حكاية أغنية.. "قولوا لعين الشمس ماتحماشي" كشفت عن أول عملية اغتيال سياسي.. و هذا سبب منعها من العرض

الفجر الفني

شادية
شادية



حكاية أغنية اليوم مع دلوعة السينما الفنانة الكبيرة شادية، وهي "قولوا لعين الشمس ماتحماشي".

بدأت الحكاية بصدفة قادت مجدي نجيب، لتأليف الأغنية، وهو الذي كان يعتبر كتابة الأغاني نوعًا من العار، إلى أن قابل بليغ حمدي في حديقة معهد الموسيقى بصحبة الكاتب الصحفي عبد النور خليل، وقتها، دار حديث بين مجدى وبليغ، عبر خلاله الأخير عن طموحاته في مجال التلحين، وكيف يحلم بتفجير الأرض بالديناميت.

يقول مجدى نجيب في كتابه "صندوق الموسيقى.. زمن الغناء الجميل": "في تلك الأمسية الناعمة هرش رأسه كأنه يحاول القبض على أفكاره وبدأ يتحدث عن حلمه: أريد أن أفجر الديناميت في الأرض الميتة، أقصد إحياء موروثنا الشعبي، الموسيقى والغناء في كل الوطن العربي لكي لا نستيقظ يومًا فنجد أنفسنا قد فقدنا جذورنا".

في نهاية اللقاء، طلب بليغ من مجدي نجيب أن يكتب له أغنية، غير أن الأخير صُدم من الطلب وشعر بخوف ورهبة، فهو لم يتصور يومًا أن يترك الشعر والرسم والصحافة ليكتب الأغاني: "كنت مقتنعًا أن تأليف الأغاني هو نوع من العار بالنسبة للشاعر لأنه بالضرورة سيتنازل عن بعض الأشياء التي قد تضره كمبدع عندما يبتعد عن اللعب على الورق بمفرده".

وافق، في غير حماس، مكتفيًا بهز رأسه دليلًا على موافقة جاءت بسبب إصرار بليغ من جهة وخجل مجدى منه من جهة أخرى. بعد أسابيع، تقابل الاثنان وطلب بليغ كلمات الأغنية، وتحت إلحاحه سلمها له مجدي نجيب بعد أيام، ولكن بليغ بدأ يدندن لحنًا خاصًا به، لا يشبه كلمات الأغنية أو لا يليق عليها. اندهش مجدي، الذي طلب منه بليغ أن يكتب وفقًا للحن الذي سمعه منه. لم يرحب مجدى، لأنه شعر أن الأمور ستكون أكثر تقييدًا لحريته في الكتابة، كان على وشك الرفض، إلا أن بليغ استفزه، تحداه، ابتسم له ابتسامة لئيمة وأمطره بنظرات مستفهمة عما إذا كان يتحجج لعدم قدرته على الكتابة: "ألم تفكر أن تدخل في تحدي مع نفسك؟ حاول أن تجرب فقط، فلن تخسر شيئًا".

وافق مجدى نجيب وصمم على الكتابة وفق اللحن الذي صنعه بليغ: "كتبت أى كلمات لنفسي على إيقاع الموسيقى اللحني لكي أتذكر ما سأكتب عليه، ثم وعدته أن تكون الأغنية جاهزة خلال أيام".

لم تكن التجربة سهلة على الإطلاق، وبحسب كلام مجدي نجيب في كتابه الصادر عن دار المسار عام 2012، فإنه تعب أثناء كتابة هذه الأغنية، لأنه يكتب تحت قيد اللحن من جهة، ولأنها المرة الأولى التي يجرب فيها الكتابة الغنائية من جهة ثانية.

فى النهاية سلم الأغنية لبليغ خلال أيام كما اتفقا، وفي عام 1966 حصل مجدي نجيب على خمسة جنيهات من الإذاعة المصرية التي أنتجت أغنية "قولوا لعين الشمس" ليدخل بعدها "نجيب" عالم كتابة الأغاني من الباب الكبير بعد أن غنت له شادية ولحن له بليغ حمدي، وحققت الأغنية نجاحًا ضخمًا.

فى عام 1966، أنتجت الإذاعة المصرية أغنية "قولوا لعين الشمس" التي غنتها شادية، وكتب كلماتها الشاعر مجدي نجيب، ولحنها بليغ حمدي.

بعد أسابيع من هزيمة يونيو 1967، كان مجدي نجيب يستقل تاكسيًا رفقة صديقه الشاعر عبد الرحيم منصور، الذي أخبر سائق التاكسى أن مجدي الذي يجلس جواره هو مؤلف أغنية "قولوا لعين الشمس ما تحماشي" ليصدر عن السائق رد فعل لم يتوقعه أيهما.

أوقف السائق سيارته، وطرد الشاعرين ووجه كلامه لمجدي نجيب تحديدًا: "أنت السبب في فضيحتنا وهزيمة عساكرنا والمسخرة منها ومن جيشنا المصري".

كانت الدهشة عارمة، غير أن عبد الرحيم منصور، بعد أن توقف عن الضحك، ذكر مجدي نجيب بقصة أغنيته التي غنتها مطربة إسرائيلية وأذاعتها إسرائيل بعد أن غيرتها لتكون: "قولوا لعين الشمس ما تحماشي لاحسن الجيش المصري صابح ماشي".

واستمرارًا للتأثير الواسع الذي حققته الأغنية، كان مجدي نجيب واحدًا ممن بني عليهم الشيخ كشك مادته الفكاهية الساخرة من الأدب والفن عمومًا، حيث هاجم مجدي نجيب بضراوة في إحدى المرات لأنه تجرأ وأمر الشمس ألا تكون حامية حتى لا تؤذِ عيون حبيبه، ووصفه بالزنديق الذي يأمر مخلوقات الله، وكأنه من خلقها.

لم يكن صوت شادية أول صوت يغني قولوا لعين الشمس، الأغنية الأصلية تغنت 28 يونيو عام 1910.

كانت الكلمات الأصلية للأغنية التي غنتها العالمة والأسطى" نعيمة شخلع" والتي كانت تعد واحدة من أشهر أسطوات شارع عماد الدين تقول " قولوا لعين الشمس ما تحماشي، أحسن غزال البر صابح ماشي".

في بدايات القرن العشرين، وتحديدًا مطلع عام 1910، حيث كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي، وكان الحاكم وقتها هو الخديوي عباس حلمي الثاني وهو اخر من حمل لقب الخديوي حيث تم خلعه في مايو عام 1914 وتعين عمه حسين كامل سلطان على مصر لينتهي عصر الخديوات.

كان رئيس وزراء مصر هو بطرس باشا نيروز غالي، وكان قد جهز مشروع لمد امتياز قناة السويس لمدة 40 عاما أخرى أي أن الامتياز يمتد حتى عام 2008، ولكن في أكتوبر عام 1909 استطاع الزعيم الوطني محمد فريد ان يحصل على نسخة من المشروع الذي يعده بطرس غالي، لتبدأ حركة وطنية هدفها مناقشة المشروع في الجمعية العمومية للبلاد، وبالفعل يرضخ الخديوي لمطالب الحركة الوطنية بزعامة محمد فريد ليقرر ان يتم مناقشة المشروع في الجمعية العمومية يوم 10 فبراير عام 1910.

قاضي المحكمة المصرية وهو بطرس غالي المعروف بتعاونه وعمالته للأنجليز انذاك، وهو جد الامين العام الاسبق للامم المتحدة بطرس بطرس غالي، تولى اصدار الاحكام الجائرة بحق فلاحي وسكنة قرية دنشواي والتي تراوحت بين اعدام اربعة من الفلاحين في قرية دنشواي وسجن عدد كبير لفترات مختلفة وجلد عدد اخر منهم والسبب هو موت احد الضباط الانجليز الذي كان يمارس الصيد قرب القرية لتعرضه لضربة شمس ولكن أهل القرية اتهموا بقتله. ومكافأة لما قام به بطرس غالي فقد اوكل الانكليز اليه حقيبة وزارة الحقانية "العدل" اليه ومن ثم اصبح رئيسًا للوزارة المصرية عام 1910.

وتم تنفيذ الحكم بحق الفلاحين من قرية دنشواي بطريقة وحشية زادت من فظاعة وظلم المحاكمة، وفاقت كل ما يتصوره العقل، من وسائل الانتقام والتعذيب، وكان التنفيذ في اليوم التالي لصدور الحكم في المكان الذي مات فيه الضابط الانجليزي، وفي مثل الساعة التي وقعت فيها الواقعة.

أما عن قصة دنشواي ضباط انجليز كانوا يصطادون الطيور قرب دنشواي اصابوا فلاحة وأحرقوا كوما كبيرا من الحنطة المحصودة، فلما احتج الفلاحون على ذلك ورموا الانكليز بالحجارة حصل هرج ومرج واطلاق نار على الفلاحين وهروب الضباط وموت احدهم نتيجة لضربة شمس في مكان يبعد ثمانية كيلومترات عن دنشواي.

نظر الشعب المصري الى القاضي بطرس غالي ومحكمته الصورية نظرة استهجان وأحتقار بأعتباره عميلا للمحتلين الأنكليز ولأنه اصدر احكاما جائرة بكل معنى الكلمة، مما دفع احد المصريين الشباب الشرفاء وكان عمره في حينه 24 سنة ووهو حامل شهادة الصيدلة من سويسرا الى قيامه بأغتيال بطرس غالي بخمس رصاصات أطلقها هذا الشاب المسيحي وهو إبراهيم نصيف الورداني على رئيس وزراء مصر المسيحي بطرس غالي لترديه قتيلا أمام ديوان وزارة الخارجية فحكم عليه بالاعدام.

وقد تبين اثناء المحاكمة ان محكمة دنشواي وأحكامها الجائرة وقيام "غالي" بتوقيع تمديد اتفاقية الامتياز لقناة السويس حتى العام 1968 كانت هي الاٍسباب التي دفعته لأغتيال بطرس غالي.

وفي ليلة 18-5-1910، وهي ليلة تنفيذ حكم الاعدام بحق البطل ابراهيم الورداني انفجر المصريون في عرس جماعي، ليودعوا بطلهم الشاب المسيحي، القاتل النبيل، الذي اغتال ابن جلدته درءًا للفتنة الطائفية وثأرًا للأبرياء من قرية دنشواي وتعبيرًا عن رفض الشعب المصري للأستعمار وعملائه، مرددين في إيقاع فريد أخرجوه من جراب تراثهم الشعبي: "قولوا لعين الشمس ما تحماشي لحسن غزال البر صابح ماشي" لأن الانجليز اصدروا قرارات مجحفة بحق كل من يعترض او يهتف لصالح الوطنيين بشكل عام او بسقوط الحكومة العميلة وأسيادهم المحتلين.

"غزال البر – البطل أبراهيم الورداني" كان يخطو بكل شجاعة خطواته الجبارة إلى حبل المشنقة وهو يهتف عاليًا من على منصة الأعدام مؤكدًا صلابته وبطولته وأيمانه العميق بقضية شعبه ووطنه " الله أكبر...تحيا مصر..مصر سيحررها أبناؤها الشرفاء المضحون بدمائهم".

ثم حورت كلمات القصيدة في منتصف الستينات من القرن الماضي لتغنيها شادية وهي تشدو"قولو لعين الشمس ما تحماشي لأحسن حبيب القلب صابح ماشي" لتصبح اغنية عاطفية بحتة.