مى سمير تكتب: رشاوى قطر.. كيف تغير موقف ترامب من الإمارة بـ450 ألف دولار؟!

مقالات الرأي



الدوحة تستأجر مكتبا فى مبنى مملوك للرئيس الأمريكى وتتركه خاليا

عبر كتابه «البيت الأبيض.. إنك: شركات ترامب تقدم مليون صراع محتمل» يفحص دان ألكسندر، الصحفى المخضرم فى مجلة فوربس الاقتصادية، كواليس المصالح التجارية المترامية الأطراف للرئيس الأمريكى، يؤكد أنه خالف عددا من التعهدات التى قطعها حول كيفية إدارة أعماله التجارية والمالية أثناء توليه منصبه، وهى معركة تشتعل مع دوران عجلة الانتخابات الأمريكية والصراع بين ترامب ومنافسه جو بايدن على الرئاسة.

يستعرض الكتاب بالتفصيل جهود ترامب لكسب الأموال من خلال السياسة، فى رحلة من داخل أندية نخبوية، وفنادق فاخرة، وشراكات خارجية، وممتلكات تجارية، وقصور شخصية، ويتتبع مئات الملايين من الدولارات التى تتدفق بحرية بين الشركات الكبرى وترامب ويشرح بلغة واضحة كيف حاول الأخير ترجمة السلطة إلى أرباح مالية، من حملة عام 2016 إلى حملة عام 2020.

كتب ألكسندر: «فقط لأنك حولت الرئاسة لعمل تجارى لا يعنى بالضرورة أنك تحولها إلى عمل مربح، فبعد فوز ترامب بالبيت الأبيض، تراجعت الأرباح فى بعض العقارات، مثل منتجع دورال للجولف فى ميامى، لكن الرئاسة فتحت الأبواب أيضاً أمام فرص جديدة، فتحولت محفظة العقارات التجارية والسكنية الخاصة بترامب إلى سوق فريد من نوعه، يمكن من خلاله لأى شخص، فى أى مكان، دفع الأموال لرئيس الولايات المتحدة، وتدفق مئات العملاء بما فى ذلك الحكومات الأجنبية والشركات الكبرى والمستثمرين».

1- رشاوى قطر

اكتشف ألكسندر أن صندوق الاستثمار الوطنى القطرى يستأجر مساحة فى مبنى مكاتب فى سان فرانسيسكو يمتلك ترامب حصة فيه يقع فى 555 شارع كاليفورنيا - منذ أغسطس 2018 على الأقل، ويعد توقيت الإيجار مهم، إذ فى وقت مبكر من ولاية ترامب، انحازت إدارته إلى جانب السعودية والإمارات ومصر والبحرين فى النزاع بينها وبين قطر بسبب دعم الدوحة للإرهاب. 

كانت أول رحلة خارجية لترامب إلى المملكة العربية السعودية، والتى كانت تنتقد قطر بسبب دعمها للإرهاب، وفى تلك الأثناء كتب الرئيس الأمريكى تغريدة قال فيها: «إن دولة قطر، للأسف، كانت تاريخيا ممولة للإرهاب على مستوى عال للغاية».

لكن فى عام 2018، غير ترامب موقفه وأعلن أن قطر لا تدعم فى الواقع الإرهاب، ومن المعروف أن هذا الانعكاس تزامن مع حملة ضغط قطرية باهظة الثمن تتألف، فى الأساس، من دفع أموال إلى أصدقاء ترامب.

وتشير النتائج التى توصل إليها ألكسندر إلى أن الأمر يتعلق أيضاً بالدفع المباشر للرئيس الأمريكى، وفى الوقت الذى بدأ فيه القطريون فى تأجير هذه المساحة المكتبية، دعا ترامب أمير قطر إلى زيارة واشنطن والمكتب البيضاوى.  

 الجزء الأفضل فى القصة أن المكتب الذى استأجره القطريون من ترامب فى سان فرانسيسكو يبدو فارغًا تماماً وخاليًا من الحياة، ولا أحد يعمل فيه وهو ما اكتشفه ألكسندر عن طريق خدعة تقليدية: استأجر مكتب فى مساحة عمل مشتركة فى الطابق 49 من المبنى، ويمكن الوصول إليه من نفس المصعد الخاص بمكتب جهاز قطر للاستثمار المتواجد فى الطابق 43. 

وجد ألكسندر أبوابًا زجاجية فى مكتب تبلغ مساحته 5500 قدم مربع، ومنضدة رائعة، وجهازى كمبيوتر، لكن لم يكن هناك أحد، باستثناء لافتة بالداخل تقول «جهاز قطر للاستثمار»، ومكتب استقبال رخامى ولكن لم يكن هناك من يرحب بالزوار، وفوق المنضدة، نبات بدا وكأنه ميت منذ شهور.

 كتب ألكسندر: «هذه حكومة أجنبية، تستأجر مساحة فى أكثر ممتلكات دونالد ترامب قيمة، ولا يبدو أن أحداً يستخدم هذا المكتب». 

وزار الكاتب المكتب القطرى أكثر من مرة، للتأكد من خلوه تماما، ووفقا لألكسندر، فإن مكتب جهاز قطر للاستثمار ليس مدرجًا فى الدليل الموجود فى بهو المبنى ولا على موقع جهاز قطر للاستثمار، والذى يدرج مكتب آخر فى مدينة نيويورك.

يمتلك الرئيس ترامب حصة تعادل 30٪ من مبنى 555 شارع كاليفورنيا، وهو برج مكاتب فى وسط مدينة سان فرانسيسكو.  وكتب ألكسندر: «بعض الأشخاص الذين يستأجرون مكاتب فى هذه المبانى لا يعرفون أن مالكها هو رئيس الولايات المتحدة، وكنت مهتما بهذا المبنى لفترة طويلة، فرغم أنه لا يحظى باهتمام كبير، إلا أنه فى الواقع أهم ممتلكات ترامب»، وكان من الصعب للغاية معرفة ما يحدث بالضبط داخل المبنى.. هناك قدر هائل من الإيجار يتدفق على هذا العقار، ولا نعرف من الذى يدفع هذا الإيجار». 

حسب الكتاب، يمتلك ترامب كثيرًا من العقارات فى نيويورك، ومبنى واحد مهم فى ولاية كاليفورنيا، وتمثل هذه العقارات الجوهر الحقيقى لثروة ترامب، وهذا المبنى على وجه الخصوص مهم جدا لأن الإيجارات التى يمكن تحصيلها تستمر فى الصعود، وبالتالى فإن مقدار الأموال التى تتدفق منه إلى ترامب يتزايد كل عام.

وعثر ألكسندر على وثيقة تسرد كل مستأجر داخل مبنى 555 شارع كاليفورنيا ومقدار المساحة المستأجرة، وتضمنت هذه الوثيقة اسم جهاز قطر للاستثمار.

يعلق ألكسندر: «إذا كنت ستضع قائمة بالكيانات التى يمكن أن تستأجر من ترامب، كما تعلم، فسيكون هذا أحد أكثر الكيانات ازعاجًا التى قد تتخيلها»، «إنه صندوق ثروة سيادى ضخم له استثمارات كبيرة فى جميع أنحاء العالم، لكن لم يكن أحد يعلم أنهم كانوا يستأجرون من ترامب»، وإذا كانت قطر تدفع وفقا لأسعار السوق، فإن قيمة إيجار المكتب تبلغ 450 ألف دولار سنويا.

وقال الكاتب إن منظمة ترامب وجهاز قطر للاستثمار رفضوا الرد على أى أسئلة بشأن عقد الإيجار القطرى. 

يطلب مكتب الأخلاقيات الحكومية من الرئيس تقديم إقرار مالى مفصل كل عام، وهو إقرار طويل حقا، لأنه يمتلك العديد من الكيانات التجارية ويحصل على دخل من العديد من المصادر.

لكن لم يتضمن الإفصاح المالى لترامب عقد إيجار قطر مكتب فى مبنى يملكه، لذا فإن هذا الأمر يفتح الباب أمام احتمال قيام عدد من الكيانات الأخرى أيضا بتحويل أموال غير معلنة إلى ترامب بشكل سرى.

وأكد ألكسندر أن هناك مئات الملايين من الدولارات التى تدفقت على ترامب كإيجار منذ أن كان فى منصبه وما زالت تتدفق إليه، وكثير منها يأتى من الشركات الكبرى والحكومات الأجنبية.

2- صفقات الصهر

يكشف الكتاب مجموعة من الصفقات التى استفاد منها عدد من أفراد وأصدقاء عائلة ترامب، فوفقا للوثائق المالية التى راجعها الكاتب، اشترى كوشنر، صهر الرئيس الأمريكى، وشركاؤه مستودعًا قديمًا فى بروكلين، يُدعى منزل أوستن نيكولز فى عام 2015 مقابل 275 مليون دولار، وحولوه إلى مبنى سكنى فاخر، وجاءت الصفقة برهنًا عقاريًا بقيمة 175 مليون دولار على العقار الذى يملكه كوشنر وشركاؤه، وأدى انفصال بين الشركاء فى عام 2017 إلى ترك بنك يسمى بنك ميجا التجارى الدولى مع 50 مليون دولار من القرض.

والمؤسسة الأم لـ«بنك ميجا التجارى الدولى»، شركة ميجا المالية القابضة، مملوكة بنسبة 26٪ من قبل كيانات حكومية فى تايوان، ومعظم أعضاء مجلس إدارتها من وزارة المالية التايوانية، وهذا يعنى أن بنكًا خارجيًا له علاقات بحكومة تايوان يتمتع بقدر من النفوذ على أحد كبار مستشارى الرئيس وأفراد أسرته.

ويمتلك كوشنر حصة صغيرة نسبيا فى صفقة أوستن نيكولز - حوالى مليون دولار - لكنه كان قادرًا على تفادى الإبلاغ عن هيكل الإقراض فى الصفقة عندما ذهب للعمل فى البيت الأبيض لأن المسئولين ليسوا مضطرين إلى إدراج مثل هذه الالتزامات فى إقرارهم المالى، ولم يستجب ممثلو جاريد كوشنر وشركات كوشنر لطلبات ألكسندر المتعددة للتعليق.

وتشير وثائق القرض على وجه التحديد إلى كوشنر كواحد من ضامنى الدين، وفى هذا السياق حاولت إدارة ترامب تقوية علاقتها مع تايوان ودعم مكانتها على الساحة الدولية فى مواجهة الصين. وعندما أشعل ترامب التوترات مع الصين فى عام 2016 بقبوله مكالمة تهنئة من رئيس تايوان، تساى إنغ وين، وهى المرة الأولى التى يتحدث فيها رئيس أمريكى إلى زعيم تايوانى منذ عام 1979، كان كوشنر هو من يقف وراء هذا التواصل. 

فى مذكراتها «كارت ترامب» المنشورة عام 2009، تتباهى إيفانكا ترامب بأنها هى من «تتحكم فى حياتها» وشرحت كيف دفعت أجرة شقة تبلغ مساحتها 1549 قدمًا مربعًا فى عقار ترامب، بعد فترة وجيزة من تخرجها فى الكلية.

وكتبت إيفانكا: «لم يعطها لى أحد»، قبل أن تدعى أنها لم تستفد أيضا من تخصيص سعر خاص لها. لكن الوثائق المالية التى استشهد بها ألكسندر تكشف أن إيفانكا دفعت 1.5 مليون دولار فقط، أو 968 دولارا للقدم المربع، للشقة فى برج ترامب فى بارك أفينيو، الذى يقع على زاوية شارع 59 فى مدينة نيويورك وبارك أفينيو، بينما دفع المستأجرون الآخرون فى المبنى متوسط 1667 دولارًا للقدم المربع - مما يعنى أن إيفانكا تلقت خصمًا يزيد على مليون دولار فى الصفقة مع والدها، ولم ترد إيفانكا على أسئلة الكاتب التى أرسلها أيضا إلى كل من منظمة ترامب والبيت الأبيض. 

وبعد تخرجها فى الكلية فى جامعة بنسلفانيا، عملت إيفانكا فى شركة تطوير كمديرة مشروع لمدة عام واحد فقط قبل أن تذهب للعمل لدى والدها كمسئول تنفيذى فى منظمة ترامب، ومن هناك، بدأت إيفانكا خط الأزياء الخاص بها فى عام 2007، ومع وصول والدها للبيت الأبيض تحولت إيفانكا إلى أحد أهم أعضاء إدارة ترامب، حيث تعمل مستشارة أولى.

لم تتغير علاقة ترامب بابنته، بعد وصوله إلى منصب الرئيس، لكنه استمر فى تقديم مزايا جديدة إلى الابنة المدللة. 

وحسب الكتاب، قدمت إيفانكا ترامب 17 طلبا جديدا للحصول على ترخيص لبيع علامات تجارية فى الصين فى عام 2017، فى اليوم السابق لبدء عملها كمستشارة فى البيت الأبيض فى مارس، فى الجزء الأخير من عام 2018 حتى الأشهر الأولى من عام 2019، منحت الحكومة الصينية تراخيص للعديد من العلامات التجارية المرتبطة بـ«إيفانكا».

فى الجزء الأخير من عام 2018، منحت الصين بالفعل 18 ترخيصًا من طلبات العلامات التجارية التابعة لشركة إيفانكا ترامب ماركس إل إل سى، غطت هذه المنتجات خط أزياء، والنظارات الشمسية، والمجوهرات، وحقائب اليد، والأحذية.

وبحلول يناير 2019، كانت هناك خمس موافقات أخرى للعلامات التجارية التى غطت فساتين الزفاف وخدمات تقييم الأعمال الفنية على سبيل المثال. 

وأثارت هيئة الرقابة على أداء الحكومة المسماة «مواطنون من أجل المسئولية والأخلاق» فى واشنطن هذه المخاوف، مشيرة إلى أن إيفانكا تتلقى هذه التراخيص التجارية بينما يشن والدها حربًا تجارية مع الصين. وقالت المنظمة، نظرا لأنها احتفظت بعلاماتها التجارية الأجنبية، يتعين على الجمهور أن يسأل عما إذا كان الرئيس ترامب قد اتخذ قرارات السياسة الخارجية لصالح أعمال وشركات أسرته.

ويكشف الكتاب أن تجاهل ترامب للمعايير التى تحكم عمل الرئيس الأمريكى أثار أزمة أخلاقية لم يسبق لها مثيل فى التاريخ الأمريكى الحديث، حيث عين ترامب دائرة داخلية من المليونيرات والمليارديرات - بما فى ذلك إيفانكا ترامب وجاريد كوشنر - الذين جاءوا مع مصالحهم الخاصة. تجاوز هؤلاء كل الحواجز التى تهدف إلى فصل ممتلكاتهم المالية عن أدوارهم الحكومية.