منال لاشين تكتب: ألغام فى عالم البيزنس

مقالات الرأي



1- أزمة «إعمار » على سبيل المثال

■ العبار: سأضع 2.5 مليار دولار على الترابيزة قبل بدء تنفيذ العاصمة الجديدة و40% من التمويل من مؤسسات أجنبية

لا أتحدث عن أزمة هبوط سعر شركة اعمار فى البورصة بعد أقل من 48ساعة من اتمام الاكتتاب فى الطرح الأول والاكتتاب تمت تغطيته بـ38 مرة، وهو امر غير مسبوق فى تاريخ الشركة حتى داخل الامارات ويعكس الثقة فى الشركة واعمالها وفى المستقبل بشكل عام.

الأزمة التى اتحدث عنها هى أزمة تمويل اعمار للعاصمة الادارية الجديدة، فقد اثارت طريقة تمويل اعمار للمشروع الأضخم فى مشروعات المؤتمر الاقتصادى كثيرا من الأسئلة والجدل، ربما لان اعمار هى مجرد نموذج أو مثال على ما يحدث فى مصر أو بالاحرى فى الاقتصاد المصرى، فالحكومة تعلن عن مشروعات واتفاقيات بمليارات الدولارات، لكن مصر تعانى من أزمة دولار طاحنة، لدينا احتياطى نقدى أقل من 20 مليار دولار، ولو بدأت الحكومة أو المستثمرين فى تنفيذ 20% من هذه المشروعات فإن سماء الاقتصاد المصرى ستمطر دولارات والاحتياطى سيعاود الارتفاع، لكن المشكلة أن عددا من الشركات العالمية أو العربية التى حازت المشروعات تمول مشروعاتها من السوق المحلية، وذلك من خلال اما الاقتراض من البنوك أو اللجوء للبورصة، خاصة أن معظم هذه الشركات قد قامت بتأسيس شركات مصرية، وفى حالة اعمار فقد طرحت اعمار مصر أسهما للاكتتاب فى البورصة المصرية، وداخل كواليس عالم البنوك يتردد أن اعمار مصر تسعى إلى ابرام واحد من اكبر القروض فى عالم البنوك والذى يتراوح بين 17 و18 مليار جنيه، وعلى الرغم من أن كل هذه التصرفات سلمية قانونا، فان لجوء اعمار إلى التمويل من السوق المصرى يقلل فرصة دخول دولارات لمصر، وقد رد العبار فى أحد اللقاءات على هذا الوضع ولا اقول الاتهام بتعهدات صارمة فقد قال انه سيدفع للحكومة 2.5 مليار دولار كاش على الترابيزة قبل بدء المشروع وانه سيحصل على 40% من التمويل من مؤسسات وبنوك اجنبية، من الاخر العبار يريد أن يؤكد انه سيدخل لمصر عملة اجنبية تحتاجها بشدة، ولم يعتمد كاملا على التمويل المحلى، واذا كان كلام العبار ينهى التساؤل حول حالة اعمار، الا انه لا ينهى الجدل حول الأزمة، فاستمرار تمويل مشروعات الاستثمار العربى أو الاجنبى من السوق المحلية أو بالاحرى البنوك المصرية لا يحل اكبر أزمة تواجه الاقتصاد، لأن أهم وأعظم ميزة للاستثمار غير المحلى سواء كان عربيا أو اجنبيا هى حصول مصر على الدولار، خاصة أن مصر تستورد معظم اكلها ووقودها من الخارج، ولذلك يجب ضمان أن تضخ الاستثمارات الاجنبية دولارات، ولا يترك المجال لكل مستثمر أن يمول مشروعه من السوق المحلية اعتمادا على أن لدى البنوك مليارات الجنيهات فى انتظار من يقوم بتشغيلها، وبدون تحويل أو ضخ من المستثمر الاجنبى أو العربى لتمويل مشروعه بالدولار، فسيفقد الاستثمار الاجنبى احد اهم مزاياه ويتساوى مع المستثمر المحلى، وربما نكون فى حاجة إلى اجراء عاجل لمواجهة هذه الأزمة، وذلك بإضافة شرط من شروط التعاقد مع المستثمرين العرب والاجانب، وبموجب هذا الشرط يتم تسديد نسبة يتم فيها من تكلفة المشروع بالدولار وللحكومة، ويتم الاتفاق على نسبة محددة لكل المشروعات حتى لا نفتح بابا للفساد أو المجاملة، وربما تكون نسبة النصف أو 50% نسبة معقولة، وعندما نفعل هذا الشرط فإن سماء مصر ستمطر دولارات بحق وحقيق.حتى لو تم تنفيذ 20% أو 10% من المشروعات التى تم الاتفاق عليها فى مؤتمر شرم الشيخ.


2- لعبة الدولار

■ أى تحريك فى سعر الأخضر يؤدى إلى اشتعال الأسعار لأن الحكومة فاشلة فى ضبط السوق

الدفاع عن الجنيه المصرى ليس واجبا وطنيا لكنه فرض اقتصادى، ورفع سعر الدولار عشرة قروش الاسبوع الماضى أو خفض سعر الجنيه لن يؤدى إلى النتائج النظرية التى يتوقعها محافظ البنك المركزى هشام رامز أو وزراء المجموعة الاقتصادية، خاصة وزيرى التجارة منير فخرى عبدالنور والاستثمار أشرف سالمان.

نظريا رفع سعر الدولار أو تخفيض سعر الجنيه سيؤدى إلى اتاحة الفرصة امام الصادرات المصرية وهو الامر الذى يروج له المصدر والوزير منير، بينما يتحجج وزير الاستثمار نظريا بان احد اسباب غياب المستثمرين الاجانب هو تمسك مصر بسعر مبالغ به لعملتها، ويردد بعض الخبراء نفس كلام الوزير، وبالطبع هناك اسباب كثيرة لغياب أو ضعف الاستثمار، ولا شك أن سعر الجنيه أو العملة بشكل عام يعكس قوة أو ضعف الاقتصاد، ولكن ضعف الجنيه فى مصر ولو 1% يؤدى إلى كوارث تتحملها الخزانة العامة والاهم والاخطر المواطن، فمصر تعتمد فى تغطية احتياجاتها الغذائية والوقود والادوية على الاستيراد، وواردات مصر اكبر بكثير جدا من صادراتها، ثمة فارق مهم اخر بين الصادرات والواردات فى مصر، فمعظم الواردات حكومية وتدفعها خزانة الدولة وتتعلق بالغذاء والوقود، ومعظم الصادرات قطاع خاص، ولذلك فاى زيادة فى تمويل الواردات تتحملها الحكومة والخزانة، فى المقابل كل زيادة فى قيمة الصادرات تذهب لجيوب حفنة من المصدرين.. ولذلك فان آثار أو توابع فائدة خفض الجنيه من الناحية النظرية تتحول إلى اعباء على الموازنة العامة، وارباح للمصدرين، ومعظم المصدرين يفقدون عينا ولا يقومون بتحويل ارباحهم من الدولار للبنوك، وقد حاولت حكومات متعاقبة اقناع هذه الفئة بتسليم جزء من ارباحها للبنوك المصرية، ولذلك لم تستفد مصر كثيرا من ارباح المصدرين التى تعرف طريقها لبنوك الخارج، واذا كانت الحكومة تريد دعم الصادرات بعد انخفاضها بنحو 25%، فقد قامت الحكومة بالواجب وزيادة، فقد تمت زيادة دعم الصادرات بنحو الضعف تقريبا، ولكن أن تدعم الصادرات بخفض العملة المصرية فهذا اتجاه خطير جدا وسيدفع المواطن ثمنه مضاعفا،

ففضلا على ارتفاع فاتورة الواردات فإن الحكومة فاشلة تماما وعاجزة تماما عن السيطرة على السوق أو ضبطه ،والتجار يرفعون الاسعار بمنتهى منتهى الحرية والبجاحة، وبعد رفع سعر الدولار الاخير فى الاسبوع الماضى بـ20 قرشا اى 2.5% سارع حيتان السوق وممثلوهم بالتصريحات النارية، تصريحات من نوع أن رفع سعر الدولار يؤدى إلى رفع الاسعار من 35% إلى 60%، وهى نسب مبالغ فيها، وغير منطقية، لان الزيادة فى الدولار كانت 2.5% فقط، وهى نسبة لا تؤدى إلى زيادة فى فاتورة الاستيراد إلى 30% أو حتى 20%، ومن ناحية اخرى فان معظم واردات مصر من الاتحاد الاوربى، ولذلك العملة المستخدمة هى اليورو وليس الدولار.

ولكن كل الاسباب المنطقية تنهار امام جشع تجار وعجز حكومة عن ضبط الاسواق، ولذلك فإن التجارب السابقة أو بالاحرى الاخطاء السابقة كانت كارثية فكل رفع أو زيادة فى سعر الدولار مهما كانت طفيفة تؤدى إلى زيادة كبيرة ومؤثرة فى اسعار السلع والمنتجات وبعضها سلع ومنتجات استراتيجة لملايين المواطنين، سلع من نوع السمن والزيت والفول والعدس وأدوية، هذه الزيادة فى الاسعار سيتحملها المواطن الفقير والطبقة المتوسطة ليست لصالح الوطن حتى نضحى بمزيد من الاعباء على الفقراء، وليست لصالح المستقبل حتى نضحى بمتاعب الحاضر مقابل المستقبل، فالزيادة فى سعر الدولار سوف تولد متاعب كبرى لنا كدولة وخزانة عامة ومواطنين، وتولد ملايين جديدة من الجنيهات أو بالاحرى الدولارات لحفنة من المصدرين، فئة ترفض من حيث المبدأ أن تعترف بحق الدولة فى استعادة نسبة أو حصة من الدولارات، فمعظم المصدرين يتذكرون مصر جيدا وهو يطالبون بزيادة دعم الصادرات ويتحدثون فى ذلك الوقت كثيرا عن العلاقة بين الدولة والمستثمر، لكنهم يقطعون هذه العلاقة بسرعة البرق عندما يتعلق الامر ببيع حصيلة الدولارت للبنوك المصرية.

الحقيقة أن الدولار يتحول أحيانا من لعبة بيزنس إلى لعنة، ولعنة الدولار يدفعها المواطن العادى ولا يجب تحميله اعباء اضافية.


3- لعنة الضرائب

تعديلات قانون الضرائب تهدد أهم مشروع فى مصر وهو تنمية «قناة السويس »

لا يمكن الاكتفاء بالمطالبات بضبط إيقاع الدولار فقط، لأن أصل المشكلة هو إدارة عجلة الاقتصاد بكفاءة وسرعة، وهو أمر مشكوك فى تحققه خاصة فى مجال الضرائب أو بالأحرى عشوائية الضرائب، فمصر شهدت فى العام الأخير أكبر وأعنف سلسلة من التخبط والعشوائية فى مجال الضرائب، ولن أعيد الحديث عن فضيحة الضرائب على البورصة، ولكننى أتحدث عن الضرائب على الدخل، ويعلم كل طالب أولى تجارة أو اقتصاد أو حتى آداب أن الضرائب عنصر مهم فى القرار الاستثمارى فى أى دولة، واستقرار النظام الضريبى للدولة يتساوى فى الأهمية أو الخطورة مع نظام الضرائب الذى تقره الدولة.

ونظرًا للأهمية القصوى للضرائب فإن كل الدول التى تنشئ أو تعتمد نظام المناطق الاقتصادية الحرة تميز هذه المناطق فى سعر الضريبة، وفى الغالب فإن سعر الضريبة فى المناطق الاقتصادية الخاصة أو الحرة يكون أقل من نصف الضرائب فى النظام العادى للدولة، يحدث ذلك فى الصين الاشتراكية وفى الدول الرأسمالية، فنحن إذن لا نخترع العجلة من جديد أو نستحدث نظاما نباهى به الأمم.

ولكن الحكومة بعبقرية تحسد عليها شوهت النظام الضريبى بإصرار ومع سبق الإصرار والترصد.

كان سعر أعلى ضريبة فى مصر 25% وتزيد النسبة إلى 30% فى حالة زيادة الدخل السنوى عن مليون جنيه، ولكن فجأة وقبل المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ اخترعت الحكومة «تفكيسة» جديدة.

ففى أحد الاجتماعات للمجموعة الاقتصادية كان النقاش يدور حول سعر ضريبة المناطق الاقتصادية الخاصة ومن بينها المنطقة الخاصة بقناة السويس، وفجأة تبنت الحكومة فكرة شيطانية بأن توحد سعر الضريبة بدلا من وجع القلب، وهذه فكرة ضد المناطق الاقتصادية الخاصة من الأساس، وحتى يتم التوحيد كان لابد من خفض أعلى سعر للضريبة فى القانون مع زيادة سعر الضريبة فى المناطق الاقتصادية الخاصة، والنتيجة أن وصلت سعر أعلى ضريبة لـ225%، وبذلك تم تخفيض سعر الضريبة الأعلى 5.7%، وتمت زيادة سعر الضريبة فى المناطق الاقتصادية الخاصة بنفس النسبة أى 7.5% لأن سعر الضريبة المقترح كان 15%.

وأصبح النظام الضريبى المصرى مثل الغراب الذى نسى مشيته، فسعر الضريبة فى المناطق الاقتصادية الخاصة أصبح غير جاذب للاستثمار الأجنبى لأن الضريبة على أنشطة المناطق الاقتصادية أقل من هذه الضريبة كثيرًا، فى الغالب يدور الرقم حول نسبة الـ10% فقط، وفى أحيانً قليلة يصل إلى 15%، ولذلك فإن الحديث عن جذب الاستثمارات والمستثمرين الأجانب أو العرب يشوبه شك كبير، ومصر تعول كثيرًا على منطقة تنمية قناة السويس لنقل مصر واقتصادها نقلة نوعية، ولا يمكن توقع أن تسير خطة جذب الاستثمارات لهذه المنطقة وتوسعاتها فى ظل سعر ضريبة يوازى أكثر من ضعف الضريبة على المناطق الخاصة فى دبى على سبيل المثال، وحتى لو تم استثناء منطقة قناة السويس، فإن المناطق الاقتصادية الأخرى لم تعد جاذبة للمستثمر الأجنبى فى ظل هذا القانون العجيب، والإصرار على هذه الفكرة يحول الضريبة للعنة، ففى الداخل تم تخفيض ضرائب الكبار بنسبة حاكمة، وفى المناطق الاقتصادية تمت زيادة الضريبة بنسبة أيضا حاكمة.

ولعنة الضرائب تفضح أن هناك خللا هيكلياً فى تفكير الحكومة للضرائب بشكل خاص والاستثمار بشكل عام، والأسوأ أن تكون حجة هذا الخلل الفادح أننا نريد أن نوحد سعر الضريبة، أى وعلى بلاطة نريد أن نريح أنفسنا من عناء تطبيق سعرين للضريبة.

بصراحة إذا استمر هذا النمط العشوائى فى النظام الضريبى فلن نجذب مستثمرين لأننا ببساطة سنجذب لأنفسنا الشقاء والفشل.