أحمد فايق يكتب: البحث عن الحرية والثورة فى إنترنت «محلب» فائق السرعة

مقالات الرأي



■ إذاعات الإنترنت ستدخل السيارات والبيوت بجهاز ثمنه 50 جنيهًا والدولة مازالت تحتكر FM 

■ شبكات تليفزيونية من إمبابة إلى شبرا لا تخضع لسلطة الدولة

■ الصراع بين الماضى والمستقبل فى 25 يناير انتهى بانتصار المستقبل

هل تتذكرون المشهد فى ثورة 25 يناير؟

لقد كان الصراع بين الماضى والمستقبل، انتصر المستقبل لأن الماضى لا يستطيع أن يصمد أمامه، عجزت كل أجهزة حبيب العادلى عن الوقوف أمام هذا الوحش الجديد المسمى بـ «فيسبوك وتويتر»، أنهكت الشرطة وفقدت قوات الامن قوتها أمام إرادة المصريين واستخدام الشباب التكنولوجيا، مظاهرة تتحرك فى شارع معين، آلاف الشباب فى أيديهم أجهزة محمول ذكية، تحاول قوات الأمن نصب كمين أو فخ لهم فى نهاية الشارع، شباب آخرون لا يستطيعون التظاهر لكنهم يكتبون على «تويتر» محذرين زملاءهم فى الشارع، يستدير المتظاهرون إلى شارع آخر، ويفشل كمين الامن، إلى أن أرهق الجنود فهم يتعاملون مع أشباح من المستقبل، وهم مازالوا يقاومون التغيير بالخرطوش والقنابل المسيلة للدموع، هل تتخيل الدرع والعصا فى مواجهة «ستاتيوس» على فيسبوك أو «تويتة» لقد كانت معركة غير متكافئة بين الماضى والمستقبل، وتؤكد أنه لا يستطيع أحد أن يقف أمام رغبة شباب مصر.

لقد اختارت حكومة نظيف اسم «الحكومة الذكية»، وتصورت أن الذكاء هو تكنولوجيا فقط، وليس ذكاء الحفاظ على السلم الاجتماعى وتوفير الحد الأدنى للمعيشة، وعدم الانحياز إلى الطبقات العليا ورجال الأعمال على حساب البسطاء، كانوا أغبياء حتى فى فسادهم، ووصلت بهم البجاحة إلى الدفاع عن الفساد علنا وحمايته.

الآن أعلنت حكومة المهندس إبراهيم محلب عن دخول الإنترنت السريع إلى مصر وتكنولوجيا الألياف الضوئية، وهو دخول متأخر لتكنولوجيا أصبحت لدى معظم دول العالم، الحكومة تهلل وتعتقد أنها ستربح المليارات من الإنترنت فائق السرعة، لكن هل تم إجراء دراسة واضحة عن هذه التقنية وتأثيرها؟

هل استعدت الحكومة لها بمجموعة من القرارات الاستباقية والقوانين؟

أم أنها تتعامل مع الموضوع بمنطق فرح العمدة..

الحكومة حتى الآن لا تسمح بترددات إذاعات fm إلا بتصريحات معقدة جدا أمنيا واقتصاديا، أن ما تحصل عليه الدولة من بيع ترددات ميجا وهيتس ونغم اف ام 150 مليون جنيه فى السنة، ثلاثة ترددات وفرت للدولة 150 مليونا، فهل إذا فتحت الدولة الترددات للجميع سيحدث لها شيئا؟

بالتأكيد تخشى بعض الأجهزة أن يتم استغلال هذه المحطات لأغراض سياسية، لكن ما لا تعرفه حكومة محلب أن دخول الإنترنت السريع إلى مصر سيجعل جميع الإذاعات مفتوحة دون تحكم من الدولة، من خلال جهاز صغير لن يتخطى سعره 50 جنيها يوصل براديو السيارة أو المنزل، ويجعل قوة بث إذاعات الإنترنت بنفس قوة بث إف إم، وهذا يعنى إضافة ملايين الإذاعات إلى الراديو الخاص بك دون أن تحصل على ترخيص من الدولة.

تستطيع الدولة منع هذه الأجهزة فى مصر لأيام وربما لشهور لكنهم لن يمنعوه دائما، والحل الأفضل هو إصدار قانون يسمح بترددات اف ام وينظم العلاقة بينها وبين الدولة، هذا القانون يوفر المليارات وقادر على حل أزمة كبيرة من أزمات ماسبيرو.

نفس الازمة ستواجهها قنوات التليفزيون ولن تصبح القنوات الأرضية حكرا فقط على الحكومة، فمن خلال الإنترنت السريع سيتم عمل قنوات تليفزيونية على الإنترنت وتبث فى البيوت دون منع من الحكومة، وبخدمة جودة صوت وصورة عالية جدا، قد نجد مثلا قناة المعادى التليفزيونية أو شبكة إمبابة للقنوات.

والحل أيضا بسيط، أن تسمح الحكومة بالقنوات الأرضية وفقا لقواعد منظمة، الإنترنت السريع فى دولة مثل مصر سيحرر الإعلام تماما، والدول التى سمحت بالإنترنت السريع نظمت العلاقة فى أشياء كثيرة ففى فرنسا مثلا توجد قاعدة 2 على اربع، وهى أن وسائل الإعلام اربع صحف وقنوات أرضية وقنوات فضائية وإذاعات اف ام، وليس من حق أحد أن يمتلك أكثر من 2 على اربعة، بمعنى من حقك أن تمتلك إذاعة وقناة أرضية فقط هنا ليس من حقك أن تمتلك قناة فضائية، وهذا يمنع الاحتكار فى الإعلام.

هناك أيضا المجلس الأعلى السمعى البصرى فى فرنسا واللجنة الخاصة بالترددات، وهى التى تنظم العلاقة بين الوسائل الإعلامية الحديثة والدولة، وتنظم العمل الإعلامى وفق ميثاق شرف إعلامى وصحفى، فليس من حق أى قناة فرنسية بث أفكار إرهابية أو محرضة على عمل فتنة بين المسلمين والمسيحيين، ولو فعلت هذا فإن المجلس السمعى البصرى يسحب الترخيص فورا، وهذا حدث بالفعل مع قنوات شيعية ايرانية وسحب منها الترخيص.

الحكومة لدينا تتعامل بمنطق «الباب اللى يجيلك منه الريح» وهى لا تعرف أن هذا الباب يوفر المليارات لمصر، ونستطيع أن نتقى أخطاره.

الإنترنت السريع له فوائد أمنية مهمة جدا وتوفره يتيح قاعد بيانات الرقم القومى لدى كل أجهزة الحكومة وبالتالى تسهيل عشرات من الإجراءات البيروقراطية، ففى بعض الأحيان تحتاج إلى استخراج أوراق ويطلبون منك شهادة الميلاد وشهادة التخرج ووثيقة الزواج وغيرها من الأوراق التى من الممكن أن تكون موجودة على جهاز الكمبيوتر الخاص بالجهة الحكومية وبسرعة إنترنت فائقة تجعل الموظف يراها فى ثوانٍ قليلة، وبالتالى لن يحتاج أحد إلى استخراج هذه الأوراق بل ستدفع الرسوم فقط، وهذا أيضا سيوفر عليك التنقل بين مكاتب الموظفين.

أيضا سيصبح لدى كل ضابط فى مصر أو أمين شرطة إمكانية أن يرى من خلال الرقم القومى وفى ثوانٍ كل بيانات أى مشتبه به وهو فى الشارع، وهذا بالطبع سيسهل الكثير من عمله، لكن الأهم من هذا هل وضعت الحكومة احتياطاتها تجاه تأمين قاعدة البيانات القومية التى ستصبح متاحة على الإنترنت؟

هل ستضمن عدم دخول قراصنة من دول معادية ليحصلوا على قاعدة بيانات المصريين؟

هل أسست وحدة للحماية الإلكترونية مثل الوحدات الموجودة فى كل بلاد العالم؟

الإنترنت فائق السرعة سيساعد الجيش وقوات مكافحة الإرهاب فى تتبع الإرهابيين والاتصال أسرع بالأقمار الصناعية، فمصر لديها قمر للاستشعار عن بُعد ويستطيع القمر استطلاع إحداثيات المجموعة المستهدفة أو الهدف وارسال بياناتها إلى منصة الصواريخ أو الاسلحة المضادة لتضرب الهدف مباشرة فى ثوان معدودة، فقد قال قبل ذلك العالم المصرى د.حسين الشافعى مستشار وكالة الفضاء الروسية: إن مصر استعانت بالقمر الصناعى الذى تملكه فى تحديد إحداثيات المواقع المستهدفة واعطاء بيانات للطيارين المصريين فى الضربة الجوية.

لكن هل تعلم الحكومة أيضا أن نفس هذا السلاح قد يستخدم العكس من خلال تصوير المواقع الحرجة بالفيديو مثلا وإرسالها فى نفس الثوانى إلى الإرهابيين، ويتحول الإنترنت إلى لعنة؟

هل تعلم الحكومة أنه عبر الإنترنت فائق السرعة تستطيع أى قناة أو وكالة عالمية نقل ما يحدث فى مصر على الهواء ومن أى مكان دون أن تحتاج إلى وحدات «sng» أو الإذاعة الخارجية التقليدية، وهذا يحدث الآن بالفعل، لكن ستصبح الصورة فائقة الجودة وعلى الهواء، لأنك تستطيع أن تحمل جيجا كاملة فى ثانية واحدة.