منال لاشين تكتب: تجميد القانون الجملى

مقالات الرأي



لدينا قانون تعارض المصالح منذ 6 سنوات بدون لائحة تنفيذية

استمرار حق المسئول فى أن يقرر مكافآت لنفسه يحتاج إلى ضبط وربط

هل يجوز لموظفى الجهات الرقابية تعيين أقاربهم فى المؤسسات التى يقومون برقابتها؟!

هل يعقل ألا نضع لائحة تمنع الموظف الحكومى من عضوية شركة تراقبها وزارته؟

لشاعرنا الراحل الكبير صلاح جاهين قصيدة رائعة فى سرعة انتشار رياح الفساد، يقول جاهين (يا بلدنا ياجميلة فيك حاجة مجنانى، نزرع القمح فى سنين تطلع الكوسة فى ثوانى) وبالطبع الكوسة هى أقدم رمز مصرى للفساد الحكومى، ولهذا الرمز قصة تاريخية لطيفة جدا.. فقد كان للقاهرة أسوار تجارية وكانت الأبواب تغلق فى ساعة معينة، وعلى التجار أن ينتظروا ببضائعهم لليوم التالى، ولكن لأن الكوسة سريعة العطب، جرى استثناء تجار الكوسة من قرار الانتظار، فكان التاجر (المفتح) يعطى رشوة للواقف على البوابة فيقول المسئول بصوت عال: كوسة عدى.

هكذا أصبح لدى المصريين مصطلح خاص جدا لوصف الفساد والرشاوى واستغلال النفوذ، ولعدة أسباب أعتقد أن هذا الأسبوع ملائم جدا لفتح سلسلة عن مكافحة الفساد، ثمة رئيس جديد للرقابة الإدارية وسلفه ذهب مستشارا لرئيس الحكومة، هناك حملات واسعة موسعة نشطة متفرعة وممتدة لردع التعدى على سلطة الدولة بالاستيلاء على أراضيها أو سوء باستخدام هذه الأراضى أو البناء المخالف، وهناك أيضا صيد بعض من الرؤوس الفاسدة الكبيرة، وهناك مناخ رئاسى مساند وداعم لوقف نزيف الفساد وإعادة الهيبة للدولة والقانون.

إذن لدينا مناخ يسمح بفتح الملفات والإجابة على السؤال المهم والخطير، كيف نلاحق نمو الفساد أو زراعة الكوسة فى أرض المجتمع المصرى، لأن كل الجهود الرامية لمكافحة الفساد على الأرض مع احترامى لها لم تصل بنا إلى الهدف النهائى، وهو منع زراعة الكوسة ونمو الفساد فى التربة المصرية إلا بنسبة استثنائية مثل كل الدول الكبرى، فمحاصرة الفساد لم ولن تكون كافية إذا ظلت منابع الفساد مثل النهر المتدفق، ولهذا السبب وضعت الدول المتقدمة والمؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية قواعد بوجوب عدة قوانين حاكمة لا يمكن العمل من دونها لنزغ فتيل الفساد من المؤسسات الحكومية والرقابية، ويبقى بعد ذلك الخطأ أو بالأحرى الضعف البشرى الذى يشكل نسبة صغيرة من الفساد فى المجتمع، وبدون هذه القوانين، فإننا نكون كالمزارع الذى يجز الحشائش الضارة من أرضه دون أن يضع مبيدات، فتظل الحشائش الضارة تنمو مرة تلو الأخرى، ولذلك بالنسبة لى فإن قوانين وإجراءات مكافحة الفساد بكل مراحلها هو المواجهة الشاملة للفساد، ومع ذلك فإن هذه القوانين هى آخر ما تبدى كل من الحكومة أو البرلمان اهتماما بها.

1- القانون الجملى

يعرف الطباخون جيدا أن اللحمة الجملى تحتاج وقتا طويلا لتسويتها، ولذلك كلما طال عمر تحقيق أو تنفيذ مشروع أو إقرار قانون حمل لقب الجملى، ولاشك أن قانون عدم تعارض المصالح هو القانون الأحق بلقب القانون الجملى، هذا القانون الذى يضع الضوابط للوقاية من الفساد فى كل الأجهزة الحكومية والمحليات والأجهزة الرقابية، هذا القانون احتاج أكثر من 8 سنوات، وثورتين ليرى النور، وقد عاصرت مراحل الولادة المتعثرة لمشروع القانون قبل ثورة 25 يناير، ولا أزال أذكر واقعة طريفة حول اجهاض المشروع قبل الثورة، كان المشروع مقدمًا من وزارة الاستثمار أو بالأحرى وزيرها الأسبق النشط جدا الدكتور محمود محيى الدين خلال وزارة الدكتور نظيف الثانية والتى شهدت 6 وزراء من أهل البيزنس، وثار الوزير أحمد المغربى لمجرد اقتراح مثل هذا القانون فى اجتماع لمجلس الوزراء، وكان المغربى فى هذه الوزارة وزيرا للاسكان ورجلا قويا، ووقفت كل قوى المصالح ضد المشروع، ومات مشروع القانون قبل أن يخطو عتبة مجلس الوزراء، وكان الدينامو القانونى فى هذا المشروع الدكتور زياد بهاء الدين، وأذكر أننى كنت فى مجلس الشعب حينما نادنى الدكتور زكريا عزمى، وابلغنى وهو يضحك أن الحاجات اللى بيعملها اصدقائى مش هتمشى فى مصر، وعندما سألته أى من أصدقائى، قال لى محمود محيى الدين وزياد بهاء، فأدركت أنه يقصد قانون تعارض المصالح، وبعد ثورة يناير سعدت جدا بالمشاركة فى مبادرة للوقاية من الفساد، وكان رئيس المبادرة هو الدكتور حسام عيسى، ومديرها الدكتور زياد بهاء الدين، وكان من ضمن المشاركين الدكتورة ليلى الخواجه، وأنا، وحددنا مسار أو هدف المبادرة بأنه الوقاية من الفساد، وذلك من خلال إطلاق وتطوير التشريعات للوقاية من الفساد. وأذكر أننى كنت متحمسة لأن تخصص المبادرة جانبا من وقتها وجهدها لرصد حالات الفساد، إلا أن الدكتور زياد أقنعنى بأن أهم عمل لاقتلاع الفساد هو الوقاية منه وصنع بيئة تشريعية ومهنية تحمى الموظف من الوقوع فى المحظور، وكان من البديهى أن نبدأ العمل بمشروع قانون منع تعارض المصالح، وبعد ثورة 30 يونيو رأى القانون النور أخيرا لأن اثنين من أعضاء المبادرة كانا أعضاء بأول حكومة لثورة يونيو وهما الدكتور حسام عيسى وزياد بهاء الدين، وصدر قرار بقانون رقم 106 لعام 2013 ولا أقول إن القانون كان على أفضل ما يكون، أو أنه قانون كامل، ولكنه كان لاشك خطوة متقدمة جدا وسط المعارضة المتراكمة لأى نوع من أنواع الرقابة أو القيود لمنع تعارض المصالح، وذلك لمنع التزاوج بين السلطة والثروة، ومن ثم نوقف إنجاب أبناء غير شرعيين لهذه الزيجة الفاسدة، وحدد قواعد لمنع أو بالأحرى حماية الموظف العام من إمكانية استغلال وظيفته، ومع ذلك وعلى الرغم من رغبة حقيقية لمكافحة الفساد، فإن الكثير من إجراءات ومواد هذا القانون لا تزال معطلة لأكثر من سبع سنوات، أبسط شىء أن لجنة الوقاية من الفساد التى أقر القانون تشكيلها للمتابعة لم تنشأ قط، هذه اللجنة لها اختصاصات كثيرة لتفعيل القانون، على رأس هذه الاختصاصات إقرار اللائحة التنفيذية للقانون، على بلاطة لم تصدر لائحة تنفيذية للقانون، تصوروا سبع سنوات نتكلم ونتخذ إجراءات لمكافحة الفساد دون أن نقرر أن نفعل القانون الأساسى الحاكم للوقاية من الفساد، قارن بين بطء السلحفاة فى إصدار اللائحة التنفيذية للقانون من ناحية، وسرعة الأرنب أو الصاروخ فى إصدار اللوائح عندما يتعلق الأمر بفرض الضرائب مثلا، وهذه المقارنة لم ولن تكون بالطبع فى صالح الحكومة الحالية أو السابقة.

2- طريق مسدود

بالطبع كان قانون عدم التعارض للمسئولين بالدولة هو الخطوة الكبرى الأولى، والتى كان يجب أن تتبعها خطوات أخرى، بعضها خاص بالقانون والآخر خاص بقواعد الحوكمة والشفافية لكل جهة على حدة، كان يجب أن يكون لدى كل مسئولية عامة تنفيذية أو رقابية مدونة سلوك أو ميثاق شرف يجمع تنفيذ القانون من ناحية، ووضع قواعد السلوك المهنى من ناحية أخرى، أبسط الأمثلة هو حظر تعيين أحد أقرباء الرقيب حتى الدرجة الرابعة فى الشركات أو المؤسسات أو الوزارات التى يقوم برقابتها قانونا وطوال مدة قيامه بعمله الرقابى فى هذه الجهة، وأعتقد أن هذه ثغرة مهمة يجب سدها أو على الأقل مناقشتها فى لجنة الوقاية من الفساد، مناقشة جواز أو بالأحرى معقولية أن يتم تعيين ابن أو زوجة رقيب فى جهة ما يقوم هو برقابتها بأى شكل من أشكال الرقابة، ووضع قواعد تملك الأراضى لهذه الجهات أو بالأحرى أعضائها، وبالمثل يجب أن نصل لتصور أو اتفاق حول عمل الجمعيات التابعة لهذه الجهات، أو مناقشة مشاركة بعض الجهات الرقابية المختلفة فى أعمال تنفيذية للجهات الخاضعة لرقابتها، وهذه قضية بالغة الأهمية والخطورة، فبعض الجهات الرقابية تتصور أن تواجدها فى اجتماعات أو إجراءات تنفيذية من شأنه أن يحسن من أداء الجهات الخاضعة، ولكن المشكلة أنه يحول الجهة الرقابية شريكًا فى التنفيذ، فكيف تكون الجهة الرقابية منفذًا ومراقبًا فى الوقت نفسه، أو مراجعة فكرة مكافآت كبار الموظفين، بعض من رؤساء هيئات تنفيذية يضمون أنفسهم لعضوية كل لجان العمل داخل المؤسسة للحصول على مبالغ مالية كبرى تصل لملايين الجنيهات فى العام، أو تعيين بعض الوزراء لكبار العاملين لديهم فى عضوية الشركات التابعة، وجمع بعض هؤلاء الكبار لعضوية أكثر من خمس شركات والحصول على بدل حضور جلسات وجزء من الأرباح، والمصيبة أن بعض هذه الشركات تخضع لرقابة هذا الموظف أو تلك الموظفة، أعتقد أننا ما زلنا فى بداية الطريق، ولذلك يجب البدء بإخراج قانون عدم تعارض المصالح من الثلاجة أو التجميد، نحتاج فورا إلى تشكيل لجنة الوقاية من الفساد وإلى لائحة تنفيذية.وأعتقد أن أكبر وأخطر مهمة للجنة الوقاية من الفساد هو دراسة الحالات الخاصة التى لا تقع مباشرة فى مواد أو بالأحرى الحالات المنصوص عليها فى القانون، هذة اللجنة يمكنها أن تكون بوصلة لكل شبهة استفادة من المنصب الحكومى، ووضع الضوابط للعمل الحكومى والرقابى واستكمال وضع مدونة السلوك المهنى فى كل المؤسسات والهيئات، حين تبدأ الحكومة باختيار أعضاء لجنة الوقاية من الفساد ووضع اللائحة التنفيذية للقانون أعتقد أننا سنكون نضع مضادا للفساد فى التربة المهنية المصرية، ونعطل طرح الكوسة فى مجتمعنا.

الأسبوع المقبل.
تقليم أظافر قانون الحماية من فساد البيزنس.