احمد فايق يكتب : ضرب الرئيس من داخل النظام

مقالات الرأي



العدو الأول لأى تطوير فى مصر هو طبقة المنتفعين من كبار الموظفين الذين يريدون إبقاء الوضع على ما عليه من فساد
ماذا يحدث فى مصر الآن؟
هل من الطبيعى أن تخرج تسريبات للرئيس تحاول الوقيعة بينه وبين قادة الخليج؟


إذا كانت هذه التسريبات حقيقية فمن يجرؤ على التجسس.. وكيف دفع رئيس الجمهورية إلى إجراء 4 مكالمات مع قادة الخليج، وتأكيد عمق العلاقات بين مصر والسعودية والامارات والكويت.

خلال الأسابيع الماضية هناك ألف سؤال بلا إجابة فى مصر، أسئلة تجعلك تتصور للحظة أن هناك من يضرب الرئيس من داخل النظام، هناك من يرفض توجهات الدولة الإصلاحية، هناك طابور خامس يريد أن يبقى الفساد كما هو، لا يريد من السيسى فقط أن يعيد دولة مبارك البوليسية الفاسدة.

هل من الطبيعى انقطاع النور فى أول وثانى أيام المدارس وتحديدا فى السابعة صباحا؟

لماذا يدفعون المصريين الى كره الرئيس السيسى، ولماذا هو يصمت عليهم حتى الآن؟

هل تحتاج مصر إلى مذبحة القلعة بمنطق 2015؟

الرئيس يعلم جيدا أنه لن يستقيم له الحكم دون تأديب وتهذيب مراكز القوى..

تخيل المشهد.. زيارة غير عادية للرئيس الروسى فلاديمير بوتين.. بناء على دعوة من الرئيس السيسى.. وسط علاقات مضطربة مع الولايات المتحدة الأمريكية.. استقبال شعبى حافل لـ«بوتين» حفل فخم يليق بعظمة مصر وروسيا فى دار الأوبرا المصرية.. السيسى وبوتين فى عشاء خاص فى برج القاهرة «خازوق روزفلت» الرشوة الأمريكية التى حولها جمال عبد الناصر إلى أعلى بناية فى مصر والشرق الأوسط وقتها.. كانت أمريكا قد أرسلت له 6 ملايين دولار رشوة بدعوى مصاريف تأمينه الشخصى.. مقابل أن تتعاون مصر مع إسرائيل وتتوقف عن دعم ثوار الجزائر.. عبد الناصر قبل بالرشوة.. وأنشأ بها برج القاهرة ليكون مركزا لبث الإذاعات المصرية الموجهة لإفريقيا ودعم الثورات التحررية.. وأيضا الجزائر..!

اختيار السيسى لهذا المكان كى يتناول فيه العشاء له ألف معنى، ويتضمن رسالة قوية جدا لأمريكا، مصر أخطأت مرتين فى حياتها الأولى حينما تزوجت من الاتحاد السوفيتى زواجا كاملا، فكان كل من له علاقة بالامريكان اما خائنا أو عميلا، وبعدها تزوجت من امريكا زواجا من نفس النوع، فتم إنشاء وحدة مكافحة الشيوعية فى أمن الدولة!

إن العلاقات بين الدول لا تقوم على الزواج الكامل، بل تقوم على المصالح مصر لديها علاقة استراتيجية بأمريكا لن يحدث طلاق بينهما لكنها ستتعاون أيضا مع روسيا.

رئاسة الجمهورية فتحت الكثير من الملفات المسكوت عنها.. المعتقلين والأولتراس.. تجريم الإهانة لثورتى 25 يناير و30 يونيو.. مؤتمر اقتصادى فى شرم الشيخ.. فتح الترشح انتخابات مجلس النواب.

كلها أخبار إيجابية وعظيمة خلال الأربعة اسابيع الماضية، لم يفسدها سوى الدم، الدم المصرى الذى سال فى سيناء، والدم المصرى الذى سال فى استاد الدفاع الجوى، فى سيناء نحن نعرف من هو عدونا، والشعب والجيش يستطيعون أن يقفوا أمام إرهاب العالم كله، لكن فى الدم الذى سال فى استاد الدفاع الجوى، العدو أصبح من الداخل، هو الفشل والإهمال والتقصير.

هل يعقل أن يقرر 8 آلاف مواطن أن يجتمعوا فى مكان واحد ويقرروا اقتحام استاد الدفاع الجوى.. دون أن تعرف وزارة الداخلية المعلومة؟

إذا كانت المعلومة معروفة لدى الداخلية.. هل لديهم سيناريو لمواجهة هذا دون أن تسيل نقطة دم واحدة؟

لست خبيرا أمنيا لكن الأكيد هناك ألف سيناريو لانقاذ دماء المصريين، ابسطها إلغاء المباراة، أو السماح للاولتراس بالدخول ثم الغاء الدورى بعد المباراة، فقد فعلتها الداخلية قبل ذلك وسمحت للجمهور بدخول مباراة الكونفيدرالية.

الرئيس قال لوزير الداخلية فى لقاء مسرح الجلاء: مين قتل شيماء الصباغ، دى بنت مصر وبنتى؟

ورد عليه اللواء محمد ابراهيم: «أعد الشعب بأنه إذا ثبت تورط ضابط أو جندى سأقدمه إلى المحاكمة الجنائية»

فرد عليه الرئيس قائلا: لما يكون حد عندى غلطان أعاقبه.. اذا كان غلطان.. حفاظا على المؤسسة ومصداقيتها.. لا تهدم المؤسسات بأخطاء أشخاص.

وبعدها بأيام 32 من شباب مصر ماتوا بنفس المنطق...

سيادة الرئيس سأعيد لك ماقلته لوزير الداخلية «لما يكون حد عندك غلطان مش عيب إننا نعاقبه.. لا تهدم المؤسسات بأخطاء وزراء»

اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية هو أكثر وزير فى تاريخ مصر تظاهر ضده المصريون، حتى الضباط والجنود أنفسهم تظاهروا ضده، ورغم ذلك فهو باق، والدماء تزداد يوما بعد يوم.

ما يفسد المشهد الإيجابى الآن أيضا هو الإصرار على الإبقاء على الشباب فى السجون.. هل يعقل أن يحصل ارهابى منتم لتنظيم القاعدة على 10 سنوات سجنًا؟ فى الوقت الذى يحصل فيه شباب على احكام بالمؤبد لخرقهم قانونًا سيئ السمعة وهو قانون التظاهر؟

إن ترسانة القوانين التى وضعتها طبقة المصالح تحمى مبارك والاخوان وتقتل المصريين، تلك القوانين هى التى جعلت ارهابيًا يحصل على 10 سنوات فقط وشاب تظاهر يحصل على المؤبد؟

لا استطيع أن أنسى مشهد الحاجة رتيبة، امرأة عليها ديون بـ19 ألف جنيه، ووقع أبناؤها الأربعة على كمبيالات ضامنين لها، وتم القبض عليها وسجنت هى وأبناؤها الاربعة، صدر ضدها حكم بالحبس 47 سنة، ومات ابنها فى السجن، حينما عرف الرئيس بالامر قرر أن يدفع الـ19 ألف جنيه من جيبه، وحتى تخرج الحاجة رتيبة، عمل على قضيتها 14 محاميًا حتى تخرج بشكل قانونى.

لماذا يدفعون الدولة إلى الدخول فى خصومة مع الشباب، لماذا يعدون أنفسهم الآن لإعادة دولة مبارك من المليارات التى يتم ضخها فى انتخابات النواب؟ لماذا يحاولون لى ذراع الرئيس كلما اقترب من الشباب؟ ولماذا يتذمرون كلما قال كلمة إيجابية عن ثورة 25 يناير؟

العدو الأول لأى تطوير فى مصر هو طبقة المنتفعين من كبار الموظفين، الذين يريدون إبقاء الوضع على ما عليه من فساد، وربما يدفعهم هذا إلى مواجهة أى أحد فى الدولة يهدد وضعهم حتى لو كان رئيس الجمهورية.

إن الكتابة فى هذا الموضوع مثل السير على حقل ألغام، والبحث عن الورود المحاطة بالأشواك، لكن الفشل الذى عانت منه مصر طوال عام فى فترة حكم مرسى، جعل كل مؤسسة من مؤسسات الدولة تعتقد أنها الأجدر بالحكم، والمؤسسات الأساسية أقصد بها القضاء مثلا ومؤسسات سيادية أخرى. غيرة بعض هذه المؤسسات على الدولة جعلت كلا منها تعتقد أنه آن الأوان لتصدر المشهد، إلى أن جاء الرجل القوى من أقوى مؤسسة فى مصر وأكثرها تنظيما والتزاما وهو الرئيس عبد الفتاح السيسى.

الرئيس الإصلاحى يجد مقاومة فى كل خطوة يخطوها، فهو لا يريد أن تسير الأمور كما كانت عليه، المقاومة الأولى التى واجهها الرئيس حينما أصر على تطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور، وهو القرار الذى فشلت فى تطبيقه الدولة منذ ثورة 25 يناير وكان أحد مطالبها، الدولة فشلت فى تطبيقه لأن هناك مقاومة له، فهناك طبقة من كبار الموظفين يحصلون على أجور شهرية بأرقام فلكية فى قطاعات مختلفة من الداخلية وحتى البنوك والبترول.

تطبيق مثل هذا القرار كان يحتاج لرجل قوى مثل السيسى ونجح بالفعل فى تطبيقه، القطاع الذى تصدر مشهد مقاومة الرئيس فى قرار الحد الأقصى للأجور هو قطاع البنوك، وهددت قيادات البنوك بالاستقالة، واستقال بعضهم بالفعل، وانتقل للعمل فى مؤسسات عالمية وحصلوا على أجور أكبر من أجورهم فى الدولة، قوة هذا القرار فيما قاله الرئيس السيسى فى الكواليس وهو «حينما أتخذ قراراً أتحمل تبعاته للنهاية ولا أنظر للخلف أبدا».

ويبدو أن مؤسسة الرئاسة كانت مستعدة لتحمل رد فعل تطبيق الحد الأقصى للأجور، وتم تجهيز قيادات بديلة وخطط طوارئ حتى لا يحدث خلل فى القطاع المصرفى أو غيره من قطاعات الدولة، وخرج الرئيس من معركته الأولى مع الدولة العميقة منتصرا.

لتبدأ المعركة الثانية وهى فتح ملفات فساد الأراضى، وقررت مؤسسة الرئاسة تقسيم الملف لعدة نقاط، والبداية كانت من نهب أراضى طريق مصر - الإسكندرية الصحراوى، فطوال الأعوام الماضية تم نهب أراض فى طريق إسكندرية الصحراوى تقدر بـ150 مليار جنيه، مابين أراض زراعية تم الاستيلاء عليها وبناء قصور وفيللات فخمة للأثرياء، وأراض أخرى تم الاستيلاء عليها بوضع اليد، المفاجأة أن المافيا التى استولت على هذه الأراضى ترفض أن تدفع حق الدولة، والفُجر «بضم الفاء» أنهم أكدوا أن هذه الأموال تم دفعها رشوة للموظفين الكبار فى عهد مبارك!

المعركة الثالثة مع الدولة العميقة هى انتخابات مجلس النواب القادمة، فهناك أكثر من لوبى مصالح يريد الدخول بكل قوته للانتخابات، وهناك مؤسسات سيادية فى الدولة تضغط على الرئيس أن يكون له ظهير سياسى ممثلا فى حزب يدخل الانتخابات، لكن الرئيس يرفض تماما فكرة الظهير السياسى، ويريد أن يخوض الجميع تجربته الانتخابية بشكل ديمقراطى حتى لا نعود إلى دولة الحزب الواحد. الأزمة التى يواجهها الرئيس أن جماعات المصالح تدفع بقوة لدعم حزب الفريق أحمد شفيق، وطبقا لخصوصية مصر، الوطن لا يتحمل حزب أغلبية فى البرلمان يرأسه رجل من نفس المؤسسة العسكرية التى خرج منها الرئيس، جماعات المصالح تضغط على الرئيس بحزب شفيق حتى تحمى مصالحها، فالفريق شفيق يمثل القائد المثالى لكل أبناء مبارك والدولة القديمة.

المعركة الرابعة مع الدولة العميقة ستبدأ قريبا مع إعادة هيكلة منظومة الضرائب فى مصر، وهذا بالطبع سيؤدى إلى غضب بعض الموظفين الكبار الذى يستفيدون من التهرب الضريبى، وغضب بعض رجال الأعمال الذين يأكلون المليارات على المصريين، هل تعلم أن صندوق النقد الدولى أثناء مفاوضاته مع مصر قال إن رجال الأعمال المصريين يجب أن يدفعوا ضرائب قدرها 650 مليار جنيه فى السنة لا يدفعون منها سوى 5 مليارات جنيه فقط؟

هل تعلم أن رجال الأعمال يساهمون بنسبة 75% من الناتج المحلى رغم أن مأمورية كبار الممولين تحصّل 150 مليار جنيه معظمها من الشركات الحكومية، ورجال الأعمال والشركات الخاصة يدفعون 5 مليارات جنيه فقط...!

هل تعلم أن إعادة هيكلة هذه المنظومة ألفاسدة ستعجل بحرب قوية من الدولة العميقة ضد الرئيس؟..

المعركة الخامسة هى المسجونون فى قضايا سياسية أو المحبوسون ظلما وهم آلاف وينتظرون قرار العفو من الرئيس ، وتحويل هؤلاء الشباب إلى عناصر فاعلة فى المجتمع بدلا من صناعة ثأر بينهم وبين الدولة، وهذا القرار سيواجه مقاومة من الدولة العميقة أيضا التى تريد الانتصار للدولة البوليسية على حساب «لم» شمل المصريين تحت راية واحدة.

إن مصر تحتاج الآن إلى مذبحة قلعة جديدة ينتهى منها الرئيس فى يوم واحد، مذبحة ليست دموية، لكن مجموعة من القرارات السياسية والاقتصادية لمواجهة مراكز القوى فى كل مؤسسات الدولة، وإلا ستزحف هذه المراكز لتحيط مؤسسة الرئاسة مثل السرطان الذى ينخر فى جسد الدولة، وتؤدى بنا إلى سيناريو يخشى الجميع من مجرد تخيله، والسيسى هو الرجل القوى الوحيد القادر على عمل هذه المذبحة.