بوابة الفجر

"المسرح الحديث" بالشارقة في منافسات مهرجان المسرح العربي

غنام غنام
غنام غنام

ضمن فعاليات الدورة الحادية عشرة لمهرجان المسرح العربي المقامة حاليا في القاهرة، الذى تنظمه الهيئة العربية للمسرح بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية، إلتقي جمهور المهرجان وأسرة العرض المسرحي" ليلك ضحي "الذي يناقش فى موضوعه اللحظة الراهنة، ويشتبك مع المجتمع العربي بكل ما يحمله مع آمال وطموحات و مشكلات ، ويفجر فى نهايته إشكالية مغايرة عن تلك النهايات الشاعرية من انتصار للخير على الشر أو فيما يسمى إصطلاحا بالعدالة الشعرية.

 

قال كاتب ومخرج العرض الفنان غنام غنام  خلال المؤتمر الصحفي، الذى أقيم ظهر اليوم بفندق جراند نايل تاور، إن العرض قد تم تقديمه فى مصر من قبل خلال مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي والمعاصر، على خشبة مسرح الهناجر وقوبل وقتها باستحسان نقدي واقبال جماهري، لما يطرحه من قضايا تتعلق بالإرهاب الذى تمارسه الجماعات المتطرفة على الآمنين فى كل مكان.

 

وفى رده على إشكالية العلاقة و تداخلها ما بين المؤلف والمخرج أجاب غنام قائلا : ليست هناك إشكالية تُذكر، وما يحدد ذلك الأمر هو مدى نجاح العمل فى النهاية من عدمه لدى عرضه على الجمهور، فهو ما يكشف هل كانت العلاقة بالفعل ناجحة وتستدعي التعاون مرة أخرى أم لا، فالمسألة فى جوهرها هى علاقة تبادلية ما بين الإبداعين؛ إبداع المؤلف و إبداع المخرج.

 

وشكر غنام المسرح الحديث بالشارقة الجهة المنتجة على تبنيها للعرض، وتعاون الفرقة المسرحية معه للخروج بالعمل على أكمل وجه، وأشار إلى أن النص يمشي في حقل ألغام، إلا أنه يمشي بدقة، ويحوم حول تلك الألغام الموقوتة دون أن ينفجر فيه أحدها، إذ على المبدع أن يمتلك الوعي الذي يؤهله لأن يكون مشروع مبشر، و منارة تهدي من يأتي بعده ليسير على خطاه،  و ليس مشروع استشهادي يتسبب عمله الفني في مقتله.

 

وأضاف أنه توقف كثيرا لتأمل ظاهرة الإرهاب وفكر في كيفية تقديمها ومواجهتها فنيا، حتى سنحت له الفرصة حينما قرأ خبر في أحد الجرائد حول انتحار زوجين سوريين قبل دخول داعش بلدتهم ،هربًا من الأسر وإنقاذا للزوجة من الإغتصاب، وقبل وفاة الزوج كتب رسالة تشرح أسباب الانتحار، وهو ما دفعه ــ غنام ــ  لصياغه هذه القصة فى عمل مسرحي وبالفعل أنجزه فى عام واحد، وأرسله إلى مسابقة الكتابة في الأردن قبل إغلاق باب التقديم بيومين، وكانت المفاجأة أن النص فاز بالجائزة الأولى مناصفة.

 

وذكر أن هيئة يابانية مهتمة بمناطق الحروب والصراعات اقترحت عليه ترجمة النص، ونظمت له ندوة كبيرة بطوكيو، وتابع : العرض يتحدث عن الموت ويأخذنا بسلاسة ورومانسية إلي ذلك المصير المفجع لقصة زوجين هما " ليلك وضحى " اللذان درسا الموسيقى والمسرح وذهبا إلى بلدة نائية بهدف تعليم أبنائها، إلا أن الأمور تنقلب رأسا على عقب بعد دخول داعش لتلك البلدة ليحاكموا الزوجين وينتهي الأمر بمقتلهما.

 

واستطرد: نناقش تحولات المجتمع الذى يربي بداخل كل وأحد إرهابي صغير، فالأمور الداعشية هنا ليست في ذلك التنظيم المسلح قدر ما هى فى السلوكيات والأخلاق والممارسات الحياتية و بالتالى يحضر الموت هنا فى كل دقيقة حتى نبشر بالحياة، فمن الموت تولد الحياة.

 

وفى إجابته عن  تساؤل  حول العلاقة الثنائية المتقابلة فى عناوين عروضه، أجاب أن العنوان دوما تابع للنص وليس سابقا عليه فقد يفكر فى أحد العناوين لمدة أسبوع كامل حتى يستقر على المسمى النهائي، وأنه يحب مسألة الاشتباك مع الجمهور فى منطقة التلقي، والتأويل، وتابع: لأن الأشياء تُعرف بتضادها، أعمد دوما إلى مسألة التقابل والتضاد ، وهو ما يطرحه النص من خلال ثنائية الحياة والموت التى تسري في أوصال العمل.

 

وأستطرد مؤكدا أنه تأثر بأعمال الكاتب الكبير غسان كنفاني و خصوصا روايته "رجال فى الشمس" التى يهرب فيها مجموعة من الرجال في خزان متنقل و يموتون  بداخله نتيجة الحرارة المرتفعة لتتجلى المقولة التى صارت أيقونة بعد ذلك على لسان السائق وهو يرمي جثثهم فى القمامة  "لماذا لم يدقوا جدران الخزان"، وتابع: هذه المقولة أحاول تحقيقها فى أعمالي من خلال الدق المستمر على جدران عقل الجمهور حتى تتفتح بالوعي والفهم وإدراك المخاطر.

 

و ردًا علي تساؤل عن تكسير ألة العود فى كل ليلة أجاب بأنه شاهد فيديو على الإنترنت لمجموعة من داعش اقتحمت مكانًا وقامت بتكسير الكثير من الألات الموسيقية ، وهو ما عده "مذبحة" للجمال والفن تساوي المذابح الإنسانية فى جرمها وبشاعتها، ولذلك أراد أن يخلق تلك الصدمة للجمهور حتي يستنهض همته و يٌخرجه من ذلك التردي الذي وصلنا إليه، وأضاف أن مسرحه ينطلق من الفضاء البسيط سينوغرافيًا، والمعبر بعمق دلاليًا، ففضاءه وبخاصة في هذا العرض بلا جدران ولا تحده حوائط وإنما تُخصص مناطق على الخشبة تقسمها بؤر الإضاءة ليظهر المشهد بطريقة فاعلة ومتوازية فى سير أحداثها ففى الوقت الذى يدور حوار فى أحد الأماكن ، يسير الحدث فى منطقة أخرى لإضفاء مزيد من الحيوية، وذلك لا يتحقق تماما إلا بمزيد من الجهد والبروفات التي تمتد فترات طويلة، حتى يحدث ذلك التناعم بين كافة عناصر العمل.

 

واتفق معه إبراهيم سالم أحد أبطال العرض قائلًا: يعمل  المخرج معنا بروح جماعية، وأثناء البروفات عندما يريد أن يوجه ممثلا، فإنه "يهمس في أذنه "، الأمر الذي يخلق مساحة من الإحترام والتقدير بينه وبين طاقم العمل، وأكد على تلك الخبرات الحياتية التى كان يرويها لهم المخرج بهدف وضعهم فى اجواء الحدث ليعيشوا معه التجربة بكل تفاصليها، وهو الأمر الذى ساعدهم كثيرا.