عادل حمودة يكتب: ديمقراطية هاسيندا

مقالات الرأي



إيجار الكبائن واستغلالها فى حفلات لعشرات الشباب يمثل مشكلة حقيقية وصورة ظالمة لملاك لا ذنب لهم مع الاعتراف بأن تأجير الكبائن حق لكل مالك رغم اعتراض المتضررين

اقتراحات الملاك لمواجهة الحفلات المسيئة

1- قطع الكهرباء عن جميع الكبائن ليلًا 
2- وضع حد أقصى لدعوات دخول القرية 
3-مطالبة الأمن بمراقبة الحفلات وخفض صوت الموسيقى الصاخبة ومنع تدخين المخدرات 
4- البحث عن مدير صارم ومتشدد يضع القواعد ويطبقها على الجميع

يتحسر البشر على ديمقراطية أثينا فى اليونان القديمة.

تعرف ديمقراطية أثينا بالديمقراطية المباشرة حيث يلتقى الناخبون والمرشحون وجها لوجه فى مكان مكشوف ليصوتوا علنا على التشريعات والسياسات والحكومات وتقر النتيجة فى لحظتها دون تأثير أو تأخير.

وتوصف ديمقراطية أثينا أيضا بالديمقراطية المثالية حيث تسن الشعوب قوانينها بنفسها دون وسطاء من نواب ربما لا يخدمون سوى مصالحهم.

حدث ذلك فى القرن الخامس قبل الميلاد حين كان شعب اليونان صغير الحجم لا يزيد عدد الناخبين فيه عن خمسين ألف مواطن حر بعد استبعاد النساء والعبيد والأجانب.

بعد 25 قرنا 2500 سنة من الزمان أصبح مستحيلا تطبيق تلك النوعية من الديمقراطية بسبب تكاثر الشعوب لتصبح بالملايين وربما بالمليارات.

ولكن هل يمكن أن ننجح فى تطبيق ديمقراطية أثينا فى مجتمعاتنا الصغيرة التى تقدر بالمئات وربما بالعشرات مثل مجالس الآباء واتحاد شاغلى العمارات وملاك القرى السياحية والتجمعات السكنية؟

المؤكد أن فى هذه المجتمعات تتوافر أفضل شروط المواطنة التى توفر النجاح للديمقراطية المباشرة.. تعليم عال يصل أحيانا للدكتوراه.. وظائف مؤثرة.. وزراء وسفراء وكتاب وأساتذة جامعات ونجوم سينما ورجال أعمال.. مكانة اجتماعية مرموقة.. شخصيات شهيرة تلهث الميديا وراء أخبارها.. لا تحصى النقود التى فى جيوبها على أبواب مطعم أو سوبر ماركت خشية التقصير فى سداد الفواتير.. لا تكف عن الحديث عن فضائل الديمقراطية وترجع ما فى النظم من تقصير إلى ضعفها.

لكن المؤكد أيضا أن هذه المجتمعات ترسب غالبا فى أبسط امتحانات الديمقراطية وتعجز عن اتخاذ القرارات اليومية المنظمة لحياتها اليومية داخل حدودها الضيقة.

العمارة التى أسكنها فى مصر الجديدة مثلها مثل عمارات كثيرة فى الزمالك والمهندسين وجاردن سيتى يستحيل على ملاك شققها 72 شخصا الاتفاق على القرارات المصيرية العاجلة بل لا يطيق الكثير منهم الاجتماعات أصلا.

مثلا: يتعطل مصعد.. يطلب المسئول الإدارى مبالغ ضرورية عاجلة لإصلاحه.. يرى ساكن أن الأولوية لتغيير رخام المدخل قبل النظر فى حالة المصعد.. يقترح آخر يونيفورم للكير سيرفيس لنتباهى بأنفسنا.. يطالب ثالث بموازنة الخمس سنوات الماضية موقع عليها من محاسب معتمد.. يتحدث رابع عن زراعة المدخل بزهور عصفور الجنة التى تفضلها زوجته.. يغرد خامس خارج السرب ويشكو من زيادة عدد الأكشاك فى الشارع ويطالب بتشكيل وفد على أعلى مستوى لمقابلة رئيس الحى.. وفى النهاية يظل المصعد معطلا.. بل أكثر من ذلك تأكد أن أغلب هؤلاء لم يسدد مصاريف الصيانة الشهيرة.. ويوما بعد يوم تسوء حالة العقار وتنهار قيمته دون اتخاذ قرار واحد نحسدهم عليه.

لنترك القاهرة بحرها وزحامها وتوترها.. ربما كانت معاناة سكانها سببا فى عجزهم عن ممارسة الديمقراطية المباشرة ولو كانت لصالحهم.. لنهبط كوكب الساحل الشمالى.. لنعيش التجربة فى هاسيندا وايت.. واحدة من أرقى وأجمل المنتجعات هناك.. ترى هل ستنجح الديمقراطية المباشرة لو طبقت فيها؟

هاسيندا وايت قرية صيفية متميزة بسكانها.. شخصيات لها قيمتها ومكانتها وشهرتها.. تؤمن بالحرية الشخصية.. لا يتدخل أحد فى شئون أحد.. ولكن.. ذلك لا يمنع وجود من يتجاوز الحدود.. يقود سيارته بجنون وكأن الطرق الداخلية شقت له وحده.. وهناك من يرفع صوت الموسيقى فى الحفلات التى يقيمها فى مسكنه دون أن يكلف خاطره باستئذان جيرانه كما يفعل غيره.

ويندر أن تجد مالكا احترم العقد الذى وقع عليه والتزم بالتصميم الخارجى لبيته أو لونه وكأن الشعور بالتميز لا يتحقق إلا بمخالفة القانون وكتم أنفاسه والسخرية منه.

والمؤكد أن المالك له الحق فى جدرانه الداخلية يفعل بها ما يشاء أما العبث بالمشهد الخارجى فيمثل اعتداء على حق كل من فى القرية مجتمعين لكن ذلك الفهم يحتاج إلى وعى يسبقه تواضع وإيمان بالمسئولية الجماعية.

وإذا ما التقى اثنان صدفة فإنهما يبتسمان أحيانا.. ولكن غالبا يكون التجاهل ثالثهما.. غالبا سينظر كل منهما إلى سيارة الآخر ليطمئن بأن سيارته أغلى وأحدث.. السيارة هنا تحدد مكانة صاحبها.. ويا حبذا لو كانت أرقامها وحروفها مثيرة للحسد.

على أن ذلك لا يمنع وجود شخصيات شديدة الرقى تطوعت من تلقاء نفسها للدفاع عن مصلحة الملاك جميعا.. تفاوضت مع الشركة المطورة لتخفيض مصاريف الصيانة السنوية ونجحت بعد طول جهد وطول صبر.. مهدت طريقاً لذوى الاحتياجات الخاصة إلى الشاطئ.. تتفاوض مع الملاك على رصف الطرق الترابية المثيرة للغبار.. وتتفاوض مع الشركة على بناء حاجز أمواج.. وبما فعلت نالت التقدير والاستحسان.

ولكنها ذات يوم هرعت فى ساعة متأخرة من الليل لتمنع دخول راقصة شرقية والمطرب الأكثر شهرة- رغم غضب نقيب الموسيقيين هانى شاكر- وهو من الملاك حمو بيكا ليسهرا مع الشباب جيل الجامعات الأجنبية الخاصة حتى شروق الشمس فى إحدى الكبائن أمام بحيرة من البحيرات الصناعية. 

لم تكن المرة الأولى التى يشرف القرية مسيو بيكا بصحبة مدام بيلى دانسر بل سبق أن أقاما حفلاً حتى الصباح حضره 500 شاب وفتاة أغلبهم من خارج القرية جاءوا بدعوات إلكترونية على أجهزة الموبايل تسمح لهم بالدخول دون اعتراض من الأمن.

والحقيقة أن الأمن من جانبه يحاول جاهدا ألا يتدخل لفض المنازعات بين الملاك حتى لا يصاب بضرر الدخول بين البصلة وقشرتها.

وحدث أن حاول حارس أمن على البوابة القيام بعمله المكلف به فإذا بشاب يصفعه وكان لابد أن تأتى الشرطة لتحرر محضرا وغالبا ما سيتنازل الحارس عن حقوقه ضغطا أو رضاء.. المياه لا تجرى فى العالى رغم اختراع مضخات الرفع.

بل إن الشرطة دخلت القرية ووصلت إلى الشاطئ لتوقف الصغار عند حدهم بعد أن عجز الكبار معهم.. وتصرفت الشرطة بالحكمة نفسها.. لا تتدخل لفض الاشتباك بين الأفيال المتصارعة وإلا تحمل ما سيصيبك منها.

الحفل يبدأ فى كابينة واحدة ولكن المئات التى تحضره تعتدى على المساحات المتاحة لكل الكبائن التى تقع على البحيرة الصناعية مثل حرف يو ويلقون أمامها مخلفاتهم.. زجاجات الخمر الفارغة.. سرينجات المخدرات.. بقايا الطعام.. والباقى مفهوم.

وبالصور التى تتسرب إلى مواقع التواصل الاجتماعى عن الحفل وبتعليقات أصحاب الخيال المحموم عليها راجت صورة وهمية عن هاسيندا وايت مست كثيراً من ملاكها لا ذنب لهم.

ألقيت هذه المشكلة مثل كتلة نار فى حجر الكبار وراح كل منهم يدلى برأيه فيها على جروب واتس آب يتبادلون فيه الآراء ويعلقون على المقترحات فى لحظتها.

ولنلخص ما دار بينهم من حوار على سبيل العينة:

ــ المشكلة فى تأجير الكبائن يأتى شخص من الخارج ويستأجر كابينة يستثمرها فى الحفلات التى يقيمها لعشرات الشباب الذين يستولون على المساحة المتاحة لكل كبائن اللاجون ويعتدون على حرمات الآخرين ويرتكبون مخالفات يعاقب عليها القانون.

ــ نعم يجب إبلاغ الشرطة على المستأجرين حسب تعليمات الداخلية كما أن المالك الذى يؤجر كابينته عليه دفع ضرائب على ما يتحصل من مال.

ــ الأفضل منع التأجير من أساسه وإلا غامرنا بمستقبل أبنائنا.

ــ التأجير حق لكل صاحب كابينة من حكم فى ملكيته ما ظلم.

ــ الحقيقة أن التأجير مش السبب الحفلات تقام فى كبائن مملوكة للكبار الذين يتركون أبناءهم يتصرفون على حريتهم ولو اعتدوا على حرية غيرهم.

ــ إذن كيف نمنع الحفلات؟.

ــ اقترح قطع الكهرباء ليلا على الكبائن.

ــ قطع الكهرباء سيسعد الشباب أكثر الظلام سيتيح لهم كل ما يشتهون.

ــ وقطع الكهرباء يعنى اعتداء على حقوق ملاك الكبائن الملتزمين وربما يفسد الطعام فى الثلاجات داخل الكبائن.

ــ المشكلة فى رأيى كيف دخل عشرات الشباب من خارج القرية ليحضروا الحفل؟.

ــ يرسل مدبر الحفل دعوات إلكترونية إليهم؟.

ــ إذن يجب وضع حد أقصى لدعوات دخول القرية.

ــ لم لا نطلب من الأمن مراقبة الحفل حتى يخفض من صوت الموسيقى الصاخبة ويمنع تدخين المخدرات على الأقل.

ــ الأمن لا حول له ولا قوة.

ــ بصراحة أنا مع الحفلات حتى يظل أبنائى داخل القرية ولا يضطرون للبحث عن سهرة خارجها وهو ما يعرضهم لخطر أكبر.

ــ لا القرية فى حاجة إلى مدير صارم متشدد يضع القواعد ويطبقها على الجميع.

ــ صح لنبحث عن ذلك الشخص الذى يحمل عنا المسئولية.

وهكذا انتهت ديمقراطية هاسيندا وايت بتفويض السلطات والصلاحيات والقرارات إلى شخص واحد يسيطر عليهم ويتحكم فيهم.