البايرن المرعب ... كيف توحش البافاري؟

الفجر الرياضي

بوابة الفجر


ربما يتسائل الكثير من عشاق الكرة الأورربية والعالمية عن أسباب وصول العملاق الألماني بايرن ميونيخ إلى هذه الحالة والتي يصل بالبعض وصفها بدرجة الكمال الكروي ( والكمال لله وحده في كل شيء ) .

هناك بعضُ أسبابٍ جعلت من البافاري مرعباً مخيفاً لهذه الدرجة التي وصل إليها بطل أوروبا مؤخراً ، ونسرد بعضها فيما يلي :-

بدايةً ؛ مر البايرن بفترة متقلبة بداية الموسم الماضي إبان قيادة الكرواتي نيكو كوفاتش ، فما بين تعثراتٍ في البوندسليغا عبر تعادلاتٍ تارة وخسائر تارةً أخرى ، ومستوى متقلب في الأداء ما بين الجيد والمتوسط وآخر سيء ، وبين خلافاتٍ مع نجوم كبار لهم ثِقَلهم ووزنهم في الفريق وفي النادي وفي ألمانيا عموماً كتوماس مولر نجم الفريق والمنتخب ، وبين سباعية توتنهام الإنجليزي في دور المجموعات من دوري أبطال أوروبا في لندن ، إلا أن الجو العام المحيط بجنبات أليانز أرينا معقل الفريق البافاري لم يكن يبشر بأي خير في المستقبل ، ولم تكن الصحافة الألمانية بعيدةً عن هذا بل وكانت دائمة الإنتقاد اللاذع لإدارة النادي وعلى رأسها الأسطورة الألمانية كارل هاينز رومينيجيه وحتى أوليفر كان حارس مرمى ألمانيا وبايرن ميونيخ التاريخي وكذا البوسني حسن صالح حميديتش وهم مسيِّري النادي وكانوا ينتقدون وبشدة الإدارة لتركهم المدير الفني الكرواتي على رأس الجهاز الفني خاصة ( بيلد الألمانية ) صاحبة السيط الواسع والمنتشر والتأثير القوي هناك ، وكانت المطالبات دائماً وأبداً من الجماهير والنقاد بضرورة إيجاد البديل المناسب قبل فوات الأوان وخسارة الفريق  للألقاب .

في الوقت الذي يترنح فيه الفريق في الدوري ويبتعد بالنقاط أكثر فأكثر عن المتصدر وقتها بوروسيا دورتموند ووجود البايرن في مراكز بالدوري لا تليق أبداً بإسمه وتاريخه وعراقته بل ووصل الأمر أوقاتاً للمركز الخامس والسادس والإبتعاد عن المربع الذهبي المؤهل لدوري الأبطال ، ظهر في الأفق نورٌ يشُع في نهاية النفق يبرز فيه إسم رجلٍ راهنت عليه إدارة البايرن مدعومةً بتأييد الجماهير البافارية أيُّما رهان ، ويا له من رهان ناجح ، وصل بنجاحه لأبعد مدى من الطموح لدى الجماهير وعشاق الفريق الألماني .

هذا النور المشع يتمثل في إسم هانز يانز فليك ، الإسم الصغير الذي لم يعد صغيراً الآن ، لم لا؟ وهو الذي غير التاريخ وسطر بإسمه حروف من ذهب في عالم التدريب ووضع إسم بايرن ميونيخ كماركة مسجلة لأفلام رعب تعيشها كل الأندية التي يكون هو خصمها ، وصل الأمر بالكثير وأنا أحدهم بإعتبار هذه النسخة هي أقوى نسخة في تاريخ النادي الألماني الأعرق وحتى فضَّلوها عن نسخة بايرن يوب هاينكس والثلاثية التاريخية ٢٠١٣ وهزيمة برشلونة بسباعية ذهاباً وإياباً في نصف النهائي حينها وأفضل حتى من نسخة البايرن مع الألماني أوتمار هيتسفيلد الفائز مع الفريق بدوري الأبطال أيضاً ٢٠٠١ على حساب فالنسيا مع الأرجنتيني هيكتور كوبر المدير الفني الأسبق للمنتخب المصري ، بل وحتى إعتبره البعض وأنا أيضاً منهم من أقوى نسخ دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ ، جنباً إلى جنب في مصاف برشلونة بيب جوارديولا وريال زين الدين زيدان ومانشيستر السير أليكس فيرجسون وميلان كارلو أنشيلوتي . هذا الرجل الذي لم يعمل من قبل مديراً فنياً على الإطلاق قبل توليه مسئولية القيادة الفنية للبايرن ، فقد كان هانز فليك مساعداً للناخب الألماني يواخيم لوف المدير الفني للمنتخب الألماني في الفترة من ٢٠٠٦ حتى ٢٠١٤ وتوج معه بمونديال البرازيل ٢٠١٤ عقب تغلبهم على الأرجنتين بالنهائي ومن قبلها سباعية البرازيل الشهيرة بنصف النهائي لينتقل بعدها للعمل كمساعداً أيضاً بالجهاز الفني لبايرن ميونيخ حتى جاء دوره كرجل أول للجهاز الفني في إنصافٍ للرجل أتى متأخراً ولكن خيرٌ من أن لا يأتي . 

ما فعله فليك أنه أعاد الأمور إلى نصابها ، وأعاد كلٌ إلى موقعه ، وأعاد الحب والود والوئام بين عناصر المنظومة كاملةً من لاعبين سابقين وحاليين بالفريق وإداريين وحتى الجماهير ، أحَبَّ اللاعبين فأحَبَّه اللاعبون وبادلوه نفس الشعور في لحظةٍ تذكرنا تقريباً بنفس ما فعله الأسطورة الفرنسية زين الدين زيدان بعد توليه القيادة الفنية للملكي ريال مدريد والشعور المحترم والمتبادل الذي كان ما بينه وبين لاعبي الريال لدرجة إستعدادهم للقتال على أرضية الملعب لأجله ولأجل النادي بعد أن كانوا لا يلعبون بروحٍ وحماسٍ وشغفٍ ولا حتى أداء مع سلفِه الإسباني رافائيل بينيتيز ، هو نفس المشهد تقريباً الذي يتكرر ما بين هانز فليك وسلفِه نيكو كوفاتش ؛ لتكون النتيجة كما شاهدنا ونشاهد الآن وسنستمر في مشاهدتها بهذا الإبداع وهذه الروعة طالما ظلت هذه هي الروح داخل البيت البافاري بأكمله .

فبعد صراعاتٍ دامت مع لاعبي الفريق مع كوفاتش ، عاد من جديد فليك ليلم شمل الفريق ويستعيد أعلى مستوى من نجومه وعلى رأسهم توماس مولر والحارس العملاق مانويل نوير ، وأعاد لاعبين كخافي مارتينيز وكينجسلي كومان للتشكيلة الأساسية بعد تجاهلٍ تام من قِبَل كوفاتش ، الأمر الذي جعلنا نشعر بإرتياحهم أثناء اللعب وسعادتهم في كل اللقاءات التي شاهدناها مع مختلف المباريات .

ناهيك هذا عن أداءه الفني ( هانز فليك ) الذي واكبه تطور سريع في الأسلوب والشكل الخططي للفريق ، فمن تخبط خططي وتكتيكي تحت إمرة كوفاتش والذي كان يلعب بخطة ٤-٣-٣ دون تدوير وبعدم وجود ثبات في التشكيل ما جعل اللاعبين تائهين دائماً في أرض الملعب كما كنا نرى إلى اللعب ب ٤-٢-٣-١ مع فليك والعودة مرة أخرى للعب على الإستحواذ على الكرة والفعال أغلب أوقات المباراة مع ضرورة الإنتشار السريع في كل أنحاء الملعب واللعب المباشر على المرمى دون فلسفة زائدة أو إستعراض ، إضافةً إلى التنوعية في الأداء للفريق في كل الهجمات فتجد الفريق يلعب عبر أطراف الملعب أحياناً ويخترق من العمق أحياناً ويلجأ للتسديد كثيراً ويلعب الكرات الطويلة خلف المدافعين لضرب مصيدة التسلل للخصم وكلها كانت تجدي نفعاً وكلها طرق وأساليب كانت ومازالت تؤتي بثمارها في كل المباريات التي لعبها ويلعبها البايرن وتؤدي في النهاية للنتائج المطلوبة والفوز وبأعلى نتائج وأفضل أداء .

أيضاً لم يقف هانز فليك ساكناً بعد إصابة قلبي الدفاع للفريق نيكولاس سولي ولوكاس هيرنانديز وأقحم بدلاً منهم جيروم بواتينغ الذي كان بعيداً عن مستواه المعروف ولا يلعب كثيراً مع كوفاتش وأيضاً الظهير الأيسر ديفيد ألابا الذي أبدع وتألق كثيراً في هذا المركز الجديد ( قلب الدفاع ) في موقف يذكرنا بما فعله جوزيه مورينهو مع ريال مدريد حين غير من مركز سيرجيو راموس وأقحمه في مركز قلب الدفاع بدلاً من الظهير الأيمن الذي كان عليه في النادي والمنتخب الإسباني ويا له من قرار لمورينهو جعل من راموس أفضل مدافع في العالم ومازال ، هذا ما حدث مع ألابا الذي منح الحركية والإستمرارية اللازمة للفريق في بدأ الهجمات من الخلف وخروج الكرة من الخلف للأمام على شكل هجمات مباشرة بجُمَلٍ تكتيكية كانت تهدد مرمى الخصوم كثيراً . وتتجلى براعة فليك أيضاً في تحويله للاعب الشاب السريع والرائع ألفونسو ديفيز من جناح أيسر إلى ظهير يعتمد عليه بسرعة المرتدات وتكوين جبهة يسرى خارقة رفقة كينجسلي كومان كانت مرهقة كثيراً للخصوم كما ظهر أمام برشلونة في لقاء الثمانية الشهير وكذا إرتداده السريع للخلف لتغطية الواجب الدفاعي للفريق حين تكون الهجمة مضادة للبايرن وهو ما حدث . واصل فليك تطبيق أفكاره الرائعة وإستخدم حركية ولامركزية اللاعب جواو كيميتش كلاعب وسط حر ، يلعب في كل أماكن خط الوسط يميناً ويساراً ويصنع اللعب للمهاجمين على غرار ليفاندوفيسكي ومولر وجنابري ويصنع الكثافة العددية مع المدافعين وقت إرتداد الهجمات الخطيرة على مرمى بايرن وأقحم فليك في مركز الظهير الأيمن بدلاً منه الفرنسي بافارد الذي تألق مع منتخب فرنسا في مونديال روسيا ٢٠١٨ وحقق معهم كأس العالم . أما على صعيد خط الوسط فقد صنع فليك التوليفة المناسبة للبايرن بالثلاثي الرائع تياجو الكانتارا المنتقل حديثاً لبطل إنجلترا ليفربول والذي حل محله خافي مارتينيز وجواو كيميتش وفيليب كوتينهو المنتقل حديثاً لبرشلونة والذي حل محله الفرنسي توليسو ، فأصبح لجوريتسكا المهام الدفاعية العالية وإستخلاص الكرات من الخلف ومن لاعبي الخصم وبناء الهجمات عن طريق توليسو وكيميتش مع أفضلية الزيادة العددية في النصف الأمامي للملعب .
كل هذا عوضاً بالتأكيد عن قوة المهاجم البولندي روبيرت ليفاندوفيسكي الذي يعتبره الكثير أفضل مهاجم في العالم في العشر سنوات الأخيرة ، فكماله لا يضاهيه كمال أي مهاجم آخر في العالم في الوقت الحالي ، يجيد اللعب بقدميه اليمنى واليسري ويجيد ضربات الرأس وأيضاً السرعة الفائقة التي يتمتع بها وقدرته على المراوغات والتمريرات البينية وخلق المساحات . 

خلاصة القول : 
أصبح البايرن مرعباً وفتاكاً وظهر هذا جلياً أمام أصعب الفرق دفاعياً والحديث هنا عن أتليتيكو مدريد والذي سُحِق من البايرن برباعية نظيفة مع الرأفة بداية دوري الأبطال هذا الموسم ، ناهيك عن ثمانية برشلونة وسباعية تشيلسي ومن قبلها توتنهام وثمانية شالكة وخماسية فرانكفورت وغيرها من النتائج الثقيلة والمذلة التي يمنيها البافاري لخصومه ليبث الرعب ويزرع الخوف في قلوب كل أندية أوروبا من منافسيه . كل هذا نتيجة إستقرار فني وإداري صنعه هانز فليك ساعده فيه نوعية وخبرة وجودة اللاعبين الحاليين للفريق ومن قبلهم الإدارة القوية والهادئة ونخص بالذكر منها المسيطرين على الأمور في القلعة البافارية رومينيغيه وأوليفركان وحميديتش .
أخيراً وليس آخراً ، بات البايرن هو أقوى عقاب لأي فريق يلعب أمامه وينافسه فلا فريق حالياً يستطيع مجاراته في النسق والأداء ، وأصبح أليانز أرينا أصعب ملاعب أوروبا لكل الخصوم والخروج منها بهزيمة ليست كارثية هي أقصى أماني وأمنيات كل زائري هذا الملعب من فرق أوروبا جميعاً .