مى سمير تكتب: خطايـا الرئـيس ..بالتفاصيل.. «الأيام السوداء» فى «البيت الأبيض»

مقالات الرأي



كتاب «القدر والقوة»... قصة حياة الرئيس الأمريكى الأسبق بوش الأب

بالتفاصيل.. «الأيام السوداء» فى «البيت الأبيض»

صدر أمس فى الولايات المتحدة الأمريكية الكتاب الجديد (القدر والقوة: الملحمة الأمريكية لجورج هربرت والكر بوش) الذى يتناول قصة حياة الرئيس الأمريكى الأسبق بوش الأب.

مؤلف الكتاب هو الصحفى الأمريكى جون ميتشام الذى حصل من قبل على جائزة البوليترز الصحفية العريقة، وأخذ إعداد الكتاب جهدا كبيرا من الصحفى الأمريكى، الذى أجرى لقاءات مع الشخصيات القريبة من بوش الأب فى نحو تسع سنوات، اطلع فيها على جميع تفاصيل يوميات الرئيس الأمريكى الأسبق وزوجته باربرا بوش، علاوة على تواصله المستمرة مع كل أعضاء وأصدقاء العائلة.

القدر الكبير من المعلومات والجهد الصحفى إلى جانب المكانة العريقة التى يتمتع بها ميتشام جعلت الكتاب على حد وصف الصحافة الأمريكية بمثابة مذكرات مثيرة للدهشة والإعجاب للرئيس الأمريكى رقم 41 فى تاريخ البيت الأبيض، وكانت جريدة الصنداى تايمز قد انفردت بعرض مطول لأهم تفاصيل الكتاب

1
الهزيمة

يبدأ الكتاب بواحدة من أهم الليالى فى حياة بوش الأب، ليلة هزيمته وخروجه من البيت الأبيض، بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 1992، علم بوش الأب أنه خسر، وكانت الهزيمة ثقيلة عليه حيث قفز من سريره فى الفندق الذى يقيم فيه هوستون وانتقل للجلوس فى غرفة المعيشة وسيطرت عليه حالة من القلق والتوتر.

كان يجلس وحيدا ويكافح من أجل أن يتأقلم مع حقيقة أن الرئيس رقم 41 فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية والذى تعامل بحنكة مع انتهاء الحرب الباردة قد خسر الانتخابات لصالح طفل الحزب الديمقراطى وحاكم أركنساس بيل كلينتون، واحتفظ بوش الأب طوال الفترة التى قضاها كنائب للرئيس الأمريكى الراحل رونالد ريجان أو كرئيس للولايات المتحدة بتسجيل صوتى ليومياته فى أروقة صناعة القرار فى أمريكا.

وعندما كان بمفرده يتحدث للمسجل الصوتى وللتاريخ كان حريصا على أن يتمتع بالأمانة فى ذكر كل تقلبات الرئاسة، كان يكشف الجيد والسيئ فى حكم أمريكا، يعبر عن مخاوفه وآماله، فى هذه الليلة فى فندق هوستون اعترف أنه كان يتألم ولكنه فى نفس الوقت كان يفكر فى كيف يمكن له أن يرفع ذقنه فى ظل هذه الظروف ويظل يحتفظ برأسه مرتفعا خلال الأيام الصعبة القادمة.

حرص بوش على أن يتكلم بصوت منخفض حتى لا تستيقظ زوجته باربرا التى كانت نائمة فى الغرفة المجاورة، وسجل بوش الأب فى مذكراته الصوتية هذه الكلمات (أنا أفكر فى وطن، نعم لقد حققنا تقدما، ولكن هناك الكثير من الأمور غير المكتملة، إن الأمر مؤلم، مؤلم، مؤلم، أنا أعتقد أنه الكبرياء).

2
الطريق

يرسم الكاتب صورة أسطورية لبوش الأب، وبحسب الكتاب فإن الشرف، الواجب والعمل الشاق كانا بمثابة عناصر رئيسية فى حياته، كطيار فى الحرب العالمية الثانية سقطت طائرته فى المحيط الهادئ وتم إنقاذه، وبعد الحرب، بدلا من العمل فى وظيفة آمنة فى وول ستريت اتجه للغرب وفضل العمل فى مجال البترول، وعلى الرغم من نجاحه لكنه أراد أن يخدم وطنه لهذا اختار أن يعمل فى مجال السياسة.

كانت حياته السياسية محبطة، كونه فشل مرتين فى انتخابات الكونجرس الأمريكى، ثم خسر الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهورى من أجل الرئاسة الأمريكية فى عام 1980 أمام منافسه رونالد ريجان، لكنه نجح خلال سنوات عمله فى السياسة أن يحقق الكثير من الإنجازات، فقد خدم كعضو فى الكونجرس، سفيرا للولايات التحدة الأمريكية، رئيسا للجنة الوطنية للجمهوريين، مبعوثا فى الصين، وأخيرا مديرا للمخابرات المركزية الأمريكية ونائبا للرئيس ريجان.

عندما خاض الانتخابات الرئاسية فى عام 1988 كان يعلم أنه إذا خسر هذه الانتخابات يجب عليه أن يعتزل السياسة، كان السباق صعبا للغاية، ولكنه نجح فى النهاية فى الفوز بأكثر من 53% من الأصوات، وهى الأغلبية التى لم يحققها أى رئيس فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.

3
البيت الأبيض

وبحسب الكتاب، بعد شهور قليلة من توليه منصب كرئيس للولايات المتحدة، رسم بوش خطة خفض الجنود الغربيين والسوفييت فى أوروبا، وهو الأمر الذى سمح للقوى العظمى بخفض مخزونها من الصواريخ النووية قصيرة المدى، وبعد عدة شهور، حرص على التعامل بهدوء مع سقوط حائط برلين. بعد ذلك دار حوار بينه وبين ميخائيل جورباتشوف، أكد فيه بوش للرئيس الروسى أنه كان حريصا على عدم تعقيد حياته ولهذا لم يحاول استغلال سقوط حائط برلين، وكان رد جورباتشوف عليه أنه لاحظ هذا الأمر ويقدره، وبهذا الأسلوب ساعد الرئيس الأمريكى الأسبق فى إنهاء الحرب الباردة.

فى المقابل اختار بوش الأب تبنى سياسة صارمة فى التعامل مع الغزو العراقى للكويت حيث حرص على تأسيس تحالف دولى بقيادة أمريكا فى الحرب ضد العراق والتى بدورها ساهمت فى زيادة شعبيته، كان مؤمنا أن استخدام القوة ضد صدام حسين هو الخيار الصحيح لدرجة دفعته للمخاطرة بإثارة غضب الكونجرس الأمريكى الذى كان مستعدا لعزله فى حالة إذا ما سارت الحرب بشكل سيئ، غير أن المعركة لم تستمر على الأرض أكثر من مائة ساعة تم خلالها تدمير الجزء الأكبر من الجيش العراقى.

كان بوش تحت ضغط من أجل إنهاء المهمة بالقضاء على صدام ووضع نهاية لحكمه، ولكن بوش كتب فى وقت لاحق أن احتلال العراق سوف يؤدى على الفور إلى تحطم التحالف وسوف يحول صدام من طاغية إلى بطل عربى، وكان من الممكن أن تسفر الحرب عن تورط الجنود الأمريكان فى حرب عصابات لا يمكن الانتصار فيها.

لكن.. الانتصار على صدام حسين لم يشفع عن أداء إدارته الهزيل على المستوى الاقتصادى الذى أسفر فى النهاية عن ركود أدى إلى تراجع إيمان الشعب الأمريكى به وانتهى الأمر بخسارته لانتخابات الرئاسة أمام بيل كلينتون فى عام 1992. وفى مذكراته كتب بوش انه كان يحب خوض الصراع المتعلق بالسياسة الخارجية، غير أنه لم يكن يحب على الإطلاق المفاوضات الخاصة بالسياسة الداخلية والمناقشات حول ميزانية الولايات المتحدة، هذا الأمر هو الذى أدى فى النهاية إلى عدم التزامه بتعهده للشعب الأمريكى عندما قال لهم (اقرأوا شفتى، لن تكون هناك ضرائب جديدة).

4
الابن

بعد ثمانى سنوات من مغادرته البيت الأبيض، وفى ليلة تنصيب ابنه بوش الابن رئيسا للولايات، فى تلك الليلة سقطت الدموع من عيون الأب الذى كان يشعر بالفخر بابنه، من البساطة أن نكتفى بالقول أن ظلال علاقة الأب بالابن كان لها تأثير على حكم بوش الابن الذى استمر لمدة ثمانى سنوات، ولكن من السذاجة أيضا ألا نعتقد أن حكاية الأب والابن تشكلت عبر مجموعة معقدة من العواطف.

هناك نظرتان لتفسير إدارة بوش الابن للولايات المتحدة الأمريكية فى إطار علاقته بوالده، تشير النظرية الأولى، إلى أن بوش الابن أراد الانتقام لهزيمة والده فى انتخابات الرئاسة لعام 1992 وانه أتى إلى البيت البيض من أجل إعادة عائلته من جديد إلى صدارة المشهد السياسى، بينما بحسب النظرية الثانية، وهى وجهة نظر أكثر قتامة، فإن بوش الابن كان يسعى جاهدا لكى يتفوق على والده وذلك بتأسيس هوية أيديولوجية صارمة لم يسع والده لتأسيسها، وأيضا من خلال الحرص على الفوز بولاية رئاسية ثانية حيث نجح الابن فيما فشل فيه الأب.

فى هذا الإطار يؤكد الابن أنه لم يفكر فى منافسة والده وتساءل قائلا (لماذا تنافس شخصا تحبه؟)، أما الأب فكان دائم الدفاع عن ابنه مؤكدا أنه ليس مغفلا أو غبيا كما يصفه البعض بل هو شخص متعلم وقادر على تحقيق أهدافه، وتحولت قصة الأب والابن إلى جزء من تاريخ أمريكا الحديث فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر حيث قرر بوش الابن غزو العراق التى قام والده من قبل بمحاربتها.

واتسم قرار الحرب على صدام حسين بالجرأة، وكان الابن يريد أن يتفوق على والده، لقد بنى بوش الأب سمعته السياسية وفقا لسياسة رد الفعل، والحرص والواقعية من أجل تحقيق أهدافه، بينما حرص الابن على رسم صورة مختلفة لقيادته، فكان الابن يفضل أن يكون الرئيس الذى يأخذ زمام المبادرة.. ولهذا حتى عندما كانت تحركات الابن فى سياسته الخارجية مرتبطة بتاريخ والده السياسى، فإنه كان يسعى لإعطاء انطباع التمرد على ميراث والده أو على الأقل منافسته.

وفى اليوم الذى أصدر فيه الابن قرار شن الحرب على العراق، أرسل خطابا إلى والده كتب فيه أنه اتخذ قرارا منذ عدة أشهر باستخدام القوة إذا لزم الأمر من أجل تحرير العراق والقضاء على أسلحة الدمار الشامل، إلا أن هذا القرار أثار مشاعره، ويرى أنه القرار الصحيح حتى لا يفقد الكثيرون حياتهم، وأنهى الخطاب بأن العراق سيكون حرا والعالم أكثر أمانا، ورد الأب عبر الفاكس فى رسالة أشار فيها إلى أن كلمات ابنه لمست قلبه، وأكد له أنه اتخذ القرار الصحيح، وأنهى الرسالة بالتأكيد على حبه لابنه.

5
رامسفيلد وتشينى

يتعرض الكتاب بعمق للغزو الأمريكى للعراق، فى إطار الشهادة المثيرة للجدل التى يقدمها بوش الأب عن الدائرة المقربة التى كانت تحيط بابنه فى البيت الأبيض، وبالتحديد شهادته اللاذعة على رونالد رامسفيلد وزير الدفاع وديك تشينى نائب الرئيس، حيث يؤكد أنهما لم يحسنا خدمة ابنه.

وفيما يتعلق برامسفيلد فهناك تاريخ طويل جمع بين بوش الأب ووزير الدفاع فى إدارة ابنه، وكان هناك تنافس يسيطر على العلاقة بينهما منذ عهد الرؤساء السابقين نيكسون، فورد وريجان.

لكن يبدو أن هذا التاريخ من التنافس لم يؤثر على اختيار بوش الابن لرامسفيلد كوزير للدفاع فى إدارته، وعلقت باربرا بوش على هذا الاختيار حيث ذكرت فى مذكراته أن اختيار رامسفيلد كان بمثابة دليل على أن الابن يرغب فى صناعة اسم خاص به بعيدا عن ميراث الأب.

وفى 2006 غادر رامسفيلد موقعه كوزير للدفاع بعد تفاقم الأوضاع فى العراق، وأثار هذا القرار ارتياح بوش الأب الذى أكد أنه لم يكن يحبه وأنه يعتقد أنه أساء إلى رئاسة ابنه، أما بالنسبة لنائب الرئيس ديك تشينى، فيصفه بوش الأب الذى يبلغ من العمر 91 عاما بأنه لاعب مخضرم فى عالم السياسة فى واشنطن العاصمة، حيث وصل لمنصب رئيس فريق عمل البيت الأبيض وهو فى الرابعة والثلاثين، ثم عضو فى الكونجرس، ووزير للدفاع، باختصار كان يعرف كيف يمكن له أن يستغل نفوذه إلى أقصى درجة فى واشنطن.

ويؤكد بوش الأب أن تشينى لم يكن هو من يحرك الأحداث من وراء الكواليس فى عهد بوش الابن (لم يكن القوة التى تقف وراء العرش) ولكنه فى نفس الوقت كان يتمتع بنفوذ وقوة وتأثير كبير على إدارة ابنه، وفى كثير من الأحيان كان بوش الابن يعتقد أنه من يتخذ القرار ولكن فى حقيقة الأمر كان تشينى هو المسئول الأول وصاحب الكلمة الأخيرة.

الكتاب أثار حالة كبيرة من الجدل فى الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ذلك أكد الرئيس الأمريكى السابق بوش الابن أنه لم يكن يعرف آراء والده اللاذعة ضد أعضاء إدارته بينما عبر رامسفيلد عن غضبه، واكتفى تشينى بوصف آراء الأب بالمثيرة للاهتمام.

بلير عن حرب العراق: ندمان!

فى لقاء تليفزيونى مع محطة CNN الأمريكية، قال رئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير إنه يتقدم باعتذاره لأن المعلومات الاستخباراتية التى اعتمد عليها من أجل اتخاذ قرار غزو العراق فى 2003 لم تكن صحيحة، واعترف بوجود أخطاء فى التخطيط لهذه العملية.

كان الصحفى الأمريكى الشهير فريد زكريا قد سأله صراحة عن مشاعره بشأن الفشل فى العثور على أسلحة دمار شامل فى العراق وما إذا كان غزو عراق خطأ، وذلك ضمن برنامج وثائقى يحمل عنوان «الطريق الطويل إلى الجحيم، أمريكا فى العراق».. وبسؤاله عما إذا كان الغزو الأمريكى للعراق قد لعب دورا فى ظهور تنظيم داعش، فقد اعترف بلير بأن هناك جزءا من الحقيقة فى هذا الادعاء وأنهى كلامه قائلا «بالطبع، لا يمكن أن تقول إن هؤلاء الذى أطاحوا بصدام حسين فى 2003 ليس لديهم أى مسئولية عن الوضع فى 2015».

لا يعتبرون أنفسهم منزهين عن الهوى، مجرد بشر يحكمون، وتكون أفعالهم وقراراتهم قابلة للصواب.. والخطأ.

والحقيقة، أن الخطأ فى حد ذاته، يزول بمجرد الاعتذار عنه، فالشعوب المتحضرة، قد تسامح رؤساءها على الخطأ، لكنها لا تقبل أبدا بفكرة الكذب.

لذا، نرصد فى السطور التالية، خطايا لرؤساء لم يتكبروا، بينما اعترفوا بأخطائهم.. ووعدوا بتغييرها، قبل أن يعتذروا عنها.

إنريكو لينا للعاطلين: أنا المسئول وأقدم اعتذارى

فى يونيو 2013، تقدم رئيس وزراء إيطاليا إنريكو لينا باعتذار رسمى للشباب الإيطالى العاطل عن العمل وذلك بعد أن وصلت معدلات البطالة فى إيطاليا إلى أعلى مستوياتها على مدار 36 عاما. وكان رئيس الوزراء الايطالى الشاب والذى كان يبلغ من العمر فى ذلك الوقت 46 عاما قد نشر رسالة اعتذار على صفحات جريدة «ستمبا» وكتب فى هذه الرسالة «أكبر خطأ نرتكبه، بتكرار أخطاء الأجيال الماضية، هو تجاه الشباب، هو خطأ لا يغتفر».

رئيسة البرازيل تعتذر عن الأخطاء الاقتصادية والمرورية

اعترفت رئيسة البرازيل، ديلما روسيف، بأن حكومتها ارتكبت أخطاء وأنها حريصة على مواجهة هذه الأخطاء والعثور على حلول لها.

وكانت «روسيف» قد ألقت بخطاب رسمى على الشعب البرازيلى بمناسبة عيد الاستقلال، وقدمت فى هذا الخطاب اعتذارا رسميا عن المشاكل الاقتصادية التى تعانى منها البرازيل واعترفت بأن هذه المشاكل نتيجة للإنفاق الحكومى على البرامج الاجتماعية.

وقالت ورسيف «إذا ارتكبنا أخطاء، وهذا أمر محتمل، فسوف نعمل من أجل التغلب عليها».. ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى تعتذر فيها رئيسة البرازيل لشعبها، فقد سبق لها تقديم اعتذار، ولكن هذه المرة ليس لأخطاء سياسية أو اقتصادية ولكن لخطأ مرورى، واعتذرت لمواطنيها عن انتهاكها قواعد المرور، عندما حملت حفيدها البالغ من العمر 3 أعوام بين ذراعيها، وهى تجلس فى المقعد الخلفى بالسيارة.

وقالت «روسيف»، عبر حسابها فى شبكة التواصل الاجتماعى تويتر «كنت أحمل حفيدى بين ذراعى فى المقعد الخلفى، وهذا كان خطأ.. قواعد المرور واضحة، يجب على الأطفال الجلوس فى مقاعدهم الخاصة فى السيارة».

رئيس فرنسا السابق: ارتكبت 27 خطأ وتعلمت بعد فوات الأوان

من فرنسا يبدأ كل شىء وينتهى كل شىء هكذا افتتح الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى كتابه الذى صدر أول أمس «فرنسا للأبد». الكتاب يتضمن اعترافات ساركوزى عن الأخطاء التى ارتكبها، ويشعر تجاهها بالأسف، ويستعرض الإنجازات التى حققها وتجعله يشعر بالكبرياء، والأهم أنه يستعرض مشروعه القادم من أجل فرنسا، ولهذا وصف الكثير من معارضى ساركوزى الكتاب بالنشرة الدعائية لرئيس سابق يحلم من جديد بأن يحتل قصر الإليزيه.

انفردت جريدة لو فيجارو باستعراض تفاصيل هذا الكتاب الذى صدر الاثنين الماضى، حيث يشرح ساركوزى اقتراحاته المفصلة لتاريخ فرنسا وذلك بعد أن قدم مراجعة شاملة لفترة رئاسته.

تبدأ الجريدة الفرنسية قراءتها للكتاب بالإشارة إلى أن حياة ساركوزى وأعماله قد خضعت للفحص من جميع الزوايا، وعلى الرغم من ذلك فإن الرئيس الفرنسى فى كتابه الجديد لايزال قادرًا على تفجير مزيد من المفاجآت. وكان الكتاب الأخير الذى نشره ساركوزى فى عام 2006، عندما نشر كتابه (الشهادة) وذلك من أجل إطلاقه حملته للانتخابات الرئاسية. منذ ذلك التاريخ، وقعت الكثير من الأحداث، منها على سبيل المثال أن ساركوزى أصبح بالفعل رئيسًا لفرنسا ثم تعرض للهزيمة قبل أن يتقاعد. فى النهاية، قرر ساركوزى العودة إلى السياسة.

اليوم، وعلى الرغم من نتائج استطلاعات الرأى الصعبة على نحو متزايد، أصبح ساركوزى من جديد مرشحًا محتملاً لأعلى منصب فى الدولة الفرنسية. وفقا لمقدمة الكتاب الجديد، يؤكد ساركوزى أن هذا الكتاب ليس إعلانا عن ترشحه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولكنه بمثابة لحظة حاسمة فى تقديم تفسير أكبر لكل القضايا المعلقة بينه وبين الفرنسيين.

يأتى كتاب ساركوزى فى نفس سياق كتاب رئيس وزرائه السابق فرنسوا فيون والذى حرص فى كتابه (العمل) على أن يخلط بين تقديم شاهدته عن الماضى ورسم تصوراته عن المستقبل. لكن من المؤكد أن كتاب ساركوزى الجديد هو حدث فى حد ذاته، لأول مرة فى تاريخ فرنسا، يصدر رئيس سابق كتابا من أجل الاستعداد لكى يخوض حملة انتخابية رئاسية جديدة.

1
الندم

ظهر الكتاب وكأنه رسالة من ساركوزى يؤكد فيها أنه تعلم من الماضى، وأنه يسعى للتكفير عن الماضى، فى خطوة لم يقدم عليها من قبل أى رئيس فرنسى. عبر صفحات الكتاب تتكاثر الاعترافات بالأخطاء سواء فى الشكل أو المضمون، هو لا يكتفى بالتلميح على وجه السرعة ولكنه يحلل ويعلن الندم ويعترف بأنه لم ينجح فى أمور ما. وبحسب جريدة لو فيجارو فإن كتاب ساركوزى يتضمن إعلان ندمه عن 27 خطأ بالضبط.

كتب ساركوزى أنه كان «ديكارتى» للغاية، يأخذ الأمور من زاوية واحدة، وفى بعض الأحيان فى منتهى البساطة، ويضيف أنه كان فى حاجة لمواجهة تحديات الحياة من أجل أن يفهم ويتعلم، واليوم عندما يلقى نظرة على الوراء فإنه يكتشف كيف أثار غضب الآخرين. وكتب ساركوزى (لقد بقيت لعدة شهور الرجل الذى أصبح رئيسا على الفور).

2
شخصيات وحكايات

يمتلأ الكتاب بحكايات شخصية عن جاك شيراك، دومنيلك دو فيلبان، عن السياسة والأزمات، ولكن فيما يبدو فإن رئيس فرنسا السابق فضّل عدم الحديث كثيرا عن الشئون الخارجية أو عن علاقته بقادة العالم، عن حزب اليمين، يؤكد أن الحزب فى حاجة لاتحاد أعضائه، وعن رئيس وزرائه، يتمسك ساركوزى باختياره ولكنه يشير قائلا إنه كثيرًا ما اعتبر صمت رئيس وزرائه فرانسو فيون بمثابة دليل على الإذعان، كما أكد أن فيون قام بدوره بكل جدية ومسئولية. كما يشعر بالندم تجاه عدم تغيير مديرى الإدارة المركزية والذين يتحملون مسئولية البطء فى تنفيذ الإصلاحات وكذلك السماح لموظفيه بالتحدث علنا فى شئون الدولة. وعن رئيس فرنسا الحال فرنسوا هولاند فقد أكد أنه لا يوجد بينهما أى أمور تحتاج للانهاء أو ثأر يحتاج للأخذ به، كما أكد أنه فى حالة عودته للسلطة فإنه لن يعيد النظر فى قانون السماح لزواج المثليين الذى تم إقراره فى عهد هولاند، وهو الاعتراف الذى أثار حفيظة عدد من معارضى هذا القانون داخل حزبه، وعلى الرغم من بعض الانتقادات التى يوجهها ساركوزى لهولاند إلا أنه يؤكد أن رئيس فرنسا الحالى يتمتع بقدرة على تلقى الضربات، والاختباء من العواصف الإعلامية، وكذلك الاستفادة من رئيس وزرائه كدرع لحمايته.

الخطأ الغبى الذى لا يعرف كيف ارتكبه ولايزال يندم عليه ولا يستطيع أن يغفره هو عندما فقد أعصابه أثناء زيارته لمعرض زراعى حيث استفزه أحد الحاضرين ليرد عليه ساركوزى (اذهب للجحيم أيها الحقير). كتب ساركوزى أنه وضع نفسه فى نفس مستوى هذا الشخص عندما اختار أن يرد عليه، واعترف أنه ارتكب هذا الخطأ الذى لايزال نادما عليه إلى يومنا هذا لأنه تدنى بمستوى العمل الرئاسى، ولكن حتى كشخص عادى وليس رئيسًا كان رد فعله غير ملائم. وأكد الرئيس الفرنسى السابق أنه تعلم كثيرا من هذا الخطأ الذى دفع ثمنه غاليا.

من الأخطاء الأخرى التى يندم عليها، ذهابه فى إجازة على متن يخت أحد أصدقائه. كتب ساركوزى أنه اعتقد أن قضاء خمسة أيام على متن يخت صديق قديم ومخلص وهو رجل الأعمال فنست بولور سوف يساعده فى إنقاذ حياته العائلية. ولكن هذه الإجازة التى كانت بعد فوزه مباشرة بانتخابات الرئاسة الفرنسية قد تحولت إلى كابوس يطارده فى مختلف وسائل الإعلام. يعترف ساركوزى أنه لم يأخذ فى الاعتبار صورته الجديدة كرئيس لفرنسا، وإنه كان يجب أن يضع الرئاسة قبل أى شىء آخر، مضيفاً أنه لا يعرف كيف ارتكب هذا الخطأ الغريب.

3
قوانين وحقوق

لا يقتصر إعلان الندم على أسلوب إدارته وتعامله مع الآخرين ولكنه أيضا يتطرق لبعض القضايا الجوهرية، فعلى سبيل المثال يعترف أنه تأخر فى إجراء إصلاحات كان يجب أن تتم منذ اللحظة الأولى لتوليه رئاسة فرنسا كتلك الإصلاحات المتعلقة بالقيمة المضافة للضريبة الاجتماعية التى يقرها المجلس التشريعى فى 2007، كما يعترف بفشل الإصلاح المتعلق بالضرائب المهنية وإيرادات التضامن. واعترف أيضا بأنه بالغ كثيرًا فيما يتعلق بتعديل فترة العمل الأسبوعية المحددة بـ35 ساعة والتى اختصرها بعبارة واحدة أثارت حفيظة الكثيرين عندما أعلن (أعمل أكثر لكسب مال أكثر). يعلن ساركوزى فى كتابه أنه نادم على محاولاته العمل على العديد من القضايا بدلا من التركيز على إجراء مجموعة من الإصلاحات الضرورية التى تحتل أولوية اهتمام الشعب الفرنسى.

أما فيما يتعلق بقضايا الأمن والهجرة فى فرنسا، فيعترف ساركوزى أنه بدلا من الإسراع باتخاذ التدابير العادلة والصحيحة وجد نفسه يتراجع ويقدم تنازلات ويبحث عن حلول وسطى. ويعترف ساركوزى أنه ارتكب خطيئة التباطؤ فى التعامل مع قضايا الأمن والهجرة، فى الوقت الذى اعتقدت فيه وسائل الإعلام أنه سوف يتحرك بسرعة كبيرة وبقوة حاسمة. ويضيف رئيس فرنسا السابق أن رئيس وزرائه والعديد من الوزراء وكذلك الكثير من أصدقائه المخلصين أكدوا له كل يوم، أن الفرنسيين، فى هذه الأوقات من الأزمة، فى حاجة إلى رئيس قادر على بث الهدوء والطمأنينة، وأنه كان شخصية قتالية على نحو لا يناسبهم، ولكن فى المقابل كان الشعب الفرنسى ينتظر منه أن يتعامل مع هذه القضايا بمزيد من الحسم، يكتب ساركوزى أنه فكر كثيرا فى هذه الفترة وأنه تعلم درسا سوف يحرص على الاستفادة منه فى المستقبل، فالوقت الذى يتولى فيه الرئيس مسئولية البلاد يمر سريعا وبالتالى عليه أن يستفيد منه إلى أقصى درجة.

كما يتطرق ساركوزى للحديث عن الهجرة إلى فرنسا، ذلك الموضوع الشائك فى المجتمع الفرنسى، ويرى ساركوزى أن إدارة هذه القضية يجب أن تتم من خلال معادلة سهلة وبسيطة وهى بدون عقد عمل لا يمكن أن تدخل فرنسا.

أما عن الضرائب، فقد كتب أن الضرائب الجيدة هى تلك التى تسمح لشركاتنا بالربح من حصة السوق وتحقيق مكاسب وخلق وظائف. وأضاف أنه بدلا من إطلاق تشبيهات مثل (هدية الأغنياء) على فرنسا أن تنظر إلى الأسواق الرئيسية للشركات الفرنسية وهى بالتأكيد أوروبا، وبالتالى فإن الهدف المركزى يجب أن يتمركز حول أن الضرائب الفرنسية لا يجب أن تتجاوز متوسط الضرائب المفروضة لدى الأوروبيين» ويلخص ساركوزى وجهة نظره فى التعامل مع هذه القضايا الداخلية قائلا: (إن الاشتراكيين يريدون عددًا أقل من الأغنياء وأنا أريد عددًا أقل من الفقراء).

4
كارلا

يتعرض الكتاب للحياة الشخصية لساركوزى التى امتلأت بالكثير من الدراما ما بين خيانة زوجته سيسليا إلى زواجها من المغنية وعارضة الأزياء الإيطالية كارلا برونى. وكانت سيسليا الزوجة السابقة لساركوزى قد هربت من فرنسا أثناء الشهور الأولى من تولى ساركوزى منصب الرئيس الفرنسى فى عام 2007، حيث سافرت للولايات المتحدة من أجل لقاء عشيقها فى ذلك الوقت ريتشارد آتيس. وكانت سيسليا قد التقت مع آتيس فى عام 2005 ونشأت بينهما قصة حب ولكنها لم تنفصل عن زوجها على الرغم من مشاعرها تجاه آتيس. والمثير للدهشة أن ساركوزى فى كتابه (الشهادة) الذى نشره عام 2006، قد كتب عن مشاعره الكبيرة تجاه زوجته والتى يشعر أنها الإنسانة التى سيقضى معها بقية حياته. بعد هروب سيسليا إلى أمريكا، نجح ساركوزى فى اقناعها بالعودة مرة أخرى لاستكمال دورها كسيدة فرنسا الأولى، ولكن بعد فترة وجيزة وقع الانفصال بينهما، وبمجرد انفصاله عن سيسليا، ارتبط ساركوزى بكارلا.

كتب ساركوزى (لقد عانيت كثيرا، وأنا طفل لم يكن لدى الأسرة التى أحلم بها، وعندما أصبح لدى عائلة، كان لدى الاستعداد للحفاظ عليها بطريقة تقترب من الهوس). ويعترف الحالم بكرسى الرئاسة من جديد أن هذا الهوس هو الذى دفعه لكى يتزوج من كارلا بسرعة فى عام 2008. وكان ساركوزى قد التقى بكارلا بعد شهر واحد من انفصاله عن سيسليا فى حفل عشاء، ونشأت بينهما قصة حب على الفور وتزوج منها فى فبراير 2008 وأنجب منها طفلته جياليا فى 2011 والتى تعد أول طفلة تنجب فى قصر الإليزيه.

ويربط ساركوزى بين حياته الشخصية وبين حياة الرئيس الفرنسى الحالى فرنسوا هولاند عندما يشير إلى أنه لم يعجب بالطريقة التى تم التعامل بها مع فاليرى عشيقة هولاند التى غادرت قصر الإليزيه بعد الكشف عن خيانة هولاند لها مع الممثلة الفرنسية جولى جايه. يكتب ساركوزى أنه لم يعجب بطريقة التعامل مع فاليرى التى كانت كبش فداء مثاليا، لأن التواجد فى هذا الوضع الهش الذى لم تكن مسئولة عنه جعلها غير قادرة على الدفاع عن نفسها. ويعترف ساركوزى أنه يعلم أن فى ذلك الوقت، كان هناك الكثيرون الذين لم يفهموا ما يمر به ولكنهم حكموا عليه بأنه تجاوز سريعا انفصاله عن زوجته. ولكن من وجهة نظر ساركوزى فإن زواجه من كارلا كان بمثابة الطريق الوحيد والأكثر احتراما لكى يحيمها من أن تصبح العشيقة الرسمية للرئيس. ويؤكد ساركوزى أنه على الرغم من تعرضه للسخرية عندما أعلن أن علاقته مع كارلا جادة إلا أن زواجه منها كان السبيل الوحيد لوضع حد للنميمة وللصور الصحفية المسروقة عن علاقتهما. هذا الاطار الجاد للعلاقة كان وسيلته لكى يمنع الإعلام من التعامل مع علاقته بكارلا باعتبارها مصدرًا للنميية والحكايات. كما تحدث ساركوزى عن الحفلات الغنائية التى أقامتها كارلا بعد مغادرته لقصر الإليزيه، وأكد أنه سعيد من أجلها ويشعر بالفخر لما حققته كارلا كمغنية وفنانة، وأضاف أن الأمانة تجبره أن يعترف بشعوره بالامتنان للمشاعر الدافئة التى شعر بها من قبل جمهورها.

إن هذا الكتاب الجديد والذى يعترف فيه الرئيس الفرنسى بالأخطاء التى ارتكبها فى فترة رئاسته يلقى الضوء بقوة على طموحات ساركوزى للعودة من جديدة إلى قصر الإليزيه، ولكن استطلاعات الرأى فى الشارع الفرنسى لا يبدو أنها تصب فى صالح ساركوزى الذى واجه بالفعل منافسة شرسة من قبل منافسيه داخل حزبه (الاتحاد من أجل الحركة الشعبية)، ومن المنتظر أن يعلن حزبه فى نهاية هذا العام عن مرشحه الرسمى. ومع انخفاض شعبية الرئيس الفرنسى الحالى فرنسوا هولاند والذى يتم وصفه بأنه الرئيس الأقل شعبية فى تاريخ فرنسا، فمن المتوقع أن يفوز مرشح حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية بانتخابات الرئاسة الفرنسية القادمة.