منال لاشين تكتب: 50 عامًا على رحيل الجسد (3) | عبد الناصر «أبو الصناعة الوطنية»

مقالات الرأي



أنشأ أكثر من 300 مصنع فى 17 عامًا

البنك الدولى: التنمية فى عشر سنوات من عصره أكثر من 4 أضعاف التنمية فى 40 سنة من عهد الملكية

كان يرتدى البيجامة الكستور وبدل غزل المحلة وأحذية تفصيل 

منع أسرته وموظفى الرئاسة من شراء أى منتج أجنبى

لم أر فى الأمر ما يستحق النفى أو الإنكار ولا النقاش ولا حتى الخلاف، فبعد أن مات عبدالناصر ظهرت تقارير صحفية تشير إلى أن تحليل معدة الزعيم أظهر أنه أكل «تفاح أمريكانى»، والناصريون غضبوا وأنكروا أن يتناول الزعيم الاشتراكى وعدو الغرب الأول تفاح أمريكانى، واعتبروا الأمر افتراء على الزعيم، ولكن صرح مسئول من مكتب الرئيس الراحل بأن التفاح ليس أمريكانى، بل لبنانى، وأضاف المسئول أن الرئيس اللبنانى أرسل صندوق تفاح للرئيس الراحل.

بصراحة الأمر كله بدا لى أقرب لنكتة، ولكن بالنسبة لعبد الناصر، فإن الأمر مختلف، فقد كان مع الزراعة والصناعة المصرية قلبا وقالبا، يلبس الكستور وبدل المحلة، ويقوم بتفصيل أحذيته لدى محل فى وسط البلد، وقد تكرر الغضب عندما زعم عمرو موسى بأنه كان ينقل أطعمة مستوردة لحساب عبد الناصر، وإذا افترضنا حسن النوايا لدى عمرو موسى، فربما خانته الذكرى مع تقدم العمر أو استغله أحد المسئولين فى نقل أطعمة تحت زعم أنها للرئيس جمال عبد الناصر.

إذا كان عبد الناصر هو راعى الفقراء، فهو أيضا راعى الصناعة والزراعة المحلية، الآن يلام الرجل على حلمه بأن تحقق مصر الاكتفاء الذاتى من الإبرة للصاروخ. أو يطلق الشائعات عن عصره بأنه عصر بداية تقلص الأرض الزراعية، وانهيار العملة المصرية، وتعثر الاقتصاد.

1اقتصاد الحفاة

الجدل أو بالأحرى الشائعات وتشويه عهد عبدالناصر جعل من الصعب التعرف على الحقيقة، ولذلك هناك طريقة لطيفة وسهلة جدا ومحايدة، ابحث عن أى خطبة عرش لأى حكومة قبل الثورة، وخطبة العرش هى الخطاب أو خطة عمل الحكومة، فى كل خطبة عرش لحكومة الوفد أو أى حكومة ستجد جملة ثابتة تتكرر من حكومة لأخرى، الجملة أو بالأحرى التعهد: (وستعمل حكومتى على إلغاء ظاهرة الحفاة). حفاة.. نعم كان أكثر من 70% من المصريين حفاة لا يجدون ثمن الحذاء أو البلغة، ولذلك كان أقصى أمنيات أى حكومة بما فيها حكومات الوفد هى رفع مستوى المواطن ليرتدى حذاء، ولذلك كان على عبد الناصر أن ينشر الصناعة فى كل المجالات، صناعة أحذية وغزل ونسيج وملابس، باختصار كان على عبد الناصر أن يوفر لملايين المصريين من المحرومين الحفاة كل مستلزمات الحياة محليا، ومن هنا كان يجب أن يحقق عبد الناصر معدلات تنمية عالية ويسابق الزمن بالمصانع والمنتجات المصرية.

2أبو الصناعة

ولذلك يمكن أن نطلق على الزعيم عبد الناصر عن حق أبو الصناعة الوطنية ويكفى أن نقرأ هذه الأرقام، ففى المجال الصناعى تم إنشاء المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى فى سبتمبر 1952.

وقام المجلس بإصدار خطة الاستثمارات العامة فى يوليو 1953 وهى خطة طموح لمدة 4 سنوات بدأت بمقتضاها الدولة باستصلاح الأراضى، وبناء مشروعات الصناعات الثقيلة كالحديد والصلب، وشركة الأسمدة كيما، ومصانع إطارات السيارات الكاوتشوك، ومصانع عربات السكك الحديدية سيماف، ومصانع الكابلات الكهربائية، وقد تم تمويل بعض هذه المصانع وقطع الغيار بواسطة جزء من الغطاء الذهبى لمصر، وفى الستينيات تم مد خطوط الكهرباء من أسوان إلى الإسكندرية، كم تم بناء المناجم فى أسوان والواحات البحرية، وتم تمويل كل هذه المشروعات ذاتيا وبدأت الشركات المصرية فى إنتاج مئات الآلاف من كل المنتجات البدل والقمصان والقماش الكستور والبيجامات والملابس الحريمى وأحذية باتا. كما أن المصانع الحربية قامت بتوفير البوتاجاز والثلاجة والمراوح لكل مصرى، وكان يمكن الحصول على هذه المنتجات بالتقسيط ومن خلال استمارة، وكان التقسيط متاحاً لموظفى الحكومة والقطاع الخاص معا.

فى واحدة من أكثر التجارب ارتفاعا فى معدلات التنمية.

3شهادة الأعداء

ومعدلات التنمية فى عهد عبد الناصر مسجلة من قبل المؤسسات الدولية، وعلى رأسها البنك الدولى، وهذا البنك رفض تمويل السد العالى، فى تقرير للبنك الدولى يحمل رقم 870 أن مصر استطاعت عبر تلك الإجراءات تحقيق نسبة نمو من عام 1957 – 1967 بلغت ما يقرب من 7 % سنويا، وهذا يعنى أن مصر استطاعت فى عشر سنوات من عصر الثورة  أن تقوم بتنمية تماثل أربعة أضعاف ما استطاعت تحقيقه فى الأربعين سنة السابقة على عصر الثورة.

كما أن كلاً من البنك الدولى وصندوق النقد قد اضطرا للاعتراف بأن الخطة الخمسية الأولى فى عهد جمال عبد الناصر هى الأفضل على مستوى العالم فى ذلك الوقت.

4- تشجيع الصناعة

حين رحل عبد الناصر ونشرت الصحف المعادية والصديقة ثروة عبد الناصر، وكان من أبرز ما تركه عبد الناصر أسهماً فى شركات مصرية عديدة، أسهم لا تتجاوز المائة سهم فى كل شركة، فقد كان عبدالناصر يشجع الصناعة الوطنية بشراء أول أسهم من كل شركة.

ولكن التشجيع الأكبر والأعظم كان من خلال انحيازه فى حياته الشخصية للصناعة الوطنية، لم يرتد الزعيم فى بيته سوى البيجامات الكستور، وكان يرتدى فى جولاته بدل المحلة الكبرى، وكان يمنع على أسرته وكل العاملين معه استخدام أو شراء سلع ومنتجات من الخارج، وكانت زوجته وبناته هدى ومنى يرتدين إما ملابس تفصيل أو شراء من الصالون الأخضر وعمر أفندى.

وأول منتج أجنبى عرفته أسرة الزعيم، وذاك عندما تزوجت ابنته هدى وأصر والد زوجها على شراء ثلاجة مستوردة فى بيت ابنه.

ومن ذكريات مدير مكتب عبد الناصر الوزير الأسبق سامى شرف أنقل هذه القصة الواقعية، كان سامى شرف فى زيارة عمل إلى كوبنهاجن، وعاد إلى مصر عن طريق سويسرا، فى برن كان فى انتظاره سكرتير السفارة المصرية الشاب عمرو موسى، وذهب عمرو بسيارته لاستقبال الوزير سامى شرف، وكان السفير فى ذلك الوقت فتحى الديب، وكانت الرحلة فى شهر يناير، وقال سامى شرف لفتحى الديب: عيد ميلاد الريس قرب وعايز اشترى له هدية رمزية من هنا، فرد السفير الديب: مفيش أحسن من الحرير السويسرى، وتشترى له كام قطع قماش حرير للقمصان، وبالفعل اشترى سامى شرف قطع القماش، وعاد سامى شرف إلى مصر، وطلب من الساعى أن يعطى الرئيس الهدية، وسرعان ما أن اتصل الرئيس عبد الناصر بمدير مكتبه وقال ساخرا: يا أستاذ سامى أولا أنا متشكر، وثانيا أنت شفت الكلام المكتوب على الحرير، فرد سامى شرف: لا يا فندم الحرير السويسرى أحسن حرير فى العالم، فضحك عبد الناصر وقال: يا أستاذ سامى الحرير ده صنع فى مصر ومكتوب عليه كده، وأضاف عبد الناصر: طول عمرى أقول لكم مفيش أحسن من الحرير المصرى والقطن المصرى والمنتج المصرى.

وذات مرة عرف الزعيم جمال عبد الناصر أن ابنته منى أقنعت شقيقتها الكبرى هدى بشراء بلوزات من بيروت، وذلك عن طريق أحد الموظفين بالرئاسة، وكان رفض عبد الناصر قاطعا، لأن الملابس المصرية لا يعلى على جودتها وجمالها.