عدد ركعات قيام رمضان

إسلاميات

عدد ركعات قيام رمضان
عدد ركعات قيام رمضان


 السؤال: هل لقيام رمضان عدد معين، أرجو بسط المسألة؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:

فالثابتُ من فِعْلِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه كان لا يَزيدُ في رمضان أوْ غيْرِه على إِحْدى عَشْرَةَ رَكْعَةً أوْ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وهو ما اختاره مالكٌ لِنَفْسِهِ، وأبو بكر بن العَرَبي؛ لِحديثِ عائشةَ في الصحيحين قالت: "ما كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَزيدُ في رمَضَانَ ولا في غَيْرِهِ على إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً".

وَرَوَى (البخاريُّ) عنِ ابنِ عباس: "أنَّ صلاة النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثَ عَشْرَةَ ركعةً"، يَعْني: بالليل.

ورَوَى مالكٌ وعنه مسلمٌ عن زَيْدِ بْنِ خالدٍ الجُهَنِي قال: "قُلْتُ: لأرْمُقَنَّ صلاةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى ركعتَيْنِ خفيفتَيْنِ، ثم صلَّى ركعَتَيْنِ طويلَتَيْنِ طويلَتَيْنِ طويلَتَيْنِ، ثم صلى ركعتين هُما دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثم صلَّى ركعتَيْنِ هُما دون اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثم صلَّى ركعتين هُما دون اللَّتَيْنِ قبلَهُما، ثُمَّ صلَّى ركعتَيْنِ هُما دون اللَّتَيْنِ قبلَهُما، ثم أوتَرَ؛ فذلك ثلاثَ عَشْرةَ ركعةً".

ورَوَى مالكٌ في (الموطَّأ) عن السائبِ بْنِ يزيد: ((أنَّ عُمَرَ أَمَرَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وتَمِيمًا الدَّارِيَّ أن يَقُوما لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً))؛ وصحَّحَهُ الألْبانِيُّ.

قال ابْنُ عَبْدِالبَرِّ في (الاستذكار): "وأكثرُ الآثار على أنَّ صلاتَهُ كانتْ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً". وأمَّا الزِّيادَةُ على الإِحْدَى عَشْرَةَ ركعةً أو الثلاثَ عشْرَةَ ركعةً: فجائِزَةٌ عِنْدَ عامَّةِ أهلِ العِلْم، وحَكَى الإمامُ أبو عُمَرَ بْنُ عَبْدِالبرّ إجماعَ العلماء على أنه لا حدَّ معيَّنًا في عددِ ركعات قيام الليل؛ فقال في (الاستذكار): "وقد أجْمَعَ العلماء على أنْ لا حدَّ ولا شيءَ مقدَّرًا في صلاة الليل، وأنَّها نافلةٌ؛ فَمَنْ شاءَ أطالَ فيها القِيامَ وَقَلَّتْ رَكَعَاتُهُ، وَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ الرُّكُوعَ والسُّجُودَ".

قال ابن قدامة في (المُغْني): "والمُخْتارُ عند أبي عبدالله عِشْرونَ رَكْعَةً؛ وبِهذا قال الثَّوْريُّ، وأبو حنيفةَ، والشافعيُّ، وقال مالكٌ: ستةٌ وثلاثون".

وقال النَّوَويُّ في (المجموع): "مَذْهَبُنا: أنَّها عِشْرونَ ركعةً بعشْرِ تَسْليماتٍ غير الوِتْرِ؛ وذلك خَمْسُ تَرْوِيحاتٍ، والتَّرْوِيحةُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ؛ هذا مَذْهَبُنا؛ وبه قال أبو حنيفة وأصحابُه، وأَحْمَدُ وداوُدُ وغيرُهم، وَنَقَلَهُ القاضى عِياضٌ عن جمهورِ العلماء... وقال مالكٌ: "التراويحُ تِسْعُ تَرْويحاتٍ، وهى ست وثلاثون ركعةً غير الوِتْرِ؛ واحتجَّ بأنَّ أهْلَ المدينةِ يَفْعَلُونَها هكذا، وعن نافعٍ قال: أدركتُ النَّاسَ وهم يَقُومُونَ رمضانَ بِتِسْعٍ وَثَلاثينَ رَكْعَةً، يُوتِرُونَ منها بِثَلاثٍ"، واحتجَّ أصحابُنا بِما (رواهُ البَيْهَقيُّ) وغيرُه بالإسنادِ الصحيحِ عنِ السائب بن يَزِيد الصحابيّ رضي الله عنه قال: "كانوا يقومونَ على عَهْدِ عُمَرَ بن الخَطَّاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرينَ ركعةً، وكانوا يقومون بِالمِئِينَ، وكانوا يتوكؤون على عِصِيِّهِمْ في عَهْدِ عُثْمَانَ من شِدَّةِ القيام"، وعن يزيد بن رُومان قال: "كان الناس يقومون في زَمَنِ عُمَرَ بن الخَطّاب رضي الله عنه بِثَلاثٍ وعِشْرينَ ركعةً" (رواه مالكٌ) في "المُوَطَّأ" عن يزيدَ بْنِ رُومانَ، ورواه البيهقيُّ، لكنَّه مُرْسَلٌ؛ فإنَّ يزيدَ بنَ رُومان لم يُدْرِكْ عُمَرَ.

قال البَيْهَقِيُّ: "يُجْمَعُ بين الروايتين: بأنهم كانوا يقومون بعشرينَ ركعةً، ويُوتِرُونَ بِثلاثٍ". وروى البيهقيُّ عن علي رضي الله عنه أيضًا قيامَ رمضان بِعِشْرينَ ركعةً.

وأمَّا ما ذَكَرُوهُ من فعلِ أَهْلِ المدينة: فقال أصحابُنا: سببه أنَّ أهل مكَّة كانوا يَطُوفُونَ بين كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ طوافًا، ويُصَلُّونَ ركعَتَيْنِ، ولا يطوفونَ بعدَ الترويحةِ الخامسةِ، فأرادَ أهلُ المدينة مساواتهم؛ فجَعَلُوا مكانَ كُلِّ طوافٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ؛ فَزَادُوا سِتَّ عَشْرَةَ ركعةً، وأَوْتَرُوا بِثَلاثٍ؛ فصارَ المجموعُ تِسْعًا وثلاثين، والله أعلم ". انتهى كلام النووي.

وقال التِّرْمِذِيُّ: أكثرُ ما قِيلَ: أنَّهُ يُصَلِّي إحدى وأربعينَ رَكْعَةً بِركعةِ الوِتْرِ.

واحتجَّ الجُمْهُورُ بأدلَّةٍ:

منها: حديثُ ابْنِ عُمَرَ في (الصَّحيحَيْنِ) أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى؛ فإذا خِفْتَ الصبحَ فأوْتِرْ بِواحدةٍ" (رواه الجماعة)، وزاد أحمد في رواية: "صلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى؛ تُسَلِّمُ في كُلّ رَكْعَتَيْنِ" ،و(لمسلم): "قِيلَ لابْنِ عُمر: ما "مثنى مثنى"؟ قال: يُسَلِّمُ في كل ركعتيْنِ".

ومنها: حديثُ السَّائِبِ بنِ يَزِيدَ السابق ذكره في كلام النوويُّ في المجموع.

ومنها: حديث ربيعةَ بْنِ كَعْبٍ: "أنَّه سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرافَقَتَهُ في الجَنَّةِ، فقال صلى الله عليه وسلم: فَأَعِنِّي على نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ؛ فإنك لا تسجُدُ للهِ سجدةً إلا رفعَكَ اللهُ بها درجةً، وحطَّ عنك بها خطيئةً" (رواه مسلم).

قال الحافظُ في (الفتح): "والجمعُ بين هذه الروايات ممكنٌ باختلافِ الأحوالِ، ويَحتمِلُ أنَّ ذلك الاختلافَ بِحَسَبِ تَطْوِيل القراءةِ وتَخْفِيفِها؛ فحيثُ تُطوَّلُ القِراءةُ تُقلَّلُ الرَّكَعاتُ وبالعكس؛ وبه جَزَمَ الدَّاوُودِيُّ وغيرُه".

وقال شيخ الإسلام ابْنُ تيمية في (مجموع الفتاوى): "قيام رمضان لم يؤقت النَّبِيُّ فيه عددًا معيَّنًا بل كان هو لا يَزِيدُ في رمضانَ ولا غيرِه على ثَلاثَ عَشْرَةَ ركعةً، لكن كان يُطِيلُ الرَّكَعَاتِ، فلمَّا جمعهم عُمَرُ على أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كان يصلِّي بهمْ عِشْرِينَ ركعةً ثُمَّ يُوتِرُ بِثلاثٍ، وَكانَ يُخَفِّفُ القِراءَةَ بِقَدْرِ ما زادَ على الرَّكَعَاتِ؛ لأنَّ ذلك أخفُّ على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثُمَّ كان طائِفَةٌ من السلف يقومون بأربعينَ ركعةً ويُوتِرُونَ بثلاثٍ، وآخرونَ قاموا بسِتٍّ وثلاثينَ وأَوْتَرُوا بِثلاثٍ، وهذا كلُّه سائِغٌ؛ فَكَيْفَمَا قام في رمضانَ من هذه الوُجُوهِ فَقَدْ أحْسَنَ، والأفضل يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاف أحوال المصلين.

وَمَنْ ظَنَّ أنَّ قِيامَ رمَضَانَ فيه عددٌ مُؤَقَّتٌ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لا يُزَادُ فيه ولا يُنْقَصُ منه، فقد أَخْطَأَ".

ومِمَّا سبق يُعْلَمُ أن قِيامَ رَمَضَانَ لم يُحَدَّدْ بعددٍ مُعَيَّنٍ منَ الرَّكعاتِ والأمر فيه واسعٌ، وإن كان الأفْضَل في حقِّ مَن يُطيل القِراءةَ، الاقتصار على إحدى عشْرَةَ ركعةً أوْ ثَلاثَ عَشْرَةَ ركعةً، وفي حَقِّ مَنْ يُخَفِّفُ القِراءة عِشْرينَ ركعة، وَيُوتِرُ بِواحدةٍ أَوْ ثَلاثٍ،، والله أعلم.