بوابة الفجر

طارق الشناوي يكتب: "تراب الماس".. عندما تدسُّ السم بيديك تطبيقاً للعدالة!

بوابة الفجر

بمجرد أن قرأ المشاهدون كلمة النهاية استمعت للتصفيق، الجمهور يحن للجمال الفنى، علينا فقط أن نحترم ونثق فى عقله ونمنح قلبه ما ينعشه ويدهشه.

(تراب الماس) لا يصلح أن تراهن عليه متصدرا أفلام العيد السبعة، التى سيتوالى عرضها تباعا خلال الساعات القادمة، كان ينبغى أن يسارع منتج وموزع الفيلم بالدفع به قبل أن تبدأ سكين الجزار فى التوجه نحو رقبة الأضحية، جمهور العيد فى العادة ينتظر الأكشن الصارخ أو الضحكة التى لا تكف فيها عن القهقهة، والفيلم قطعا به أكشن ولا يخلو من ابتسامات، ولكن تلك تظل منمنمات على هامش (الكادر).

الرواية المأخوذ عنها الفيلم ترصد نحو 70 عاما من تاريخ مصر، حتى 2018، بطل الفيلم أحمد كمال الذى يؤدى دور والد آسر ياسين، أقعده الشلل عن الحركة فصار من خلال مقعده فى شقته يتابع حياة الجيران، القوة والسلطة والبلطجة وغياب القانون والانفلات بكل تفاصيله تتعانق جميعا لتعلن عن نفسها من خلال السرد التاريخى الذى قدمه الفيلم لمصر، مع بدايات ثورة 52 وإجبار محمد نجيب على التنحى، وهجرة اليهود بعد 56، ثم 67، ثلاثة أجيال عايشناها، الرواية بالمقياس النقدى أكثر تماسكا فى بنائها من الفيلم، الانتقالات بل والقفزات الزمانية وأيضا الشعورية استطاع مراد أن يجد لها حلاً أدبياً أكثر انسياباً، ولكنها على المقابل كانت فى جزء منها بمثابة ثغرات على الشاشة، لم يستطع السيناريو خلق حل سينمائى موازٍ لها.

كان من المستحيل التضحية بالماضى، عمق (تراب الماس) قائم على المزج الزمنى الدائم، هذا التراب هو ما يتبقى بعد تنظيف الدهب فى محل الجواهرجى، وهو ما استطاع أحمد كمال الاحتفاظ به، منذ أن كان طفلا، يعمل فى محل اليهودى بيومى فؤاد، تلك المادة تصيب من يتناولها بالموت البطىء، وأغلب من دُسّ لهم فى الشاى بالفعل كانوا يستحقون القتل، وهذا هو السؤال المفتوح الذى يصدره لنا المخرج هل نطبق العدالة بأيدينا لو عجز القانون عن تحقيقها؟.

الشاشة تتكلم سينما، فى زمن عزت فيه السينما، الكاتب أحمد مراد والمخرج مروان حامد فى ثالث تعاون بينهما بدأ بـ(الفيل الأرزق)، ثم (الأصليين) المكتوب مباشرة للسينما، بينهما توأمة إبداعية، مروان من المخرجين الذين يملكون القدرة على خلق جو عام جاذب للشريط من خلال عناصر الديكور محمد عطية، والموسيقى هشام نزيه، والمونتاج أحمد حافظ، والتصوير أحمد المرسى، والملابس ناهد نصر الله، يجيد مروان أيضا تسكين وتوجيه ممثليه فيحصل منهم على أعلى ذروة، وهكذا يتألق ماجد الكدوانى باللمحة والنظرة، وآسر ياسين فى قدرته على التماهى مع الشخصية، ومنة شلبى بتمكنها من التفاصيل، والفنان الرائع الذى نادرا ما نتذكره أحمد كمال، وشيرين رضا ومحمد ممدوح وغيرهم، (تراب الماس) يستحق أن نستعيده معا فى مساحة قادمة أرحب (فاصل ونواصل)!.

المقال نقلا عن المصري اليوم