عادل حمودة يكتب: مقدم فى المخابرات الإسرائيلية: لا نريد سلاما مع العرب لأنهم فاشلون

مقالات الرأي



مقدم فى المخابرات العسكرية الإسرائيلية يحطم مصابيح الفرح بالسلام: نحن فى إسرائيل لا نريد السلام مع العرب لأن فاقد الشىء لا يعطيه!

العالم العربى فاشل ويرقد فى مستنقع من النار والدم والدموع ولن يسعدنا التقرب إلينا!


الرحلة مع الذئب ليست رحلة مطمئنة.. والإقامة معه ليست إقامة سعيدة.. والنوم معه فى فراش واحد ليس نوما مريحا.

لم يتخرج ذئب من مدرسة علوم سياسية.. لم يتعلم آداب تناول الطعام.. لم يحترم اتفاقية جنتلمان وقعها مع أحد.

لكن المشكلة ليست فى الذئب وإنما المشكلة فيمن يتجاهلون سيكولوجية الذئاب التى تؤمن بأن الحقيقة الوحيدة التى تعترف بها الذئاب تسكن بين أنيابها.

فى الوقت الذى تبادر فيه دول عربية بمد جسور العلاقات الدبلوماسية بينها وبين إسرائيل تحت شعار السلام مقابل السلام يخرج علينا ضابط مخابرات إسرائيلية:

إسرائيل لا تريد السلام مع العرب.

بالنص قال المقدم مردخاى كيدار: أقولها بمنتهى الصراحة نحن فى إسرائيل لا نريد السلام مع العالم العربى.

بعد سنوات طوال ارتدت فيها إسرائيل ثياب المسكنة وغرغرت عينيها بالدموع مدعية أن العرب يريدون إبادتها ويرفضون الاعتراف بها ويسعون بكل ما يملكون من قوة إلى مسحها من على خريطة الدنيا ولكن ما أن اطمأنت إلى أن العرب نسوا الماضى وقبلوا بوجودها حتى خلعت قناعاً يشبه أمينة رزق لتخرج علينا بوجه يشبه محمود المليجى وبعد أن كانت تتحدث بلسان شكسبير غيرت حنجرتها لتهدد بلسان كيدار.

خدم كيدار 25 سنة فى المخابرات العسكرية الإسرائيلية أمان واضعا على كتفيه رتبة مقدم.. متخصصا فى ملفات: الجماعات الإسلامية المسلحة والخطاب السياسى للدول العربية إلى جانب الميديا العربية.

وكان طبيعيا أن يجيد التحدث باللغة العربية ولو باللهجة الشامية وحتى يغطى وجهات نظر مؤسسته الخفية بطبقة أكاديمية حصل على الدكتوراه من جامعة بار إيلان فى تل أبيب وانفرد بألقاب علمية ضاعفت من وجاهته الاجتماعية وقدراته الهجومية: محاضر ومترجم ومستعرب فى الدراسات الشرقية والثقافة الفلسطينية.

على منصة قناة الجزيرة التى بدأت استضافتها له منذ أطلقت إرسالها ضرب الرجل مصابيح الكهرباء بالحجارة وخلع ما على وجهه من أقنعة ليكشف عن وجه الذئب المتوارى تحتها مضيفا:

إسرائيل لا تريد السلام مع العرب لأن فاقد الشىء لا يعطيه.. العالم العربى لا يعلم ما هو السلام؟.. شوف ما يدور بين الشيعة والسنة.. شوف ما يدور بين الكورد والعرب.. شوف ما يحدث بين قبائل ليبيا وقبائل اليمن.. شوف ما يدور بين إيران والدول العربية.

ويستطرد وهو يلهث ملتقطا أنفاسه بصعوبة:

العالم العربى فاشل ليس له سلام داخليا ولا خارجيا.

لن نكون سعداء للانضمام إلى سلام عربى.. إذن ابدأوا السلام بينكم.. بين القبائل والطوائف والأديان والجماعات الإثنية بعدها سننضم إلى السلام العربى.

لكن العالم العربى اليوم مستنقع من النار والدموع والدماء.. من يريد التقرب منكم؟.. من يريد التكلم معكم؟.. العالم العربى فاشل.. والأمم الإسلامية فاشلة.

وعكس آية «كنتم خير أمة أخرجت للناس» واحتراما لقداستها لن أنشر ما قال بشأنها.

وأضاف: نحن دولة متقدمة.. نحن دولة ديمقراطية.. نحن دولة متطورة.. لو فتحت إسرائيل أبوابها أمام العرب لانتقل نصفهم فى اليوم الأول وانتقل النصف الثانى فى اليوم التالى.. هذه هى الحقيقة المنسية التى لا يمكن لأحد أن ينكرها.

انتهى.

لم يأت الرجل بجديد.. إسرائيل فعلا لا تريد السلام.. تراجعت عن مبدأ الأرض مقابل السلام.. وتراجعت عن مبدأ الأرض مقابل الأمن.. فلم لا تتراجع عن مبدأ السلام مقابل السلام؟

إن المشكلة ليست فى العرب وإنما فى إسرائيل.. إسرائيل أرض شديدة الملوحة يستحيل أن تنبت فيها زهرة السلام.

والمجتمع الإسرائيلى مجتمع عسكرى توسعى يخشى أن يفقد بالسلام ما كسب بالحرب.. جيتو مغلق على نفسه مهما بدا منفتحا.. لا يفتح أبوابه لأحد لأنه لا يثق فى أحد.. يدرك جيدا أن اخترق جدران ذلك الجيتو هو اختراق للتاريخ السرى لليهود.. مجتمع يحاصر نفسه من أيام النبى موسى.. ويتجنب الدخول فى علاقات تتجاوز علاقات البيع والشراء والتأثير فى البورصة والسيطرة على البنوك.

فى كتاب التناقض اليهودى الذى نشره ناحوم جولدمان رئيس المؤتمر اليهودى العالمى: أن جمال عبد الناصر كان مستعدا عقب نجاح ثورته لقبول فكرة السلام مع إسرائيل بل سمح بعبور سفينة إسرائيلية فى قناة السويس لكن ديفيد بن جوريون أصر على تصعيد التوتر على الحدود مع غزة وحرك شبكة من الجواسيس ضمت يهودا مصريين لتفجير منشآت بريطانية وأمريكية فى القاهرة والإسكندرية وشاركت بريطانيا وفرنسا فى حرب السويس لتدشن بنفسها حالة العداء المزمن بينها وبين العرب.

كان بن جوريون أول رئيس حكومة إسرائيلية يرى أن السلام مع مصر سيمنحها فرصاً للنمو والتطور وعند حد معين من القوة سيأخذ عبد الناصر بثأره من هزيمة جيشه فى حرب خريف فلسطين فهو لن ينسى أن اليهود حاصروه وحرموه من الانتصار.

أضاف بن جوريون: مستعد لإنفاق مائة مليون دولار لتظل حالة الحرب مستمرة مع مصر سنستنزف مواردها ونهدد نظامها بينما نحن نمضى فى طريق الصعود.

وعندما تحدى أنور السادات قدره وطار إلى إسرائيل تصور أن مجرد الصلاة ركعتين فى المسجد الأقصى والنوم ليلتين فى فندق الملك داود فإن النبى موسى حسب تعبير نزار قبانى سيخرج له مثل بابا نويل من المدخنة ويقدم إليه سيناء والجولان والضفة الغربية فى علبة ملفوفة بورق القصب والسلوفان.

تصور أن الجيتو اليهودى سيفتح أبوابه ويأخذه فى أحضانه ولكن ما فتح أمامه لم يكن سوى مغارة من الخفافيش أطلقت دون تردد كل ما فى الدولة العبرية من صقور جارحة.

سمع السادات هناك ما يكفى لذبح كل مبادرات السلام من يومه وحتى يوم القيامة: القدس يجب أن تكون عاصمة إسرائيل إلى الأبد.. المستوطنات ضمت إلى أرضها إلى الأبد.. الضفة الغربية ستظل تحت أحذية جنرالاتها إلى الأبد.. الفلسطينيون سيبقون منفيين تأئهين إلى الأبد.

بل إن موردخاى كيدار نفسه قدم مبادرة شهيرة من مبادرات السلام أطلق عليها اسم الإمارات الفلسطينية المتحدة أو حل الثمانى قبائل.

كان كيدار يؤمن بأن الدول العربية القائمة على النموذج القومى الأوروبى مهددة بانفجارات عرقية وإثنية ومذهبية ودينية وثقافية بسبب عدم تجانس سكانها أما التجانس البشرى فلا يوجد إلا فى القبائل حيث يتوحد أبناؤها فى الصفات والمعتقدات.

اقترح كيدار ضم ثمانى مدن فلسطينية غزة وجنين ونابلس ورام الله وأريحا وطولكوم وقلقيلية والجزء الغربى من الجليل حيث يسيطر على كل منها قبيلة تقليدية قادرة على أن تنتقل إلى إمارة تتمتع بالحكم الذاتى وستحكم كل إمارة مدينتها الأرض المحيطة بها جغرافيا.

ويمكن لكل دولة أن تشكل حكومتها المستقلة وتضع قوانينها الخاصة وتعلم شعبها ما تريد وتكون لها عملتها التى تتداول فى أسواقها وتودع فى بنوكها.

باختصار يصبح ما تبقى من دولة فلسطين ثمانى دول فلسطينية على أن تكون القدس ملكًا لليهود وحدهم على أن يدفع أصحاب الديانات الأخرى «جعلاً مالياً سنوياً» مقابل الإبقاء على أماكنهم المقدسة وإلا يحق لإسرائيل هدمها بما فيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وقبر السيد المسيح.

وفشل مشروعه بالقطع ولم ينل سوى التهكم والسخرية وهو ما استفز كيدار فأطلق فتوى فى معاملة جماعات المقاومة الفلسطينية جعلت العالم يضاعف من وصف إسرائيل بالوحشية.

إن التهديد بقتل منفذى عمليات المقاومة الفلسطينية أو سجنهم يشكل رادعا غير فعال أما الشىء الوحيد الذى يثنيهم عن تنفيذ ما ينوون عليه هو معرفتهم أن أختهم أو أمهم ستتعرض للاغتصاب لو عرفوا ذلك لن يفجروا أنفسهم أو يفخخوا سيارة أو يضعوا شحنة ناسفة فى مكان عام.

بهذه الفتوى بدا واضحا أن الرجل يؤمن باستخدام الوسائل غير الأخلاقية فى التعامل مع خصومه رغم حديثه الذى لا يمل منه عن الموضوعية والأكاديمية العلمية.

وبسبب ارتباطه بمنظمة باميلا جيلر المناهضة للإسلام والمحظورة فى الولايات المتحدة وبريطانيا منع المعبد اليهودى فى حى فينشلى لندن كيدار من إلقاء خطاب خلال مؤتمر للاتحاد الصهيونى فى شتاء 2014.

وأثناء مسيرة لتأييد نتانياهو قال كيدار بصفته باحثا متمكنا فى ملفات الإرهاب تحت أغطية دينية:

إن إيجال عامير ليس قاتل إسحق رابين.

فى 4 نوفمبر عام 1995 كان رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحق رابين يستمع لكلمات من مؤيد السلام فى ميدان ملوك إسرائيل عندما تلقى رصاصات قاتلة من شاب يهودى متطرف هو إيجال عامير.

كان رابين قد استثمر معاهدة أسلو التى اعترفت فيها منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل مقابل سيطرتها الجزئية على قطاع غزة والضفة الغربية وحصل هو وياسر عرفات على جائزة نوبل للسلام.

وواصل رابين المشوار الصعب وتوصل إلى اتفاقية سلام مع الأردن ووقف ضد توسع المستوطنات فى الأرض المحتلة.

لم تقبل التنظيمات الدينية المتشددة بمرونة رابين فى التعامل مع الفلسطينيين وإعادة أرض لهم على خلاف ما فى الكتب اليهودية المقدسة التى تعتبر أرض كنعان فلسطين ممتلكات للرب لا يجوز التفريط فى شبر منها.

حسب الرواية الرسمية فإن عامير هو القاتل الذى جرت محاكمته وإن لم يعدم ولكن رواية كيدار تؤكد أن الرصاصات التى أجهزت على حياة رابين أطلقتها عصابة سياسية من كتلة معارضة للسلام مع العرب ولم يكن عامير سوى ضحية غطت على منظمات دينية وحزبية كان الكشف عنها سيدمر النظام السياسى الإسرائيلى.

وسواء كان حادث رابين جريمة فردية أو مؤامرة سياسية فإنه دليل على أن إسرائيل ضد السلام أحيانا وكلما ما للعرب ناحيتها ازدادت تعسفا.

وكل ما على العرب عمله وهم يعبرون عن رغبتهم فى التواصل مع إسرائيل أن يخففوا من عواطفهم ويحكموا عقولهم ويحددوا مصالحهم بما ينفعهم وإلا وجدوا أنفسهم فريسة للذئب.