متخصص بالشأن الأمريكي: بايدن سيستخدم السياسة الناعمة في حل القضية الفلسطينية (حوار)

عربي ودولي

دكتور علاء أبو زيد
دكتور علاء أبو زيد


يومين منذ انطلاق التصويت في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020، والجميع مترقب حتى بات الشعب العربي أجمع أكثر ترقبا من الأمريكي بشأن نتيجة الانتخابات، هل يتسيد الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، البيت الأبيض لولاية ثانية أم يقتنص الفرصة غريمة الديمقراطي الشرس جو بايدن ليصبح الرئيس الأمريكي الـ 46.


ومع حالة الهرج والمرج الدائرة، كان يجب ألا يغيب عن أعيننا قضية العرب الأولى وهي القضية الفلسطينية ومصيرها، وذلك لأن في فترة ولاية الرئيس الأمريكي الحالي ترامب كانت قد شهدت العديد من التطورات ومن بينها اعتراف أمريكا بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وعلى هذا الأساس أجرت جريدة "الفجر" حوارا مهما مع  الدكتور علاء عزت  أبو زيد باحث مختص في الشأن الأمريكي وأحد أبرز المحللين السياسيين الفلسطينيين والمختص فى الشئون الدولية والصراع العربي الإسرائيلي، وكان نص الحوار كما يلي:


هل اختلفت سياسة الإدارة الأمريكية ما بين الحين والآخر؟

"تعتبر السياسة الخارجية  الأمريكية عملية معقدة لا يرسمها شخص واحد، أو جهاز واحد وإنما يشترك فى صنعها كل من الرئاسة، ووزارة الخارجية، ووزارة الدفاع والكونغرس، ويستعين كل هؤلاء بأصحاب الرأى والخبرة فى المؤسسات البحثية والأكاديمية، (مع مراعاة) القوة النسبية لجماعات المصالح فى الولايات المتحدة، إلا أن الجميع يشتركون فى إطار مرجعى واحد ألا وهو المصالح القومية للولايات المتحدة الأمريكية، لو عدنا قليل إلى الخلف وتمعنا في السياسة الأمريكية عبر الإدارات السابقة فهي تشبه إلى حدًا بعيد بعضها البعض, فهناك إدارات تستخدم القوة الخشنة, واضعة بذلك العالم أسير لأهواء, ورغبات رئيس متهور, وصدامي".


كيف ترى الإدارة الأمريكية اليوم وفي ظل حكم الرئيس ترامب؟

"نحن اليوم نعود إلى القوة الخشنة بل والخشنة المفرطة فى عهد الرئيس الحالى دونالد ترامب, فقد بدء عهدهبفرض الحلول والتماهي السياسى والايديولوجي الكامل مع ورؤية ومخططات حكومة الاحتلال الإسرائيلي لحل القضية الفلسطينية مشهر العصا دون الجزرة. فقد قام بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة بعد اعترافه بالقدس عاصمة موحدة "لإسرائيل"، بالإضافة إلى قطع المساعدات المقدمة للأونروا بعد تنفيذ قرار الكونغرس الأمريكي المتخذ منذ عام 1995م على أرض الواقع، ومحاولاته تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال: التشكيك بأعداد اللاجئين، ومحاولة توطينهم خارج حدود فلسطين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير فى واشنطن، وم المالية المقدمة إلى قوى الأمن الفلسطيني. كما سعى إلى تعزيز العلاقة بين إسرائيل والدول العربية من خلال عملية التطبيع، من خلال الهدف الظاهر بعزل إيران، الأمر الذى أدى إلى إشعال المناطق الفلسطينية، وتغيير فى السياسات والتوجهات والأحلاف فيها، وخاصة الموقف الفلسطيني الرافض لهذه التوجهات المنافية للحقوق الفلسطينية".


من وجهة نظرك.. هل تختلف انتخابات أمريكا الحالية عن مثيلاتها ولماذا؟

"نعم تشهد الولايات المتحدة الأمريكية انتخابات لم يسبق لها مثيل, لعدت اعتبارات  وأهمها ما يلي"

1-  عدم قدرت المحللين, وكافة استطلاعات الرأى على تحديد الفائز حتى فرز معظم الدوائر الانتخابية, ويرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع نسبة الاقتراع, فقد كانت في الماضية ما بين 50-60, وبعد أحداث سبتمبر أصبحت تقريبا 60-70%, والمختلف اليوم أن الشعب الأمريكي يخرج للانتخابات بكل مكوناته, وهذا يعني تغير في سيكولوجية المجتمع الأمريكي, لذلك أصبح التنافس ليس بين الحزبين وإنما بين الشعب بشكل عام.

2-  إعلان الرئيس دونالد ترامب فوزه من البيت الأبيض يوم أمس (4 نوفمبر/2020م) قبل ظهور النتيجة, وتلميحه مسبقًا بإمكانية الاحتيال على إرادة الناخب الأمريكي, من خلال تزييف النتيجة, فإذا نحج القضية نزيه, واذا فشل ستكون مزيفة.

3-  الجدير ذكره أن المحكمة الدستورية هي التي تفصل في الانتخابات الامريكية في حال التشكيك, وقد استبق الرئيس ترامب ذلك  بتعين القاضية رقم (9) بالقوة, مخالفًا بذلك للدستور, أملًا منه برد الجميل في حال التوجه إلى المحكمة الدستورية للبث في ادعاء الاحتيال على الانتخابات في حال فوز بايدن.

4-  تصريح الرئيس ترامب بعدم تسليم الحلم في سابقة لم تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأتها, مستخدمًا بذلك نظرية الواقعية الهجومية.

5-  عنجهية الرئيس ترامب تضع العقلاء في الولايات المتحدة الأمريكية تحت تأثير الخوف على مصير الولايات المتحدة.

6-  خوف مؤيدين المرشح الديمقراطي جو بايدن من التلاعب في نتائج الانتخابات في حال فوز مرشحهم, وذلك انصياع لتهديدات الرئيس ترامب بنشر الفوضى.


ما هو سيناريو العلاقات الأمريكية الفلسطينية المتوقع  حال نجاح الرئيس ترامب بولاية ثانية؟

"هناك سيناريوهين أحدهما متفائل والآخر متشائم، أما عن السيناريو المتفائل سيكون أمام الرئيس ترامب الكثير من التحديات الداخلية, والخارجية, لكنه سيكون أكثر تحررًا في ولايته الثانية, لأن النظام الأمريكي لا يسمح بولاية ثالث, مما يجعله محررًا من قيود الحاجة إلى الناخب الأمريكي, وجماعات الضغط, كما أنه يشعر بخيبة أمل من اللوبي الصهيوني لعدم وقوفه بجانبه فى الانتخابات الثانية, وخير دليل على ذلك عدم حسم المعركة بسهولة، لذلك فإنني أعتقد بأن الرئيس ترامب سيلجأ إلى سياسة التبريد من خلال الضغط على إسرائيل بوقف كافة مشروعاتها الاستيطانية, وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من التزامات تخص الفلسطينيين في صفقة القرن  في صفقة القرن, لأن إسرائيل أخذت من ولايته الأولى رحيق العسل, فبالتالي يجب أن تقدم ما يستحق هذا الرحيق. كما أنه من الممكن أن يضغط على إسرائيل لإعادة أموال المقاصة للفلسطينيين, بالإضافة  إلى تعديل قراره بوقف المساعدات الأمريكية  المقدم لأجهزة الأمن الفلسطينية في مشروع الميزانية للعام (2021م)".


وماذا عن السيناريو المتشائم حال فوز ترامب؟

إن كافة السيناريوهات التي يمكن رسمها لحدود العلاقة الثنائية الأمريكية الفلسطينية، ومدى التدخل الأمريكي فى ولاية ثانية للرئيس دونالد ترامب تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ستمر بمرحلة حرجة لا تبشِّر بأى تفاؤل للفلسطينيين، لذا يجب ألا يعلق الفلسطينيون آمالاً كبيرة على أن فترة الرئيس "ترامب" الثانية ستشهد إقامة دولة فلسطينية وفق ما يُسمى بـ (صفقة القرن)، فالموقف الأمريكي تجاه الصراع، واتجاه دعم إسرائيل وتبنى موقفها فى أى حل التزام ثابت لا يتغير، مما يدل على أن المنطقة ستشهد تحولاً فى السياسة الأمريكية يتجلى بشكل واضح فى المرحلة الحالية، والقادمة يشير إلى تغيير فى نهج الرئاسة الأمريكية، كما يُشير إلى الانحياز الأمريكي الواضح لإسرائيل، والتنكر الكامل للحقوق الفلسطينية وآمالهم فى إقامة دولة مستقلة كاملة السيادة فى المستقبل القريب، وفى هذا السياق، سيكون من المفيد للجانب الفلسطيني التوقف عن التعويل المبالغ فيه على المجتمع الدولى، فى ظل حالة الضعف والشرذمة الداخلية".


وفي حال فوز بايدن بالانتخابات.. ما هو سيناريو العلاقات الأمريكية الفلسطينية المتوقع؟

"الإدارة في الولايات المتحدة الأمريكية تعني الترتيب والتنظيم لملفات تعمل على تنفيذها, في عملية متدفقة ومتحولة يديرها صانعو السياسة فى ضوء أهداف شبه ثابتة، ولكن تحت ظروف متغيرة دائماً، ويحاول صانع السياسة بقدر الإمكان أن يتدخل فى هذه الظروف أو يتحكم فيها، ويضبط حركتها لكى يسهل عليه تحقيق القسط الأكبر من أهدافه شبه الثابتة, ومن تلك الملفات التى تعاقبت عليها الإدارات الأمريكية, وانتقل من إدارة إلى آخرى منذ نشأت دولة إسرائيل ملف الصراع العربي الإسرائيلي، ولن يكون هناك اختلاف كبير عن سياسة الاحتواء المتبعة من قبل الرئيس بيل كلينتون بعد فترة حكم صدامية في عهد الرئيس بوش الاب, وكذلك سياسة تحسين صورة الولايات المتحدة في عهد الرئيس أوباما بعد بعد ثماني سنوات عاصفة من العداء وعدم الثقة خلفتها إدارة بوش (الابن), حيث أعتقد أن الرئيس جو بايدن سيعمل على إعادة ترتيب ما أفسدته إدارة الرئيس ترامب طوال الأربع سنوات الماضية, باستخدام السياسة الناعمة, والزكية معًا, لأنه يجيد ذلك خصوصًا بعد أن عمل فترة طويلة في صناعة القرار داخل مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية من خلال شغل منصب نائب للرئيس أوباما أثناء فترة حكمه".


هل هناك سيناريو متفائل لسياسة الرئيس جو بايدن تجاه القضية الفلسطينية؟

"أعتقد بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيكون أول المهنئين للرئيس بايدن, وسيعلن جاهزيته للمضي قدمًا في عملية السلام من خلال عقد مؤتمر دولى قد طرحه مسبقًا تحت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، ومن الممكن أن يعمل على تحقيق المصالحة الفلسطينية, ولكن من المستحيل القضاء على السلطة الفلسطينية وفق مبدا توازن القوة في فلسطين وسيدعم الانتخابات الفلسطينية من خلال الضغط على إسرائيل للموافقة على تصويت الناخبين الفلسطينيين في مدينة القدس وسيتراجع عن بعض الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس ترامب بحيث لا تزيد عن إعادة المساعدات المالية الأمريكية للسلطة الفلسطينية وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن, بالإضافة إلى فصل القنصلية المختصة بالشئون الفلسطينية عن السفارة الأمريكية فى القدس، على أمل أن تناقش قضية القدس الشرقية فى مراحل نهاية مفاوضات فلسطينية إسرائيلية جديدة.


ما هي رسالتك للفلسطينيين خلال ماراثون الانتخابات الأمريكية 2020؟

"على الفلسطينيين عدم المراهنة على الإدارات الأمريكية المتعاقبة, واللجوء عوضًا عن ذلك إلى توحيد الصف الفلسطيني, ومن ثم بناء استراتيجية وطنية بعيدة المدي يلتزم بها الكل الفلسطيني, تعتمد في على أسلوب استراتيجي, وليس فلسفة رد الفعل بعد حدوث الفعل, لأن ذلك جعل الولايات المتحدة الأمريكية تتمادي في تغولها تجاه القضايا الفلسطينية الجوهرية لصالح إسرائيل".