مى سمير تكتب: نهاية العالم

مقالات الرأي



135 رئيس دولة يجتمعون فى باريس لخفض درجة حرارة الأرض

3 مشاهد لـ «قمة المناخ» فى باريس

قادة العالم: علينا أن نحدد شكل الحياة على كوكب الأرض
شباب باريس يقذفون الشرطة بالزجاجات الفارغة والأحذية والحجارة.. والحكومة: القمة أكبر تحد للإرهاب
مصر تنتظر كارثة مناخية تهدد بدمار بيئى وجفاف منابع النيل وإجهاد حرارى يتسبب فى قتل خمسة آلاف سنويا

وكأن العالم يعيش مشهد البداية فى فيلم « خيال علمى» مخيف، فتغير المناخ بفعل الاحتباس الحرارى، سيصل بالعالم - حتما - إلى مصير مظلم.

ولعل «قمة المناخ» التى تستضيفها العاصمة الفرنسية باريس، بحضور ما يقرب من 135 من رؤساء الدول، توضح حجم الكارثة التى يخشى العالم- أو بالأحرى – ينتظرها ويسعى لمواجهتها بمزيد من الخوف.

ولقمة المناخ فى باريس ثلاثة مشاهد مهمة، المشهد الأول منها هو أحداث القمة، والثانى هو الحالة الأمنية التى تعيشها فرنسا، بعد العملية الإرهابية الأخيرة التى راح ضحيتها 130 قتيلا.. أما المشهد الثالث والأهم فهو الكارثة المناخية التى تهدد بضرب مصر بحلول عام 2030.


1- قمة المناخ

استهدف المؤتمر الـ21 لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة، الإطارية بشأن تغير المناخ، التوصل لاتفاق دولى ملزم وشامل للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، وإبطاء تأثير تغير المناخ.

وبحسب مجلة التايم الأمريكية فإن هناك حالة من التفاؤل بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق رغم سعى الدول المتقدمة إلى اقتسام فاتورة مواجهة التغيرات المناخية مع الدول النامية، وتستهدف القمة التوصل إلى اتفاق قانونى وملزم لكل الدول المشاركة.

يرى معظم المفاوضين أن التمويل هو نقطة الخلاف الرئيسية التى يمكن أن تقف أمام التوصل إلى اتفاق، وتصل تكلفة التصدى لتغير المناخ فى البلدان النامية لنحو100 مليار دولار سنويا، وعلى الرغم من تدفق الأموال الداعمة للجهود الهادفة لمواجهة التغيرات المناخية إلا أن الأمر فى حاجة لالتزام كبير من قبل الدول الغنية، خاصة أنها المسئولة فى المقام الأول عن التغيرات المناخية التى يعانى منها العالم، وتأتى الولايات المتحدة الأمريكية فى المرتبة الأولى وتصل نسبة الانبعاثات الحرارية فيها إلى 22%، ثم الصين بنسبة 9%، وروسيا 8%، ثم فى المرتبة الرابعة كل من البرازيل والهند بنسبة 7%، ثم ألمانيا وبريطانيا بنسبة 5%.

ومن جانبه صرح لوران فابيو وزير الخارجية الفرنسى ورئيس القمة بأن العالم عليه فى هذه القمة أن يحدد شكل الحياة على كوكب الأرض، وهو الأمر الذى يحتاج للوصول إلى حلول وسط ترضى جميع الأطراف، بينما شجع رئيس مجموعة البنك الدولى جيم يونج كيم قادة العالم من أجل التوصل إلى حلول مبتكرة لتحديات تغير المناخ والفقر وانعدام الأمن، وقال إن علينا أن نكون مبدعين.


2- حكايات أمنية

وربما كانت الحكايات الأمنية على هامش قمة المناخ، أكثر سخونة من القمة نفسها، فى ظل حالة الاستنفار الأمنى الذى تشهده فرنسا بعد الهجمات الإرهابية التى تعرضت لها فى 13 نوفمبر الماضى، أتى المشهد الأمنى الفرنسى ليحمل الكثير من التفاصيل.

كان المشاركون فى المفاوضات قد أعلنوا أنهم سيحرصون على التوصل إلى اتفاق طموح تكريما للضحايا الـ 130 الذين سقطوا فى باريس، وكان الرئيس الأمريكى باراك أوباما حريصا بمجرد وصوله على الذهاب إلى قاعة باتاكلان، أحد المواقع التى تعرضت للاعتداء الارهابى، من أجل وضع الزهور.

وكانت المظاهرات قد انتشرت فى مختلف أنحاء العالم لحث القادة على التوصل إلى اتفاق، واجتمع ما يقرب من 50 ألف شخص فى هايد بارك فى لندن ورفعوا لافتات مثل (لايوجد كوكب آخر)، أو (أطفالنا يحتاجون للمستقبل). ولكن الوضع فى باريس مختلف، فقد منعت السلطات الفرنسية إقامة المظاهرات فى باريس، غير أن آلاف الأشخاص تجمهروا فى ساحة الجمهورية بباريس من أجل عمل سلسلة بشرية على مسافة 2 كم يوم الأحد الماضى قبل افتتاح القمة بيوم.

وتطورت المظاهرة إلى مواجهة مع الشرطة عندما اقتحم مجموعة من الملثمين المظاهرة وأخذوا يهتفون (دولة الطوارئ، الدولة البوليسية) وذلك قبل أن يلقوا الزجاجات الفارغة والأحذية والحجارة على رجال الأمن، وردت الشرطة عليهم بإلقاء القنابل المسيلة للدموع. انتهت هذه المواجهة بإلقاء القبض على 300 شخص واحتجازهم، وقد خرجت تقارير صحفية أشارت إلى أن المواجهة وقعت بين الشرطة وبين جماعة مناهضة للرأسمالية استغلت المظاهرة من أجل التعبير عن آرائها.

والحقيقة أن المظاهرات لم تستهدف القضايا البيئية فقط، حيث يرغب أصحاب القضايا استغلال التجمع الدولى فى قمة المناخ من أجل لفت الأنظار لقضاياهم. على سبيل المثال قامت جماعة من غرب فرنسا بالقدوم للعاصمة على متن دراجات من أجل التظاهر ضد بناء مطار جديد.

ويبدو أن التوترات فى المشهد الأمنى الفرنسى لن تتوقف بعد إعلان ائتلاف المناخ، 21 اتحادا من منظمات المجتمع المدنى المهتمة بالبيئة، بضرورة الاستمرار فى التظاهر بالمدن التى تتواجد فيها الشرطة بكثافة، مما ينبئ بمواجهات أمنية جديدة، بينما حاولت جماعات أخرى البحث عن وسائل مختلفة، غير المظاهرات من أجل التعبير عن آرائها، واختارت جماعة أن تقدم عروضاً فنية فى قلب باريس.

وبحسب وزير الخارجية الفرنسى لوران فابيو فإن هذه القمة هى أكبر دليل عملى على تحدى فرنسا للإرهاب، لكن السلطات الأمنية فى فرنسا لم تكن مرحبة بشكل كبير باستضافة القمة التى شكلت صداعا أمنيا كبيرا للشرطة الفرنسية التى وجدت نفسها مسئولة عن تأمين ما يقرب من 135 رئيس دولة إلى جانب 40 ألفا من أعضاء الوفود والمشاركين، كما أن القمة تستمر لأسبوعين مما يعنى أن الاستنفار الأمنى سوف يستمر لفترة طويلة مما يشكل ضغطا كبيرا على الجهاز الأمنى الفرنسى.

وكانت فرنسا قد أعلنت تخصيص 2800 ضابط وجندى من أجل تأمين مقر القمة فى منطقة لوبورجيه فى شمال باريس، كما تم تخصيص 8 آلاف جندى إضافى لتأمين الحدود الفرنسية، وبحسب وزير الداخلية هناك 120 ألف ضابط وجندى من الشرطة منتشرين فى كل أنحاء فرنسا.

3- مصر تنتظر كوارث مناخية

«قمة المناخ»، وإن كانت تهم العالم أجمع، إلا أنها تمثل أهمية خاصة بالنسبة لمصر، كونها من الدول التى قد تعانى من توابع ضخمة للتغيرات المناخية.

وتحت عنوان (الآثار المحتملة للتغير المناخى على الاقتصاد المصرى) نشر البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة دراسة تضمنت أهم المخاطر التى يمكن أن تتعرض لها مصر نتيجة التغيرات المناخية.

وأجريت هذه الدراسة بالتعاون مع الحكومة المصرية، واستخدمت التقديرات التى ترصد التغير فى إمدادات المياه، الغمر الساحلى، والمحاصيل الزراعية التى نشرت من قبل الباحثين المصريين لتقدير الآثار المحتملة لتغير المناخ على الاقتصاد المصرى فى الفترة من عام 2030 إلى 2060.

وتشير الدراسة إلى أنه بالإضافة إلى تضرر قيمة الممتلكات نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، فمن المؤكد أيضا حدوث زيادة فى أرقام الوفيات بسبب هذه التغيرات المناخية بما فى ذلك انخفاض جودة الهواء وزيادة الإجهاد الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة، كما سيترتب على تلك التغيرات المناخية تأثر صناعة السياحة إما بسبب ارتفاع درجات الحرارة أو بسبب تدمر الشعب المرجانية، وسيصل عدد الوفيات الناتجة عن الإجهاد بسبب ارتفاع درجات الحرارة ما بين ألفين إلى خمسة آلاف سنويا.

وبحسب الدراسة ستؤدى التغيرات المناخية إلى انخفاض الإنتاج الزراعى فى مصر بنسبة تتراوح بين 8 و47% بحلول عام 2060، مع انخفاض نسبة العمالة المرتبطة بالقطاع الزراعى بنسبة 39%، ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار بنسبة من 16إلى 68% ، وسيصل حجم الخسائر فى قطاع الأراضى الزراعية لنحو 40 إلى 234 مليار جنيه، وقيمة الأراضى المهددة فى دلتا النيل بسبب ارتفاع سطح البحر تصل قيمتها من 7 إلى 16 مليار جنيه.

وتشير الدراسة إلى خسارة فى عائدات السياحة السنوية وتتراوح بين 90 و110 مليارات جنيه. كما تشير الدراسة إلى أن ما يعادل من 2 إلى 6% من إجمالى الدخل القومى فى المستقبل سوف يهدر بسبب آثار التغيرات المناخية على مصار المياه، الزراعية، الموارد الساحلية والسياحة.

فى تقرير أعده الباحث ديفيد ستيرمان فى معهد المناخ حول أهم التغيرات المناخية التى تتعرض لها مصر، أشار إلى أنه إذا استمر التغير المناخى دون هوادة، فمن المتوقع حدوث دمار بيئى شديد على مصر.

وأضاف الباحث الأمريكى أن الغالبية العظمى من الشعب المصرى يعيش فى دلتا النيل وعلى طول شريط رقيق من وادى النيل فى حين لا تزال مساحات واسعة من الأراضى التى تشكل بقية أنحاء البلاد تقريبا غير مأهولة تماما.

ووفقا لتقرير منظمة التنمية الاقتصادية وغيرها من المؤسسات المعنية ، تهبط دلتا النيل بالفعل بمعدل من 3 إلى 5 ملم فى السنة، كما تشير الدراسات إلى التوقع بارتفاع سطح البحر المتوسط لمسافة نصف متر مما يهدد أجزاء واسعة من الساحل الشمالى المصرى.

ومن أهم التغيرات المناخية الأخرى التى تتعرض لها تضاؤل إمدادات المياه وانعدام الأمن الغذائى. يهدد تغير المناخ التوازن الهش لتوزيع المياه بين مصر والدول الأخرى المطلة على حوض نهر النيل.. فمن الواضح أن زيادة التبخر بسبب ارتفاع درجات الحرارة سوف يؤدى إلى مزيد من الإجهاد المائى. وتتوقع بعض الدراسات أن ارتفاع درجات الحرارة سوف يؤدى إلى إصابة منابع المياه بالجفاف، مما قد يؤدى إلى انخفاض تدفق مياه نهر النيل، وتتوقع بعض الدراسات أن انخفاض تدفق المياه فى نهر النيل قد يصل إلى نسبة 10% بحلول عام 2060.