عبدالحفيظ سعد يكتب: حكاية أرجنتينى يعشق تاريخ مصر

مقالات الرأي



مدير المنظمة العالمية لمكافحة الجوع وابن عم «مارداونا»: جمال عبدالناصر ابن رمسيس الثانى

من على شرفة منزله المطل على بحيرة جميرة بدبى سألنى «مارادونا»، أثناء النقاش عن تاريخ مصر: من أهم حاكم لمصر على طوال تاريخها؟ أجبته: «رمسيس الثاني».

أردف مارادونا: نعم رمسيس الثانى، ذلك الفرعون المصرى العظيم والذى إنشاء إمبراطورية مصرية تسد عين الشمس، لكن من هو الحاكم الثانى؟

أجبته: ربما يكون مينا أو حور محب، ممكن يكون محمد على، أو الخديو إسماعيل، لكنى أؤمن أنه جمال عبدالناصر.

ابتسم «ماردوانا» نعم جمال عبدالناصر، رجل الشرق الذى أحبه، ونحبه عندنا فى الأرجنتين.

السفير الأرجنتينى ريمينجو مارادونا، يعمل أمين عام المنظمة الدولية لمكافحة الجوع وسوء التغذية (إمسام)، يحمل الجنسية الأمريكية بعد أن درس فى كلية هنتر التابعة لجامعة كولومبيا الأمريكية للعلوم السياسية، وتاريخ مصر القديم، وهو ابن عم لاعب كرة القدم الشهير دييجو مارادونا.

السفير مارادونا، رغم عمله الدولى، له هويتان، الأولى عشقه لكرة القدم، والتى ورثها عن عائلته التى خرج منها أسطورة كرة القدم دييجو أرماندو مارادونا، أما عشقه الثانى فهو تاريخ مصر، رغم أنه لم يزرها سوى مرتين فى حياته، لكنه يعرف ما لا يعرفه العديد من المصريين عن مصر وتاريخها، يعرف أماكنها وتضاريسها، كما يؤكد لم تقع عيناه على كتاب مترجم للإسبانية أو الانجليزية عن مصر إلا وقراءه.

ربما ولعه بجمال عبدالناصر، يرجع لتأثره بالمناضل الأرجنتينى الأصل أرنستو تشى جيفارا، والذى جمعته بعبدالناصر علاقة خاصة وزاره فى مصر مرتين، وهو ما ساهم فى حب شباب أمريكا اللاتينية لعبدالناصر، خاصة من ولد فى الفترة التى توهج فيها جيفارا محاربا للاستعمار والاستغلال.

لكن مارادونا والذى درس التاريخ المصرى، يأتى إعجابه بعبدالناصر عبر طريق مختلف، هذا الشعور نشأ عنده أثناء دراسته فى جامعة كولومبيا للتاريخ المصرى القديم، وكيف بنى الفراعنة حضارتهم، لذا اعتبر أن عبدالناصر امتداد لهم. وتعمق هذا الحب لعبد لناصر من خلال عمله لسنوات فى المنظمة التى تكافح الجوع خاصة فى إفريقيا، ورأى كيف يحب الأفارقة عبدالناصر، الذى ساهم فى دعم حركات التحرر.

يمكن أن تتأكد من ملحوظة مارادونا، وتأثر الناس هناك بعبدالناصر فى هذه البلاد رغم رحيله منذ خمسين عاما، إلا أنهم مازال يذكرونه، سواء لدوره فى دعم حركات التحرر فى هذه البلاد أو مساهمته فى تعليم العديد من أبنائها بالمجان، وارتبط اسمه بمساعدة الفقراء، فعندما تكون فى أحد البلاد الإفريقية، وتذكر أنك مصرى أو تتحدث عن مصر، يقفز اسم جمال عبدالناصر، من خلال ما عرفه عنه من آبائهم أو أجدادهم عنه.

الغريب أن مارادونا، رغم عشقه الشديد لعبد الناصر، لكنه كان يحب محمد نجيب، ويحب كل العسكريين المصريين بصفة عامة، وفى هذا يقول «غضبى على إزاحة محمد نجيب من الحكم يعادل فرحى باعتلاء عبدالناصر سدة الحكم». ويضيف «استعجب من أن العديد من المصريين يكرهون عبدالناصر لمجرد أنه أزاح نجيب من الحكم، ربما لا يدرك هؤلاء طبيعة السياسة والحكم فى عالم مضطرب.

ريمينجو مارادونا العاشق للتاريخ المصرى يرى أن عبدالناصر شخصية استثنائية ظهرت فى العالم، خلال النصف الثانى فى القرن العشرين، أسطورة حاكم قادم من طبقة بسيطة، يعشق الفقراء ويدافع عن المظاليم ليس فى بلده فقط بل فى العالم، عندما تذهب إلى إفريقيا تجد مشروعا هو من وضع اللبنة الأولى له، العديد من فقراء القارة ارتبط حبهم لمصر من خلال عبدالناصر.

مارادونا الأرجنتينى يرى عبدالناصر، ابن رمسيس الثانى، ويسترجع تاريخ مصر، أنه منذ ذلك الحاكم المصرى العظيم، والذى فى عهده توسعت الإمبراطورية المصرية، ووصل قوتها لحدود الصين فى الشرق، ومنتصف إفريقيا فى الجنوب، لما يأتى بعد رمسيس الثانى حاكما مصريا جعل لمصر مكانه عالمية، مثل جمال عبدالناصر، والتى لم يكن تأثير مصر فيها لنفوذ عسكرى، بل كان عبدالناصر من أصحاب الكلمة العليا فى الشرق وفى إفريقيا، سواء لدعمه حركات الشعوب أو دوره فى حركة عدم الانحياز وذلك من خلال دعمه للناس. وصل صيت عبدالناصر إلى أمريكا اللاتينية كمحفز لثورة الشعوب ضد الاستغلال والاستعمار.

هذه شهادة من خارج الحدود، ليس مصرية أو عربية، بل من أقصى الغرب فى أمريكا اللاتينية، والتى عرفت عبدالناصر، الأسطورة المصرية، والتى لم تغب سيرتها أو تأثيرها رغم رحيله منذ 50 عاما، ولكن يستدعيه التاريخ كل يوم، كأول حاكم مصرى استنهض الأمة المصرية منذ عصورها الذهبية ومجدها من أيام الفراعنة، نتفاجأ به عندما نسمع عنه من شخصيات، لا تنطق حتى العربية، وهو ما يزيد قيمة تأثيره ليس فى مصر والعرب فقط بل العالم أجمع.

صحيح لا أحد يذهب على أن عبدالناصر، كان معصوما من الخطأ، وما دار فى فترة حكمه من أخطاء تغتفر، خاصة الهزيمة من إسرائيل فى يونيو 1967، ولكن يكفى أن رغم الهزيمة الكبيرة إلا أن مصر وقفت مرة أخرى على أقدامها وترد على العدو فى حرب الاستنزاف، وصولا لانتصار أكتوبر 1973.

لكن لا أحد ينسى أن عبدالناصر مازالت ترفع صورته فى كل أزمة تتعرض لها، رغم الغياب الممتد على مدار خمسة عقود، إنه مازال حاضرا، لأنه خرج من طين هذه الأرض، ابن مصرى، ليحكم مصر، كان يمتلك الحلم والعزيمة، حاول أن يغير، ليس فى وطنه فحسب، بل مشارق الدنيا ومغاربها.. نجح كثيرا، وأخفق مرات، قد تتكشف أمور عن حقيقة عبدالناصر، مع مرور الزمن، فالتاريخ لا يقاس بوقته، لكن تحكم عليه أجيال وتقيمه بعد عقود من الزمن، قد تختلف أو تتفق مع عبد الناصر، لكن لا يمكن أن تنكر أنه غيّر التاريخ، ليس فى مصر فقط، بل ساهم فى تغيره فى العديد من بقع العالم، ليبقى اسم مصرى قادما من عصور مضت كابن لرمسيس الثانى.