العلاقات العسكرية بين مصر وروسيا.. من "الصفقة التشيكية" إلى الطراد "فارياغ"

أخبار مصر



«في الوقت الحالي تستورد مصر حاجتها من الأسلحة من الولايات المتحدة بما يقارب نسبة 60 في المائة إلى 65 في المائة، لكن مع التقارب الجديد بين القاهرة وموسكو، يمكن أن تزيد نسبة الاستيراد المصري من الأسلحة الشرقية». هكذا يقول اللواء محمد قشقوش، أستاذ الأمن القومي في أكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر. لكن ربما لا يزيد الأمر على مجرد تكهنات لأن العلاقات المصرية - الأميركية (ومع الغرب عموما) ما زالت مستمرة، كما يقول المحلل الاقتصادي الأميركي شريف الحلوة.

وفي زيارة يراها البعض منعطفا جديدا في علاقات مصر الخارجية، أجرى وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغي، بالقاهرة أمس، مباحث تصب في اتجاه التقارب مع مصر، والتي تعد أحد أهم الشواطئ الدافئة أمام أعين الروس. وترجع العلاقات بين البلدين إلى عام 1943. بيد أن اللواء قشقوش يشير إلى أنها «بدأت تتحول إلى علاقات جيدة منذ عام 1955».

وتسلمت مصر أول صفقة من الأسلحة الشرقية فيما عرف باسم «الأسلحة التشيكية». وكانت تشيكوسلوفاكيا عضوا في حلف وارسو بزعامة الاتحاد السوفياتي (آنذاك). واستمر نقل الأسلحة من التشيك إلى مصر منذ عام 1955 حتى عام 1956، أي كانت تجري في الجيش المصري عملية إحلال وتجديد من السلاح الغربي (البريطاني أساسا) إلى السلاح الشرقي.

ويقول قشقوش إن أول قطع من أسلحة حلف وارسو تخرج خارج الحلف وخارج الصين، كانت متوجهة إلى مصر. ويضيف أن التسليح «كان في كل المجالات.. في القوات البرية والبحرية والطيران.. كان تسليحا على مستوى دولة بتكتيكات مختلفة»، إلا أنه أشار إلى أن قدرة أي جيش على استيعاب نوع جديد من الأسلحة يستغرق من سنة إلى سنة ونصف السنة، من أجل التدريب «لكي يصل الجيش إلى عملية التناغم مع أسلحته».

وقبل أن تستوعب مصر الأسلحة الشرقية الجديدة وقعت حرب «العدوان الثلاثي» عام 1956. و«لو كان الجيش المصري استوعب الأسلحة الشرقية قبل العدوان الثلاثي لتغير التوازن العسكري لصالح مصر. ولهذا السبب دخلت إسرائيل في الحرب إلى جانب إنجلترا وفرنسا مستغلة عملية التحول التسليحي داخل الجيش المصري».

ومنذ ذلك الوقت أصبح الاتحاد السوفياتي بالنسبة لمصر مصدرا أساسيا للسلاح بدلا من الغرب رغم تطور الأسلحة الغربية. ومع ذلك لم يقدم السوفيات التقنية الصناعية الرئيسة لمصر، التي كانت تعتمد على تأسيس تقنية تصنيعية عسكرية مع دولة الهند منذ عام 1958 أسفرت عن تصنيع الطائرة «القاهرة 300»، إلا أن هذا المشروع لم يكتمل في مصر، بينما استكملته الهند، بسبب تركيز مصر جهودها على تبعات الوحدة مع سوريا، ثم دخولها في متاعب «حرب اليمن»، وأوقف المشروع.

وتوثقت العلاقات بين الجانبين، القاهرة وموسكو، أكثر، مع تمويل السوفيات للسد العالي. واستمر هذا التعاون حتى قام الرئيس الراحل أنور السادات بطرد الخبراء السوفيات عام 1972، أي قبيل حرب تحرير سيناء، بسبب تباطؤ موسكو في إرسال ما طلبه السادات من كباري ومعدات وقطع للدفاع الجوي المتحرك لكي يتمكن من تغطية مناطق أوسع في سيناء تصل حتى حدود إسرائيل.

وعلى هذا انهار التعاون العسكري والاقتصادي والسياسي بين البلدين. وفي عام 1976 نقضت مصر «معاهدة الصداقة والتعاون» مع موسكو التي سبق توقيعها في عام 1971. وتوقفت مصر عن شراء الأسلحة السوفياتية بشكل تام مع قرب توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، أي في سنة 1978 تقريبا، واتجهت منذ ذلك الوقت إلى شراء الأسلحة الأميركية.

وبدأت علاقات جديدة مع الولايات المتحدة والغرب، بالتزامن مع إحياء مشروع التصنيع «العسكري - المدني» بمصر من خلال «الهيئة العربية للتصنيع» بعد حرب 1973. ونتج عن العلاقة مع الغرب نظام جديد من التسليح للجيش المصري، والتدريبات العسكرية المشتركة، ومعونة عسكرية أميركية سنوية تبلغ 1.3 مليار دولار استفادت منها مصر طيلة الثلاثين سنة الماضية بشكل جيد، كان من ثمارها تحديث الجيش المصري وإدخال خط إنتاج للدبابة الأميركية «إم وان إيه وان».

ومع وصول الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى السلطة خلفا للسادات، بدأ في مواربة الباب الذي لم يكن قد أغلق تماما مع الروس. ومنذ مطلع ثمانينات القرن الماضي اتسمت علاقة مبارك مع الاتحاد السوفياتي بـ«التطبيع التدريجي»، وجرى تتويجها، بعد قطيعة استمرت نحو 20 عاما، بزيارة قام بها وفد روسي برئاسة نائب وزير الدفاع حينذاك، أندريه كوكوشين، ليفتح ملف التعاون العسكري مع مصر مجددا بداية من عام 1995، ولتبدأ بعدها بنحو عامين عملية استيراد للدبابة الروسية «تي 8034»، إضافة لمروحيات ومعدات أخرى.

وترسخت العلاقات العسكرية بين البلدين بزيارة وزير الدفاع الروسي، إيغور سيرغييف، لمصر في عام 1998، حيث اتفقا على تطوير الروس للاتصالات المصرية في المجالات العسكرية، بينما كان باب الاستيراد العسكري المصري من روسيا يتسع أكثر وأكثر طيلة عشر سنوات. وبحلول عام 2008، كانت مصر قد تسلمت من موسكو مروحيات وأنظمة للرادار وأخرى للصواريخ المضادة للطائرات، وكذا تحديث أنظمة خاصة بالدفاع الجوي.

وفي العام التالي، أي في 2009، وخلال زيارة الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف للقاهرة، جرى توقيع البلدين معاهدة شراكة استراتيجية للتعاون العسكري والتقني، خاصة ما يتعلق بمنظومة الأسلحة التي استوردتها مصر من الاتحاد السوفياتي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وهو ما أكدت عليه زيارة قام بها بعد ذلك بعام وزير الإنتاج الحربي المصري السابق سيد مشعل.

وتوقفت بعد ذلك الزيارات بين مسؤولي البلدين، بسبب الاضطرابات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط فيما يعرف بـ«الربيع العربي»، إلى أن قام الرئيس السابق محمد مرسي بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إحدى المدن الصغيرة خارج موسكو، وهي الزيارة التي بدا منها أن روسيا غير متحمسة لتوثيق علاقاتها بالقاهرة في ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي، وتعدها موسكو «منظمة إرهابية».

لكن الاهتمام الروسي بمصر ظهر بقوة عقب الإطاحة بمرسي، وذلك خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية المصري، نبيل فهمي، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وجرى فيها مناقشة موضوع التعاون العسكري والاقتصادي والتقني وغيره من الملفات السياسية والأمنية التي تخص المنطقة.

وفي هذه الأثناء، أي منذ أربعة أشهر، كانت الولايات المتحدة قد ألغت التدريب العسكري المشترك مع مصر (مناورات النجم الساطع) وهددت بتقليص المساعدات المالية العسكرية عقب الإطاحة بنظام مرسي، وعلى العكس من ذلك أبدت موسكو تفهما للتغيرات الحالية على ضفاف النيل، وتبادلت مع مصر الوفود الشعبية قبل أن يرسو الطراد «فارياغ»، وهو من أهم وحدات الأسطول العسكري الروسي، في ميناء الإسكندرية (200 كيلومتر شمال غربي القاهرة) على البحر المتوسط، يوم الاثنين الماضي، في زيارة غير رسمية، لكن ذات مغزى في تقدم التقارب بين البلدين. وبعد رسو الطراد بيومين بدأ كل من وزير الدفاع ووزير الخارجية الروسيين زيارة رسمية للعاصمة المصرية.

ويوضح اللواء قشقوش قائلا إن حال الروس اليوم يقول للمصريين: «نحن تحت أمركم في أي تعاون اقتصادي وعسكري، خصوصا أن الخليج سيدفع الأموال التي تحتاجها مصر للشراء من روسيا بما فيها الأسلحة».

ومع ذلك، تقول مصر بشكل رسمي، على لسان وزير خارجيتها، فهمي، إنها لا تستبدل بأميركا روسيا، ولكنها تمد جسور التعاون مع الجميع. وبينما يقول المحلل شريف الحلوة، وهو من أصل مصري، إن أميركا لا يبدو أنها قلقة مما يجري، يرى اللواء قشقوش أن «إسرائيل تراقب ما يجري.. وأميركا أيضا تراقب وغير سعيدة من التقارب مع الروس، وتحاول أن تقول إن لكل واحد حريته، وإن الموضوع عابر مع مصر وإن خارطة الطريق (عزل مرسي) لا مانع منها».

وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها جدل بين مصر وأميركا، ففي عام 1980 وقع «شد وجذب» بين واشنطن والقاهرة بسبب رفض الأخيرة إقامة قاعدة أميركية لقوات الانتشار السريع في رأس بنياس على البحر الأحمر. ويقول اللواء قشقوش: «مثلما جرى تجاوز خلاف رأس بنياس، أعتقد أنه سيجري تجاوز الخلاف الحالي»، بينما يرى شريف الحلوة أن نظرة واشنطن للتقارب المصري - الروسي غير واضحة.. «لكن لا يبدو أن هناك قلقا لدى الجانب الأميركي، مما قد يؤشر إلى أن مسار العلاقات المصرية - الروسية يجري بالتعاون مع الجانب الأميركي أيضا».

وأضاف الحلوة أن القاهرة يبدو أنها «تحاول أن تظهر أمام العالم أن لديها خيارات أخرى من بينها روسيا، لكن في نفس الوقت أعتقد أن القاهرة لا تحتاج إلى روسيا في موضوع السلاح فقط»، مشيرا إلى أن مصر «ربما في حاجة لترميم توربينات السد العالي التي تولد الكهرباء وهي إنتاج روسي، ومر على إنشائها نحو 60 سنة، وهي متهالكة وتساوي مليارات، والتوربين الواحد من الممكن أن يصل ثمنه من 200 مليون إلى 300 مليون دولار».

وقال شريف الحلوة إن مصر لكي تنتقل من استخدام السلاح الأميركي للسلاح الروسي «فهذا يعني أنه لا بد أن تعمل إحلالا وتجديدا للجيش كله، ومثل هذا الأمر قد يستغرق نحو خمس سنوات»، مشيرا إلى أن مصر يمكنها شراء نحو 30 في المائة من الأسلحة من دول أخرى غير أميركا، «أي ما يساوي مليار دولار، يمكن من خلالها الشراء من روسيا ومن تركيا والصين وغيرها».