منال لاشين تكتب: 50 عامًا على رحيل الجسد (10) | السؤال اللغز.. هل ظل على العطفى جاسوساً لإسرائيل بعد القبض عليه؟

مقالات الرأي




فى التحقيقات الطويلة معه لم يعترف باغتيال عبد الناصر 

هل سعى الموساد إليه فى السجن ليردد حكاية تدليكه للرئيس بالسم؟ 

وهل طلب مناحم بيجن من السادات عدم نشر القضية لتستفيد منها إسرائيل؟

لم يكن على العطفى الجاسوس الذى تحدثنا عنه فى الحلقة الماضية فى حاجة ظاهريا لخيانة بلده والتجسس ضد مصر لصالح إسرائيل، بالنسبة للكثيرين من أهل النخبة والحكم والمال لم يكن لدى العطفى دافع للخيانة، لم يكن هناك شىء ينقصه للهبوط السريع فى بئر الخيانة، كان يمتلك كل شىء، الشهرة والمال والنفوذ والعلاقات والأسرة السعيدة، كان عمله كخبير العلاج الطبيعى يوفر له الكثير من المال.. فقد كان اسمه مقترنا بأكبر الشركات والمؤسسات سواء فى تأسيس مراكز العلاج الطبيعى بها أو الإشراف والعمل بها.

البداية كانت المركز الطبى أو الرياضى بفندق هيلتون ثم النادى الأهلى، وشركات كبرى من وزن البنك الأهلى والشرق للتأمين وشركة وولكتس وكان المشرف على قسم العلاج الطبيعى بمستشفى الشبراويشى والمشرف على فرقة باليه القاهرة بالإضافة إلى عمله الأكاديمى سواء فى قسم العلاج الطبيعى بكلية التربية الرياضية ثم بالمعهد العالى للعلاج الطبيعى، وكان بالمثل يعمل مدلكا خاصاً لطبقة خاصة جدا، وسافر فى مهام عمل إلى بعض الدول الأوروبية لإلقاء محاضرات فى جامعات بها.

ولذلك كان من البديهى أن يمتلك عمارة كاملة بالزمالك وليست مجرد شقة، وكان يعيش فى شقتين بهذه العمارة.

أما معارفه وأصدقاؤه فهى أسماء من التى تخض.. عثمان أحمد عثمان.. صاحب النفوذ الواسع فى عهد السادات.. مما دفع معارضى نفوذ رجل الأعمال لإطلاق اسم الدولة العثمانية على مرحلة السادات، إن علاقة السادات بعثمان أحمد عثمان لم تقف عند النسب حيث تزوجت صغرى بنات السادات بابن عثمان، فقد كان نفوذ عثمان لدى السادات يهدد السيدة الأولى فى ذلك الوقت جيهان السادات، بحسب الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين، فإن كثيراً من القرارات كان السادات يتخذها برعاية عثمان فى الزيارات المتكررة للسادات لمزرعة عثمان، ولم تكن قائمة أصدقاء الجاسوس على العطفى تقتصر على عثمان أحمد عثمان فقط، كان هناك رئيس الوزراء كمال حسن على وسيد مرعى رئيس مجلس الشعب والصهر الثانى للسادات، وكانت تربطه علاقة أسرية بالسيدة جيهان السادات.

ولذلك كان خيانة على العطفى وعمله جاسوسا لإسرائيل لغزاً صادما لكل أصدقائه.

ولكن العطفى حل اللعز عندما اعترف فى التحقيقات بأنه لجأ لإسرائيل من أجل الحصول على شهادة دكتوراه مزورة ليحصل على عمادة المعهد العالى للعلاج الطبيعى.

ولكن اللغز الأكبر والذى لم يجد حلا حتى الآن هو لغز الفترة التى قضاها الجاسوس العطفى فى سجن طرة، وتلك الأكاذيب التى راح يرددها عن عمد، بل يختار من يرددها على مسامعه.

1- اعتراف مشبوه

فى كتابه (اغتيال عبد الناصر) اختار عادل حمودة أن يبدأ الفصل الخاص بعلى العطفى بحكاية من مؤتمر فى حزب التجمع، كان هناك مؤتمر حاشد فى حزب التجمع بمناسبة ذكرى ميلاد عبد الناصر فى عام 82 وكان من بين المتحدثين المحامى والمناضل الكبير على الشوربجى، لم يكن الرجل ممن يتناقلون الأكاذيب ويرجون للشائعات، وفى المؤتمر ألقى الرجل كلمة نارية. تحدث عن دين فى رقبة محبى عبد الناصر، وهو القصاص ممن قتلوا الزعيم عبد الناصر، وأضاف الرجل أنه عندما كان فى السجن فى حملة اعتقالات سبتمبر الشهيرة سمع من سجين وجاسوس إسرائيلى اسمه على العطفى أنه قتل عبد الناصر بالسم من خلال تدليك ساق الزعيم، ولم يكن الشوربجى هو الوحيد الذى سمع الشائعة وصدقها، ففى حملة سبتمبر الشهيرة يساريون وناصرين سمعوا ما أشاعه الجاسوس على العطفى، بل إن الأمر أثير فى محاكمة قتلة السادات، فقد أثار المحامى شوقى خالد عملية القتل بالسم فى معرض دفاعه عن المتهم الثانى فى القضية عبد الحميد عبد السلام. لأن السادات خفف الحكم على الجاسوس على العطفى الذى قتل عبدالناصر بالسم خلال جلسات التدليك لساقه المريضة، فالعطفى نفسه بحسب الشوربجى رحمه الله وعدد آخر من السياسيين ممن اعتقلهم السادات فى حملة سبتمبر قد سعى لنشر هذه الأكذوبة بينهم.

وإذا كان عادل حمودة قد فند هذه الأكاذيب بتحليل طبى وبنفى أقرب المقربين من عبد الناصر، ومن خلال رحلة على العطفى فى الجاسوسية. بل إن أوراق القضية نفسها باعترافات على العطفى لم تشر لا من قريب أو بعيد إلى عملية اغتيال عبد الناصر بالسم، فهنا يبقى لغز هائل يحتاج إلى بحث دقيق وطويل يكشف أسرار وتفاصيل هذا اللغز، فما الذى تغير وجعل على العطفى يصر على نشر شائعة اغتياله لعبد الناصر.

2- لغز السجين

لم يكن على العطفى رجلا ساذجا، ولاشك أنه كان يعرف قيمة ووزن المعتقلين فى حملة سبتمبر، لم يسع إلى تاجر مخدرات أو نشال ليلقى بأكاذيبه، بل اختار أن ينقلها إلى صفوة معارضى السادات من أهل اليسار واليمين وكبار قيادات الأحزاب، وهنا يكمن اللغز وتتضخم علامة الاستفهام، قد سجن العطفى عام 77 فلماذا انتظر خمس سنوات ليلقى بأكاذيب الاغتيال. ما يجعل اللغز يكبر أن الموساد وقفت وراء نشر كتاب مذكرات على العطفى التى جاءت فيه رواية اغتيال عبدالناصر بالسم، ولا يمكن تصور أن كلا من الجاسوس على العطفى والموساد قد فكرا فى نشر هذه الشائعة كلاً على حدة، أو بدون تنسيق واتفاق، أو أن الجاسوس العطفى حلم أو جاءته رؤية ليردد أكذوبته، والأقرب إلى المنطق أن الموساد وصلت له فى السجن، وساومه بترديد هذه الشائعة مقابل السعى للإفراج عنه، لقد كان الجاسوس العطفى لديه يقين بأنه سيحصل على عفو رئاسى ويخرج من السجن، وظل يتقدم بطلبات عفو صحية آخرها بسبب مرض أصاب عينه ولكن طلبه رفض، ويبدو أن السادات لم يكن يمانع فى الإفراج الصحى عنه لولا أن شائعة الإفراج عنه أحدثت غضبا شديدا فى المجتمع، وكتبت جريدة الأهالى: (إن الشرفاء يودعون السجون والجواسيس يخرجون إلى الحرية)، وعلى الفور نشرت مجلة أكتوبر المقربة من السادات تكذيبا لخبر العفو. مؤكدا أن على العطفى لا يزال فى سجنه، وكان السادات قد اتصل برئيس التحرير الكاتب أنيس منصور وطلب منه نفى الخبر، وأعتقد أن حلم الحرية هو ما جعل على العطفى يخاطر بنشر الأكاذيب عن دوره فى اغتيال عبد الناصر، فمن وجهة النظر الوطنية فإن هذه الشائعة تعرقل مساعيه للحرية، ولكنه كان يعتمد على إسرائيل فى الضغط للإفراج عنه، ولذلك يكون من المنطقى والبديهى أن يوافق الجاسوس على العطفى على أى تعليمات أو أوامر من الموساد.

ويضاف إلى ذلك إلحاح رئيس الوزراء مناحم بيجن على السادات بعدم نشر قضية كشف الجاسوس على العطفى بحجة أنه سيؤثر على مسيرة السلام، إن مناحم بيجن بدأ طلبه بالإفراج عن الجاسوس على العطفى، ولكن السادات رفض، ثم أعاد بيجن طلبه مرة أخرى خلال لقائه بالرئيس السادات فى شرم الشيخ عام 1981، وأذاع راديو لندن الخبر، فكان النفى ورفض الطلب، لابد أن إلحاح مناحم بيجن فى الإفراج على الجاسوس على العطفى يثير الشكوك، فالعطفى كان قد أصبح كارتاً محروقاً بالنسبة لأعمال التجسس، والعطفى لم يحظ بمكانة الجاسوسة هبة.. فى إسرائيل، والتى طلبت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير الإفراج عنها، فلماذا كان بيجن يلح للإفراج عن الجاسوس على العطفى إلا إذا كان له مهمة أخرى يستطيع أن يستكملها فى ظل إسرائيل. مهمة تأكيد اغتيال الموساد لعبد الناصر من خلال عميلهم على العطفى. إن تأكيد الشائعة فى وجود الجاسوس خارج السجن أسهل وأكثر إقناعا، كان سيحضر عروض تسويق ومؤتمرات عن كتابه الذى اضطرت الموساد إلى نشره كطفل لقيط، فقد نشر الكتاب أو المذكرات والجاسوس على العطفى فى سجنه، وكل أسرته وعائلته قد تبرأت منه وقاطعته، أغلب الظن وليس كل الظن إثمًا أن إسرائيل كانت تريد الإفراج عن الجاسوس على العطفى لاستخدامه فى أكذوبة قتلها لعبد الناصر، وأغلب الظن أيضا أن السادات لم يكن مرتاحا للإلحاح الإسرائيلى بالإفراج على الجاسوس الذى خفضت عقوبته من أشغال شاقة مؤبدة 25 عاما إلى أشغال شاقة فقط لمدة 15عاماً.

الأسبوع القادم تفاصيل جديدة