أحمد فايق يكتب: مصير 41 عالمًا نوويًا مصريًا فى الشتات 3

مقالات الرأي



المصريون فى هيئة الطاقة الذرية الكندية

■ د. على مرتضى عمل فى هيئة الرقابة النووية الكندية 20 عاماً وقبلها هيئة الطاقة الذرية 
■ شارك فى تصميم 3 مفاعلات وتولى إدارة الجودة فى كندا 
■ على يديه تدرب علماء فى كوريا والصين ورومانيا


توزيع علماء الدفعة 67 نووى فى العالم
كندا 
على محمد مرتضى
جرجس عزمى اسحاق
على محمد عمر
محمد حسنى يونس
وجيه عزيز واصف
د.الطنطاوى عبدالمنعم عطية

أمريكا
محمد السيد صوان
محمد عبدالعزيز عبده
محمود زكى يوسف
جورج نديم هماوى
محمد عبدالمنعم المغربى
مصطفى محمد أبوالفتوح
عبدالرءوف عرفة
يسرى جوهر
حسنى عطية
رامى لويس أنتون
محمد محمود سليمان

هولندا
سمير محمد الدرديرى

الإمارات
محمد أحمد عجور

مصر
أسامة محمد ناصر
محمد عبدالشهيد حماد
محمد يسرى متولى عطية
أحمدزكى عبدالجواد
عصام محمود على
حسن إبراهيم شعبان
محمد نصر السيد
عبدالرحمن الوكيل
سيد عجمى
مصطفى محمود على
محمد عبدالله بيومي
عاصم رأفت مينا مسيحا
محمد محمود محجوب
عبدالحميد الدرديرى

الراحلون
أحمد مصطفى لطفى
فوزى حاكم ديمترى
محمد حسنى النمر
منير محمد علام
أحمد أبوزهرة
محمد هلال
سامى دياب
العراقى على إبراهيم




تختلف أوتوا كثيرا عن معظم المدن الكندية، فهى العاصمة الإدارية لهذه الدولة الكبيرة، هادئة كثيرا، تنام تقريبا من الساعة الثامنة مساء، تجدها مناسبة أكثر لرجال الأعمال وهؤلاء الذين يفضلون معيشة المنتجعات والمناطق المنعزلة والهدوء.

كانت فرصة طيبة للتواصل مع هذا الرجل العظيم، يبدو مكتبه عشوائيا فيه زحام وفوضى من أوراق وطلاب من كل الجنسيات، صوته قوى جدا تستطيع أن تميزه من بين عشرات الأصوات، وراء هذه الفوضى عبقرية كبيرة وتاريخ لا يعرفه الكثير من المصريين، إنه البروفسور عبد الحليم عمر أستاذ هندسة النقل فى كندا، هذا الرجل ابتكر «هراس» أو «وابور ظلط» ينافس به نفس الجيل من الشركات الأمريكية الكبرى، وستأتى فرصة للكتابة عنه تفصيليا فيما بعد.

كان ثروت مصطفى مخرج برنامج مصر تستطيع يمارس هوايته المعهودة فى اختيار مكان مناسب للتصوير، وتبدو ملامح وجهه جامدة تعطى شعورا لمن حوله أنه جاد أكثر من اللازم، ويحاول المخرج المنفذ مؤمن خاطر الحفاظ على المعدات ووضعها بالشكل السليم، هنا اقتنصت الفرصة للحديث مع العالم عبدالحليم عمر، فهو ليس واحدا من أشهر أساتذة النقل فى كندا والعالم، بل أقرب إلى عمدة المصريين فى أوتوا العاصمة الإدارية لكندا، سألته : أين علماء الذرة المصريين فى أوتوا، فقال يجب أن تقابل الدكتور على مرتضى هذا الرجل مهم جدا ويفهم جيدا فى الملف.

قبل أن أتحدث إليه وجدت جملة واحدة عنه على الإنترنت «مهندس بترول متقاعد».

هناك شىء غير مفهوم، البروفسور عبد الحليم دقيق ولا يعطى معلومة دون أن يكون متأكد منها، أجريت مزيدا من البحث المتعمق، ولم أجد عنه سوى سطر واحد على الإنترنت، الدكتور على مرتضى «هيئة السلامة النووية الكندية»، ولم أجد عنه المزيد.

اتصلت به تليفونيا، وجدته مرحبا فى البداية، حدد لى موعدا على الفور دون نقاش، منزله يبعد عن وسط المدينة بمسافة، قال لى السائق ونحن فى الطريق ان المكان الذى يسكن فيه د على مرتضى مثل 6 أكتوبر فى القاهرة، على باب المنزل وجدته منتظرا قبل الموعد بعشر دقائق، ومعه زوجته السيدة الودود، الملاحظة الأولى أن الدكتور على مرتضى يقطن فى منزل فخم مقارنة بمستوى المعيشة فى كندا، فليس من السهل أن تتحمل ضرائب منزل كبير الحجم، خاصة أنك تقطن فيه وحدك مع زوجتك، وأبنائك متزوجين فى مقاطعات أخرى، فى هذه الحالة يلجأ الكثيرون لبيع المنازل العائلية الكبيرة وشراء منازل صغيرة لتقليل الضرائب والرسوم، ففى كندا دخلك ينقسم إلى ثلاثة أثلاث ثلث ضرائب وثلث للسكن وثلث للمعيشة، وهو مجتمع اشتراكى بامتياز، مهما تقدمت وحققت نفسك لن تصبح غنيا مثل أمريكا.

بعد القهوة الصباحية وجولة قصيرة فى المنزل الذى يمتلئ بعشرات من التفاصيل المصرية، تماثيل فرعونية لوحات قطع ديكور وإكسسوارات مصرية، بدأت فى الحديث معه، قدمت له نفسى والمخرج ثروت مصطفى مخرج برنامج مصر تستطيع والمخرج المنفذ مؤمن خاطر، قلنا له إننا نعتبر أنفسنا فى مهمة قومية لعمل شبكة معلومات عن العلماء المصريين فى الخارج، ونريد أن نستفيد من خبراتهم فى تنمية الوطن.

نظر لى بابتسامة عميقة قائلا: «نفسى مصر تعمل مفاعلا نوويا قبل ماأموت»

علقت عليه مبتسما «حضرتك مكتوب على الانترنت مهندس بترول متقاعد إيه علاقة ده بالنووى؟

قال ضاحكا: قد يكون تشابه أسماء لكن طبيعة عملنا لا تجعلك تحصل على معلومات كثيرة عما نفعله على الانترنت، لقد بدأت رحلة أخرى من الاكتشاف والانبهار بهذا الرجل العظيم...

إنه العالم النووى د على مرتضى، لقد تخرج فى كلية الهندسة جامعة الإسكندرية وكانت أول دفعة هندسة نووية فى تاريخ مصر عام 1967، الدكتور على كان تخصص كهرباء ثم تحول إلى الهندسة النووية، ثم التحق بالعمل فى هيئة الطاقة الذرية بأنشاص، فى هذا الوقت كانت مصر تسير بسرعة الصاروخ فى مشروعها النووى، وأشرف د يحيى المشد على رسالة الماجستير التى أعدها د.على مرتضى، كان يشرف عليها من لندن قبل اغتياله من الموساد الإسرائيلى.

وتدرب الدكتور على مرتضى على يد الخبراء الروس فى مفاعل انشاص، وعمل مهندسا للتشغيل ثم رئيسا لوردية التشغيل، ومع بداية تخلى مصر عن مشروعها النووى قرر الدكتور على مرتضى السفر إلى كندا وحصل على الدكتوراه من جامعة مانيتوبا، وكان موضوع الرسالة «الانتقال الحرارى فى المفاعلات النووية»، وبعدها التحق بالعمل فى هيئة الطاقة الذرية الكندية، هناك عمل فى معمل «chalk river» وهو أكبر معمل للطاقة الذرية فى كندا لمدة سنتين.

أجرى عالمنا المصرى أبحاثا حول الوقود النووى، ونجح فى تطوير أكواد الكمبيوتر فى المفاعلات، وشارك فى تصميم 3 مفاعلات نووية، وعمل فى مفاعلات «كاندو 6» و«بيكرينج b» الكندية الشهيرة.

وانتقل من هيئة الطاقة الذرية الكندية للعمل فى هيئة الرقابة النووية أو السلامة النووية، ثم أصبح رئيسا لقسم المفاعلات النووية الجديدة، وتولى مسئولية ترخيص كل المفاعلات النووية فى كندا، بالإضافة إلى شركات النظائر المشعة، عالمنا المصرى عمل فى هيئة الرقابة النووية الكندية 20 عاما، والهيئة تعمل على رقابة الجودة على المفاعلات، وأعطى الترخيص لـ22 مفاعلا فى مختلف أنحاء كندا، إلى أن أصبح مسئولا للجودة فى هيئة الطاقة الذرية الكندية.

د.على مرتضى استعانت به دول كثيرة فى التدريب منها كوريا والصين ورومانيا.

الحديث معه كان شيقا ومليئا بالتفاصيل التى لا أستطيع الكشف عن بعضها الآن، لكن كل كلماته كانت مليئة بالشجن، والاحساس بالمسئولية تجاه الوطن، وهو مهتم جدا بالتنسيق بين كل علماء الذرة المصريين فى الخارج، ولديه قوائم بهم، وعلى اتصال دورى بهم، فهو يحلم بأن يرى فى مصر مفاعلا نوويا قبل أن يموت، لذا ستجد بين دفاتره واوراقه مخططات كثيرة، وأحلام قابلة للتنفيذ.

قال لى: «أنا فعلت كل شىء فى حياتى الحمد لله وتحققت فى كندا وليس لى طموحات جديدة فى مجالى سوى تحقيق الحلم النووى المصرى».

سألته بدهشة: لقد أعطتك كندا كل شىء وأنت هنا اسم كبير.. وأنت مازلت تفكر فى مصر.. أرى لك حسابا على الفيس بوك وتتابع الأحداث وكأنك تعيش فى مصر؟

قال: مخطئ من يتصور أن كندا قدمت لى كل شىء، والعلاقة بالوطن ليست هذا الجانب العاطفى فقط، جذورى فى مصر، وأعيش فى وطنى الأصلى، علاقتى بكندا هى علاقة مصلحة بالأساس، أعمل لديهم وهم يقدمون لى مقابلا لهذا، وهناك جزء فى علاقتى بالوطن علاقة مصلحة، لكن الموضوع هنا عكسى، فقد قدمت مصر لى كل شىء دون أن تحصل على المقابل.

وما الأشياء التى قدمتها لك مصر؟

أولا التعليم فقد تعلمت كل شئ فى مصر مجانا، ولم أعط للوطن مقابل هذا التعليم، لقد تخرجنا فى جامعة الاسكندرية قسم الهندسة النووية، ولدى معرفة كبيرة بالمجال النووى، كل هذه المعرفة وصلنا إليها بفضل مصر، لقد أتوا لنا بأفضل الأساتذة فى العالم فى مجال الهندسة النووية، أى خريج من هذه الدفعة كان مستواه لا يقل عن أى مهندس نووى فى العالم، بل كنا نتفوق عليهم، الظروف لم تسمح لنا بأن نقدم خبراتنا لمصر نتيجة للسياسة وتقلباتها وانهيار الحلم النووى، لقد رحبوا بنا فى كندا لأننا تعلمنا جيدا فى مصر.

لكن هل د.على مرتضى هو العالم النووى المصرى الوحيد فى كندا، لقد كانت رحلتنا فى البحث عن الآخرين مرهقة ومليئة بالمغامرات لكننا فى النهاية وصلنا إلى أسماء أخرى مهمة فى مجال الطاقة النووية وفى هذا حديث آخر.