مى سمير تكتب: 4 سنوات في البيت الأبيض

مقالات الرأي



رئاسة رجل الأعمال التى غيرت المشهد الدولى 

حتى لو انتهت إدارته فى 20 يناير 2021، سيكون دونالد ترامب قد خلق إرثاً خاصاً فى السياسة الخارجية والداخلية لا مثيل له فى التاريخ الأمريكى الحديث. 

فى غضون ثلاث سنوات قصيرة، تسبب الرئيس الأمريكى فى إحداث تغيرات فى الصورة الدولية للولايات المتحدة وقدرتها على الإقناع الأخلاقى - وهى مكونات أساسية للقوة الناعمة التى جعلت منها مرساة للنظام العالمى الغربى الليبرالى-، الصدمة الناجمة عن هجوم إدارة ترامب على نظام ما بعد الحرب سوف يتردد صداها على مدار السنوات القادمة وسوف تتعمق بشكل كبير، إذا أعيد انتخابه فى نوفمبر، كما تؤكد كاثرين كلوفر أشبروك المدير التنفيذى لمشروع مستقبل الدبلوماسية فى جامعة هارفارد. 

1- نهاية العولمة

حسب أشبروك، لقد عملت إدارة ترامب بشكل متعمد (تحت ستار تخليص البلاد من الدولة العميقة) لتفريغ المؤسسات الأمريكية، سواء فى الأمن القومى أو فى السياسة الداخلية، كما طبقت سياسة هجرة صارمة، وعمدت إلى تصوير الحلفاء الأوروبيين القدامى على أنهم أعداء، وتمكن ترامب كذلك من عزل قطاعات كبيرة من المجتمع الدولى، حيث قال فى الجمعية العامة للأمم المتحدة «العولمة لا تشكل المستقبل».

 بعد أكثر من 70 عاما، أصبحت العلاقة عبر الأطلسى فى أدنى مستوياتها، بسبب التحوط والفصل الجغرافى الاقتصادى لترامب، وتشكيكه المستمر فى أهمية حلف الناتو وأهداف هذا التحالف العسكرى الذى شكل إحدى ركائز السياسة العسكرية الأمريكية على مدار أكثر من نصف قرن. 

قائمة مخالفات ترامب ضد النظام العالمى متعدد الأطراف كبيرة: من عرقلة تمويل الكونجرس لبرامج الأمم المتحدة إلى الانسحاب من اتفاقيات باريس للمناخ ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (وعدد من كيانات الأمم المتحدة الأخرى التى تنتهك التزامات المعاهدة) إلى شل محكمة الاستئناف فى منظمة التجارة العالمية، لترك نظام الحد من التسلح الدولى فى حالة ضعف، ولعب سياسة الكرسى الفارغ فى مجموعة السبع. 

تضيف أشبروك،: «ثم هناك التهديد المستمر باستخدام القوة - ضد فنزويلا، وكوريا الشمالية، فى وقت ما ضد روسيا فى الشرق الأوسط - والاستخدام الفعلى للقوة ضد إيران فى ضربة بطائرة بدون طيار أسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليمانى، على نحو منفرد ودون علم حلفائه الأوروبيين، أو الخطط الأحادية التى تم طرحها سابقًا (الآن فى طى النسيان) لسحب القوات من سوريا وأفغانستان، باختصار تحركت الولايات المتحدة فى ظل إدارة ترامب على نحو منفرد غير مهتمة بمعرفة آراء حلفائها». 

2- تراجع أمريكا 

 لماذا يجب أن يثق العالم بأمريكا تحت إدارة ترامب؟ تشير الاستطلاعات إلى أن العالم لم يعد يفعل ذلك: فى استطلاع يناير 2020، وجدت مؤسسة بيو أنه فى 32 دولة، لا يثق 64٪ من المواطنين الذين شملهم الاستطلاع فى أن الرئيس الأمريكى «يفعل الشىء الصحيح» فى الشئون العالمية، ويشك الحلفاء الأوروبيون بشكل خاص فى هذا الرئيس - يعتقد 13٪ فقط من الألمان و 18٪ من السويديين أنه يمكن الوثوق به.

فى «مؤشر القوة الناعمة» لعام 2019، واصلت الولايات المتحدة تراجعها الحر، من المركز الأول فى عام 2016 حيث خسرت مكاناً أو اثنين كل عام منذ ذلك الحين لتستقر فى المركز الخامس، خلف أربعة من أكبر حلفائها فى أوروبا الغربية. 

 فى بداية عام 2020، لا يظهر أى تقدم ملموس حقيقى فى السياسة الخارجية - لكن الكثير من الدمار الذى لحق بالمؤسسات والعلاقات الداعمة فى الداخل والخارج سيطارد الولايات المتحدة لعقود، حتى لو كان الديمقراطى هو الرئيس العام المقبل. 

 فى الشرق الأوسط، تأرجح الرئيس الأمريكى من مضاعفة الرهانات المحفوفة بالمخاطر إلى الانسحاب تماما من الميدان، كما حدث فى ليبيا على سبيل المثال، وفقا لبريت ماكجورك، المستشار الرئاسى السابق للمجلس العالمى لمكافحة داعش، كان لتراجع النفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط سببا فى زعزعة الاستقرار بالمنطقة، أصبحت المنطقة بعد مقتل سليمانى أكثر توتراً، مع عودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم، فى مواجهة «حملة الضغط الأقصى» التى طبقها ترامب، خطة كوشنر للسلام فى الشرق الأوسط التى تم الكشف عنها فى خضم محاكمة عزل الرئيس، تمنع الفلسطينيين من السلطة السياسية الحقيقية، وبالتالى فهى بالكاد استراتيجية يمكن الدفاع عنها، فى غضون ذلك، أصبحت روسيا صانع الملوك فى المنطقة.

 تقوم كوريا الشمالية، بدون قيود، باختبار الصواريخ ومن المحتمل أن تحسن قدراتها النووية، كما دخل ترامب فى حرب تجارية مع الصين، ويبدو أن الولايات المتحدة عاجزة عن تحقيق مكاسب، كما تستمر مبادرة «الحزام والطريق» الصينية فى التوسع العالمى، بينما تعيد الصين صياغة لغة التعددية لبناء مؤسسات دولية جديدة تتناسب مع هدفها العالمى وغايتها.

باختصار، على حد تعبير ماكجورك، فى البيت الأبيض اليوم، «يتم تعريف سياسة واشنطن اليوم بعدم الاتساق مع: غايات متطرفة، وسائل الحد الأدنى، افتراضات خاطئة، عدد قليل من الحلفاء، سياسة كل الضغط، لا دبلوماسية».

3- الإرث المحلى

 سيكون التأثير الأكثر لرئاسة ترامب - لولاية أو فترتين - فى السياسة الداخلية للولايات المتحدة، بعد أسابيع فقط من تنصيبه، شرع مساعدو ترامب فى تنفيذ أوسع استخدام لقانون مراجعة الكونجرس فى تاريخ القاعدة الممتد لعقدين من الزمن، تم السماح للحكومة بالتوقيع على 13 مشروع قانون لمحو مشاريع القوانين الفيدرالية التى سنتها الوكالات الفيدرالية خلال إدارة أوباما، تمكن فريق ترامب من إجراء عملية مسح نظيفة للقواعد المتعلقة بالبيئة والعمل والحماية المالية والإجهاض والتعليم وحقوق السلاح وخصوصية الإنترنت. 

 الأمر الأكثر دراماتيكية هو تأثير إدارة ترامب على النظام القانونى الأمريكى، إنه تاريخى ولا يتم الإبلاغ عنه، من خلال تعيين عدد قياسى من القضاة يبلغ 48 قاضياً فى ثلاث سنوات فقط (مقارنة بـ 55 قاضياً لأوباما على مدى ثمانى سنوات) مع عقود أو حتى مقاعد ممتدة لسنوات طويلة فى المحاكم الحساسة، مثل محاكم الاستئناف، حتى لو اجتاز الديمقراطيون انتخابات عام 2020 - الرئاسة ومجلسى الكونجرس - سيظل قضاة ترامب يتمتعون بسلطة واسعة لتخريب أجندة الرئيس الجديد، بما فى ذلك القضايا ذات الصلة بالسياسة الدولية بشأن التجارة والدبلوماسية البيئية والتجارية. 

4- فضائح رئاسية 

حاصرت رئاسة ترامب الكثير من الفضائح التى طاردت البيت الأبيض، من الشهادات التى تشكك فى قواه العقلية، إلى تصريحات الخبراء التى تؤكد أنه يعانى من الأمراض النفسية، إلى الكتب التى ألقت بظلال من الشكوك حول نزاهته.

لكن أهم فضيحة فى سنوات حكم ترامب هى تلك المتعلقة بالمكالمة الهاتفية فى 25 يوليو بين ترامب والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، والتى أثارت تحقيقاً فى الكونجرس وانتهت بتصويت مجلس النواب لعزل ترامب فى ديسمبر بتهمتين، خضعت المكالمة لأول مرة للتدقيق العام فى سبتمبر، بعد تقارير عن شكوى المبلغين عن المخالفات التى تزعم أن ترامب ضغط على زيلينسكى فى المكالمة لفتح تحقيق مع نائب الرئيس السابق جو بايدن وابنه، اللذين كانا عضوين فى مجلس إدارة شركة أوكرانية، جاء طلب الرئيس بعد أيام من إصدار البيت الأبيض أمراً بوقف المساعدات العسكرية عن البلاد، أدت هذه المزاعم إلى فتح باب التحقيق فى مجلس النواب فى أواخر سبتمبر، مما أدى إلى شهور من الإدلاء بشهادات مغلقة وعلنية مع مسئولى ترامب السابقين والحاليين.

انتهى مجلس النواب بإقالة ترامب فى ديسمبر، على أساس حزبى فى الغالب، مما أرسل مصير ترامب للبت فى محاكمة مجلس الشيوخ فى يناير الذى أعلن براءة الرئيس الأمريكى. 

هناك فضيحة أخرى شكلت ملامح السنوات الأولى من حكم ترامب، بمجرد أن تولى دونالد ترامب الرئاسة، اندلعت فضيحة روسيا، وشارك فيها بعض أقرب مساعدى الرئيس، بمن فيهم مستشاره للأمن القومى، خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016، اخترق عملاء روس خادم إيميلات هيلارى كلينتون ثم لاحقا أيضا خادم اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطى، اكتشفت المخابرات الأمريكية فى وقت لاحق أن الحكومة الروسية كانت تحاول بنشاط التدخل فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية من خلال خلق معارضة بين الجمهور الأمريكى ومحاولة تقويض المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون.

فى مايو 2017، أقال ترامب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى جيمس كومى، الذى كان يقود تحقيقاً فى الروابط بين الحكومة الروسية وشركاء ترامب، شهد كومى لاحقا أنه طُرد بعد أن رفض التخلى عن التحقيق مع مستشار الأمن القومى للرئيس ترامب مايكل فلين، الذى استقال بعد 24 يوما فقط من توليه منصبه بعد أن اكتشف أنه كذب على الكونجرس بشأن اجتماعات مع السفير الروسى لدى الولايات المتحدة الأمريكية. تم تعيين المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالى روبرت مولر فى مايو 2017 للتحقيق فيما إذا كان هناك أى تواطؤ بين حملة ترامب والحكومة الروسية وما إذا كانت حملة ترامب قد حاولت عرقلة العدالة.

تم نشر نتائج التحقيق فى أبريل 2019، وذكرت أنه بينما كان هناك تدخل واضح من قبل الحكومة الروسية فى الانتخابات الرئاسية لعام 2016، لم يكن هناك دليل واضح على أن حملة ترامب قد تآمرت مع الحكومة الروسية، يشير التقرير إلى أنه على الرغم من عدم وجود دليل على تنسيق حملة ترامب مع الحكومة الروسية، فمن الواضح أنها استفادت من التدخل الروسى. وبحسب التقرير: «لم يخلص التحقيق إلى أن الرئيس ارتكب جريمة، ومع ذلك، فهو أيضا لا يبرئه».

وما بين الفضائح وإحداث تغيرات جذرية فى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية سواء الداخلية أو الخارجية، نجح ترامب فى دخول التاريخ الأمريكى من أوسع أبوابه، ليس فقط باعتباره أكثر الرؤساء إثارة للجدل، ولكن بفضل نجاحه، على نحو غير متوقع فى عقد اتفاقيات سلام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، هذه الاتفاقيات أكدت أن سياسة ترامب القائمة على حسابات رجل الأعمال حول الربح والخسارة، قد تنجح فى النهاية فى تحقيق ما فشل فى تحقيقه الكثير من الرؤساء من أصحاب التاريخ السياسى العريق.