برشلونة يفوز... بارثوميو يرحل... هل عاد الهدوء للبيت الكاتالوني؟

الفجر الرياضي

بوابة الفجر


أصداء واسعة خلفتها إستقالة رئيس برشلونة جوسيب ماريا بارثوميو ومجلس إدارته جراء حملة التوقيعات التي نظمها أعضاء نادي برشلونة للإطاحة بالرئيس والإدارة التي عاش معها البيت الكاتالوني أسوأ فتراته في شتى المجالات مادياً ورياضياً وإجتماعياً وخاصة فريق الكرة بالنادي وفي مقدمته أسطورة الفريق والعالم ليونيل ميسي ، فإدارة الناخب في الإقليم الكاتالوني الباحث عن الإستقلال سياسياً عن مملكة إسبانيا تعد هي أسوأ إدارة لنادي برشلونة عرفها التاريخ حسب رواية ميسي بنفسه وعدد من اللاعبين الحاليين والقدامى من أساطير النادي . أقحم بارتوميو نفسه وإدارته في مشاكل ومشكلاتٍ لا حصر لها رفقة العديد من أنصار النادي وممثليه ،  مثل مشكلته الأشهر مع ميسي وإجباره على الدفع بطلب الرحيل نتيجة قراراته الخاطئة التي نالت من سمعة الفريق وهيبته محلياً وأوروبياً ، فمن تخبطٍ فني بتعيين مدربين للفريق لا يصح إطلاقاً أن يتولوا منصب كهذا ، تولاه من قبلهم بيب جوارديولا مجدد الفكر الحديث لكرة القدم ومن قبله فرانك ريكارد الذي توج مع النادي بلقب دوري الأبطال ٢٠٠٦ ومن قبلهم جميعاً الأسطورة الهولندية وقائد المدرسة الكاتالونية الراحل يوهان كرويف وحتى مؤخراً لويس إنريكي المدير الفني الحالي للمنتخب الإسباني والذي توج مع برشلونة بالثلاثية الشهيرة ٢٠١٥ ، جميعهم كانوا يشكلون المظهر العام والشكل الجميل للنادي وفريق الكرة وكانوا يؤدون مع اللاعبين أداءاً ونتائج جعلت من برشلونة إسماً قوياً وقطباً منافساً للنادي للملكي ريال مدريد وجعلوا المتابعين حتى يحبون مشاهدة برشلونة وينتظرون مبارياته بشغف لمتعة وعظمة الكرة التي كانوا يقدمونها على أرضية الملعب ،إلى أن جاء هذا الرجل على رأس مجلس إدارة النادي ليدخل النادي بعدها دوامة الفشل سنة تلو الأخرى ، ويصبح النادي محل إستهزاء وسخرية من المناصرين قبل المنافسين ، وأصبح مادة سخية لمواقع التواصل الإجتماعي للنيل من تاريخ النادي وهيبته .
بدأ بارتوميو ولايته في ٢٠١٥ خلفاً لسلفه ساندرو روسيل الذي تم عزله والإطاحة به من منصبه كرئيساً للنادي عقب ثبوت تورطه في قضايا فساد مالي وإداري بالنادي وكذا فضيحة التلاعب بعقد اللاعب البرازيلي نيمار جونيور دا سيلفا وشبهة الفساد المالي إبان شراءه من نادي سانتوس البرازيلي والتهرب من الضرائب حينها بإقرار قيمة مخالفة للعقد عن السعر الحقيقي التي تم التعاقد عليه مع اللاعب ، ثم ظل بعدها بارتوميو يصنع قراراتٍ لا يفسرها أي عاقل سوى أنها تدمير للنادي ولهوية فريق الكرة وسمعته التي أُخِذَت عنه بتقديمه الكرة الهجومية الشاملة والرائعة والممتعة للناظرين ، فوجدناه يعين الإسباني إرنيستو فالفيردي مدرباً للفريق خلفاً للويس إنريكي قادماً من إقليم الباسك حيث أتليتيك بيلباو ليقدم الفريق أسوأ أداءاته تحت قيادته ويتنازل برشلونة عن الكرة الهجومية الممتعة ويبهت نجم ليونيل ميسي . بدأ فالفيردي مسيرته بهزيمة مذلة بالكامب نو بثلاثية من غريمه التقليدي ريال مدريد ذهاباً في السوبر الإسباني كررها الملكي إياباً بثنائية توجته باللقب ، مروراً ببعض مباريات سيئة ونتائج مماثلة حتى وإن كان يفوز بالليغا والكأس ولكنه غير مرضي لجماهير البلوجرانا وخسر الفريق هويته بالكرة الهجومية التي كان يتميز بها ، حتى جاءت فضيحة مباراة روما الإيطالي في إياب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا ٢٠١٨ والخسارة بثلاثية نظيفة بعد التقدم ذهاباً برباعية لهدف ليخرج برشلونة من دوري الأبطال ويدخل بعدها الفريق مرحلة الشك ويظن الكثير حينها أن مستقبل فالفيردي ليس في أمان إلا أن بارتوميو لم يُعِي أي إهتمام لتلك الآراء وتلك الإنتقادات وجدد الثقة في إرنيستو ، ثم يدخل الفريق موسماً آخراً يستمر فيه نفس الأداء ونفس السيناريو لموسمٍ سبقه حتى تأتي الفضيحة الأخرى والكارثة الكبرى والهزيمة المذلة برباعية نظيفة أمام ليفربول الإنجليزي بالأنفيلد بعد التقدم مرةً أخرى بثلاثية في الكامب نو على غرار فضيحة إيه سي روما في الموسم الذي سبقه ، وفي الوقت الذي بات يقيناً ومؤكداً الإطاحة بفالفيردي وجهازه من الفريق إلا ويأتي بارتوميو بقرار خاطئٍ آخر ويجدد الثقة مرةً أخرى بالمدرب الإسباني دون مراعاةٍ حتى لشعور الجماهير وغضبة الأنصار ، إلى أن أتت بطولة السوبر الإسباني بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية وهزيمة برشلونة أمام أتليتيكو مدريد وتتويج الريال بالبطولة ومن ثم أتى القرار المنتظر بل والذي تأخر كثيراً بإقالة إرنيستو فالفيردي من تدريب الفريق ، وما أن سعِدَت جماهير برشلونة وهدأت الصحافة قليلاً لأيامٍ بل لساعات ، جاء القرار من قِبَل بارثوميو ومجلس إدارته بتعيين مدربٍ أقصى إنجازاته تدريب ريال بيتيس في إسبانيا ويكفيني القول بأنه كان مرشحاً بل موافقاً على تدريب نادي إف سي مصر الناشط بالدوري المصري الممتاز إبان الحديث عن إستثمارٍ سعودي في طريقه للنادي يحمل مشروعاً يشبه في باطنه مشروع نادي بيراميدز وسيتولى قيادته فنياً هذا الذي درب بعد ذلك برشلونة والأمر هنا لا يحمل إنتقاصاً على الإطلاق من إف سي مصر أو أي نادٍ مصري نتشرف بوجودهم على الساحة الرياضية فلهم جميعاً كل الإحترام ولكافة الأندية المصرية التقدير ولكنه إعتراضٌ فقط على مسافة التفكير داخل عقل الرجل ( بارتوميو ) ، فمن مدرب على وشك التعاقد مع نادٍ بالدوري المصري هو بالطبع ليس الأهلي والزمالك كبار القارة الإفريقية بل نادٍ لا تاريخَ له وعلى وشك الهبوط بل هبط بالفعل إلى تدريب أحد أهم أندية العالم وأعظمها ( برشلونة ) ، والحديث هنا عن الإسباني كيكي سيتيين ، الذي بين ليلةٍ وضحاها أصبح يدرب ميسي وبيكيه وسواريز بدلاً من رضا الويشي ومصطفى سلطان ومحمود توبة مع كامل التقدير والإحترام لهم جميعاً ، يا له من إختيارٍ لبارتوميو ، إختيار لم يأخذ من الوقت أكثر من ثمانية أشهر ، نال فيها الفريق ما نال ، وتم الإستهزاء به والتلاعب به أيُّما إستهزاءٍ وأيُّما تلاعب ، فمن هزيمةٍ بالكلاسيكو بأداءٍ مخيب لتعادلٍ مع أتليتيكو بأداءٍ أكثر خيبة لخسارةٍ للدوري لصالح الغريم ريال مدريد لخسارةٍ أخرى لكأس الملك والخروج أمام أتليتيك بيلباو حتى جاءت الطامة الكبرى ، والفضيحة الغير متوقعة ، برشلونة يخسر من بايرن ميونيخ بنتيجةٍ لا تُعْقَل ولا تُصَدَّق ، ثمانية أهداف كاملة لهدفين في مباراة واحدة من تسعون دقيقة هي نتيجة المباراة ، نعم ؛ لا أقل نكتةً أو مزحة ، بل حقيقة وواقع شاهدناه جميعاً . تلك الهزيمة التي خلَّفت أثراً ما بعده أثر في الإقليم الكاتالوني ، فمن صدمة الهزيمة لم يتحمل أحداً حتى السخرية من الفريق ولاعبيه ، تجلت المصيبة في قرار هو الأخطر في تاريخ برشلونة المدينة والنادي ، رمز النادي والمدينة يطلب الرحيل ، نعم ؛ ميسي في خطابٍ رسميٍ للرئيس بارتوميو عبر الفاكس : أرغب في الرحيل عن برشلونة . يا له من خبر ، يا لها من صدمة ، يا له من زلزالٍ بقوة ١٠ ريختر أو أكثر هز المدينة بل وأوروبا بل والعالم بأكمله ، وهنا كانت القشة التي قسمت ظهر بارثوميو وإدارته ، فكل شيء مقبولٌ في كاتالونيا وكلٌ قابلٌ للنقد والإنتقاد إلا ليو ، ولكن ؛ مجنونٌ هو من يدخل في خلافٍ مع الأرجنتيني الجنسية الكاتالوني الهوية ليو ميسي ساحر الإقليم المتمرد ورمزه ، هنا أدرك تماماً جوسيب ماريا بارثوميو أنه لا مجال لمواجهة خاسرة مع طرفٍ ربما هو الأقوى عبر تاريخ المدينة ، ولا جدوى من المفر والرحيل ، خاصةً أنه وإن كان معه حقٍ أو لا فلا أحد سيتعاطف مع جبهة طرفها الآخر يكون ميسي ، فهو بالنسبة لبرشلونة وجماهيرها على حقٍ في كل حالٍ وعلى أي حال ، ثم تمر الأيام ويظل ميسي في برشلونة ويقوم الأعضاء بدورهم ويجمعون عدد من التوقيعات اللازمة والمطلوبة للإطاحة بالرئيس بارتوميو وسحب الثقة من مجلس الإدارة وهو ما حدث ،  ليعلن بعدها الرئيس والإدارة الرحيل ، وتحل البهجة والأفراح الإقليم ، وتتزامن هذه اللحظات التاريخية مع مباراة الفريق ضد يوفنتوس الإيطالي بدوري أبطال أوروبا ، ونرى نسخة برشلونة التي تقريباً نسيناها من فترة ، والكرة التي أحببناها وعشقناها وأحببنا برشلونة بها ويعود لنا ميسي الذي نعرفه ونعشقه ، ساحراً مبدعاً متألقاً كعادته ، عادته التي إنقطعت بفعل فاعلٍ رحل ولن يعد ، تعود الإبتسامة مرةً أخرى على وجه ليو لتعود معها إبتسامة الكاتالان وتنتهي حالة الجفاء التي عايشها البرشلونيين سابقاً ، ويفوز برشلونة بهدفين نظيفين بأداءٍ قويٍ وممتعٍ ورائع ، أهم ما فيه وما ميَّزه هو السعادة التي شاهدناها على وجوه اللاعبين وفي مقدمتهم من خطر ببالكم الآن ، تماماً كما تخيلتم ( ومن غيره ميسي ) والكرة التي قدموها والتي صاحبها إستحواذ شامل على يوفنتوس وفي ملعبه في تورينو منذ الدقيقة الأولى وتهديدات ميسي وجريزمان على مرمى البولندي تشيزني حارس مرمى اليوفي حتى الدقيقة الأخيرة ، ليعلن برشلونة عن بدء الموسم الجديد بالنسبة له ولمدربه الهولندي رونالد كومان ومن دون من تسبب في أحزانهم جوسيب ماريا بارثوميو ، ولننتظر موسماً أفضل من ذي قبل لبرشلونة ولاعبيه على أمل إستعادة البطولات المفقودة وخاصة دوري أبطال أوروبا والدوري الإسباني .
خلاصة القول : رحل من تسبب في آلام الملايين من عشاق برشلونة داخل إسبانيا وخارجها ، من أتى بفالفيردي وسيتيين ، من تعاقد مع لاعبين دون المستوى كبرايثويت وكيفين برينس بواتينج وصامويل أومتيتي ونيلسون سيميدو وغيرهم كثير ، وإستغنى بقصد أو غير قصد عن لاعبين أكفاء لهم ثقلهم ووزنهم في الملعب أبدعوا بعد الرحيل كنيمار وكوتينهو وغيرهم . رحل من أغرق النادي بالديون والفساد المالي الذي سينتظره عواقب قضائية ضخمة قد تودي به إلى مصير سلفه روسيل . عاد بعض الهدوء إلى البيت الكاتالوني ، على أمل إنتخاب مجلسٍ جديد برئيس آخر يعيد للبيت كامل هدوءه ، ولم لا يعود خوان لابورتا الذي أعلن إعتزامه نيته الترشح مرةً أخرى لرئاسة النادي وهو الذي عاش معه برشلونة أعظم فتراتهم في التاريخ إبان فترة جوارديولا الممتعة والسداسية التاريخية .
وأخيراً وليس آخراً ، على كومان إدراك أنه ورغم الفوز على بطل إيطاليا في تورينو ورغم رحيل بارتوميو والحالة المزاجية الرائعة التي صاحبت هذا الرحيل وما بدا على اللاعبين من سعادة وخاصة ميسي إلا أن أمامه الكثير والكثير ليصل ببرشلونة إلى ما يتمناه الجمهور الكاتالوني وما كان عليه برشلونة سابقاً ، ففنياً جاء دور الرجل ليبرز إمكانياته وأحقيته كمدرب للفريق بعد إزاحة العوائق وإنتهاء المشاكل ، ليس جميعها ولكن كثيرٌ منها .