منال لاشين تكتب: 50 عامًا على رحيل الجسد (9) | أكذوبة اغتيال عبد الناصر بالتدليك بالسم

مقالات الرأي




العطفى لم يدخل منزل عبد الناصر ولا كان مدلكه والموساد استغل قضيته لإرهاب المصريين 

كان يصلى الظهر فى النادى الأهلى ويكتب البسملة على نوت الجاسوسية 

ذهب للإسرائيليين بنفسه عام 69 وطلب الحصول على الدكتوراه مقابل العمل جاسوساً 

السادات أمر بحظر النشر فى قضيته وخفف عنه الحكم ولكنه رفض منحه العفو الصحى

كنت أفضل أن أؤجل قصة أو قضية الجاسوس على العطفى إلى حلقات الاغتيال المعنوى للزعيم عبد الناصر، ولكن عدداً من القراء يقولون لى اكتبى قصة الجاسوس العطفى الذى قتل عبد الناصر بالسم أثناء التدليك، وبصراحة أنا بيركبنى ميت عفريت لما أعرف أن ناس كثيرة فاكرة أن الجاسوس العطفى الذى عمل لدى إسرائيل قتل جمال عبد الناصر أو أن إسرائيل أو بالأحرى الموساد نجح فى قتل عبد الناصر.

قصة العطفى من الألف إلى الياء وعلاقته بالموساد جاءت بالتفصيل الذكى الموثق الرائع فى كتاب عادل حمودة (اغتيال عبد الناصر) أول طبعة من الكاتب كانت فى 88، وقد طبع من هذا الكتاب المهم 12 طبعة، ومع ذلك لا يزال الكتاب قادرا على أن ينافس فى معارض الكتب وعلى أرصفة البائعين وعلى أرفف المكتبات، ولكننى ألمس رياحا مبهمة تقف وراء إبعاد الكتب التى تروى جوانب من الصراع العربى الإسرائيلى، وذلك لصالح قصص أو كتب لا تضيف الكثير للعقل المصرى أو العربى، وأهمية كتاب اغتيال عبد الناصر لا تكمن فى تحليل دقيق لحالة عبد الناصر، أو تناول المحاولات المتعددة لاغتياله فحسب، ولكن الأهمية القصوى لهذا الكتاب هى تحليل وتفنيد واقعتى اغتيال إحداهما اغتيال عبد الناصر والأخرى اتهامه باغتيال طبيبه الخاص على المفتى، ويرجع اهتمام الكاتب بالواقعتين لأنهما تمثلان اغتيالا شخصيا للزعيم وإساءة بالغة إلى مصر، ولنبدأ بقصة على العطفى الذى لا يزال الكثيرون مؤمنين بأنه اغتال عبدالناصر بالتدليك بالسم لصالح الموساد. الحقيقة أن العطفى كان جاسوساً لإسرائيل ولكنه لم ولن يقتل عبد الناصر.

1- رحلة التدليك

ولد العطفى لأسرة فقيرة فلم يستطع إكمال تعليمه، وعمل كمساعد لمدلكين أجانب فشرب المهنة بالعمل والتدريب وليس بالشهادة، واستفاد العطفى من خروج كثير من الأجانب من مصر فى أواخر الخمسينيات، فعمل مدلكاً، ووصل إلى أماكن مهمة فى عمله للنادى الأهلى ومركز تدليك فندق النيل هيلتون وبحسب عادل حمودة، فقد تلقى العطفى عرضا بالعمل كجاسوس لإسرائيل خلال عمله فى الهيلتون ولكنه رفض، ووسع العطفى دائرة علاقاته ووصل صيته إلى الأثرياء وبعض كبار المسئولين ولكنه لم يدخل قط الرئاسة فى عهد عبدالناصر أو يقوم بالتدليك للرئيس فى ذلك الوقت، وبحسب شهادات حاسمة من المسئولين المحيطين بعبد الناصر مثل السيدان سامى شرف ومحمد أحمد، فإن العطفى لم يكن من بين الأطباء المعالجين أو المدلك الخاص بالزعيم، وفى أيام عبد الناصر حصل على فرصة وحيدة وهى التدريس بالجامعة، فقد أنشأ فى ذلك العهد قسماً للعلاج الطبيعى بكلية التربية الرياضية، وكان من البديهى أن ينضم المدلك الشهير على العطفى إلى أساتذة القسم، ولكن الأمر اختلف عندما تم الفصل بين القسم والكلية، وأصبح العلاج الطبيعى معهداً عالياً مستقلاً. هنا بدأ العطفى يكشف عن خسته وندالته واستعداده لخيانة بلده وكان ذلك فى عام 69، حيث بدأ أول اتصالاته بالعدو، وينبهنا حمودة إلى أهمية هذا التاريخ، فعبد الناصر لم يحتاج إلى التدليك خلال العامين الأخيرين فى حياته، وتلك الحقيقة تقطع أى شك فى أن يكون للجاسوس العطفى أى علاقة من قريب أو بعيد بموت عبد الناصر.

2- جاسوس العلم

لا يحتاج الخائن إلى أسباب ليخون بلده ويعمل جاسوساً ضدها، ولكن لكل خائن لحظة حاسمة فاصلة يقرر فيها خروج الخائن الذى كان يعيش تحت جلده وفى تلافيف عقله، فى هذه اللحظة تتضخم نقطة ضعفه وتظل تطارده ليل نهار وتضغط على أعصابه وأيامه وحياته، وبالنسبة للجاسوس على العطفى فإن هذه اللحظة كانت إنشاء المعهد العالى للعلاج الطبيعى فى عام 69، فقد ذهبت العمادة لأستاذة تحمل شهادة دكتوراه فى التخصص، وهنا انفجرت نقطة ضعفه، لقد كان يخشى من المنافسين الجدد الذين درسوا العلاج الطبيعى كعلم وحصلوا على شهادات بكالوريوس وماجستير ودكتوراه. كان العطفى يعلم أن علاقاته والأضواء والنفوذ المرتبط بعمله فى خطر بسبب هؤلاء المنافسين. كان يرتعب من فكرة أن يصبح موضة قديمة أمام الجيل الجديد، وتضخمت عقدة النقص لديه بأنه لا يحمل شهادة. كان يشعر أنه كالطاووس لديه شهرة مبهرة ولكن تحت الريش المبهر مخلوق عارٍ ضعيف، ولذلك سعى لإسرائيل لتدبر له شهادة دكتوراه، فى هذه المرة ذهب للسفارة الإسرائيلية فى أمستردام.. ليعرض خدماته مقابل الشهادة. كان لديه من العلاقات والنفاذ لأصحاب النفوذ ما يؤهله لجذب الإسرائيليين له، وفى الغالب لا تثق المخابرات أى مخابرات بشخص يأتى عارضا خدماته، ولذلك راوغته إسرائيل حتى وافقوا على طلبه، ولكى يضمنوا أن يظل تحت أقدامهم. أجلوا حصوله على الدكتوراه من أمريكا لمدة عامين، بالطبع لم يدرس للدكتوراه، كان هناك آخرون يعدون له الرسالة، وتحقق حلم العطفى بأن أصبح عميدا لمعهد العلاج الطبيعى فى مصر من عام 72 إلى 77 وعندما قبض عليه حذف اسمه من كل سجلات المعهد وكل الأماكن التى كان يعمل بها.

3- صديق السادات

بعد رحيل عبد الناصر وتولى السادات الرئاسة أصبح العطفى المدلك الخاص بالرئيس لفترة. كان يدخل بيته ويدلك لمسئولين كبار، وتوطدت الصداقة بينه وبين عدد من ذوى النفوذ. ثم تم اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، وكان ذلك سببا فى سعادته ونهايته أيضا، فقد نسى حذر الجواسيس، وكان أن ذهب للسفارة الإسرائيلية فى أمستردام أكثر من مرة ودون تخفى وفى وضح النهار، فشاهده أحد العاملين بالسفارة المصرية هناك.. وبدأت رحلة سقوطه، وكان من الممكن أن يعرف المصريون الحقيقة ويتأكدوا من أن الجاسوس العطفى لا علاقة له على الإطلاق بعبد الناصر وموته، ولكن قضيته تزامنت مع معاهدة السلام مع إسرائيل فأقنع رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن السادات بعدم نشر القضية، وذلك بحجة أن نشرها سيؤثر على عملية السلام، وبالفعل صدر قرار بحظر النشر فى القضية، بل إن السادات قام بتخفيف العقوبة على الجاسوس العطفى.

4- أصابع خفية

وانتشرت شائعة بأن السادات أصدر عفوا عن العطفى، ولكنها مجرد شائعة فقد مات العطفى فى السجن، وبينما كان فى السجن كانت هناك أصابع خفية تحاول استثمار قضيته خاصة مع التعتيم الإعلامى الذى شهدته القضية، صدر كتاب تحت عنوان «مذكرات على العطفى»، ووصلت بعض نسخ منه إلى عدد من دول الخليج، وفى المذكرات التى لم يكتبها الجاسوس السجين بالطبع ظهرت أكذوبة أن العطفى قتل عبد الناصر بالسم عندما كان يقوم بتدليك ساق الرئيس، ويذهب عادل حمودة فى كتابه أن الموساد وراء هذه الأكذوبة.. إنه يريد أن يفتعل انتصارا مهماً، ويجعل المصريين والعرب يعتقدون أن يد الموساد فى مصر طويلة حتى أنها وصلت لبيت رئيس الجمهورية وقتلته، فما بالك بأى مكان آخر فى مصر، إن الموساد أراد أن يقول للعرب إننا قادرون للوصول إلى أى مكان أو أى شخصية، إنها عملية من عمليات الخداع التى تستهدف أن يفقد المصريون والعرب ثقتهم بأنفسهم وأجهزتهم نوع آخر من الحروب يسمى الحروب النفسية، وبالمرة يغطون على فشلهم فى عملية العطفى، وأنهم لم يعرفوا أنه قبض عليه إلا بعد أشهر من إلقاء القبض عليه وسجنه.

كان العطفى يلجأ إلى الدين ليخفى حقيقته القذرة أكثر من مصحف على مكتبه فى الشغل أو البيت، وكان يحرص على صلاة الظهر فى النادى الأهلى، بل وصل به الفجور أن يميز البوك نوت المخصصة لإرسال الرسائل السرية للموساد بكتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) عليها. لقد عجز الجاسوس أن يتعرف على البوك نوت المخصصة للتجسس فلجأ إلى هذه الحيلة، وكان العطفى متزوجا من امرأة أوروبية من هولندا، وقد صدمت زوجته فى خيانته وقطعت هى وأولادها علاقتهم به. بل إن أكبر أبنائه نشر إعلانا فى الصحف يتبرأ من فعلته، ولم تعد الزوجة إلى بلدها، فقد أحبت مصر ولذلك استمرت فى مصر وعملت مدرسة، ولأن الجاسوس يستغل أقرب الناس إليه، فقد كان يسافر كثيرا فى مهام التجسس إلى أوروبا بحجة أنه متزوج أجنبية، ووجوده هناك لم يثر الشك، ولم تغفر إسرائيل عشق زوجته لمصر، فكان أن فبركت الموساد قصة لإدانتها. قالوا إنها إيطالية وليست هولندية وأنها هى التى أحضرت السم لزوجها، ولم تخضع المرأة الشجاعة إلى هذه الضغوط واستمرت فى مصر، ورغم ذلك لا يزال بعض المصريين يصدقون أكذوبة اغتيال عبد الناصر على يد الجاسوس على العطفى. لقد حاول الجاسوس نفسه ترويج هذه الشائعة خلال سجنه، فكان يخبر المسجونين الآخرين بهذه الأكذوبة، فسمعها منه رجل فاضل شيخ المحامين عبد العزيز الشوربجى، فقد كان المناضل ضمن حملة اعتقالات المعارضين التى قام بها السادات فى الربع ساعة الأخيرة من حياته الرئاسية، وقد نقل الشوربجى بدافع الوطنية ما سمعه من الجاسوس دون أن يدرك هدف الموساد من نشر هذه الشائعة.