".

- بدئل تقلل من خصوبة الذكور.. وممنوعة عن الُرضع
"نفسنا حد يحس بينا..كفاية حرام أولادنا محرومين من الأكل.. ولادنا بيموتوا".. بتلك الكلمات عبّرت عبير أحمد، والدة أحد الأطفال عن معاناة الأهالي والأطفال مرضى حساسية اللبن، حيث قالت: "اللبن سعره زاد العلبة وصلت لـ235 جنيه، والعلبة بتقعد 3 أيام.. فإحنا هنجيب منين.. بقينا نأكل أولادنا ماية رز"، مشيرة إلى أنه لا يوجد له بدائل سوى "لبن الصويا" الذي يقلل من خصوبة الذكور، و"لبن جوز الهند" الخالي من الفيتامينات وغير مسموح بتناوله للرضع.

- أطفال يواجهون "الموت"
وأوضحت أميرة عاشور، والدة طفل مصاب بالحساسية، أن عدم تناول اللبن يتسبب في "تدمير الجهاز المناعي بالنسبة للجلد، وظهور ارتيكاريا،  إكزيما مزمنة، تدمير الجهاز التنفسي ووجود أزمات به قد تصل للالتهاب الرئوي، أنيميا، قلة وزن، ضعف عام، تأخر في المشي و التسنين، تدمير الجهاز الهضمي، حساسية من أطعمة قد تطوّر الحالة وتنقلب لتورّم، حدوث انتكاسات شديدة قد تؤدي للوفاة، إصابة الطفل بالمرض النفسي من كثرة محظورات الأطعمة فيصيب ذلك بعض الأطفال بالعقد النفسية".

- عجز الأطباء عن تشخيص حالة الأطفال
وأشارت أمهات الأطفال إلى عدم مقدرة الأطباء على تشخيص حالة أطفالهن، مما سبب لهم الكثير من المضاعفات، فتقول أميرة عاشور: "أنا فضلت سنة بحالها محدش شخّص حالة ابني، و كله كان بيستسهل إنها نازلة معوية ومفيش في إسكندرية غير دكتور واحد اللي متخصص في مرض حساسية الأطفال".

5 مطالب تعيد الحياة لأسر أطفال الحساسية
وعن مطالب أهالي مرضى حساسية الحليب، تقول غدير محمد، أم لطفل مصاب بالحساسية: "نحتاج لعدة مطالب كي نحمي مستقبل أطفالنا، على رأسها توفير العلاج المدعوم للمرضى، وتخصيص مراكز خاصة لعلاجهم قبل تدهور الحالات وتطورها لأمراض أخرى غير قابلة للشفاء.

وأضافت لمطالبها أن الدولة يجب أن تدعم ثمن الفيتامينات التي تتناولها الأم لتعويض نقص التغذية وثمن الحليب النباتي البديل للحليب البقري الذي يسبب حساسية، والذي يصل سعره  لأكتر من 30 جنيه للعلبة الصغيرة.

وشددت غدير على ضرورة كتابة معلومات التحسس على السلع المصرية، بمصداقية كالمنتجات المستوردة التي أصبحت غير متوفرة بالأسواق، بالإضافة إلى رفع الجمارك عن الألبان الخاصة بالحساسية حتى تتوفر بأسعار مخفضة.

الحق في الدواء: الشركات تتحكم في أسعار الألبان
ومن جانبه أوضح محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، أن ألبان الأطفال  في مصر، لا تخضع للتسعيرة الجبرية، مما يتيح الفرصة لأصحاب الشركات بالتلاعب بالأسعار كما يحلو لهم، والضحية يكون الأطفال الابرياء.

وأكد فؤاد، في تصريحات لـ"الفجر" أن الزيادات الحالية الموجودة على الألبان الخاصة بحساسية الأطفال، نابعة من الشركات، وتلك الشركات لا تتبع وزارة الصحة ولكنها تتبع المعهد القومي للتغذية.

الصحة: الصيدليات تتلاعب بأرواح الأطفال
فيما قالت الدكتورة هالة ماسخ، مدير برنامج الرعاية الصحية لغير القادرين بوزارة الصحة، إن الوزارة ليست وراء زيادة أسعار الألبان، موضحة أن الألبان تباع من خلال منافذ البيع التابعة لوزارة الصحة بنفس الأسعار القديمة.

واتهمت ماسخ، في تصريحات لـ"الفجر" الصيدليات بزيادة الأسعار، مشيرة إلى أن نقابة الصيادلة لا تؤدي دورها بالرقابة على الصيدليات، الأمر الذي يتسبب في التلاعب بأرواح الأطفال.