إرساء السلام وتقويض التدخلات الخارجية.. مصر تواصل جهودها لحل الأزمة الليبية

تقارير وحوارات

اللقاء
اللقاء


لا تزال مصر على موقفها الداعم لتسوية الأزمة الليبية، من خلال إرساء السلام، وتفعيل مسارات الحل السياسى الشامل، وتقويض التدخلات الخارجية.

فعلى مدى 3 أشهر، منذ أن أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسى، تحذيرا شديد اللهجة، قال فيه إن تجاوز مدينة سرت والجفرة "خط أحمر" بالنسبة لمصر وأمنها القومى، استطاعت مصر أن تقود ليبيا نحو السلام، وأن تضع قدميها على الطريق الصحيح، الذى يؤدى فى النهاية إلى حل الأزمة، بما يصب فى صالح ليبيا وشعبها، حين ساهمت فى وضع أولى قواعد التسوية السياسية، والبعد عن الحلول العسكرية، من خلال وقف إطلاق النار، ووقف العمليات العسكرية فى جميع الأراضى الليبية.

مصر تضع الأزمة الليبية أمام الأمم المتحدة

ولم تزل مصر تواصل جهودها فى تسوية الأزمة بالشكل الذى يلبى طموحات الليبيين، من خلال دعم مسار الحل السياسى، والحفاظ على مقدرات ليبيا وشعبها، ورفض التدخلات الخارجية، فحملت مصر الأزمة برمتها ووضعتها أمام الأمم المتحدة، إذ استحوذت الأزمة الليبية على جزء حل فى مقدمة كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى، أمس الثلاثاء، أمام الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حين قال إنه من المؤسف أن يستمر المجتمع الدولى فى غض الطرف عن دعم حفنة من الدول للإرهابيين سواء بالمال والسلاح، أو بتوفير الملاذ الآمن والمنابر الإعلامية والسياسية، بل وتسهيل انتقال المقاتلين الإرهابيين إلى مناطق الصراعات، خصوصا إلى ليبيا، وسوريا من قبلها، كما يمتد حرص مصر على إرساء السلم والأمن الدوليين ليشمل تجنيب الشعوب ويلات النزاعات المسلحة، من خلال إطلاق عمليات سياسية شاملة، تستند إلى المرجعيات التى تضمنتها قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأضاف الرئيس السيسى، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن مصر تتمسك بمسار التسوية السياسية، بقيادة الأمم المتحدة على أساس الاتفاق السياسى الموقع بالصخيرات، ومخرجات مؤتمر برلين، وإعلان القاهرة، الذى أطلقه رئيس مجلس النواب، وقائد الجيش الوطنى الليبيان، والذى يعد مبادرة سياسية مشتركة وشاملة لإنهاء الصراع فى ليبيا، ويتضمن خطوات محددة وجدولا زمنيا واضحا لاستعادة النظام، وإقامة حكومة توافقية، ترقى لتطلعات الشعب الليبى.

وأشار السيسى إلى أن تداعيات الأزمة لا تقتصر على الداخل الليبى، لكنها تؤثر على أمن دول الجوار والاستقرار الدولى، وأن مصر عازمة على دعم الأشقاء الليبيين لتخليص بلدهم من التنظيمات الإرهابية والمليشيات، ووقف التدخل السافر من بعض الأطراف الإقليمية التى عمدت إلى جلب المقاتلين الأجانب إلى ليبيا، تحقيقا لأطماع معروفة، وأوهام استعمارية ولى عهدها.

وتابع الرئيس السيسى: "لقد أعلنا ونكرر هنا أن مواصلة القتال وتجاوز الخط الأحمر ممثلا فى خط "سرت – الجفرة" ستتصدى مصر له دفاعا عن أمنها القومى، وسلامة شـعبها، كما نجدد الدعوة لكل الأطراف للعودة إلى المسار السياسى بغية تحقيق السلام والأمن والاستقرار الذى يستحقه شعب ليبيا الشقيق".

مصر تؤكد موقفها الثابت من دعم مسار الحل السياسى للأزمة

لم تمض سوى ساعات، على كلمة السيسى أمام الأمم المتحدة، حتى واصلت مصر مساعيها نحو حل الأزمة الليبية، ومحاولة خلق أرضية مشتركة تجمع الليبيين كافة، وتنهى الصراعات، وتوحد الدولة الليبية ومؤسساتها.

ففى سياق الجهود المصرية المستمرة لتحقيق الأمن والاستقرار للدولة الليبية الشقيقة، ودعم شعبها فى الحفاظ على سلامة ومقدرات بلاده فى مواجهة التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة، وتقويض التدخلات الخارجية، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسى، المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبى، والمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبى، وذلك بحضور اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات العامة المصرية.

فى مستهل اللقاء، رحب السيسى بالقادة الليبيين، مؤكدا على موقف مصر الثابت من دعم مسار الحل السياسى للأزمة الليبية، بعيدا عن التدخلات الخارجية، والترحيب بأية خطوات إيجابية تؤدى إلى التهدئة والسلام والبناء والتنمية.

واطلع الرئيس السيسى على التطورات الأخيرة في ليبيا، والتفاعلات الدولية ذات الصلة، وجهود جميع الأطراف لتنفيذ وقف إطلاق النار، وتثبيت الوضع الميدانى من جهة، كما اطلع على الجهود الليبية المبذولة لدفع عملية السلام برعاية الأمم المتحدة من جهة أخرى.

وأبدى الرئيس السيسى ترحيبه بنتائج الاجتماعات الدولية والإقليمية التى عُقدت خلال الفترة الماضية، والتى أكدت على إرساء السلام وتفعيل مسارات الحل السياسى الشامل، كما أثنى على الجهود والتحركات التى قام بها المستشار عقيلة صالح، لدعم المسار السياسى وتوحيد المؤسسات التنفيذية والتشريعية فى ليبيا، كما ثمن موقف المؤسسة العسكرية بقيادة المشير خليفة حفتر فى مكافحة الإرهاب، والتزامه بوقف إطلاق النار، داعيا جميع الأطراف للانخراط الإيجابى فى مسارات حل الأزمة الليبية المنبثقة من قمة برلين برعاية الأمم المتحدة، السياسية، والاقتصادية، والعسكرية والأمنية، وإعلان القاهرة، وصولا إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التى ستتيح للشعب الليبى الاستقرار والازدهار والتنمية.

كما رحب الرئيس السيسى بالتعاطى الإيجابى الملموس لجميع الأطراف، سواء فى شرق أو غرب ليبيا، مع آليات حل الأزمة، داعيا جميع الأطراف الليبية لتوحيد مواقفهم، من أجل الخروج من الأزمة الراهنة، وإعلاء مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات.

من جانبهما، أعرب المسئولان الليبيان، عن تشرفهما بلقاء الرئيس السيسى، وذلك من منطلق تقديرهما الكبير للدور المصرى المحورى بالغ الأهمية، فى تثبيت دعائم السلم وتحقيق الاستقرار فى ليبيا، وصون مقدرات الشعب الليبى، والعمل على تفعيل إرادته، فضلا عن دعم مصر لجهود المؤسسات الليبية فى مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة، وإعادة إطلاق العملية السياسية بمشاركة القوى الإقليمية والدولية المعنية بالشأن الليبى.

تحذير مصرى وترحيب ليبى

وقبل نحو 3 أشهر، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسى، تحذيرا شديد اللهجة، قال فيه إن تجاوز مدينة سرت والجفرة "خط أحمر" بالنسبة لمصر وأمنها القومى.

جاء ذلك، فى أثناء تفقده للمنطقة الغربية العسكرية، المحاذية للحدود مع ليبيا، بحضور الفريق أول محمد زكي، القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، والفريق محمد فريد حجاى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وقادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة.

وقال الرئيس السيسى إن الجيش المصري من أقوى الجيوش في المنطقة، وإنه جيش رشيد يحمي ولا يهدد، مؤكدا أن الجيش المصري قادر على الدفاع عن الأمن القومي لبلاده داخل الحدود وخارجها.

وأكد الرئيس السيسي، على الكفاءة العالية للقوات المسلحة وجاهزيتها لتنفيذ أي مهام، وتابع: "متأكد أننا لو احتجنا منكم تضحيات وهنا بنبذل تضحيات كبيرة جدًا، كونوا مستعدين لتنفيذ أي مهمة داخل حدودنا أو إذا تطلب الأمر خارج حدودنا".

ودعا السيسي، حينها، إلى وقف إطلاق النار في ليبيا عند نقطة الاشتبالك بين الجيش الوطنى الليبى، وحكومة الوفاق، التى تقع على حدود مدينة سرت وقاعدة الجفرة الحصينة، مؤكدا أن التدخل مباشر من جانب مصر في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية.

وأشار السيسي إلى استعداد مصر لتدريب أبناء وشباب القبائل، تحت إشراف شيوخها، لحماية ليبيا، مؤكدا أن مصر ليس لها مصلحة من وراء ذلك إلا أمن واستقرار شعب ليبيا المعنيين بالدفاع عنها، ضد التدخلات الأجنبية التى أكد على ضرورة خروجها من ليبيا بشكل فوري، لأنها تدخلات غير شرعية تسهم في انتشار الإرهاب.

بينما رحب المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبى، بتصريحات الرئيس السيسي، وقال إنها جاءت استجابةً لندائنا أمام مجلس النواب المصـري بضرورة التدخل ومساندة قواتنا المسلحة الليبية في حربها ضد الإرهاب والتصدي للغزو الأجنبي، مثمنا وقفة الرئيس السيسى الجادة وجهوده لوقف إطلاق النار ودعوته لأشقائه الليبيين إلى وقف القتال وحقن الدماء والوقـوف صفا واحدا لحماية ثرواتهم بإطلاق حوار سياسي يُفضي إلى حلول مرضية.

وأكد رئيس البرلمان الليبى أن مصر سعت ممثلة في قيادتها الحكيمة منذ بدء الأزمة في ليبيا، إلى الدفع باتجاه الحل السياسي وتحقيق التوافق الليبي - الليبي، واضطلعت بدورها الأخوي الصادق من خلال التعاطي مع جميع الأطراف دون تحيز، من منطلق الحرص على سلامة ووحدة ليبيا وأمنها واستقرارها، حيث إن مصر استضافت المباحثات واللقاءات على مختلف المستويات المدنية والعسكرية، وحرصت على تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، وشاركت بكل فاعلية في المؤتمرات واللقاءات في العواصم الدولية، وخاصةً في مؤتمر برلين، ودعمت مخرجاته، وتكللت جهودها بإعلان القاهرة المتضمن وقف إطلاق النار، وتفعيل المسار السياسي، ودعوة الليبيين للجلوس والتفاوض لحل الأزمة.

إعلان وقف إطلاق النار

وقبل نحو شهر، أعلن فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية المنتهية ولايتها، وقفا شاملا لإطلاق النار، في جميع الأراضي الليبية.

وجاء بيان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية المنتهية ولايتها، مؤكدا أن تحقيق وقف فعلي لإطلاق النار يقتضي أن تصبح منطقتي سرت والجفرة منزوعتي السلاح، وأن تقوم الأجهزة الشرطية من الجانبين بالاتفاق على الترتيبات الأمنية داخلها، إلى جانب دعوة السراج، إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة خلال شهر مارس المقبل، باتفاق الأطراف الليبية.

ورحب الرئيس السيسى بالقرار، فكتب على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك": "أرحب بالبيانات الصادرة عن المجلس الرئاسى، ومجلس النواب فى ليبيا، بوقف إطلاق النار، ووقف العمليات العسكرية فى كافة الأراضي الليبية، باعتبار ذلك خطوة هامة على طريق تحقيق التسوية السياسية، وطموحات الشعب الليبى فى استعادة الاستقرار والازدهار فى ليبيا، وحفظ مقدرات شعبها".

السراج يعلن استقالته

وفى الأخير، أعلن رئيس المجلس الرئاسي في حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، يوم الأربعاء الماضى، عن استقالته من منصبه.

وقال السراج في كلمته التى ألقاها للشعب الليبي: "منذ توقيع اتفاق الصخيرات في ديسمبر، سعينا بين الأطراف الموجودة على الساحة السياسية الليبية لتوحيد مؤسسات الدولة، والمناخ السياسي لا يزال يعيش حالة استقطاب جعل كل المباحثات الهادفة إلى إيجاد تسويات سلمية، شاقة وفي غاية الصعوبة".

وأضاف: "تراهن بعض الأطراف المعتادة على خيار الحرب وقدمنا الكثير من التنازلات لقطع الطرق أمام هذه الرغبات الآثمة وإبعاد شبح الحرب ولكن دون جدوى للأسف".

وتابع: "لم تكن الحكومة تعمل في الأجواء الطبيعية وحتى شبه الطبيعية منذ تشكيلها، وكانت تتعرض كل يوم للمؤامرات داخليا وخارجيا، وواجهت الكثير من الصعوبات في أداء مهامه،. هذه هي الحقيقة وليس تهربا من المسؤولية بل إنما سعينا إلى التوصل إلى توافقات مرضية تغليبا لمصلحة ليبيا والشعب الليبي، على هذا الأساس كانت كل تحركاتنا".

وأردف: "اليوم نشهد اللقاءات والمشاورات بين الليبيين التي ترعاها الأمم المتحدة، ونرحب بما تم الإعلان عنه من توصيات مبدئية وننظر إليها بعين أمل لأن تكون فاتحة خير لمزيد من التوافق والاتفاق، أفضت هذه المشاورات الأخيرة إلى اتجاه نحو مرحلة تمهيدية جديدة لتوحيد المؤسسات وتهيئة مناخ عقد انتخابات برلمانية ورئاسية قادمة".

وختم خطابه قائلا: "في النقطة الأخيرة أعلن للجميع رغبتي الصادقة في تسليم مهامي إلى السلطة التنفيذية القادمة في موعد أقصاه نهاية شهر أكتوبر المقبل على أمل باختيار مجلس رئاسي جديد".