مى سميرتكتب: خطاب أقدم ملكة فى العالم

مقالات الرأي




حياة إليزابيث الثانية بين الدعابة والتقاليد الملكية.. فى كتاب جديد

■ المشاجرات الزوجية فى القصر الملكى.. دعابات الملكة.. جنون ديانا.. والكثير من الكواليس الملكية يكشفها الكتاب

فى كتاب ضخم عن السيرة الذاتية لملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، رسمت الكاتبة البريطانية إنجريد سيوارد رئيس تحرير مجلة (صاحبة الجلالة) صورة كاشفة وشديدة القرب لملكة بريطانيا.

الكتاب بعنوان (خطاب الملكة) وصدر هذا الشهر فى إطار الاحتفال - يوم 9 سبتمبر- بمرور 63 عاما وسبعة أشهر على جلوس إليزابيث الثانية على عرش بريطانيا لتصبح صاحبة أطول فترة حكم فى تاريخ بريطانيا متفوقة على الملكة فكتوريا.

الانجاز الملكى يعد بمثابة مناسبة وطنية مهمة فى بريطانيا، وفى هذا الإطار قدمت جريدة الدايلى ميل عدة حلقات على صفحاتها من أجل استعراض أهم ما تضمنه الكتاب من معلومات وحقائق عن الملكة التى ستكمل عامها التسعين فى 21 إبريل 2016 ولا تزال تتمتع بذهن حاد الذكاء وبشرة مثالية وقدرة لانهائية على الاستمرار فى الحكم.

1

خفة ظل

يكشف الكتاب أن إليزابيث الثانية على العكس من جدتها فكتوريا تتمتع بحس فكاهة وشخصية مرحة تتعارض مع صورتها الجادة التى انطبعت فى أذهان الجميع، ويتضمن الكتاب العديد من الحكايات التى تعكس هذا الجانب من شخصية الملكة، من ضمن تلك الحكايات، قصة يرويها أحد سائقى القصر الملكى والذى كان يقود سيارة الملكة أثناء رحلة العودة إلى لندن من لوتون هوو فى الثانية صباحا، حيث قام أحد رجال شرطة المرور باعتراض الموكب الملكى بدراجته النارية وتوجه إلى السائق وسأله ماذا يفعلون فى هذا الوقت المتأخر؟.

انحنى السائق أمام الضابط ورد عليه بهدوء أنه سائق الملكة التى تتواجد فى المقعد الخلفى من السيارة وأن السيارة الأخرى تضم الملكة الأم، وفى السيارة الثالثة تتواجد الأميرة مارجريت، ثم أشار إلى الرجل الذى يجلس بجواره وأكد للضابط أن هذا الرجل هو المفتش بيركنز الذى يتولى تأمين الملكة.

رد ضابط المرور على السائق الملكى قائلا (إذا كان هذا صحيحا، فأنا إذن روى روجرز الممثل الأمريكى الشهير - وواحد من أشهر أبطال أفلام رعاة البقر الأمريكية - وهذه الدراجة هى حصاني).

وهنا ردت عليه الملكة بصوت رقيق قائلة (لو كنت مكانك لركبت الحصان وانطلقت فى طريقي).

2

الملكة الصغيرة

منذ ميلادها فى عام 1926 والعالم شهد العديد من التغيرات، لكن إليزابيث، بقيت كما هى دون أى تغيرات أو تحولات، لم يغير التاج من شخصيتها ولم يتأثر حكمها بالتغيرات الجذرية التى شهدها العالم على مدار سنوات حكمها الطويلة.

فى العشرينات من عمرها توجت إليزابيث الثانية على عرش بريطانيا وكانت متزوجة ولديها طفلان صغيران هما تشارلز وآن، ومع مهام منصبها الجديد كان لديها الملايين من الموضوعات للنظر فيها وإدارتها.

وتعلق إليزابيث على توليها الحكم فى تلك السن الصغيرة قائلة: «بشكل ما، لم أتلق أى تدريب»، وتضيف أن والدها توفى بشكل مفاجئ وهو صغير وكان عليها أن تتولى الحكم وأن تسعى لكى تؤدى هذه الوظيفة الجديد على أفضل ما يكون.

يصف زوجها الأمير فيليب مؤكدا أنها كانت تقوم بدور المعالج الطبيعى لدول الكومنولث. ويضيف أن لديها فهم عميق لكل دول الإمبراطورية البريطانية، ثقافتهم، سياستهم، كما أنها تتمتع بمهارة لا مثيل لها فى التعامل مع غرور القادة، وقد عملت طويلا من أجل اكتساب تلك المهارة الصعبة.

فى فصل شتاء عام 1953، عام تتويجها، قامت بجولة حول العالم وزارت دول الكومنولث، وافتتحت سبعة برلمانات، وألقت 157 خطابا عاما وأربع خطب فى الإذاعة، وكانت لاتزال فى السابعة والعشرين من عمرها.

اليوم هناك ما يقرب من 200 موظف يساعدون الملكة على القيام بمهام وظيفتها، فى المقابل لا تفضل إليزابيث كل هذا العدد الضخم من الموظفين، وإذا كان القرار بيدها لاختارت فريق عمل صغير يصاحبها فى منزلها حيث تفضل أن تقضى وقتا طويلا بصحبة الكلاب والخيول. بحسب الكتاب، تتمتع ملكة بريطانيا بشخصية بسيطة للغاية، ولهذه الشخصية وجهين، الأول يحمل اسم (ليليبيت) اسم الدلع الذى أطلقته عليها والدتها، والثانى يحمل اسم (صاحبة الجلالة).

تفضل ليليبيت ارتداء وشاح بسيط على رأسها بدلا من التاج الملكى، وتعشق الجلوس على النجيلة والقيام بنزهة عائلية بدلا من حضور مأدبة رسمية تحمل كل مظاهر البذخ والرفاهية.

إيمانها المسيحى راسخ وصارم وذو طراز قديم، الذهاب للكنيسة ليس واجبا بالنسبة لها ولكن متعة كبيرة تحرص على القيام بها، لا تحب الكنائس الفخمة والعملاقة، وعندما تكون فى قلعة وندسور فى نهاية الأسبوع، تفضل كثيرا الذهاب إلى كنيسة خاصة صغيرة بدلا من كنيسة سانت جورج التى تعتبرها كبيرة للغاية.

3

التقاليد الملكية

بقدر بساطتها بقدر حرصها على التقاليد الملكية وملاحظتها لأدق التفاصيل، فخلال موكب لها، رصدت تململ أحد الحرس وطلبت نقله إلى الوراء، كما لاحظت أن الحارس رقم ثلاثة من جهة اليمين يضع إصبعه على بندقيته، وعلقت قائلة: (لماذا يفعل هذا؟ هل هو مجنون؟).

حتى أولادها لم ينجوا من حرصها على التقاليد والبروتوكول.. فلايزال أبناؤها ينحنون أمامها عندما يدخلون إلى الغرفة، ولاحظت إحدى صديقات الأميرة آن، أن الأميرة تقف بشكل تلقائى عندما تتلقى مكالمة هاتفية من والدتها.. حتى كلاب العائلة المالكة يتم تدريبهم على نحو يحافظ على التقاليد، وعندما يأتى وقت الطعام، تقف الكلاب فى طابور منتظم وينتظر كل كلب سماع اسمه.

يعد الالتزام بالمواعيد من أكثر الأمور التى تحرص عليها ملكة بريطانيا، ويرصد الكتاب قصة عن فقدان الملكة لأعصابها بعد أن تأخر زوجها الأمير فيليب عن الحضور لنزهة مع عدد من أصدقاء العائلة المالكة، حيث انفجرت فيه قائلة: (هذا أمر مثير للسخرية، أين كنت؟ ولماذا تفعل هذا؟) كانت هذه إحدى اللحظات النادرة التى خسرت فيها ملكة بريطانيا أعصابها، ولكن فيما يبدو أن عدم الالتزام بالمواعيد يثير غضبها إلى درجة تجعلها لا تهتم كثيرا بالبروتوكول الملكى.

ويتذكر السكرتير الخاص بالملكة اللورد شارتريز زيارة رسمية فى عام 1973 لرئيس زائير موبوتو، حيث قامت زوجة موبوتو بتهريب كلبها الأليف فى حقيبة ملابسها إلى قصر باكنجهام. واكتشف القصر وجود الكلب عندما طلبت زوجة موبوتو شريحة لحم من المطبخ من أجل كلبها. عندما سمعت الملكة بوجود الكلب فى القصر، أعلنت فى صرامة أن هذا الكلب يجب أن يغادر منزلها فى الثالثة ظهرا، ويتذكر شارتريز كيف كانت الملكة تهتز من الغضب.

فى مقابل هذه الصرامة الشديدة فى الحفاظ على التقاليد، قد تتسم الملكة بعقلية متفتحة فى التعامل مع فريق موظفين فى القصر الملكى والتى تصر على وصفهم بالموظفين وليس الخدم، ومن الممكن أن تغض بصرها عن العلاقات العاطفية التى تنشأ بين بعض الموظفين أو مبالغة البعض فى تناول الكحوليات، طالما أن مثل هذه النميمة تبقى داخل جدران القصر. وكان الأمير اندرو يعلق دائما أنه لا يوجد شىء يحدث فى القصر لا تعلمه الملكة ولكنها تفضل أن تحتفظ بالأمر لنفسها.

4

الأم

على الرغم من أعباء عملها الكبيرة، إلا أن إليزابيث الثانية عندما أنجبت ابنها الثالث أندرو فى عام 1960، كانت مصرة على أن تخصص له وقتا أكبر مقارنة بأبنائها الأكبر سنا تشارلز وآن. وكانت تضع فى أجندة تنظيم مواعيدها وقتا مخصوصا لابنها أندرو ولم تكن هناك أى أزمة عالمية من الممكن أن تجعلها تتخلى عن وقتها مع ابنها الوليد.

كجدة، قضت الملكة إليزابيث الكثير من الوقت مع أحفادها، ويبدو أنها كانت تعوض الوقت الذى لم تستطع قضاءه مع ابنائها. يتمتع بيتر وزار فيليبس أبناء الأميرة آن بمكانة خاصة لدى الملكة، كما تشعر الملكة بالفخر بكل من ويليام وهارى أبناء ولى العهد تشارلز. وتشعر بالرضا على اختيار الأمير ويليام لزوجته كات ميدلتون ولم تعترض على الإطلاق لكونها تنتمى للطبقة المتوسطة.

تشعر الملكة بالسعادة والارتياح لكيفية تأقلم كات مع العائلة الملكية ودائما ما تشير أن هذه الزيجة تذكرها بزواجها من الأمير فيليب.

ويعد زوج الملكة الأمير فيليب ركنا مهما فى حياتها وعنصر القوة والارتكاز الذى اعتمدت عليه الملكة طوال حياتها. ويتمتع فيليب بشخصية ساخرة على نحو مؤلم وقاس فى بعض الأحيان. على سبيل المثال كانت إليزابيث تشعر بالخوف الشديد من قيادة فيليب للسيارات، فى بداية زواجهما كانت تطلب منه تهدئة السرعة ولكنه كان دائما يرد عليها بأن عليها أن تصمت وتقبل قيادته أو تغادر السيارة.

فى المقابل كان هناك خيط من التفاهم يجمعهما على نحو ساحر ومثير، ولعلاقتهما جانب عاطفى كبير انعكس عندما طلبت الملكة أن يحضر زوجها ولادة رابع أبنائهما وأصغرهم الأمير إدوارد. يعد هذا الأمر بمثابة كسر للتقاليد الملكية، ولكن الأمير فيليب كان يقف بجوار زوجته أثناء عملية انجابها فى الحمام الخاص بالجناح البلجيكى لقصر باكنجهام والذى تم تحويله إلى غرفة ولادة. لم يفقد الأمير فيليب سخريته اللاذعة وفى تلك اللحظة المهمة، وقد علق قائلا (من لاحظ أن قبل أسبوع واحد كان الرئيس الفرنسى شارل ديجول يأخذ حماما فى هذه الغرفة).

5

الإنترنت

تحرص الملكة إليزابيث على مواكبة التقدم التكنولوجى، وخلال السنوات القليلة الماضية أصبحت مستخدمة محترفة للانترنت وذلك بعد أن اعترفت فى عام 2005 لرئيس شركة مايكروسوفت بيل جيتس أنها لم تستخدم الكمبيوتر من قبل.

ويختلف الوضع بالنسبة للهواتف النقالة، فقد حرصت إليزابيث الثانية على استخدام الهاتف المحمول منذ عام 2001، حيث أهداها الأمير اندرو هاتفا محمولا وبرمجه على نحو يمكن الملكة بإجراء اتصالات سريعة بكل أفراد عائلتها. اليوم تمتلك الملكة بلاك بيرى، هدية من الأمير اندرو، حيث يمكن لها أن تستقبل عليه البريد الإلكترونى، ولكن الملكة تفضل أن تقوم بإملاء رسائلها بدلا من كتبتها بنفسها. ولا تزال الملكة تحتفظ بجهاز الآى بود الذى أهداه لها الرئيس الأمريكى أوباما وزوجته ميشيل ويتضمن الجهاز لقطات فيديو لزيارة سابقة للملكة للولايات المتحدة. وهناك علاقة صداقة تجمع بين الملكة وآل أوباما خاصة ميشيل التى حاولت الملكة تهدئتها بعد أن لاحظت توترها الشديد أثناء زيارتهما الرسمية لبريطانيا، وقامت الملكة بوضع يدها على كتفها وطمأنتها فى حركة نادرا ما تصدر عن ملكة بريطانيا.

ويؤكد الكتاب على العلاقة القوية التى تجمع بين الملكة إليزابيث والبيت الأبيض، وباستثناء الرئيس ليندون جونسون، حرصت على لقاء كل رؤساء أمريكا الذين دخلوا البيت الأبيض على مدار حكمها الممتد طوال ستة عقود، وكان رونالد ريجان الرئيس الأمريكى الراحل قد وصفها بأنها ساحرة ومتواضعة.

وتعد الكاميرا الديجتيل هى الوسيلة التكنولوجية الوحيدة التى لا تجيد الملكة استخدامها، حيث اعتادت التصوير باستخدام الكاميرا العادية منذ أن كانت طفلة صغيرة.

وبشكل عام لا تستغنى الملكة عن عاداتها بسهولة ولهذا تحتفظ بروتين يومى يبدأ دائما بتصفح الجرائد وفى مقدمتها جريدة (راسينج بوست) المتخصصة فى أخبار سباقات الخيول حيث تحتل الخيول مساحة كبيرة من حياة الملكة.

6

ديانا

يكشف الكتاب عن بعض التفاصيل الخاصة بالعلاقة التى جمعت بين إليزابيث الثانية والأميرة الراحلة ديانا الزوجة الأولى لولى عهد بريطانيا ووالدة الأميرين ويليام وهارى.

فى عام 1997، عندما تم إبلاغ الملكة أن ديانا تعرضت لحادثة سيارة فى باريس، كان تعليقها الفورى أن شخصا ما قد لعب فى الفرامل.

قبل فترة طويلة من هذا اليوم، وقبل إعلان طلاق الأمير تشارلز من ديانا، كانت العلاقة بين الملكة وديانا علاقة غير سهلة، وذلك على الرغم من إعجاب الملكة بديانا عندما التقت بها لأول مرة ووصفتها قائلة بأنها واحدة منهم. والد ديانا كان المسئول عن الخيل الخاصة بالملكة فى الفترة من 1952 إلى 1954، وجدتها كانت صديقة للملكة الأم، وشقيقتها سارة كانت صديقة لتشارلز، أما شقيقتها جان فقد تزوجت من روبرت فيلوز الذى أصبح فيما بعد سكرتيرا للملكة.

وعلى الرغم من هذا الإعجاب الكبير من قبل الملكة تجاه ديانا إلا أن الأخيرة لم تنجح فى التغلب على مشاعر القلق والتوتر وعدم القدرة على التأقلم مع الحياة الملكية. ويكشف الكتاب أن الملكة حاولت كثيرا التقرب من ديانا وكانت تدعوها دائما لزيارتها ولكن ديانا كانت تتهرب من تلك الدعوات إلى درجة أنها فى بعض الأحيان كانت تخترع أصدقاء وهميين ومناسبات غير حقيقية حتى لا تلتقى بالملكة. يضيف الكتاب أن شخصية الملكة التى تقدر الحياة الملكية لم تستوعب شخصية ديانا غير الناضجة وغير المقدرة للمسئوليات الملكية.

ومع تدهور العلاقة بين الأمير تشارلز وديانا، أدركت الملكة أن علاقتها بولى عهدها تحتاج للكثير من الجهد من أجل إصلاحها، فالأمير كان يلجأ للملكة الأم أو الأميرة مارجريت شقيقة الملكة من أجل الحديث عن مشاكله مع ديانا، فى المقابل لم يلجأ فى أى وقت لوالدته.

حاولت الملكة أن تساعد ديانا على التأقلم مع الحياة الملكية ولكنها لم تكن مدركة لمشاكلها النفسية ومعاناتها من مرض البوليميا

فى النهاية، تشير الكاتبة إنجريد سيوارد أن الملكة تحتفظ بمذكرات تكتب فيها بشكل يومى تفاصيل ما يمر فى حياتها من أحداث، وسوف ننتظر سنوات طويلة قبل أن نكتشف محتويات مثل هذه المذكرات، ولكن المؤكد أن بتاريخ 9 سبتمبر 2015 عبرت إليزابيث الثانية عن شعورها بالفخر لإنجازها الضخم بعد أن أصبحت صاحبة أطول فترة حكم لبريطانيا.