طلعت حرب يفضح نادى ساويرس وإخوانه

مقالات الرأي



■ أنشأ شركات مصر للسياحة والتأمين والطيران التى أممتها الدولة بعد الثورة 
■ ساويرس يطلق على نفسه أبوالاتصالات رغم أن الحكومة هى التى أدخلت المحمول مصر
 ■ وحسين سالم يعايرنا بأنه بنى شرم الشيخ وينسى أنه حصل على الأرض بملاليم وبناها بأموال البنوك
 ■ أهل البيزنس الآن هربوا بأكثر من 100 مليار جنيه وهو أسس 30 شركة وبنكين مشتركين من عباءة بنك مصر

سألت ذات مرة أحد رؤساء بنك مصر السابقين لماذا اختفت روح طلعت حرب ولم يعد البنك يساند الأفكار الجديدة التى قد تبدو مغامرة، أو المشروعات التى لم تدخل مصر بعد؟.. فرد الرجل الحكيم:

«نحن نساند الاقتصاد ولكننا نتأنى فى تمويل المشروعات ومع ذلك لا يسلم الأمر من القروض السيئة وبعض رجال الاعمال الذين يماطلون فى رد فلوس البنك» ثم أضاف الرجل وقد تحرر من المنصب بجملة لم انسها «أظن طلعت باشا حرب نفسه كان سيتردد ألف مرة فى التعامل مع هذه النماذج»

لا تحتاج الكتابة عن مؤسس الاقتصاد المصرى طلعت حرب تاريخًا أو ذكرى معنية، ولا أكتب عنه بمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيس بنك مصر الذى أسسه طلعت حرب فى 7 مايو 1920، وبعد البنك أسس طلعت حرب أكثر من 30 شركة هى عماد الاقتصاد المصرى الآن، مصر للطيران، مصر للتأمين ومصر للسياحة وشركات حلج وغزل القطن واستديو مصر، ولو تذكرنا طلعت حرب بالشركات التى أطلقها لأقمنا له احتفالاً على الأقل مرة أو مرتين كل شهر.

أتذكر طلعت حرب كلما استمعت إلى واحد من كبار رجال الأعمال يعايرنا بمشروعاته فى مصر، أتذكر طلعت حرب كلما باع أحدهم شركات القطاع العام التى حصل عليها للأجانب، فطلعت حرب أنشأ شركات فى كل القطاعات التى احتكرها الأجانب، وكبار رجال الأعمال الآن يبيعون ثرواتنا شركاتنا للأجانب مرة بشكل صريح جدا، ومرة أخرى من خلال البورصات الأجنبية، الحكومة أنشأت شركة المحمول الأولى واشتراها نجيب ساويرس فى صفقة غامضة وبالأمر المباشر وبعد ذلك باعها لشركة فرنسية، وشقيقه ناصف باع حصته فى الأسمنت لشركة فرنسية أخرى، حسين سالم يعايرنا من إسبانيا بأنه بنى شرم الشيخ ويتجاهل أنه حصل على الأرض بملاليم وبامتيازات فى كل شىء مثل الكهرباء والضرائب، حتى محطة الكهرباء التى يعايرنا بها أقيمت على أرض منحتها له الدولة، لدينا رجال أعمال استولوا على أكثر من 100 مليار جنيه من البنوك وهربوا، ومن عاد منهم يطلب قروضًا أخرى ولا يستخدم فلوسه الآمنة فى بنوك الخارج، والجملة الأكثر استفزازًا من رجال الأعمال (أنا فاتح بيوت ألف ولا عشرة آلاف مواطن) وكأنه يمنحهم إعانات، وليست رواتب نتيجة علاقة عمل، ويضيف رجل الأعمال (الأنزوح) وكمان بادربهم، طلعت حرب درب مصر كلها على حرفة الاقتصاد فى كل مجالاته.

فيما كان كل الزعماء السياسيين فى مصر منشغلين بالكفاح السياسى فقط لطرد المحتل، فإن طلعت حرب وحده هو من تنبه لأهمية الاستقلال الاقتصادى، وكسر احتكار الأجانب، وباستثناء الزراعة كان الأجانب يحتكرون كل الأنشطة الاقتصادية والصناعية والتجارية، ولذلك كان أول مشروع لطلعت حرب محل بقالة لتجارة التجزئة مع أحد الأصدقاء، فى ذلك الوقت كان طلعت حرب موظفًا كبيرًا بسلك القضاء، وقد اندهش اصدقاؤه من إقدامه على هذه الخطوة، ولكنه أراد أن يؤكد بشكل عملى أن التجارة عمل شريف يجب أن يعمل به المصريون، وعندما نجح محل البقالة تركه لبعض الأصدقاء، فلم يكن طلعت حرب يفكر فى الربح.

وفى عام 1920 أى بعد أكثر من عشر سنوات من النضال استطاع طلعت حرب أن يؤسس البنك بمساهمات 124 مواطناً مصرياً أصلياً بحق وحقيق، وفى ذلك الوقت كان سعر السهم 4 جنيهات ورأسماله 80 ألف جنيه وفى خطبة افتتاح البنك حسم طلعت حرب هدف البنك فهو صناعى يساند دخول المصريين فى كل المجالات، ويشجع التجارة، ومع الصعب حصر المشروعات التى ساندها بنك مصر خلال عصر طلعت حرب، فهو لم يترك مجالا صناعيا إلا ادخل المصريين فيه، من صناعة تكرير البترول والطيران إلى الازياء الحريمى، فقد شجع ابنه محمد باشا أفلاطون على افتتاح اول محل مصرى للأزياء، ودعمه بنك مصر وكان هذا المحل يحمل اسم مصرى صميم (صالحة)، ولم يترك طلعت حرب مجالاً احتكره الأجانب الا ودخل فيه بانشاء شركة أو اقراض مواطن مصرى لدخول هذا المجال.

وحين أطبقت المؤامرة على طلعت حرب وبنك مصر كان على الرجل أن يختار بين وجوده فى بنك مصر أو وجود البنك نفسه فلم يتردد أن يختار البنك، دون أن يعاير المصريين بأنه أبوالاقتصاد المصرى الحديث، وأنه هو من علم المصريين أن يعملوا فى الصناعة والتجارة والسينما والطباعة وكل المجالات.

وكانت نجاحات الرجل قد أزعجت الإنجليز ورجال الأعمال الاقطاعيين الذين يدورون فى فلكهم، ولذلك سحب الاقطاعون ودائعهم، وتلاها بأمر الحكومة سحب ودائع البريد، كما رفض البنك الأهلى (قبل تمصيره) إقراض بنك مصر للخروج من أزمته، وفى ذلك الوقت لم يهتم حزب الوفد بالوقوف بجوار الرجل ولا حماية المؤسسة المالية الوطنية الوحيدة فى ذلك الوقت، لأن الوفد كان مشغولاً بالعودة للسلطة، وعرض بعض الوطنيين مساندة الرجل وعلى رأسهم أم كلثوم، وكانت سيدة الغناء العربى هى بطلة أول فيلم من إنتاج استديو مصر، وهو باكورة أعمال شركة السينما التى أطلقها طلعت حرب، وقبل السينما دخل مجال المسرح فأنشأ المسرح القومى، ولم يكن طلعت حرب يرى فى كل ما فعله سوى واجب طبيعى تجاه بلده، بل إنه لم يكن ينظر لنفسه كعبقرى زمانه مثل كبار رجال الأعمال الذين أصبحوا كالبلاء على الاقتصاد المصرى، كان طلعت حرب يشعر فقط أنه فى صراع مع الزمن، وأن مصر فاتها الكثير، وعليها أن تلحق بالكثير، خرج طلعت حرب من بنك مصر بعدما أدخل مصر عصر الاقتصاد الحديث، رحل طلعت حرب من الدنيا دون ثروة توازى واحدًا فى المليون من ثروات أهل البيزنس الآن.