عبد الحفيظ سعد يكتب: حكومة أديس أبابا تستحضر شماعة «المؤامرة المصرية» للهروب من الثورة

مقالات الرأي



«الأورومو» يعترضون لنزع أراضيهم لصالح المستثمرين الأجانب وتهميش حقوقهم السياسية والاقتصادية

البحث عن مؤامرة خارجية، كان الطريقة السهلة لحكومة إثيوبيا فى التعامل مع أزمة احتجاجات شعبى «الأورومو» و«الأمهرا» اللذين يمثلان 60% من سكان إثيوبيا، والذى تصاعدت احتجاجاتهما على مدار الأيام الماضية، بعد مقتل العشرات منهما على يد قوات الأمن أثناء تنظيمهما مهرجان احتفاليًا سلمياً فى إقليم أوروميا الأسبوع الماضى، كما تعترض هاتان المجموعتان فى إثيوبيا على تعرضهما للاضطهاد والتهميش السياسى والاقتصادى الذى وصل لحد انتزاع أراضيهم لصالح استثمارات أجانب على أراضيهم.

وبدلا من أن تسعى الحكومة الإثيوبية، للبحث عن حل لمطالب قوميتى «الأورومو» و«الأمهرا» والعمل على رفع ما يرونه اضطهادا من قبيلة «التيجرى» التى تمثل 6% فقط من الشعب. وتسيطر على الحكم والاقتصاد بعد وصولهم للحكم عقب الانقلاب فى عام 1991، لجأت الحكومة الإثيوبية إلى الحل السهل، وهو اتهام مصر بأنها تقف وراء القلاقل فى إثيوبيا، وأن مصر «تدعم هذه المجموعات ماليا وتقوم بتدريبهم»، طبقا لادعاء المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية الاثنين الماضى الذى أعقب قيام رئيس الوزراء الإثيوبى هيلى ماريام ديسالين، بإعلان حالة الطوارئ فى البلاد، عقب ارتفاع الاحتجاجات فى إقليم الأورومو.

ونجد أن الحكومة الإثيوبية سعت للحل السهل فى مواجهة مطالب «الأورومو» و«الأمهرا»، بمحاولة إلقاء المسئولية على قوى خارجية، وكانت «الشماعة» هذه المرة هى مصر، خاصة أن الأزمة معها حول بناء سد النهضة، وما يمثله من مخاطر على حصة مصر فى مياه نهر النيل، ومن هنا كان سهولة إلقاء الاتهام، رغم أنه لم يستند لدليل واحد، خاصة أن مصر خلال الفترة الماضية كانت متعاونة جدا فى مفاوضات بناء السد، وهو ما دفع الخارجية المصرية، لنفى الاتهامات عن مصر جملة وتفصيلاً، معتبرة أنها محاولة للوقيعة بينها وبين الشعب الإثيوبى.

لكن الحكومة الإثيوبية، أدمنت الحل السهل، بمحاولة تصدير أزمتها الداخلية، وتوجيه الاتهام للخارج، وأنه يقف وراء الاضطرابات. غير أنها أخذت هذه المرة شكلًا أكثر فجاجة، وصل لحد إلقاء اتهام مباشر من قبل حكومة «ديسالين» لمصر أن لها يدا فى الاضطرابات الداخلية.

لكن الغريب هو التحول فى الموقف الإثيوبى فى علاقاته بمصر، والذى كان فى السابق، قبل بدء بناء سد النهضة، يحاول أن يقوم بتقديم مسكنات للمصريين، والادعاء بأن «السد لا يستهدف الضرر لمصر وأن المشروع لن يمس حصتها فى مياه النيل». وهو الأمر الذى أثاره رئيس الوزراء الإثيوبى الراحل ميليس زيناوى، عندما أكد لوفد الدبلوماسية الشعبية الذى زار إثيوبيا فى مايو 2011 عقب ثورة 25 يناير، بأن «إثيوبيا دائما تريد دعم مصر نظرا لأنها من الدول المهمة فى إفريقيا».

وبرر زيناوى وقتها لوفد الدبلوماسية الشعبية أن سر تصعيده وعدم تعاونه مع مصر يعود فى المقام الأول إلى «عمر سليمان» رئيس المخابرات الأسبق، والذى اتهمه زيناوى بأنه «سبب توتر العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا نظرا لتجاهله الشديد لإثيوبيا» ووقتها تعهد زيناوى للوفد بأنه بعد خروج عمر سليمان من الحكم، فإن بلده لن تعمل فى بناء سد النهضة إذا وجدت أنه يمثل خطرا على حصة مصر من مياه النيل.

لكن تصرفت إثيوبيا فى التعامل مصر بعد أن ضمنت بناء سد النهضة، يظهر أنها تحركها أطراف إقليمية ودولية تريد «توتير» العلاقة بين البلدين، خاصة أن الحجة التى كان يسوقها «زيناوى» فى السابق، وهى «عمر سليمان» انتهت ليس بخروجه من الحكم بل من الدنيا كلها، بل إن «زيناوى» نفسه هو الآخر رحل عن الدنيا وحل بدلا منه خليفته «ديسالين»، والذى بدأ يحقق ما يريد فى بناء سد النهضة، وسط تعاون من مصر، التى تعاملت مع القضية رغم خطورتها على أمنها القومى، بتعاون شديد، لإدراكها أنها تريد الخير للإثيوبيين بإقامة المشروع على النيل، مع الحفاظ على حقها التاريخى فى مياه النيل، ورغم أن ذلك كان سببا لانتقادات داخلية للحكومة المصرية، بأنها تتعامل بتهاون مع قضية تمثل لها مسألة حياة أو موت.

لكن يظهر أن حكومة إثيوبيا بعد أن حققا ما أرادت فى البدء فى بناء السد، تريد أن تستغل ورقة مصر إلى ما لا نهاية، بمحاولة تصدير مشكلاتها الداخلية مع مطالب قبائل «الأورومو» و»الامهرا» إلى مصر، رغم أن القضية تتعلق بمطالب قوميتين يمثلان الأغلبية ويرغبان فى المشاركة فى الحكم والثروة، زاد غضبهما عقب إقدام حكومة أديس أبابا على نزع مساحات شاسعة من الأراضى التى يملكونها الصالح مستثمرين أجانب، تستفيد منها الأقلية التى تحكم (قبيلة التيجرى) وهو السبب المباشر والمنطقى لاحتجاجات القبلتين، اللذين يطالبان بحقهما فى حكم أنفسهما والاستفادة من ثروات إقليمهما.

ويعزز ذلك أن المشاكل مع قبلتى «الاورومو» و»الأمهرا»، ليست وليدة الفترة الماضية فقط، بل كانت تاريخية وممتدة منذ وقت حكم الإمبراطور «سيلاسى» فى الستينيات من القرن الماضى، والذى كانت تعارضه، وقامت الفترة بدء «الأورومو» يشكلون معارضة مسلحة ضده، والمعروف أن سيلاسى كانت تجمعه علاقة قوية مع مصر وجمعته صداقة خاصة بجمال عبد الناصر.

وحتى بعد سقوط حكم الإمبراطور هيلاسيلاسى، استمرت مشاكل «الأورومو» مع أديس أبابا، والغريب أنهم ساهموا مع «زيناوى» و»قبيلة التيجرى» فى إسقاط حكومة «منجستو هيلاى مريام» ودعموا الانقلاب ضده وشاركوا مع الحزب الحكم حاليا فى الحكم فى عام 1992، لكنهم لم يتمكنوا من الحصول على حقوقهم التى يرونها تاريخية، باعتبارهم أول من سكن هذه الأرض منذ 7 آلاف سنة.. مما يدل أن أزمتهم مع الحكومة لم تكن وليدة الوقت الحاضر، وهو ما يكذب ادعاءات حكومة أديس أبابا، التى تبحث عن «شماعة» لتصدير مشكلتها مع الغالبية للخارج، بإلقاء الاتهام بأن مصر تقف وراء تحريضهم!.