علاء هادي يكتب : عن البطل والبطولة

ركن القراء

 البطل والبطولة
البطل والبطولة


ليس هناك تعريف شامل ومتفق عليه للبطل والبطولة وإن اختلف الدارسون في تعريفهما فإنهم يتفقون على أن البطل إنسان متميز يرى ما لا يراه الآخرون  ويتمتع بوعي عميق وإدراك دقيق لما يحيط به وبمجتمعه، وهدفه يسمو على حاجاته ورغباته، ويمتلك قدر كبير من القيم والأخلاق والرغبة الجامحة في مساعدة الآخرين.
ومن الناحية اللغوية تعرف البطولة بانها تلك الصفة التي يتصف بها قلة من البشر الذين يجمعون مكارم الأخلاق والإباء والشجاعة، ويقدم ابن منظور في "لسان العرب» أسباب هذه التسمية بقوله «سمي بطل لأن الأشداء يبطلون عنه، أو أن دماء الأقران تبطل عنه، فلا يدرك لهم ثأر".
وللبطولة ركائز عدة منها فيض الحيوية والإقدام، إذ لم يعرف التاريخ بطلاً  بليد المشاعر والإحساس. ويتميز البطل أيضاً  برسوخ العقيدة، بوصفها القوة التي تهيمن على الفكر والمشاعر والعزيمة، وتحمي الفرد عند المُلمات، وتمده بطاقة على الصبر، وتملأه بالإطمئنان في أوقات القلق. والعقيدة هنا لا تقتصر فقط على ما يستمد من الدين، بل أيضا على ما تمنحه الأيديولوجيات السياسية والفلسفية، والعلوم التجريبية. فكل هذه الخلفيات العميقة تمنح صاحبها قدرة على مواجهة الصعاب التي تعترض طريقه، وإصراراً على تحقيق غاياته.
وعموما فإنه لولا إيمان الأبطال في كل مجال من مجالات الحياة بما يدور في عقولهم وتنطوي عليه جوانحهم ما تقدمت الحياة بنا خطوة واحدة. فالسياسي المؤمن بقضية بلاده، والمفكر المؤمن بآرائه، والعالم المؤمن بمخترعاته واكتشافاته، ورجل الدين المؤمن بانتصار الحق في النهاية، هم جميعاً ابطالاً دفعوا الحياة دفعاً إلى الأمام، ولولاهم لتوقفت البشرية من المضي قُدُماً، وتجمدت في ذات المكان.
اضافة الى ذلك تاتي الشجاعة والتي تعتبر من الركائز المهمة للبطولة، إذ لا بطولة من دون شجاعة، لأنها عدّة البطل في الحق وسلاحه، ولأنها القوة الدافعة إلى البناء والإبداع ومحاولة التغيير من واقع الى واقع أفضل. وهي الإرادة التي تُحفّز المخترع إلى السهر والدرس والبحث، فيجري التجارب في معمله اينما كان في اعماق البحار او قمم الجبال،وهو على ثقة من أن الموت يرصده.
وثمة سؤال ينبني على علاقة الشجاعة بالبطولة : هل البطولة هي الشجاعة ؟ وهل كل شجاع بطل؟ حيث يتفق كثير من الباحثين على ان ليس كل شجاع بطل، وليست كل شجاعة بطولة .. أرأيت إلى كبار قطاع الطرق، وقراصنة البحار ممن عرفهم التاريخ في الغابر. وإلى المشاهير من السطاة على المصارف ، و مختطفي الطائرات في عصرنا الحاضر؟ إن هؤلاء يتحلون جميعا بشجاعة فذة نادرة، ولكنه لم يخطر ببال أحد من الناس أن يصفهم أبطالاً..
فالبطولة مرتبطة بالأخلاق ارتباطاً شديداً، فالبطل صادق، خلوق، لا يخون الأمانة. وترتقي البطولة كلما تعلقت بالغايات العظيمة، والبطولة التي لا يبغي البطل من ورائها مجداً وصيتاً، أو يسعى إلى الكيد بخصم، أو تحقيق منفعة ذاتية ، تلك هي البطولة السامية، التي لا تموت بموت صاحبها، بل تظل باقية حين تؤثر في أتباع البطل ومُريديه، أو ترفعه إلى أن يكون مَثَلاً أعلى يُحتذى به على مَرِ الزمن. ناهيك عن القول أن البطولة لا تتعلق لا بعصر أو مِصْر أو جنس وعِرق.
وفي العالم الاسلامي تتسم البطولة بطابع عملي إيجابي هادف وخلاق ولم تكن قط حكرا على شخص او طبقة اجتماعية دون أخرى، فالإسلام مجتمع متجانس، أساس التفضيل فيه العمل الصالح والخُلق الكريم (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) والتقوى ليست صلاة وصوماً وعبادة فحسب، ولكنها العمل الدؤوب الخَيّر من أجل العيش الكريم، والصدق في القول والعمل، والوفاء والبِر والتسامُح وغيرها من الصفات الحميدة التي يتصف بها الانسان الخَيّر بغض النظر عن شكله وعرقه ونسبه. 
وخير تعريف للبطولة الحقة وردت في حديث الرسول الكريم ﷺ "خير الناس أنفعهم للناس " وفي رواية "أحب الناس إلى الله تعالى انفعهم للناس ". وهي وصف للناس الذين يقدمون لأُمتهم من الخدمات والتضحيات ما لم يقم به- او ما لايستطيع القيام به- العاديون من الناس. فالمقياس هنا هو نفع الآخرين والتضحية في سبيلهم..
مما تبين يجب التاكيد على أن البطولة والبطل من المنظور الإسلامي، هي (إحترام الحياة)، وان الإسلام ربط مفهوم البطولة بالحياة ( لا تقطعوا شجرًا، ولا تَحرِقوا زرعًا، ولا تَردِموا آبارًا، ولا تقتلوا وادِعًا) ، هذه بعض وصايا القائد البطل من المنظور الإسلامي لجيشه الزاحف إلى صدامه المحتوم.
لأن البطل من المنظور الإسلامي يعيش إحساسه المُلتزِم أمام روعة الأشياء، من الشجر الفارع، إلى الزرع المتنامي، إلى الآبار المترعة، إلى الوُدَعاء الذين لا يُقاتلون، إن البطولة هنا مؤطَّرة بإطارها العقيدي، حريصة حتى في أعقد مراحل الصدام على أن تمضي الحياة إلى غايتها، على أن يستمر الشجر في الإثمار، والزرع في الإيناع، والماء في التدفق، والإقبال على الحياة لأن الحياة - من المنظور الإسلامي هي مجال بطولة البطل، وتخريب هذا المجال يعني أن البطل يعمل ضد مجاله، أو في غير مجاله، والحياة هنا شاملة لكل شيء: حياة الإنسان، وحياة الحيوان، وحياة النبات، وحياة الحضارة. إن الحفاظ على كل هذه الحيوات؟ يعني بالضرورة الحفاظ على طبيعة الدور الذي يؤديه، وعلى ديمومة الحوار بالحرف أو بالسيف، إن السيف - حينما تَفرِض الضرورة أن يسلَّ - إنما يُمهِّد للحياة أن تُمارِس حركتها الطبيعية، أعني أن بتْر أجزاء شائهة؟ مريضة من هنا أو من هناك لا يعني شهوة البتر، وإنما يعني حكمة العلاج!
نستطيع الآن أن نقول: إن بطولة البطل - من المنظور الإسلامي - تبدأ من الأرض لتنتهي في السماء، وهذا هو حجمها الطبيعي؛ لأن امتداد أعراقها الواشجة في تربة الأرض بلا حدود، يبدأ من الحب لحبة الرمل، وينتهي إلى الحِفاظ على رُوح الحضارة!
ومن السخرية أن يطلق الدواعش تسمية البطل على أُولئك الذين يبيعون اجسادهم ودينهم في سبيل خدمة داعش وزيفها وهم يعرفون قبل غيرهم أن إطلاق لقب ابطال على هؤلاء القتلة انما هو ضحك مقرف على الذقون  وقلب للحقائق ومنطق العقل والأخلاق، إذ كيف لعاقل ان يُصف قاتل نسوة وأطفال ومغتصب المُحْصنات ببطلّ !!! 
لقد صادر الدواعش مفهوم البطولة وسلخوه من مضمونه القيم والسامي الذي يعني أول ما يعني تحقيق العدل والمروءة والشرف في ميادين الجهاد والبناء. 
إذ جاء أبطال الدواعش مُجِرّدين من أي حِسّ إنساني او إسلامي وانطلقوا يعيثون في الأرض فساداً دون وعي او خُلق ويقترفوا أبشع وأخس الجرائم بحق البشر كل البشر طفلا كان او امرأة ولم يقدموا للبشرية قط أي نتاج فكري او علمي او خدمي بل قضوا حياتهم وحياة غيرهم في أبشع صور الموت والدمار.
وياتُرى أية أخلاق وشريعة يحملها أُولئك الذين يرون في مجاهدات النكاح وتجار المخدرات واللصوص والقتلة أبطالاً وقادة!. بئس لهم ماحملوه وبئس التابعين!
وفي الختام يجب القول ان مفهوم البطولة مشترك إنساني تجاه ما يضاد الإنسان ويعوقه، تجاه الشر ورموزه وتمثيلاته المختلفة. ولذلك يمكن أن نرى في الأبطال هذا الوجه الإنساني المجاوز لمحليتهم، فالمهاتما غاندي الذي قاد شعبه في الهند للانتصار على الإستعمار الإنجليزي هو الآخر رمز إنساني على الكفاح وبطل بهذا المعنى المحلي ولكنه الإنساني في مؤداه وعمقه لأنه إنتصار للحرية من حيث هي رغبة ليست مقصورة على الهنود دون غيرهم. ونيلسون مانديلا الذي قاد شعبه في جنوب أفريقيا إلى الإنتصار على ظلم التمييز العنصري، وهو الذي قضى قرابة ثلاثة عقود وراء القضبان لمعارضته نظام الفصل العنصري وبعد إطلاق سراحه أطلق مسيرة مصالحة وطنية بين أبناء شعبه المتنوع عرقيا ودينيا. 
ويقول مانديلا بكتابه الشهير "رحلتى الطويلة فى طريق الحرية": عندما خرجت من السجن كانت مهمتى تتمثل فى تحرير الظالم والمظلوم معا. ولكنه يعترف: إننى ارتكبت بعض الأخطاء.. لكننى اكتشفت سراً مفادهُ أن المرء ما إن ينتهى من تسلق تل شامخ إلا ويتبين له أن هناك العديد من التلال الأخرى بانتظاره.