مى سمير تكتب: الحياة الخاصة للرئيس الأمريكي

مقالات الرأي




عندما يتعلق الأمر بالمأساة الشخصية، فإن الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن لديه تجربة خاصة مؤلمة، حيث فقد الرجل البالغ من العمر 77 عاما، الذى من المفترض أن يصبح الرئيس رقم 46 للولايات المتحدة، العديد من أفراد عائلته قبل الأوان. عمل جو بايدن لفترة وجيزة كمحام قبل أن يتجه إلى السياسة، أصبح خامس أصغر سيناتور أمريكى فى التاريخ وكذلك سيناتور ولاية ديلاوير الأطول خدمة، لم تكتسب حملته الرئاسية لعام 2008 أى زخم، لكن المرشح الديمقراطى باراك أوباما اختاره نائبا له.

واستمر بايدن فى الخدمة لفترتين بصفته النائب السابع والأربعين لرئيس الولايات المتحدة، فى عام 2017، بختام إدارته، قدم أوباما لبايدن وسام الحرية الرئاسى، بعد ذلك بعامين، أطلق بايدن حملته الانتخابية لمنصب رئيس الولايات المتحدة وانتخب ليصبح الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة.

طفل متلعثم

قبل فترة طويلة من وصوله إلى أحد أعلى المناصب السياسية فى البلاد، نشأ بايدن - المولود فى 20 نوفمبر 1942 - فى مدينة سكرانتون شمال شرق ولاية بنسلفانيا، عمل والده جوزيف بايدن الأب فى تنظيف الأفران ثم عمل كبائع سيارات مستعملة، والدته كانت كاثرين يوجينيا،  سيدة منزل تتمتع بشخصية صارمة.

ينسب بايدن الفضل إلى والديه فى غرس الصلابة والعمل الجاد والمثابرة فيه، لقد تذكر أن والده كان يقول له دائما، «يا بطل، إن مقياس الرجل لا يتعلق بعدد المرات التى يتعرض فيها للضرب، ولكن مدى سرعة وقوفه على قدميه من جديد»، لقد قال أيضا إنه عندما كان يعود إلى المنزل متجهما لأنه تعرض للتنمر من قبل الأطفال فى الحى، كانت والدته تقول له: «أضربهم حتى تسيل الدماء من أنوفهم لكى تتمكن من السير فى الشارع فى اليوم التالى».

التحق بايدن بمدرسة سانت بول الابتدائية بسكرانتون، فى عام 1955، عندما كان يبلغ من العمر 13 عامًا، انتقلت العائلة إلى مايفيلد، ديلاوير - مجتمع من الطبقة المتوسطة سريع النمو تدعمه بشكل أساسى شركة دوبونت الكيميائية القريبة، عندما كان طفل عانى بايدن من تلعثم، وأطلق عليه الأطفال اسم «داش» للسخرية منه، فى النهاية تغلب على عائق التلعثم عن طريق حفظ مقاطع طويلة من الشعر وتلاوتها بصوت عال أمام المرآة.

التحق بايدن بمدرسة سانت هيلانة حتى  نجح فى الانتقال إلى أكاديمية أرشمير المرموقة، لمساعدة أسرته على تحمل الرسوم الدراسية، اضطر إلى العمل فى غسيل نوافذ المدرسة وإزالة الأعشاب الضارة من الحدائق، فى أكاديمية أرشمير، كان بايدن طالبا متفوقا، وعلى الرغم من صغر حجمه  نجح فى الانضمام إلى فريق كرة القدم الأمريكية، يتذكر مدربه: «لقد كان طفلا نحيفا، لكنه كان أحد أفضل اللاعبين الذين شاهدتهم خلال 16 سنة من عملى كمدرب».

تخرج بايدن من أكاديمية أرشمير عام 1961 ثم التحق بجامعة ديلاوير القريبة، حيث درس التاريخ والعلوم السياسية، اعترف لاحقا أنه قضى أول عامين فى الكلية مهتما بكرة القدم والفتيات والحفلات أكثر من الدراسة، لكنه طور أيضا اهتمام حاد بالسياسة خلال هذه السنوات، مدفوع على نحو جزئى بانتخاب كينيدى رئيس الولايات المتحدة فى عام 1961.

1- الصدمة الأولى

فى رحلة استراحة الربيع إلى جزر الباهاما خلال سنته الأولى، التقى بايدن بطالبة فى جامعة سيراكيوز تدعى نيليا هانتر، وبكلماته الخاصة، «وقع فى  الحب من النظرة الأولى»، وبتشجيع من حبه الجديد، اهتم بدراسته وتم قبوله فى كلية الحقوق بجامعة سيراكيوز بعد تخرجه من ديلاوير فى عام 1965، تزوج بايدن و نيليا فى العام التالى فى عام 1966.

كان بايدن فى أحسن الأحوال طالب قانون متوسط المستوى، خلال سنته الأولى فى سيراكيوز، رسب فى فصل دراسى وظلت هذه الحقيقة تطارده طول مشواره سواء فى عالم السياسة أو المحاماة.

بالإضافة إلى حياته المهنية المزدحمة بشكل متزايد، كان لدى بايدن ثلاثة أطفال: جوزيف بايدن الثالث (مواليد 1969) الذى كان يطلق عليه اسم بو، هانتر بايدن (مواليد 1970) ونعومى بايدن (مواليد 1971)، قال بايدن عن حياته فى ذلك الوقت: «كان كل شيء يحدث بشكل أسرع مما كنت أتوقع».

بعد تخرجه فى كلية الحقوق عام 1968، انتقل بايدن إلى ويلمنجتون بولاية ديلاوير ليبدأ العمل فى مكتب محاماة، أصبح أيضا عضوا نشطا فى الحزب الديمقراطى، وفى عام 1970 تم انتخابه لمجلس مقاطعة نيو كاسل، أثناء عمله كعضو مجلس فى عام 1971، أسس بايدن شركته القانونية الخاصة.

فى عام 1972، شجع الحزب الديمقراطى لولاية ديلاوير بايدن البالغ من العمر 29 عامًا على الترشح ضد الرئيس الجمهورى لمجلس الشيوخ الأمريكى فى ذلك الوقت كالب بوجز، على الرغم من أن قلة اعتقدوا أنه لديه أى فرصة، فقد قام بايدن بإدارة حملة دءوبة نظمها فى الغالب أفراد عائلته، شغلت شقيقته فاليرى بايدن أوينز منصب مديرة حملته، وقام والداه بحملة يومية بين المواطنين، فى نوفمبر من ذلك العام، فى سباق  مشتعل مع إقبال كبير من الناخبين، حقق بايدن فوزا مفاجئا  ليصبح خامس أصغر عضو فى مجلس الشيوخ يتم انتخابه فى تاريخ البلاد.

لكن بعد ظهر يوم 18 ديسمبر 1972  شهدت حياة بايدن أكثر لحظاتها مأساوية عندما اصطحبت نيليا زوجة بايدن أطفالها الثلاثة الصغار معها للتسوق من أجل عيد الميلاد، اصطدمت السيارة ستيشن شيفروليه التى كانت تقودها نيليا بجرار مقطورة يحمل ذرة أثناء انسحابها عند تقاطع طريق الوادى وطريق لايمستون، مما أسفر عن مقتلها مع ابنتها الصغيرة نعومى البالغة من العمر 13 شهرا، عانى أبناء بايدن بو وهانتر من إصابات خطيرة مع كسر فى الساق وكسر فى الجمجمة على التوالى، لكن لحسن الحظ نجا.

فى تلك الأثناء فكر بايدن بشكل جدى فى الانتحار، ويتذكر هذه المرحلة قائلا: «بدأت أفهم كيف قاد اليأس الناس للتفكير فى الانتحار، كيف أن الانتحار لم يكن مجرد خيار بل خيار عقلانى... لقد كنت أشعر بالغضب»، ومع ذلك، بتشجيع من عائلته، قرر بايدن احترام التزامه بتمثيل شعب ديلاوير فى مجلس الشيوخ، لقد تخطى مراسم أداء اليمين لأعضاء مجلس الشيوخ الجدد فى واشنطن وبدلاً من ذلك أدى اليمين الدستورية من غرفة أبنائه فى المستشفى، من أجل قضاء أكبر وقت ممكن مع أبنائه، قرر بايدن الاستمرار فى العيش فى ويلمنجتون، والتنقل من وإلى واشنطن كل يوم بواسطة قطار أمتراك، وهى ممارسة حافظ عليها طوال فترة خدمته الطويلة بمجلس الشيوخ.

2- مأساة ثانية

تزوج جو بايدن مرة أخرى فى عام 1977، من جيل ستيفنسون (نى جاكوبس) التى أصبحت زوجة أب لبو وهانتر، التقى بايدن مع زوجته الثانية جيل فى منتصف السبعينيات بترتيب من شقيقه فرانك الذى كان يعرفها من الجامعة، كانت جيل تمر بتجربة طلاق مريرة من زوجها الأول، وفى تلك الفترة لم تكن مستعدة للارتباط من جديد ولكنها أعجبت على الفور بزوجها المستقبلى،  بعد أول لقاء مع بايدن أخبرت والدتها: «أخيرا التقيت برجل نبيل»، لم توافق جيل على فكرة الزواج من بايدن إلا بعد موافقة أبنائه، جيل هى أستاذة حاصلة على أربع درجات، بما فى ذلك الدكتوراه، محاضرة متفرغة فى قسم اللغة الإنجليزية بكلية مجتمع فيرجينيا الشمالية، أنجبت جيل ابنة وحيدة هي آشلى، التى ولدت فى 8 يونيو 1981. 

مأساة جديدة شهدتها حياة بايدن فى عام 2010 عندما تم إدخال ابنه الأكبر بو، الذى كان يبلغ من العمر 41 عامًا، إلى مستشفى كريستيانا فى نيوارك بولاية ديلاوير بعد إصابته بسكتة دماغية خفيفة، بعد ثلاث سنوات أثناء إجازته، تم نقله إلى مركز إم دى أندرسون للسرطان فى هيوستن بعد أن شعر فجأة بالضعف والارتباك، تم العثور على آفة دماغية صغيرة وإزالتها، بعد ذلك، تم تشخيص إصابته بسرطان الدماغ فى عام 2013، وخضع لعدة عمليات، والعلاج الكيميائى والإشعاعى، لكنه استسلم للمرض فى 30 مايو 2015، كان يبلغ من العمر 46 عامًا.

كان لوفاة بو تأثيرا كبيرا على  بايدن و زوجته جيل،  صرحت جيل لصحيفة نيويورك تايمز: «بعد وفاة ابننا  بو بسبب السرطان، تساءلت عما إذا كنت سأبتسم أو أشعر بالسعادة مرة أخرى»،  مثل والده، تعمق بو أيضا فى السياسة وأصبح المدعى العام الرابع والأربعين لولاية ديلاوير من عام 2007 حتى عام 2015، اعتقد بايدن أن الآفاق السياسية لابنه كانت مشرقة، قائلاً: «كنت متأكد من أن بو قد يترشح للرئاسة يومًا ما»،   كان رحيل الابن الأكبر صدمة حقيقية لبايدن، وتحكى جيل: «هناك أوقات لم أكن أتخيل فيها كيف فعل ذلك - كيف وضع قدم أمام الأخرى واستمر فى التقدم»، «لكننى دائما ما فهمت سبب قيامه بذلك».

نجل بايدن الثانى، هانتر يبلغ الآن من العمر 50 عاما ويعمل محاميا لشركة محاماة مقرها نيويورك، وهو أيضًا مؤسس شركة رأس المال الاستثمارى Eudora Global وشغل منصب رئيس مجلس إدارة برنامج الأغذية العالمى بالولايات المتحدة الأمريكية من عام 2011 إلى عام 2015،  فى الآونة الأخيرة، كانت هناك تقارير متنازع عليها حول علاقاته ومعاملاته التجارية فى الخارج، ولكن تم نفيها من قبل عدد من أهم الصحف الأمريكية مثل  بوليتكو ونيويورك تايمز  وواشنطن بوست.

الابنة الصغرى لبايدن هى آشلى التى شغلت منصب المدير التنفيذى لمركز ديلاوير للعدالة من 2014 إلى 2019 وهى متزوجة من جراح تجميل، قبل دورها الإدارى فى المركز، عملت فى إدارة خدمات الأطفال والشباب وعائلاتهم بولاية ديلاوير.

أسست شركة الأزياء ليفليهود، التى تشترك مع تاجر التجزئة عبر الإنترنت Gilt Groupe لجمع الأموال لبرامج المجتمع التى تركز على القضاء على عدم المساواة فى الدخل فى الولايات المتحدة،  وقد أطلقت هذه الشركة فى أسبوع الموضة فى نيويورك عام 2017.

عاش بايدن البالغ من العمر 77 عاما حياة مليئة بالأفراح والمآسى، تذوق طعم الحب وعرف معنى الفراق، تمتع بالنجاح وأدرك كيف يكون الفشل، أقدم على الانتحار وعاد للحياة من جديدة أكثر قوة، هو نموذج سياسى مختلف عن غيره من رؤساء الولايات المتحدة، يبقى أن ننتظر لنعرف إذا كان يتمتع بالحكمة الكافية لإدارة الولايات المتحدة.