انقلاب مصرى خليجى على أمريكا برعاية روسية

مقالات الرأي



من يعرف السيسى جيدا يعلم أنه مثل القطار لا ينظر وراءه أبدا، ولا ينسى إساءة من أحد، لقد أيقن الرجل اللعبة جيدا، فقد شاهد بنفسه تخلى الأمريكان عن مبارك، وعن غيره ممن فضلوا العمل لمصالح أمريكا ضد مصالح شعوبهم، أيقن اللعبة حينما عرف أن قوته يستمدها فقط من المصريين، وأنه لن يجلس على هذا المقعد رغما عن إرادة الشعب المصرى، لذا لم يكن يقول كلاما للاستهلاك الإعلامى حينما صرح بأن مصر ا وقف بجوارها أو ضدها فى ًلن تنسى أحد يونيو.
30 المشهد كان مريبا بالنسبة للجميع، تحول غير مفهوم فى السياسات الأمريكية، أوباما يتخلى عن حلفائه من أجل حلفاء جدد، يدعم الإخوان المسلمين بكل قوة، ويعقد صفقة مع الإيرانيين على حساب مصالح أمريكا مع السعودية والإمارات، المشهد الأكثر إزعاجا كان وقف تصدير السلاح الطائرات لمصر، ومنع الطائرات الأباتشى وقطع غيار الطائرات الأخرى. 
أمريكا تعتقد أن دولة كبيرة مثل مصر ستركع بسرعة، وستسلم نفسها لجماعة إرهابية من أجل السلاح، لقد فاق الجميع فى لحظة ليكتشفوا أننا تزوجنا أمريكا منذ اتفاقية كامب ديفيد حتى الآن زواجا كاثوليكيا، لكن كل هذا ليس له أى أهمية أمام إرادة المصريين. 
لقد قررت مصر ودول الخليج أن يرسلوا أكثر من رسالة لأمريكا لكن يبدو أن صناع القرار هناك لم يستوعبوا ما يحدث حولهم بالضبط، الرسالة الأولى كانت صفقة طائرات الرافال الفرنسية بين مصر وفرنسا، تلتها صفقة أخرى بين قطر وفرنسا ثم ثالثة مع الإمارات، الرسالة كانت واضحة وهى أن حجب إف 16 عن مصر أو الخليج لن يؤثر  علينا فهناك دول مثل فرنسا تنتظر أن تجرى نفس الصفقات دون حساب، هل تعلمون لماذا؟ السبب واضح ففرنسا تعانى من أزمة اقتصادية طاحنة وليس لديها مخرج سوى تنمية سوق السلاح، وبيع طائرات الرافال والبارجة البحرية لمصر لم يكن هدفه ربح السوق المصرية فقط، فمصر لديها واحد من أكبر جيوش الشرق الأوسط والعالم، واختيارهم لشراء مقاتلة فرنسية يدعم من فرص بيعها فى أسواق أخرى وهذا ما حدث، فبعدما باعت فرنسا الرافال لمصر باعت بعدها لقطر والإمارات ومن المتوقع بيعها لبلاد ثانية خلال الفترة القادمة. 

لم تستوعب أمريكا الرسالة الأولى، لتأتى بعدها العديد من الرسائل عبر تقارب مصرى مع روسيا، ورغبة مشتركة وواضحة فى عودة العلاقات بنفس القوة، وكانت الضربة الكبرى من خلال توقيع صفقة بيع منظومة صواريخ «اس 300» لمصر وفقا لمصادر إعلام روسية،  فحتى الآن لم يعلن عن الصفقة رسميا فى مصر، لكن مصادر إعلامية روسية أكدت بالفعل وصول الدفعة الأولى من الصواريخ للقاهرة، ومن يفهم جيدا فى السلاح يعلم  أن وجود منظومة أس 300  قادر تماما على عمل شلل لسلاح الجو الإسرائيلى فهى صواريخ تستطيع إسقاط الطائرات على بعد 200 كيلومتر.
وحينما حاولت روسيا بيعها لسوريا، ضغطت أمريكا بقوة لإفشال الصفقة، ونجحت فى هذا بالفعل.

 نستطيع أن نقرأ أهمية صفقة صواريخ إس 300 من خلال التصريح المضطرب لقائد سلاح الطيران الإسرائيلى، الذى أبدى رعبه من أن تجرى روسيا صفقة مع إيران لبيع نفس المنظومة، مؤكدا أن هذا خطر كبير على إسرائيل وسيجعل إيران بعيدا عن طائرات تل أبيب، وقال إن مصر دولة تربطنا اتفاقية سلام معها! الموضوع لم يتوقف عند هذا، بل العلاقة بين مصر وروسيا تتطور، واليكم مؤشرات.. فقد قال وزير الصناعة والتجارة الروسى دينيس مانتوروف «مصر.. شريكنا التقليدى فى مجال التعاون العسكرى والتقنى، وحاليا نرى إمكانية لإبرام عقود جديدة إضافة إلى العقود القائمة.. صفقات لبيع الطائرات والحوامات والآليات البرية، ومنظومات الدفاع الجوى». 

هذا الكلام جاء بالتوازى مع ما نشر فى صحيفة روسية حول أكبر صفقة لروسيا بعد فترة الاتحاد السوفيتى وهى بيع 46  طائرة 29 ميج لمصر، ونشر خبر آخر فى  أحد المواقع الروسية المتخصصة ينص على «وجهت شركة «أورال فاجون زافود» الروسية المصنعة للدبابات دعوة إلى ممثلين مصريين ليحضروا إلى معرض الأسلحة الذى سيقام فى سبتمبر القادم فى منطقة الأورال الروسية، هدف الدعوة هو إقناع المصريين بشراء الدبابة «ارماتا» وذلك محاولة منهم لضرب الدبابة الأمريكية «إبرامز» وهى نفسها الدبابة الرئيسية للقتال فى الجيش المصرى.

 التعاون مع روسيا امتد أيضا لمحطة الضبعة النووية، وقبلها أقمار الاستشعار عن بعد المصرية الصناعية، ووصل إلى تقدم مصر بطلب رسمى  إلى الاتحاد الاوراسى لإقامة منطقة تجارة حرة، والاتحاد الأوراسى يضم دول روسيا، وكازاخستان، وبيلاروس، وأرمينيا، وقرغيزيا. 

الأمر لم يتوقف على مصر فقط، فقد أعلن لأول مرة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عن عمل صندوق سيادى مصرى - روسى - إماراتى لتمويل المشروعات طويلة الامد فى قطاعات مختلفة بينها صناعة السيارات، وصناعات ثقيلة أخرى. 

الأمر امتد إلى محاولة روسيا بيع طائرات مدنية لمصر بديلا عن بوينج وإيرباص وهى » من طراز سوخوى 100طائرات «سوبر جت الشهيرة الروسية، هذا يعنى أن الروس يؤكدون فى كل يوم رسالة أخرى لمصر، وهى أننا بديل قوى واستراتيجى ولا تقلقون من تباعدكم مع أمريكا.

لقد مارست إسرائيل ضغوطا قوية كى توقف صفقة صواريخ إس 300 وفقا للصحافة الإسرائيلية، وكان رد الروس واضحا نحن نحتاج إلى الأموال أولا وثاني هى فرصة طيبة لبناء علاقات جديدة  مع دولة تربطنا بها علاقات تاريخية. 

الولايات المتحدة الأمريكية تراهن على أن العلاقة بين روسيا والخليج ستظل متوترة طالما روسيا تدعم بشار الأسد، لكنها أغفلت الدور الذى يمكن أن تلعبه مصر فى التقارب بين الأنظمة الخليجية وبين بشار الأسد، خاصة بعدما ذاق الجميع إرهاب الإخوان، وأيقنوا أن دعم الإخوان فى سوريا جعلهم يمتدون فى ليبيا ومصر. 

الخريطة الآن متغيرة وغير ثابتة، وكل التحالفات التقليدية القديمة أصبحت فى خطر، والقوى التقليدية أيضا لم تعد مثل الماضى، روسيا القيصرية أو السوفيتية تعود إلى العالم، ولن تترك الشرق الأوسط مثلما فعلت فى الماضى، وأمريكا تفقد نفوذها وحلفاءها التقليديين، ومصر لا تنسى من وقف بجوارها ومن حاربها.