منال لاشين تكتب: بعد انخفاض الفقر.. متى يرتفع دخل الطبقة المتوسطة؟

مقالات الرأي



فى الحكومة قرار زيادة الحد الأدنى لم يمس الفئات المتوسطة ويجب تسعير الوظيفة

مطلوب تصميم برامج خاصة للطبقة المتوسطة فى التعليم والصحة وإعفاء مصروفات التعليم والعلاج الخاص من الضرائب 

نساء الطبقة المتوسطة أقل استفادة من المشروعات القومية ويجب دعمهن

الأخبار الخاصة بانخفاض نسبة أو معدل الفقر فى مصر هى أخبار سعيدة جدا وتدعو للتفاؤل وللشكر لكل من ساهم فى هذا الإنجاز، فقد أعلنت وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد خلال مؤتمر صحفى عن انخفاض نسبة الفقر فى بلدنا من 32٫5٪ عام 2017-2018 إلى 29٫7٪ عام 2019-2020، وهذا انعكس بالتأكيد على معيشة الفقراء فى مصر رغم كل الظروف التى عانيتها مصر من إرهاب ومؤامرات خارجية انتهاءً بجائحة كورونا، وهذا تقدم يسعد كل صاحب ضمير، ومن خلال المشاهدات على أرض الواقع فقد كان هذا النجاح متوقعًا، ففى ظل الإصلاح الاقتصادى وارتفاع الأسعار وفرت الدولة بكل مؤسساتها جميع أشكال الدعم العينى والمادى للفقراء والأكثر احتياجا سواء من خلال برامج مثل تكافل وكرامة، أو من خلال بيع السلع الغذائية المدعمة مباشرة للفقراء من خلال بطاقة التموين من جهة والسيارات المتنقلة، كما ساهمت الشراكة بين الحكومة والجمعيات الخيرية فى تقليل حدة الفقر وقسوته على الفقراء، وهذه فرصة مناسبة لتقديم الشكر للصديقة وزيرة التضامن السابقة غادة والى التى عملت مع فريقها على مشروعين تكافل وكرامة والشراكة بين الحكومة والجمعيات الخيرية، ومع نجاحنا فى تخفيض وحش الفقر، فأنا أتمنى أن تخصص الحكومة برامج خاصة وإجراءات مصممة خصيصا لرفع مستوى معيشة الطبقة المتوسطة، وأنا أثق أن الدكتورة هالة السعيد تعى جيدا أهمية النهوض بهذه الطبقة، فهى حاملة قيم المجتمع وهى رمانة الميزان فى أى دولة بل مقياس تقدم أى دولة، وأتمنى أن نحتفل معا بزيادة دخول الطبقة المتوسطة مثلما نحتفل اليوم بانخفاض نسبة الفقر فى مصر.

1- دخل أو راتب

فى الغالب تركز الفئات المختلفة من الطبقة المتوسطة على زيادة الرواتب كمدخل لرفع مستوى معيشتها، ويبدو زيادة الرواتب كحل سحرى وسريع، ولكن هذا المطلب المشروع بزيادة بند الأجور والضغط على الموازنة، ولكن زيادة الدخل ممكنة دون زيادة الرواتب على المدى القصير على الأقل، فهناك الدخل الحقيقى والدخل المالى، والدخل الحقيقى يعنى مقدار ما يمكن أن يحصل عليه الفرد بدخله من سلع وخدمات، فإذا تم تثبيت الراتب مع خفض أو بالأحرى ضبط الأسعار فى الأسواق، فإن الدخل الحقيقى للمواطن يزيد، لأنه يستطيع أن يشترى المزيد من السلع والخدمات بنفس الراتب، والعكس إذا زادت الرواتب وارتفعت الأسعار بأكثر من زيادة الراتب، فإن الدخل الحقيقى للفرد ينخفض رغم زيادة راتبه أو ما لديه من نقود، ولهذا فان ضبط الأسواق وملاحقة التجار والصناع الجشعين سيؤدى حتما إلى زيادة مستوى المعيشة للطبقة المتوسطة ورفع المعاناة عنها، فهذه الطبقة لا تستطيع الوقوف أمام العربات لشراء فرخة أو الحصول على الغذاء والملبس من الجمعيات الخيرية، ولذلك يلجأون إلى القطاع الخاص لتلبية احتياجاتهم، ومن هنا فإن مواجهة الحكومة لعشوائية الأسواق التى أرهقت الطبقة المتوسطة يجب أن تبدأ أمس وليس الآن.

2- إعادة هيكلة

كان من الإجراءات التى ساهمت فى خفض الفقر القرار الرئاسى برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه، ولكن هذا القرار بالطبيعة لم يحسن دخلاً أو مستوى معيشة معظم فئات الطبقة المتوسطة، فى الوقت نفسه تدفع الدولة للموظفين على سبيل المثال 335 مليار جنيه، وهو رقم ضخم ومهول وكان يجب أن يؤدى إلى رواتب أفضل للموظفين، ولكن هذا لم ولن يحدث دون إعادة هيكلة شاملة لمفهوم الأجور خاصة فى الحكومة، وذلك بوصفها المعيار والميزان فى سوق العمل، وتعلم الدكتورة هالة جيدا المشكلة، ففى كل دول العالم هناك سعر أو راتب واحد للوظيفة فى كل المواقع ما دام المؤهلات واحدة، ولكن فى مصر هناك عشرات الرواتب لكل وظيفة بنفس المؤهل، الجهات التى تحصل أموالا من بيع الأراضى أو أى مصدر آخر تعتبر هذا الدخل ملكًا لها، وليس للدولة، ولذلك تقتطع من هذا الدخل لرفع رواتب العاملين بها ولتعظيم مميزاتهم، فالمحاسب ذو نفس المؤهلات يمكن أن يعمل بـ2000 جنيه أو 5000 جنيه فى جهة أخرى، وهكذا، ولذلك يجب تسعير الوظائف حسب المؤهلات بحيث تتساوى الرواتب فى كل أجهزة الدولة عند تساوى المؤهل، وهذا الحل العالمى سيؤدى إلى توزيع أكثر عدالة لميزانية الرواتب أو الباب الأول والثانى فى الموازنة.

وهناك وجه آخر للعدالة وهو مراقبة إنفاق المنح فى كل جهات الدولة، فمن العدالة أن يحصل العاملون فى هذه المشروعات الممولة على مكافأة على عملهم، ولكن يجب ألا تتركز هذه المشروعات أو بالأحرى المنح فى جهات أو مؤسسات أو إدارات بعينها، وهذا الأمر يتطلب تنسيقا بين وزراتى التعاون الدولى والتخطيط

3- برامج خاصة

تصمم الحكومات برامج خاصة ببعض الفئات أو المهن أو المرأة لرفع مستوى معيشتهم، وقد فعلت الحكومة المصرية ذلك فى برامج كرامة وتكافل ورفع معاش السادات والمرأة المعيلة، ولكننا نفتقد إلى البرامج التى تحمى الطبقة المتوسطة، وخاصة فيما يتعلق بالتعليم والعلاج، فالطبقة المتوسطة تحتاج إلى التوسع الحكومى فى البرامج الخاصة بالكليات والجامعات الحكومية وإلى منح لتعليم أبنائها فى الجامعات الأهلية الجديدة، فمصروفات هذه الجامعات أكبر من طاقة دخول هذه الطبقة بكثير وبعيدة عن متناول أيديهم، والدكتورة هالة خبيرة فى البرامج الخاصة بالكليات الحكومية، وذلك من خلال تجربتى القسم الإنجليزى والفرنسى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومن خلال تجربتنا معا أعلم أن هالة السعيد عندما كانت عميدة الكلية لم تدخر وسعا لتوفير منح للطلاب غير القادرين للالتحاق بالقسمين الفرنسى والإنجليزى، ولكن ما أطلبه لا يمكن تحقيقه من خلال مجهودات أو مبادرات خاصة وإنما خطة حكومية تشارك فيها الدولة بكل طاقاتها وإمكانياتها، لأن توفير تعليم بمصروفات أقل للطبقة المتوسطة سيزيد من الدخل الحقيقى لهذه الطبقة من ناحية، وسيضمن حصول أبنائها على تعليم ومستقبل جيد من ناحية أخرى.

ونفس الأمر ينطبق على الصحة، فنحن أبناء الطبقة المتوسطة ندفع منذ أكثر من عام الاشتراك فى التأمين الصحى الشامل، ولكننا لم نستفد منه إلا بعد سنوات، وهكذا ندفع الاشتراك شهريا، ثم نكوى بنار المستشفيات الخاصة وعيادات الأطباء التى لا تحترم رواتبنا، ولذلك لابد أن نجد حلولاً مؤقتة لتحصل الطبقة المتوسطة على علاج بأسعار معقولة حتى يتم تعميم تنفيذ التأمين الصحى الشامل، ويجب التوسع فى قرارات العلاج على نفقة الدولة، لا إلغاؤه، بوضوح مطلوب البحث عن برامج مؤقتة تقلل ضغط وفاتورة العلاج على الطبقة المتوسطة حتى يصل إليها التأمين الصحى الشامل.

4- أزمة نسائية

وعلى الرغم من النجاح فى انخفاض نسبة الفقر، وعلى الرغم من برامج مساندة المرأة الفقيرة، رغم هذا وذاك فإن النساء من الطبقة المتوسطة لم يستفدن حتى الآن من المشروعات القومية العملاقة فى البنية التحتية، لأن نسبة تشغيل النساء فى هذه المشروعات منخفضة جدا، كما أن النساء الآن تتحملن أعباء إضافية للحضانات، وأذكر الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط ووزيرة التضامن الاجتماعى نيفين القباج أن الحكومة خصصت 50 مليون جنيه لدعم حضانات العمل لتخفيف العبء على النساء العاملات، وذلك بالاتفاق مع صندوق النقد الدولى، وإذا أعدنا مشروع الحضانات لجهات العمل، مجرد غرفة كبيرة ومشرفة، فهذا سيوفر أموالا وجهدا للنساء العاملات، وأعتقد أن هالة ونيفين يتذكران أن أجيالا من المصريين تربوا فى حضانات العمل، وذلك حينما كانت القوانين تجبر الجهاز الحكومى والخاص على تخصيص حضانة لأبناء العاملات، كما أن برامج مساندة المرأة العاملة يجب أن تتضمن قروضًا ميسرة بضمان وظيفتها بفوائد أقل لشراء ما يلزمها من أجهزة تساعدها فى أداء أعبائها الأسرية، ويجب أن تمنح الحكومة الجهات أو الشركات التى تبلغ فيها نسبة النساء العاملات إلى حد معين تيسيرات، وذلك لتشجيع القطاع الخاص على تشغيل النساء فى المجالات المختلفة، وأذكر الدكتورة هالة بتجربة أوروبية مماثلة، وهى منح تيسيرات للشركات التى تزيد فيها نسبة النساء فى الإدارة العليا.

5- ضرائب عاقلة

من حين إلى آخر تقوم الحكومة برفع حد الإعفاء الضريبى، وهذا أمر جيد، ولكنه لم يمس حتى الآن فئات كثيرة من الطبقة المتوسطة، ولكن الأهم من زيادة حد الإعفاء هو برامج ضرائبية مخصصة لهذه الطبقة، آن الأوان إلى النظر فى إدخال مصروفات المدارس والجامعات الخاصة إلى حدود يتفق عليها فى بند يخصم من الأرباح أو الدخل، وبالمثل يجب أن نفكر فى حل مماثل فيما يتعلق بفاتورة الجراحات بالمستشفيات الخاصة بقواعد شفافة وعادلة، لأن تجاهل هذا الملف يمثل ظلما مزدوجًا للطبقة المتوسطة، فهى لا تستفيد من دعم الدولة المقدم للتعليم والمستشفيات العامة من ناحية، ثم لا تحصل على خصم من ضرائبها على معاناتها مع الفواتير النارية فى كل من التعليم والعلاج الخاص.

أما قمة الظلم فيأتى من وجهة نظرى فى مساواة من يحصل على دخل 40 ألف جنيه فى الشهر بمن يحصل على دخل 100 مليون جنيه فى الشهر، بصراحة الحكاية دى مجننة ناس كثير جدا، مش معقول الاثنين يدفعان نفس النسبة، وقد استحدثت هذه المادة فى أول عام أكسب فيه 40 ألف جنيه فى الشهر، فإذا بى أدفع نفس النسبة التى يدفعها نجيب ساويرس ومحمد أبو العينين، معقولة يا جماعة.. «أيش جاب القلعة جنب البحر».