أدلة جديدة تكشف تورط قطر بكل ما يحدث بالصومال

عربي ودولي

بوابة الفجر


تفاءل الصوماليون، سواء في الداخل أو الخارج، عندما تم انتخاب محمد عبد الله فارماجو رئيساً للصومال في فبراير 2017. أيضا شارك كل من الدبلوماسيين وأعضاء مجتمع التنمية عموم أبناء الشعب الصومالي نفس المشاعر، معتقدين أن فارماجو شخصاً صريحاً وحيوياً وإصلاحياً، بحسب ما جاء في مقال عبد الله محمد علي، مدير جهاز الاستخبارات الصومالي السابق، الذي نشرته مجلة National Interest الأميركية.

 

ولكن بعد انقضاء أربعين شهراً من فترة حكم فارماجو سرعان ما تبين أن التفاؤل الأولي كان في غير محله، إن لم يكن ساذجًا. واليوم، أصبح الصومال في حالة أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل توليه الرئاسة.


في المرحلة الحالية، تشهد مقديشيو حالة إغلاق بسبب التهديدات الإرهابية المتزايدة أكثر منها بسبب دواعي الحفاظ على الصحة العامة. لقد تدهورت الأوضاع الأمنية بشكل رهيب وانهار الاقتصاد، في نفس الوقت الذي ينفرط فيه عقد الولايات الفيدرالية، جنبًا إلى جنب مع تشتت في السياسة الخارجية. كما أصيبت المؤسسات الوطنية بالشلل بينما كان فيروس كورونا يدمر الشعب ببطء.

 

لم يكن من المرجح أن تصبح الأمور سيئة للغاية إلى هذا الحد. تنبع مشاكل الصومال إلى حد كبير من التحالف غير المقدس الذي عقده فارماجو مع قطر، والتأثير الخبيث الذي تمارسه الدوحة على كل جوانب الحياة السياسية والدبلوماسية الصومالية.

   

يتحدث الصوماليون الآن عن الكيفية التي يتم بها تشكيل السياسات الخارجية الصومالية لتنفيذ رغبة قطر في شن حرب بالوكالة ضد القوى الإقليمية الأخرى. وعلى الرغم أن خروج معظم الدول من الصراع والفشل يصاحبه سعي إلى إقامة علاقات واسعة النطاق. إلا أنه بإيعاز من قطر، خفض فارماجو علاقات الصومال الاستراتيجية والتاريخية العميقة مع دول الخليج ومصر. وجعلت هذه الخطوة الصومال أكثر اعتمادًا على قطر التي، من المفارقات، فشلت في تحقيق المشاريع التي وعدت بها للصومال.

  

إن هناك مأساة أكبر يعاني منها الشعب الصومالي وهي كيف أثر النفوذ القطري واعتماد فارماجو المفرط على الدوحة على عكس مسار التقدم على الصعيد الأمني عدة سنوات إلى الوراء. بناء على اقتراح قطر، قام فارماجو بتعيين فهد ياسين، لرئاسة وكالة المخابرات والأمن الوطنية الصومالية NISA ، على الرغم من أن ياسين، صحافي سابق بشبكة الجزيرة، ولا يوجد لديه خبرات أمنية أو استخباراتية.

  

وتحت الوصاية القطرية، قام ياسين بتفكيك الركائز الأساسية لوكالة NISA، واستبدل بشكل منهجي العملاء المحترفين وذوي الخبرة بآخرين من المتدربين الهواة، والذين عملوا بشكل فعال كمنفذ عمليات مقاصة لصالح المخابرات القطرية في منطقة القرن الأفريقي. لم تعد عمليات NISA تركز على المعركة ضد حركة الشباب، وبدلاً من ذلك فهي موجهة لإسكات المعارضة السياسية والأصوات الناقدة في المجتمع المدني.

  

وقوض فارماجو قدرة القوات المسلحة الصومالية، التي كانت قد خطت قبل عام 2017 خطوات على الطريق لتصبح قوة مختصة وواسعة النطاق ومهنية، للاضطلاع بدورها المسموح به قانونًا للدفاع عن الصومال شعبًا ودولًة وتكون حصنا ضد مكائد وعمليات العنف وجرائم القتل، التي يقوم بها تنظيم الشباب والجماعات المتطرفة المماثلة.

 

  

ولكن القوات المسلحة تحولت حاليًا إلى قوة شبه عسكرية تابعة لـNISA تحت سيطرة من ياسين، وغالبًا ما يتم استخدامها لمضايقة وترهيب المنافسين السياسيين والأعداء المتخيلين في الولايات الصومالية الأعضاء بالفيدرالية، التي يفترض أنها غير متعاونة. في الواقع، يبدو أن العديد من الحوادث الإرهابية وحملة الاغتيالات المتزايدة الأخيرة، والتي أسفرت عن مقتل اثنين من المحافظين الإقليميين - مودوغ ونوغال في منطقة بونتلاند بالصومال - عليها بصمات قطرية.

  

كما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، تسريبًا صوتيًا لمكالمة هاتفية في عام 2019 يتضح خلاله تورط السفير القطري في الصومال بشكل مباشر في هجوم انتحاري وقع في مدينة بوساسو الساحلية. ولعل الثابت أنه في أفضل الأحوال لا تتمتع وكالة NISA بالكفاءة اللازمة لمنع مثل هذه الأعمال الإرهابية، وفي أسوأها ربما يكون رئيسها ياسين هو نفسه الذي أمر بتواطؤ بعض أفراد جهازه الاستخباراتي.

 

  

يستحق التدخل القطري في السياسة الصومالية الداخلية الشجب بنفس القدر، لأنه يقوض مستقبل الصومال كدولة حيوية ونابضة بالحياة. فبدعم قطري، سعى فارماجو إلى عكس الفيدرالية، التي تعد مكونًا رئيسيًا في قلب النظام السياسي في الصومال بعد الحرب الأهلية. وتم توفير الموارد المالية واللوجستية لتنصيب الموالين لفارماجو على رأس الولايات الأعضاء المترددين. ونجحت الحملة حتى الآن في ولايتي ساوث ويست وغالمودوغ. لكن لم يحالف فارماجو النجاح نفسه، حتى الآن، في تقويض الحكومات الإقليمية في بونتلاند وجوبا لاند.

  

كما عمل فارماجو وقطر على تقويض الضوابط والتوازنات السياسية في مقديشيو. قام فارماجو والقطريون بتهميش مجلس الشيوخ. وتم توظيف الأموال القطرية، الموجهة عبر ياسين رئيس المخابرات الموالي، لإفساد أعضاء البرلمان. بعد التمويل القطري والإطاحة العنيفة برئيس البرلمان محمد الشيخ عثمان "جواري"، تقلص دور البرلمان ليقتصر على مجرد الختم بالموافقة على قرارات فارماجو والدوحة. وفي نهاية المطاف أدت جهود فارماجو وقطر لإحكام قبضة ديكتاتورية على الصومال إلى إثارة موجة معارضة عنيفة وزادت من عمليات الاستقطاب والتجنيد لتنظيم حركة الشباب، نتيجة لتمزيق فارماجو ورئيس وكالة استخباراته ياسين أواصر الثقة في الهياكل والاتفاقات الناشئة.

 

 

 

أيضا تعد الحملة، الممولة من قطر، لزعزعة استقرار وتدمير منطقة أرض الصومال أو صوماليلاند، التي ربما تكون الأكثر سلامًا والأكثر نشاطًا في البلاد، أمرًا بغيضًا بشكل خاص. فلطالما اعتبرت الإدارات السابقة، بغض النظر عن الخلافات مع حكومة أرض الصومال، أن الاستقرار والتعايش السلمي بها عنصران غير قابلان للمساس. وبالنسبة لكثير من المراقبين الصوماليين وغير الصوماليين، كانت أرض الصومال ملاذاً لضحايا العنف في أماكن أخرى في الصومال ونموذجا لما يمكن أن تصبح عليه الصومال.

 

 

 

ومع قرب انتهاء فترة فارماجو الرئاسية، بات يدرك أنه أصبح سامًا. وبحسب ما ورد، فإن من كانوا في السابق حلفاء له، ومن بينهم رئيس الوزراء حسن علي خير، يتخلون عنه، في حين يسعى خصومه للإطاحة به. وللأسف، فإن اليأس والرغبة في تجنب هزيمة مهينة في الانتخابات ربما يدفعان إلى تزوير الانتخابات المقرر إجراؤها هذا العام أو حتى تمديد فترة ولايته بشكل غير دستوري كجزء من "حالة طوارئ" مصطنعة وبفعل فاعل.

 

 

 

إن الصومال أرض عظيمة عانت من مأساة لا يمكن وصفها. أدت ديكتاتورية حقبة الحرب الباردة بقيادة سياد بري إلى تقويض الاستقرار الأساسي في الصومال وأدت إلى انهيار الصومال في نهاية المطاف. ولكن يتميز الشعب الصومالي بأنه معتدل تاريخياً ويريد الأفضل. ولسوء الحظ، يسعى فارماجو إلى أن يصبح سياد بري جديدًا. لن يسمح الصوماليون بذلك أبدًا، لكن أموال ونفوذ قطر جعلت الإمكانية تبدو مغرية وممكنة، بخاصة وأن الدوحة تسعى لأسباب إيديولوجية إلى تعزيز التطرف داخل المجتمع الصومالي، المعروف تاريخيًا باعتداله. وفي حين أن الأموال القطرية ربما كان يمكن أن تساهم في إعادة الإعمار في الصومال لتمكينها من أن تصبح مرة أخرى مركزًا إقليميًا للتجارة ومحركًا للاستقرار، ولكن قررت الحكومة القطرية أن تفعل العكس. يمكن لغرور قادته أن يحكم على القرن الإفريقي بالفوضى لأجيال قادمة.

 

 

 

وبالطبع، لا يقتصر الأمر على مجرد إلقاء اللوم على قطر وحدها، إنما يجب أيضًا على الجماعات السياسية الصومالية أن تدفن خلافاتها وتنافسها، والتعاون معًا لإحباط طموحات فارماجو الخبيثة.

 

 

 

لا يمكن للصومال، في ظروفها الحالية، أن تنجو إذا عاشت لفترة ثانية تحت حكم نظام مرير وغير كفء وانتقامي بقيادة فارماجو. إن مثل هذه الإدارة، التي تستمر في السلطة بفضل السخاء القطري من شأنها أن تقوض السيادة الوطنية، وتخضع شعب الصومال وتحول البلاد من أمة كانت فخورة ذات مرة إلى مجرد دولة عميلة يحكمها دمية يخدم أطماعه فحسب. أدعوا كل الصوماليين وكل الشعوب المحبة للسلام لكي تصلي من أجل الصومال كي يجد قيادة جديدة تضع "الصومال وشعبه وتعافيه أولاً".