منال لاشين تكتب: الحكومة مديونة لنا يا رئيس الوزراء

مقالات الرأي



مواجهة مشكلة الانفجار السكانى كان يجب أن تكون أولى أولويات الدكتور مدبولى

الحكومة تدير الثروات فقط وكل الأموال ملك للشعب

الدعم ليس هبة أو اختراعًا مصريًا وأوروبا تدعم الغذاء والتعليم وكندا تدعم بدل الموظفين

هذه القصة الحقيقية سمعتها من صديق أثق فيه وقد كان شاهد عيان عليها، ذهب صديقى مع زميل له لخطبة فتاة، وسأل والد الفتاة عن طلباته، فقام الأب وعاد بعد دقائق وهو يحمل عدة كشاكيل، وقال للشاب: دول 23 كشكول، كل كشكول فيه مصروفات البنت كل سنة، أنا مش عايز حاجة زيادة، أدفع اللى صرفته عليها وأتزوجها.

ولا أنكر أننى تذكرت هذه القصة بالأمس عندما سمعت كلام رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولى، عندما قال إن الحكومة تنفق على الشاب حتى يبلغ الـ20 عاما مبلغ 13 ألفًا و100 جنيه، البعض علق ساخرا: أن الحكومة تنوى أن تستعيد منا الفلوس اللى صرفتها علينا، وبالطبع التصريح بسبب تركيز رئيس الحكومة على أزمة الانفجار السكانى، والدكتور مدبولى رجل مهذب وحسن اللسان والأخلاق، ولقد رأيت فى كلامه بالأمس فرصة لإعادة الاعتبار للمواطن وللقيم التى تحكم أداء الحكومة، أى حكومة، وخاصة أن عددًا لا بأس به من وزراء الدكتور مدبولى كثير التصريحات المستفزة عن الشعب والدعم بلغة تقترب من لغة التجار، ومع كل احترامى للدكتور مدبولى، فأنا أتحدث بلسان الملايين من المصريين الذين لديهم دين فى رقبة الحكومة لأننى واحدة منهم.

1- مواطن مستقل

حين كنت طفلة حتى بلغت الـ20 عاما كنت مسئولية الحكومة - فى زمان الحكومة كانت بابا وماما - ولكن الوضع تغير بالنسبة للفئات المتوسطة من الطبقة المتوسطة، متابعة الطفل لدى طبيب خاص، والولادة فى مستشفى خاص مثل كل الأمراض التى نواجهها، مياه الشرب تحتاج إما فلاتر بصفة مستمرة أو شراء مياه معدنية، والكهرباء بادفع أكثر من 145 قرشًا فى الكيلو، وتصور يا دكتور مدبولى أن أحد مسئولى الكهرباء قال إن تصدير الكهرباء بـ42 قرشا للكيلو «وسرعان ما تم نفى هذا الرقم فورا رغم أنه جاء على لسان الرئيس التنفيذى لصندوق مصر السيادى» لكى تكون مجدية، وهكذا لم تكتف الحكومة برفع الدعم عنى وعن أمثالى، لا دا بتحقق أرباح منا، ومع ذلك اعتبرت هذا المبلغ دعما ومشاركة اجتماعية للمواطنين محدودى الدخل.

لا أستخدم وسائل المواصلات العامة إما تاكسى أو أوبر، وللتوفير نشترى سيارة تلف على الأسرة كلها، ومع ذلك فعندما انهار سعر البترول بعد جائحة كورونا لم تبع لى الحكومة البنزين بالسعر العالمى المنخفض، عادى الحكومة مزنوقة، أولادنا يتعلمون فى مدارس خاصة بكل مستوياتها ونترك المدارس الحكومية لأبناء الفقراء، ومع ذلك ترفض وزارة المالية ومصلحة الضرائب أن تعترف بالمصروفات المدرسية، وتخفف عنا الضرائب، ومن المدرسة للجامعة الخاصة ندفع دم قلبنا، ولا تتدخل الحكومة لتضع سقفا للزيادة فى المصروفات قبل وبعد كورونا، وفى المرض معظم الأطباء يكتبون لنا أدوية غالية من أدوية القطاع الخاص أو الأدوية المستوردة، وندفع ونسكت ولو احتجنا عملية جراحية، ندفع عشرات الأولوف فى مسشتفى خاص يتحكم فينا بدون رقابة، تتصور حضرتك أن الموت لا يرحمنا من دفع الفاتورة الضخمة، فإما الحجز على الجثة أو الدفع، بالطبع علينا أن نساعد أبناءنا فى الحصول على شقة بعيدا عن الحكومة، بالغربة والتعب والتقسيط حتى آخر العمر، نحن مواطنون مسالمون جدا،، تحملنا الكثير ولا نطلب سوى القليل من الاحترام والتوقف عن معايرتنا واعتبارنا عبئًا ومديونين للحكومة، الحكومة أى حكومة مديونة لنا، نحن مواطنون مستقلون ماديا واقتصاديا ولكننا تابعون ومؤيدون للحكومة سياسيا.

2- دعم أوروبى

ونأتى إلى قضية الدعم، والتى تنظر لها حكومة الدكتور مدبولى والحكومات السابقة باعتباره بدعة يجب أن تنتهى، وليس حقا للمواطن، وخلافا لكل الكلام المتداول حول أن الدعم لم يعد موجودًا إلا فى مصر، وأنه اختراع اشتراكى عقيم أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتى وخراب الاقتصاد المصرى، نبدأ بأوروبا الرأسمالية، الضرائب العقارية وموارد المدن تمول وتدعم مباشرة مدارس المنطقة حتى المرحلة ما قبل الجامعات، التأمين الصحى يكفل الفقير ويأخذ من الغنى ومن وارد الدولة، فى كندا تقوم الحكومة بتقديم دعم مباشر للموظفين الحكوميين، فتخصص متاجر خاصة لهم يشترون منها الملابس بأسعار مخفضة.

وفى الولايات المتحدة الأمريكية أم الرأسمالية حاولت بعض الولايات دعم المدارس العامة دون زيادة المصروفات، لأن الدعم المقدم من حكومة الولاية أو الدعم الفيدرالى من الحكومة المركزية لا يكفى لتقديم خدمات للتلاميذ، وتبنت هذه الولايات السماح للشركات الخاصة مثل شركات الحلوى والمشروبات الغازية والمعجنات والمقرمشات تمويل الأنشطة، وفى المقابل سمحت المدارس لهذه الأغذية الضارة بدخول المدارس، وظهرت النتائج السيئة للتجربة، سمنة مفرطة بين التلاميذ فى سن خطرة وأمراض خطيرة، لم تتهم الولايات أو بالأحرى حكومتها الأطفال (بالطفاسة)، أو الأسرة بالإهمال، ولكنها راجعت أو بالأحرى تراجعت عن صفقة الدعم مقابل طرح الأغذية السيئة للأطفال فى المدارس، وبدأت المطالبات بزيادة الدعم المخصص للمدارس.

مثال آخر من أوروبا، كل طفل يولد لأسرة متوسطة الدخل فأقل يحصل على مبلغ يتراوح ما بين 100 إلى 300 يورو، لأن الحكومة مسئولة عن الطفل، ولكن ظهرت مشكلة، فهذا الدعم يسرق ولا يصل للأطفال، والسارق أو الحرامى هو الأب، فالآباء المدمنون للكحوليات أو المخدرات كانوا يستخدمون هذا الدعم فى شراء الخمور أو المخدرات، لم تهاجم الحكومة الشعب، لم تستغل الفرصة وتلغى الدعم بحجة أنه يسرق ولا يصل لمستحقيه، قامت الدنيا والحكومات للبحث عن حل لهذه الأزمة المجتمعية، بعد جهد وبحث توصلوا إلى حل، الحل كان بطاقة لا يتم الشراء بها إلا المواد الغذائية فقط لا سجائر أو خمور، ولكن اكشتفت الحكومة أن هناك تسريبا آخر، فبعض الآباء المدمنين يتفقون مع بعض أصحاب السوبر ماركت على بيع البطاقة مقابل مبلغ مالى أقل من المبلغ المتاح بالبطاقة، ويحصلون على المال لشراء (الكيف)، مرة ثانية بدأت الحكومات تستعين بالخبراء لمواجهة الأزمة دون إلقاء اللوم على المواطنين، وكان الحل منح بطاقة الدعم للأم، وليس الأب.

فهذه الحكومات تنطلق من أن الثروات ملك للشعب، والحكومة فقط تدير ثروات وأموال الشعب من ناحية، وأن واجب الحكومات معالجة الأزمات من ناحية أخرى.

3- مهمة حكومية

ولذلك أعتقد أن على الدكتور مصطفى مدبولى أن يذكر وزراءه بهذه القواعد العامة، وقد تعمدت ذكر نموذج دعم الأطفال فى أوروبا لمقدمة منطقية لتحديد مهمة الحكومة أى حكومة فى أى دولة.

فالحكومة واجبها الأساسى التصدى لمشكلات المجتمع اجتماعيا أو سياسيا أو اقتصاديا والاجتهاد فى حل هذه المشكلات، وتجميع كل طاقات الدولة لمواجهة الأزمات، ومن هذا المنطق فإن حكومة الدكتور مدبولى مسئولة عن مواجهة الانفجار السكانى، وليس مهاجمة المواطن الذى ينجب أطفالا، على الحكومة أن تعرف سر نجاح حملات حسنين ومحمدين لخفض المواليد، وحملة ماما كريمة لمواجهة الجفاف للتعلم منهما، وأن تعرف سر نجاح دولة معادية مثل إيران فى تنظيم الأسرة، وعلى الحكومة أن تبحث عن سر نجاح حملة (ست سنية سايبة المياه ترخ من الحنفية) وهى الحملة التى أقنعت جيلا كاملا بالحفاظ على المياه، أحيانا يكون الذكاء الإعلانى أو التسويق للفكرة هو سبب مهم فى نجاح الحملات، وأحيانا أخرى نحتاج إلى عدة أساليب متنوعة لمواجهة الأزمة، منها على سبيل المثال العلاقة بين المواطن والحكومة، فعندما ترتفع ثقة المواطن فى الحكومة يميل المواطن إلى تصديق الحملات والامتناع عن الأخطاء، وكلما شعر المواطن بأن الحكومة تحترمه وتحسب له ألف حساب يميل إلى مساندتها فى حل الأزمات المجتمعية، ولذلك فإن حل مشكلة الانفجار السكانى لا يبدأ أو ينتهى بغرف نوم المصريين، بل بغرف العمليات فى الحكومة، مطلوب تغيير لهجة الخطاب معنا، ومنح المصريين حقوقا عاجلة بعد عشر سنوات جفاف بدءًا من توابع ثورة يناير إلى آثار الإصلاح الاقتصادى، وهنا لا أتحدث عن مسكنات أو رشاوى، بل مقويات للشعب، هل فكرت الحكومة بمناسبة الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى أن تمنح المواطنين شهرًا مجانيًا فى الغاز الطبيعى، مجرد مثال لضمان الرضا لدى الشعب، وتأكيدا على أن الشعب صاحب كل الثروات غاز طبيعى وذهب وكهرباء وعائد قناة السويس القديمة والجديدة، غيروا طريقة تعاملكم مع المواطن المصرى وستحصلون على جائزة كبرى وسند حقيقى فى مواجهة كل الأزمات.