محمود إسماعيل «رائد المدرسة المحمودية»

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


 «ليعلم ما خبأته النجوم... أبانت بأن الغلام السعيد.. نجمه فى القمر.. وأن الطريق طويل وعر».

هل كان صاحب هذه الكلمات لديه اليقين بما سيحدث بالمستقبل؟، أم أنه كان يرى بعينه ما يحدث له قبل حدوثه بسنوات عديدة، الآن وبعد مرور السنوات أثبتت النجوم ما أخفته حينها وأسعدت الغلام ببزوغ نجمه بل أصبح قمرا فى مجال الآداب والعلوم الإنسانية.

يستجير بنوره الباحثون والعلماء فى علم التاريخ الذى جعل له شكلا آخر، وأسس له نهجا جديدا أطلق عليه المؤرخون «المدرسة المحمودية»، والتى كانت نبراسا للمؤرخين والعلماء فى دراسة فلسفة التاريخ ومنهجيته.

لم يكن الطريق قصيرا، ولم يكن ممهدا، بل كان طويلا وعرا بالفعل، منذ أن ولد «محمود إسماعيل عبدالرازق» ابن قرية الطويلة بمحافظة المنصورة، لأب فقير، ولكنه كان دائما يدعم ولده ليصبح من المرموقين، ولكنه لم يعرف حينها أنه سيصبح شيخا المؤرخين المسلمين ورائدا المدرسة المحمودية وعالما فى التاريخ الإسلامى على مستوى العالم وأستاذ دكتور بقسم التاريخ بجامعة عين شمس.

وخاصة بعد خلافه مع السادات بسبب أفكاره، مما جعل السادات يفصله من الجامعة، ولكنه لم يفقد الأمل حتى عاد من جديد لتتحقق نبوءة والده بذلك.

كان أساتذته وقتئذ يشيدون بتميزه فى التاريخ، ثم سافر  ليشغل منصب أستاذ بجامعة فاس بالمغرب، ليثبت أن مصر دائما رائدة فى كل المجالات، فكان سببا فى تخريج أساتذة فى علم التاريخ، تشيد بهم المغرب حتى الآن.

لم يكن «إسماعيل» أستاذا فى علم التاريخ فقط، يلقن الطلاب دروسا فى كيفية التأريخ أو حتى سرده، بل عكف سنوات عديدة تجاوزت الـ30 عاما ليخرج لنا أكبر موسوعة تاريخية فى التاريخ الإسلامى وهى سيسيولوجيا الفكر الإسلامى، والتى تضمنت تنقيحا للتاريخ الإسلامى فى كل عصوره، ومناقشة الفكر التاريخى، وهكذا الثقافات، والوقوف على حقائق لم يسبق لغيره الوصول إليها، فأصبحت أهم المراجع لكل باحثى التاريخ.

ورغم ذلك ألف مئات الكتب الأخرى التى كسر بها الثوابت والمسلمات وقدم بها حقائق جديدة نحو الإسلام وتاريخه وحكامه وأفكاره، التى استند عليها الآن محدث الفكر الإسلامى فى خطتهم لتجديد الخطاب الدينى.

ويمكننا القول بالإثباتات إن «محمود إسماعيل» هو النبراس الذى يجب أن نتجه إليه الآن فى تجديد الفكر والخطاب الدينى، فلديه ما يجعلنا ننهض من جديد ونسترجع فطرتنا السليمة قبل هجوم الأفكار المتأسلمة عليها، وله العديد من الكتابات فى هذا الصدد ضمنها إشكاليات فى التاريخ الإسلامى، والخطاب الأصولى المعاصر والإسلام السياسى بين الاصوليين والعلمانيين، فكرة التاريخ بين الإسلام والماركسية، وفرق الشيعة بين الإسلام والسياسة.

ولهذا السبب اتهمه البعض تارة بالإلحاد وتارة بالماركسية وتارة بالشيوعية، ولكن الحقيقة تكمن فى كونه متصوفا زاهدا يعشق الله ولكنه لا يقبل التدليس باسمه.

وهناك أدلة أيضا على زهده فى الحياة وتمسكه بالعلم، فقد زهد مظاهر الحياة الحديثة، وترك التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعى ولم يطرق بابها قط، ولا يعرف حتى الهواتف المحمولة، رغم اقتناعه بأنها سلاح ذو حدين، ولكنه يرفض التعامل معها، يرتبط فقط بقلمه الحبر وأجندته لتدوين كل ما يصل إليه من معلومات جديدة عن طريق البحث، وصديقه المقرب فنجان القهوة والذى يطلق عليه «خمر الصوفية»، وأنيسه الراديو والمصحف الشريف، ولكنه دائم متابعة الأخبار والصحف، فلديه شغف بمتابعه كل جديد وخاصة فى عالم السياسة والطب والثقافة بشكل عام، فإنه حقا موسوعة، لا يمكن أن تحدثه فى أى مجال إلا وجدت عنده ما تريد من علم ومعرفة. كما أشرف على الآلاف الرسائل العلمية.

تسألت كثيرا لماذا لم يكرم  فى بلاده،  رغم أنه كرم لأكثر من مرة فى جامعات عربية، وحصل على جائزة الدولة التقديرية المصرية منذ أعوام فقط، ولكن حتى الآن لم يحصد جوائز أخرى، وعندما سألته لماذا لم يرشح لجائزة النيل؟، أجاب قريبا سأحصل عليها.

ومنذ أيام علمت من الجامعة والجمعية المصرية للدراسات التاريخية، أنه تم ترشيحه لها هذا العام دون أن يطلب أو يسعى لذلك، للحصول على جائزة النيل، وفى نفس التوقيت الذى رفض فيه الحصول على جائزة الملك فيصل. فقد صدقت كلماته، مما جعلنى أشعر أنها قريبة وأتمنى من الله أن يحصل عليها، ليعلم أن مصر تعى جيدا ما قدمه شيخ المؤرخين لأبنائه الطلبة وللعلم كافة من موسوعات وأفكار يجب أن تسطر من ذهب.