مى سمير تكتب: العالم الإسلامى.. قبل الإسلاميين

مقالات الرأي



مجلة لوبوان الفرنسية تنشر ملفا كاملا

عالم إسلامى حقيقى، غير قائم على التطرف، والإرهاب.. قصة تحمل ألف صورة لمفكرين، مبدعين، وحالمين بالحضارة والتقدم.

عن هذا العالم الإسلامى قدمت مجلة «لوبوان» الفرنسية تحقيقا عن عصر كان الدين الإسلامى فيه أساس للحضارة والتقدم والحرية قبل أن تظهر موجة المتأسلمين الذين صنعوا نسختهم المتطرفة من الإسلام وبنوا عالمهم على أنقاض حرية المرأة وحقوقها.

■ الإخوان يتلقون دعماً مالياً من قطر.. والسلفيون يعتمدون على السعودية

■ لم يطرد المجتمع الإسلامى أصحاب الديانات الأخرى مثلما حدث فى أوروبا


1900 قاسم أمين: المرأة الحرة تصنع «مواطنة حرة»

1919 دربت هدى شعراوى 300 سيدة مصرية محجبة للتظاهر ضد الاستعمار البريطانى

1923 أطلقت دعوتها لخلع الحجاب

1924 كمال أتاتورك يلغى الخلافة الإسلامية

1930 صدر قانون بمنع وضع الحواجز نهائيا على النوافذ لحماية النساء من نظرات المارة فى إسطنبول

1932 حصلت كاريمان هاليس على لقب ملكة جمال العالم كاعتراف عالمى لعلو شأن النساء فى تركيا

1954 عبد الناصر لأحد قادة الإخوان: «لك ابنة واحدة فشلت فى إرغامها على ارتداء الحجاب.. فكيف أجبر 10 ملايين مصرية على ارتدائه»

1957 حظر ارتداء الحجاب فى المدارس التونسية والاعتراف بحق النساء فى التصويت وحق الإجهاض ومجانية حبوب منع الحمل وإلغاء المحاكم الدينية

1970 القرآن هو مصدر التشريع فى مصر

1985 طالبت الجبهة الإسلامية للإنقاذ فى الجزائر بالمساواة بين الرجال والنساء فالسيدة خديجة كانت سيدة أعمال فريدة، والسيدة عائشة كانت سيدة دولة

1990عودة عاملين مصريين من السعودية رسخوا لأن النجاح مقرون بالتقوى


1- الحرية

بدأت المجلة الفرنسية ملفها بحوار مع هنرى لورين المؤرخ والأستاذ بكلية فرنسا، وأكد أن هناك خطا وسطيا جديدا فى الإسلام يؤيد التمسك بالقيم الإسلامية الإيجابية ويشجع حرية الاختيار.

وكشف الحوار عن رؤية غربية تؤكد أن الدين الإسلامى لا يتعارض مع علمانية الدولة، وبدأ الحوار بسؤال حول إمكانية استيعاب الإسلام للعلمانية؟.

ويرى لورين الإجابة عن مثل هذا السؤال تحتاج لضرورة تعريف العلمانية، ففى فرنسا تشير العلمانية إلى المساواة بين الأديان إلى جانب حيادية السلطة والفضاء العام، وفى أمريكا العلمانية بحسب النص الأول من الدستور الأمريكى مختلفة تماما، إذ لا يحق لمجلس الشيوخ سن قوانين تفرض اتباع دين معين، كما ينص على عدم التمييز بين المواطنين على أساس دينى، هناك حائط بين الدين والدولة التى لا يحق لها على سبيل المثال تقديم الدعم المالى لأى مدرسة دينية خاصة. لا يوجد دولة إسلامية وصلت إلى هذه المرحلة، وقد تكون إندونيسيا هى الدولة الوحيدة التى تحترم - بشكل رسمى - جميع الأديان.

ويرى المفكر الفرنسى أن هذاوضع طبيعى وأن على الغرب أن يتذكرأنه لم يسمح ليهودى الترشح فى البرلمان البريطانى إلا فى عام 1860، كما أن الغرب استغرق عشرات السنوات قبل أن يتقبل فكرة العلمانية.

ويلقى لورين الضوء على حقيقة أن رجل الدين فى الإسلام لا يحكم ولكنه يلعب دائما دور مستشار الأمير أو الخليفة أو الحاكم، فالسياسة تسيطر وليس للدين سيطرة على الحكم، لهذا يقال إنه من الناحية النظرية يعد الدين الإسلامى علمانى الطبيعة لأن الدين منفصل عن الحكم، فرجل الدين قد يضع القانون أو يفسره ولكنه لايتولى تطبيقه أو تنفيذه، فالإسلام من وجهة نظره دين حرية قائم على علاقة مباشرة وحرة بين العبد وربه، من حق العبد ألايمارس الشعائر الدينية، فهذا أمر شخصى ولكن ليس من حقه أن يدعو لعدم ممارسة الشعائر الدينية فهذا الأمر من شأنه أن يهدد النظام والاستقرار المجتمعى، ويضيف: إن فكرة الشرطة الدينية الموجودة فى السعودية لم تكن معروفة فى المجتمع الإسلامى التقليدى، وحتى القرن الماضى لم يقم المجتمع الإسلامى بطرد أصحاب الديانات الأخرى على النحو الذى تعرض له اليهود فى أوروبا سواء فى فرنسا، أو إنجلترا أو إسبانيا.

2- القومية

وينتقل المفكر الفرنسى للحديث عن القومية العربية التى انتشرت فى العالم الإسلامى من الثلاثينيات إلى السبعينيات من القرن الماضى، ويرى أنها لم تتعارض مع الدين الإسلامى، ويعطى مثالا بجمال عبد الناصر كونه لم يكن ملحدا بل على العكس كان حريصا على ممارسة الشعائر الدينية والذهاب إلى المسجد.

وبالنسبة لعبد الناصر كان القرآن أحد مصادر التشريع، ولكن الوضع اختلف فى عصر السادات، فكان القرآن الكريم هو مصدر التشريع، اليوم الوضع فى مصر يقف فى مساحة وسطية، فالرئيس السيسى الذى ساهم فى الإطاحة بتنظيم الإخوان المسلمين هو نفس الرئيس الذى لا يمكن إغفال الطابع الدينى الذى ينعكس فى خطبه أوفى ملامح حياته الشخصية.

ويضيف هنرى لورين: إن فى مصر، تونس، والجزائر كان ولايزال الإسلام أساسا للتشريع وعماد المجتمع، ولكن هذا لم يمنع من احترام الأقليات، فى مصر يحرص ممثلو السلطة والدين الإسلامى على حضور احتفالات الكنيسة بعيد الميلاد، كما يوجد بشكل مستمر وزير قبطى فى الحكومات المصرية، وحتى الخمسينيات كان هناك الكثير من رجال السياسة المسيحيين منتخبين من قبل مسلمين، لكن مع ظهور ما يعرف بالإسلاميين بدأت ظاهرة الإسلام المحافظ والتى أسفرت عما نشهده اليوم، وكان يتم استخدامه فى البداية كوسيلة لمعارضة النظام، بعد ذلك كان للأسباب الاقتصادية دور كبير فى انتشار هذه الظاهرة وتوغلها، ومع تأخر سن الزواج كان ينظر لهذا التيار باعتباره ضرورة مجتمعية تساهم فى ضبط أخلاق المجتمع.

وفى مصر على سبيل المثال، ليس لدى الشباب المال الكافى لبدء حياة خاصة، ليس لديهم طموح للارتقاء بمستواهم الاجتماعى، آمالهم فى العثور على عمل محدودة، الحلم بالزواج شبه مستحيل، وليس لديهم منفذ للتعبير عن رغباتهم، كل هذا يخلق وضعا قابلا للاشتعال.

وعن أسباب عدم نجاح حلم القومية فى العالم العربى، أو عدم استمرار أحلام الدول العربية بالتقدم أو الحداثة على العكس من تركيا التى حققت تقدما لا يمكن تجاهله على الأقل حتى بداية هذا القرن، يرى الكاتب الفرنسى أن القومية فى مصر، العراق، سوريا، تونس أتت بأنظمة ديكتاتورية وكرست لفكرة الدولة البوليسية وبمرورالوقت فقدت هذه الأنظمة دعم الرأى العام.

أما عن الربيع العربى وكيف سرقته التيارات المتأسلمة، علق الكاتب: إن ثورات الربيع العربى كانت رد فعل على الأنظمة الديكتاتورية والبوليسية، فأنظمة مبارك فى مصر وبن على فى تونس كان ينظر إليها باعتبارها امتدادا للأنظمة التى رفعت الشعارات القومية، وعلى العكس من أوروبا حيث سمحت الثورة الصناعية للطبقة المتوسطة من التحرر من سيطرة الكنيسة، فإن الوضع فى العالم العربى لم يعط هذه القدرة للطبقة المتوسطة.

فى المقابل فإن التيارات اليسارية والليبرالية والقومية لم تنجح فى تقديم بدائل تتسم بالمصداقية، لأن هذه التيارات تركز منذ أكثر من ثلاثة عقود على محاربة الإمبريالية، فى المقابل لم يكن للمفكرين أو المثقفين تأثير إلا فى الحدود التى يسمح بها النظام، كنتيجة لذلك تمكن الإسلاميون من ملء هذا الفراغ، وكان لأصواتهم أصداء قوية سواء داخل المساجد أو الفضاء الدينى.

وعن إمكانية الحياة فى ديمقراطية حقيقية بدون تسامح دينى يرى الكاتب أن الطلب الرئيسى والملح فى الدول الإسلامية فى الوقت الحالى هوالحياة فى دولة القانون، وبالنسبة للإسلاميين فالسؤال الرئيسى هو معرفة ما إذا كانت هذه المؤسسات الديمقراطية يجب أن تكون إسلامية بشكل كامل أم يجب أن تتكامل فقط مع الإسلام؟، وتطرق لأسباب فشل الإخوان المسلمين قائلا: إن الجماعة كانت تعيش فى دائرة مغلقة واعتقدت أنها تستطيع أن تفرض آرائها على العالم ولكن الأمور لم تسر على هواها، ونفس الأمر يتكرر من جديد مع أردوغان فى تركيا.

3- مصر

حرصت المجلة الفرنسية على تقديم بروفايل لدول العالم العربى والإسلامى قبل ظهور موجات الإسلاميين، وكانت مصر ضمن هذه الدول التى بدأت نهضتها منذ بدايات القرن الماضى، وتشير المجلة إلى أن البداية تكون مع المرأة فهى مستقبل الرجل، ولكن فى مجتمع تتحكم فيه النصوص المقدسة بكل ما له علاقة بين الرجل والمرأة، فإنه لا يوجد شىء سهل.

وتضيف: إن فى مصر كل شيء بدأ فى القرن العشرين، فقد عاد الشباب بعد السفر إلى أوروبا والتعرف على الحضارة الغربية وبداخلهم فكرة واحدة وهى أن المجتمع الإسلامى يجب أن يتطور عن طريق أخذ أفضل ما فى الحضارة الغربية وتجنب المنكرات.

وهكذا بدأ عصر النهضة فى مصر مع رفاعة الطهطاوى وبالأخص محمد عبده، ومن ضمن تلك الأسماء اللامعة الحالمة بالتغيير كان قاسم أمين، هذا الحقوقى الذى ينحدر من الطبقة المخملية والذى درس فى مونبلييه الفرنسية وهناك اكتشف شيئين أساسيين، أولا أن المرأة ليست محجبة ولا منعزلة، وثانيا أنها تملك صالونا وتكتب الروايات، ولاتعيش حياتها خاضعة للرجال.

فى فرنسا قرأ قاسم أمين لداروين وفهم منه أن المجتمع الإسلامى فى طريقه للاختفاء ما لم يتبع النموذج الغربى، ولن يكون ذلك إلا بتعليم المرأة لأنها بدورها تعلم الأطفال وهو ما أكده فى كتابه الثورى (المرأة الجديدة) الذى صدر فى عام 1900 وكان بمثابة القنبلة التى هزت مصر حيث دعا امين إلى حرية المرأة، ومساواتها مع الرجل، فمن حقها أن تخرج وأن تخلع الحجاب، فالمرأة الحرة تصنع مواطنة حرة.

وفى ظل هذه الأفكار، ومع تجاهل قاسم أمين للمرجعية الدينية، أصبح ينظر إليه باعتباره مفكرا يحمل الأفكار الغربية وبالتالى أصبح عدوا للقومية التى بدأت تبرز، لكن فى المقابل بدأت أفكاره تترك آثارا لها على المجتمع المصرى وعلى النساء. البداية كانت مع مجتمع الأثرياء، ومع إسلام أوجينى لوبران زوجة رئيس الوزراء المصرى فى ذلك الوقت، وظهرت نافذة قوية لنشر أفكار قاسم أمين حيث بدأت أوجينى صالونا ثقافيا يدعو لحرية المرأة وكان من بين عضواته هدى شعراوى.

فى عام 1919 دربت شعراوى 300 سيدة مصرية محجبة للتظاهر ضد الاستعمار البريطانى وفى عام 1923 أطلقت إشارة خلع الحجاب، فى ذلك الوقت كانت مصر المركز الثقافى والفنى فى العالم العربى ومملكة الملاهى والسينما، حتى أن الفنانين كانوا يتبادلون القبل مع الفنانات على الشاشة، وترسم المجلة بورتريه لهدى شعراوى التى شاركت فى عام 1923 فى مؤتمر بأوروبا حول المطالبة بحق المرأة فى الاقتراع، وعند عودتها قامت بخلع الحجاب فى الميناء أمام مئات السيدات المصريات اللاتى خرجن لاستقبالها.

وكانت هى من نظمت أكبر مظاهرة نسائية فى عام 1919 للمطالبة باستقلال مصر، وكان والدها رئيسا لمجلس النواب ووالدتها سيدة شركسية قريبة من القلب، تعلمت الفرنسية على يد معلمة خاصة كانت تتحدث العربية والتركية، لكنها لم تتعلم الكتابة باللغة العربية فهذا الامتياز كان يتمتع به الرجال فقط.

تزوجت فى الثالثة عشرة من عمرها من أحد أبناء عمومتها قبل أن يقع الطلاق بينهما وارتبطت فيما بعد بأحد قيادات حزب الوفد وقضت حياتها تدافع عن حق المرأة فى التعليم.

كما ترسم المجلة بروتريها خاصا لهدى شعراوى ترسم أيضا بورتريها خاصا بأم كلثوم وتصفها بأنها هرم مصر الرابع، الأسطورة، فلا يوجد فى التاريخ مطربة وقع الناس فى غرامها كما حدث مع أم كلثوم، فهى الوحيدة القادرة على أن تغنى كلمات عمر الخيام (ما أَضيع اليوم الذِى مر بِى من غير أن أهوى وأن أعشق)، هى ابنة إمام من الدلتا، فى طفولتها كانت تتنكر فى ملابس الأولاد حتى تتمكن من الغناء، وعندما أصبحت فى العشرين من عمرها أصبحت نجمة ومعشوقة الملك فاروق ومن بعده عبد الناصر.. ويقول نجيب محفوظ عنها (بفضلها أصبح الفلاحون يرددون ابياتا شعرية والقوميون يمجدون اللغة والصوفيون ينتشون والنساء فى البيوت يحلمن بالحب الجارف).

4- ناصر والإخوان

وفى عام 1954 وبعد تولى جمال عبد الناصر الرئاسة، تباحث مع قادة الإخوان المسلمين عدة مرات. وقال عبد الناصر فى مشهد مصور أمام الجمهور: (نرغب حقا وبإخلاص التعاون مع الإخوان المسلمين حتى يتقدموا فى الطريق المستقيم)، وأضاف ضاحكا: إن (زعيما فى جماعة الإخوان اشترط عليه فرض الحجاب على النساء مقابل دعمه سياسيا، فانفجر الجمهور ضاحكا فى القاعة وعلا صوت أحدهم وهويقول: «عليهم هم أن يرتدوا هم الحجاب».

حينها ابتسم عبدالناصر وواصل حديثه: «لقد أجبته أن عهد حكم الدين حيث كنا لا نترك النساء تخرج فى الليل قد انتهى»، كما سخر أيضا من غريمه السياسى قائلا:»سيدى.. لك ابنة فى كلية الطب ولا ترتدى الحجاب لماذا لا تجبرها على ارتدائه؟ فإن لم تستطع إجبار ابنة واحدة على ارتداء الحجاب كيف تريدوننى أن أجبر 10 ملايين امرأة مصرية».

5- الدعاة الجدد

كما التقت المجلة الفرنسية مع الصحفية كلود جيبال مؤلفة كتاب «إسلامستان..أوجه التطرف»، والتى عملت مراسلة لإذاعة فرنسا فى الشرق الأوسط لمدة 20 عاما، وأجرت معها حوارا بعنوان (مصر، ميلاد الإسلامستان)، بدأ الحوار بالإشارة إلى أن الإسلاميين اكتسبوا نفوذا واسعا فى التسعينيات من القرن الماضى ويرجع ذلك لعدة أسباب من وجهة نظر الكاتبة الفرنسية.

أول هذه الأسباب، عودة أعداد ضخمة من المصريين العاملين فى دول الخليج الغنية بالبترول إلى مصر، وفى دول مثل السعودية اعتاد المصريون على هذه النسخة الجديدة من الإسلام، وقام الأثرياء منهم ببناء المساجد فى القرى، وتعمدت هذه المساجد نشر فكرة أن النجاح الاجتماعى مقترن بالتقوى. أما فى المجتمعات البسيطة والفقيرة، فقد نجح الإخوان المسلمون فى نشر أفكارهم وإغراء قطاعات عريضة من أفراد المجتمع من خلال سيطرتهم على التعليم وعلى المساعدات الاجتماعية. كما تعتبر الصحفية الفرنسية الانفتاح الاقتصادى أحد الأسباب الرئيسية التى ساهمت فى منح الإسلاميين دفعة قوية فى المجتمع المصرى، ولكن العنصر الرئيسى والأساسى الذى ساهم فى نشر هذه الأفكار كان وسائل الاتصال الحديثة التى أسفرت عن ظاهرة الدعاة الجدد.

ومع التسعينيات بدأت تنتشر شرائط وDVD للدعاة الذين يقدمون النصائح للمصريين فى مختلف شئون حياتهم ويطلون عليهم عبر شاشات تليفزيونية فى برامج كبيرة ومبهرة.. ووصفت كلود جيبال هذه الظاهرة بالواقعية الإسلامية، ووضعت خطا فاصلا بين الإخوان المسلمين وبين السلفيين، فالإخوان حرصوا منذ تأسيسهم على يد حسن البنا على احتراف السياسة على أمل الوصول للسلطة، وفى السبعينيات أصبحوا لاعبين أساسيين فى المشهد السياسى بدعم من الرئيس الراحل السادات الذى كان يرغب فى القضاء على خصومه من تيار اليسار بضربهم بالإسلاميين.

بينما كان الوضع مختلفا بالنسبة للسلفيين، فقد رفض السلفيون ممارسة السياسة واعتادوا وصفها بأرض الفساد، والتنازلات، والكذب، لكن وبشكل مفاجئ أسس التيار السلفى حزبا سياسيا بعد الثورة المصرية فى عام 2011، وكان المحرك الرئيسى للسلفيين هوعدم ترك الملعب خاليا أمام الإخوان المسلمين، وكما تنافست التيارات الإسلامية فى مصر على تقسيم كعكة السياسة فيما بينهم تنافسوا أيضا على مصادر التمويل، حيث يتلقى الإخوان الدعم المالى من قطر بينما يعتمد السلفيون على الدعم السعودى.

وقدمت المجلة ملفا مصورا من تاريخ العالم الإسلامى قبل الإسلاميين وترصد من خلاله تحرر المرأة المسلمة من كابول إلى بيروت، ومن القاهرة إلى المغرب العربى غربا وتركيا شرقا، وتقدم ملامح لحياة كانت المرأة فيه جزءا رئيسيا من المجتمع وتتمتع بحريتها دون قيد أو شرط، ويربط الملف بين هذا العصر وبين حرية المرأة، ويعتبر أن من حرية المرأة يبدأ كل شىء، فهى التى تربى الأبناء ويتم بناء المجتمع بناء على ما تضعه من قيم وأفكار فى عقول أبنائها.

6- تركيا

وحرصت المجلة على رسم بورتريه مفصل لعدد من الدول الإسلامية قبل عصر الإسلاميين،وكانت البداية مع تركيا.. وبرزت كلمة «لاييك»، وتعنى العلمانية باللغة الفرنسية.

وفى عام 1924، السنة التى اتخذ فيها مصطفى كمال أتاتورك قرارا بإلغاء الخلافة الإسلامية فى تركيا، ووضع حدا لقرون ارتبطت خلالها الإمبراطورية العثمانية بالإسلام، وكان لأتاتورك تصريحا شهيرا وهو أن الخلافة هى بقايا من الماضى ولا يوجد ما يبرر استمرارها.

هكذا بدأت الثورة مثلما يصفها شارل كينج فى كتابه (منتصف الليل فى ساحة بيرا)، حين قرر أتاتورك الاستغناء عن الطربوش الأحمر رمز العالم القديم كى يحل محله القبعة الغربية، ثم قرر إلغاء المحاكم الدينية وسمح بتناول المشروبات الكحولية، واستبدل الحروف العربية التى كانت تكتب بها اللغة التركية بالحروف اللاتينية.

أما القانون المدنى الذى صاغه شقيق الكاتب بليز ساندرارس، فقد تم الاستغناء فيه عن الشريعة الإسلامية واستبدالها بمواد استلهمت بشكل كبير من القانون السويسرى. وفى تلك الفترة، تحررت المرأة التركية واصبحت تمتلك حق تطليق الزوج، وأصبح تعدد الزوجات غير قانونى، وقد سبقت المرأة التركية المرأة الفرنسية بحصولها على حق التصويت بـ15عاما.

ويقول كينج فى كتابه: (لم تكن النساء منعزلات فى المنازل بل كن يخرجن مع الرجال يستمتعن ويشربن ويأكلن معهم).. فى ذلك الوقت لم يصدر قانون يمنع النساء التركيات من ارتداء الحجاب، ولكن فى المقابل حرصت وسائل الإعلام المحلية على عدم تشجيع المرأة على وضع حجاب على رأسها ووصفت الحجاب بالتقليد الرجعى، لكن بعد ذلك صدر قانون بمنع ارتداء الحجاب فى المؤسسات العامة والمدارس.

وفى عام 1930 صدر قانون بمنع وضع الحواجز نهائيا على النوافذ لحماية النساء من نظرات المارة، لأسباب لها علاقة بالنظافة، وضرورة أن تتعرض الشقق لأشعة الشمس وتغيير هوائها.

ويقول كينج إن ساحة جيزى كانت تعج بالفنانين والراقصين وفرق الأوركسترا الروسية والزنجية، فيما كان الروائيان الأمريكيان أرنست هيمنجواى ودوس باسوس يترددان على إسطنبول لملاحظة الظاهرة.

وأشار كمال أتاتورك إلى أن تركيا أصبحت تدرك قيمة المرأة وحرص على تعيين عفت عنان المتحدثة الرسمية لحكومة الحزب الواحد، ما شجع نساء ينتمين إلى عائلات معروفة على المشاركة فى مسابقة جمال، وهكذا حصلت كاريمان هاليس على لقب ملكة جمال العالم فى عام 1932 كاعتراف عالمى لعلو شأن النساء فى تركيا، وكانت كاريمان هاليس تنتمى لعائلة برجوازية ثرية فى تركيا وتعمل كعازفة بيانو، وبعد حصولها على لقب ملكة جمال العالم جعل منها أتاتورك بطلة قومية ما فتح أمامها أبواب السينما.

وتحاول المجلة أن تلقى الضوء على السر وراء أفكار وتوجهات كمال أتاتورك، وتعتمد على سيرته الذاتية التى قدمها الكاتب سوكرو هانى أوجلو الذى أشار إلى أن تاريخ حياة أتاتورك وخبراته فى مختلف معارك الحياة تقدم تفسيرا منطقيا لطريقة تفكيره.

من مدينة «سالونيك» التى ينحدر منها إلى تربيته العلمانية والعسكرية والخدمة العسكرية التى أداها ومشاركته فى حركة الشباب الأتراك، كما أنه هو من صاغ بنفسه الفصل المخصص للإسلام فى كتاب التاريخ الرسمى للدولة وأمر بترجمة القرآن مجددا إلى اللغة التركية، كما أمر أن يرفع الاذان باللغة التركية.

بالنسبة لأتاتورك كان الهدف الرئيسى هو عزل تركيا عن العالم الإسلامى والدول العربية وتأسيس كيان مستقل وقائم بذاته. ويضيف هانى أوجلو: إن أتاتورك تأثر بالمستشرق الإيطالى كيتانى بعد أن قرأ كتابه الشهير (وقائع الإسلام) والذى يتضمن آراء معارضة للدين الإسلامى وهجوما واضحا وتشكيكا فى الدين، غير أنه تأثر أيضا بالأفكار التى انتشرت خلال الإمبراطورية العثمانية كالمادية والعلمية والداروينية والقومية التركية التى انتشرت بقوة فى الدولة التركية وانعكست فى عبارة شهيرة ارتبطت بأتاتورك الذى كان يقول: (سعيد هو من ولد فى تركيا).

7- تونس

فى 13 أغسطس 1956، وافق الرئيس الحبيب بورقيبة على قانون الأحوال الشخصية الجديد، الذى وضع الشريعة الإسلامية جانبا، وهو قانون يعد الأول من نوعه فى العالم الإسلامى، حيث أسس للمساواة بين الرجل والمرأة كمواطنين ومنع تعدد الزيجات، أما بالنسبة للطلاق فقد اشترط القانون الجديد أن يتم النطق به أمام المحكمة.. وصرح بورقيبة بأن الزواج هو بالفعل شأن بين المرأة والرجل ويتم فى ظل شهادة اثنين من الشهود ولكنه أيضا شأن من شئون الدولة يجب أن يخضع لإشراف الدولة والمجتمع.

دخل هذا القانون حيز التطبيق فى 1 يناير 1957 وجاء فى إطار برنامج واسع وشامل لتحديث المجتمع، بدأ بحظر ارتداء الحجاب فى المدارس والاعتراف بحق النساء فى التصويت وحق الإجهاض ومجانية حبوب منع الحمل وإلغاء المحاكم الدينية وتفكيك جامعة الزيتونة معقل المحافظين.

وأكد بورقيبة حينها للإسلاميين أن إصلاحاته تتطابق مع روح الإسلام ومع النصوص الشرعية، لكن عدم موافقتهم على ذلك دفعه إلى إحالة البعض منهم للتقاعد وسجن البعض الآخر، وفى ذلك الوقت قال الرئيس: (أنا مسلم مثلكم، احترم هذا الدين الذى قمت بكل شىء من أجله، أوليس علينا أن ننقذ أرض الإسلام من الإذلال الاستعماري؟ ولكن فى إطار مسئولياتى ووظيفتى أنا مؤهل لتفسير القوانين الشرعية).

ومع بداية السبعينيات بدأ قطاع من المجتمع ينظر إلى الإسلاميين بنظرة مختلفة، وفى ظل الوعود بالجنة والخلود بدأت موجات من النساء المتعلمات يطالبن بوضع الحجاب، ونجحت التيارات المتأسلمة فى التسلل من جديد للمجتمع.

8- الجزائر

حين كانت الجزائر تحت حكم الإدارة الاستعمارية الفرنسية، كان المتدينون يرتدون ملابس عصرية، وتقول المناضلة النسائية نصيرة مراح إن العلماء الجزائريون كانوا يرسلون بناتهم إلى المدرسة كى يتعلمن اللغة العربية ويعلمنها، وبناتهن لم ترتدين الحجاب.

وحين وصلت جبهة التحرير الوطنى للسلطة فرضت التعليم على النساء ومكنتهن من العمل، وتستكمل ذكرياتها عن الوضع السابق بأن هذه الفترة كانت الفتيات تدرسن وتستطعن الخروج من المنزل، ولم يعدن تتزوجن فى الـ 12 وكان أمامهن خيارات عدة غير البقاء فى المنزل، لقد دخلن الجامعة واكتشفن أن العالم تغير، حيث كانت الفتيات يرتدين التنانير القصيرة فى الشارع والجينزات ويتظاهرن أحيانا ويتزوجن أيضا من دون موافقة الآباء.

لكن داخل المجتمع على العموم وداخل جبهة التحرير الوطنى كانت السلطة للرجال، كما حرصت على إلقاء الضوء على ما وصفته بسياسة جبهة التحرير تجاه المجاهدات اللواتى ناضلن وقاتلن خلال حرب التحرير، لقد أرسلتهن إلى بيوتهن وبقيت المرأة خاضعة للرجل وهو ما أكده قانون الأسرة فى 1984.

وتقول نصيرة مراح: إن النساء المتعلمات فى بلادها تبنين الفكر الإسلامى فى الجزائر بعد الثورة الإيرانية من أجل التنديد بالإمبريالية الغربية وأيضا مناهضة جبهة التحرير التى تحولت إلى جهة ظالمة من وجهة نظرهن.

بمرور الوقت تمكنت الجبهة الإسلامية للإنقاذ فى الجزائر وبمهارة شديدة من لعب ورقة المساواة بين حقوق الرجال والنساء داخل الحزب، وبدأت الإشارة إلى السيدة خديجة باعتبارها كانت سيدة أعمال من الطراز الأول، والسيدة عائشة التى كانت سيدة دولة وسلطة، وبالفعل تصدرت النساء القوائم الانتخابية وكان الرجال يشجعونهم برعاية الأولاد، لكن بشرط وضع الحجاب. وبمرورالوقت أصبح الحجاب ضرورة اجتماعية تجعل حياة المرأة أكثر سهولة كما تقول خديجة التى ارتدت ابنتها الحجاب من أجل الالتحاق بالجامعة (فى وقت ما لم تكن النساء تخرجن أو تخرجن برفقة أحد، وفى ساعات محددة، ولكن مع ارتداء الحجاب الذى يعد مؤشر حشمة وعفة، أصبح من السهل عليهن القيام بما يرغبن فيه).

وينتهى الملف بالإشارة إلى جملة قاسم أمين الذى قال: (إن الحجاب عادة وليس له علاقة بالدين)، ولكن بحسب المجلة، يبدو أن الدين والعادات يكملان بعضهما البعض فى العالم الإسلامى، ولا أحد يعرف من هو الأقوى.

وبصرف النظر عن ارتداء المرأة الحجاب أوخلعها له، يبقى السؤال كيف يسترجع العالم الإسلامى طريقه نحو الحضارة والتقدم؟ وكيف يمكن إحياء محاولات التحديث التى بدأت على يد رجال الدين مثل محمد عبده ورفاعة الطهطاوى لتحل محل محاولات فرض نسخة متطرفة من الدين الإسلامى على يد المتأسلمين؟