مى سمير تكتب: زمن العواصف فى مذكرات ساركوزى

مقالات الرأي



كتاب جديد يتناول حياته العاطفية وعلاقته بـ«ميركل» و«بوتين» و«أوباما»

تصدرت مذكرات (زمن العواصف) للرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى قائمة الكتب الأكثر مبيعا فى فرنسا للأسبوع الثالث على التوالى، حيث يتناول الكتاب الأعوام الأولى الدراماتيكية من رئاسة ساركوزى عندما تركته زوجته سيسيليا وتزوج المغنية وعارضة الأزياء السابقة كارلا برونى بعد قصة حب عاطفية، وصرح ناشر ساركوزى لوكالة فرانس برس بأنه تم بيع ما يقرب من ربع مليون نسخة من المذكرات حتى الآن. 

على الرغم من فشله فى إحياء حياته السياسية بعد هزيمته على يد الاشتراكى فرانسوا هولاند فى عام 2012، لا يزال ساركوزى - خاصة حياته الخاصة - يثير إعجاب الفرنسيين، نشر نيكولا ساركوزى فى السنوات الأخيرة العديد من الكتب، فى كتابه الأخير (زمن العواصف) يقدم رئيس الجمهورية الفرنسية من 2007 إلى 2012، اكتشافات جديدة حيث يسرد نجاحاته وأخطائه، ونتائج ولايته البالغة خمس سنوات، وكذلك فترة انسحابه من السياسة. 

1- عاشق العواصف

 يكشف الكتاب أن ساركوزى منذ أن كان طفلا كان مفتونا بالعواصف، يشعر بالخوف من العاصفة، وفى الوقت نفسه، انجذب إليها مثل المغناطيس، يقول ساركوزى فى مقدمة الكتاب: «أنا أحب العواصف، وليس فقط من الناحية المناخية، لقد بحثت عنهم كثيرا وانتظرتهم وحلمت بهم، كانت طريقتى فى الوجود وشكلت هويتى»، مضيفا: «فى قلب الإعصار يشعر المرء أنه على قيد الحياة، على حافة الهاوية نحن نقدر بشكل أكبر مباهج الحياة البسيطة». 

يتذكر ساركوزى مطاردة العواصف، وعشاق أو علماء ظواهر الأرصاد الجوية الذين يسافرون آلاف الكيلومترات لتسجيل الأعاصير أو تصويرها طوال حياته السياسية حيث احتل منصب عمدة نويى سور سين، ووزير الداخلية، ورئيس الجمهورية، من بين مناصب أخرى - بحث ووجد واجتاز العديد من العواصف: السياسية والانتخابية والعاطفية والوطنية والدولية-.

يبدأ كتاب (زمن العواصف) بعد لحظات قليلة من دخول ساركوزى مكتبه الرئاسى بعد مرافقة جاك شيراك إلى سيارته ونقل السلطات إليه، كتب الرئيس الفرنسى الأسبق: «اعتبارا من 16 مايو 2007، كنت وحدى المسئول على اتخاذ القرار النهائى، أغلقت عينى، فجأة، شعرت بالجاذبية، وفوق كل شىء، وحدتى ملقاة على كتفى، كنت هادئاً ومدركاً تماما لوجودى على حافة الهاوية»، وأضاف: «أصبحت مطارد العواصف، قبطان السفينة المسئولة عن تحقيق فرنسا لأهدافها». 

حسب ساركوزى بمجرد وصولك لموقع القيادة، «كان من المستحيل عمليا أن تكون وحيدا، حتى ولو للحظات قليلة، لا تمر دقيقة واحدة دون أن يطلب منك أمر أو توقيع أو رأى ما، كان عليك أن تعتنى بكل شىء على الفور، بدأت الزوبعة فى الثانية الأولى ولم تتوقف لمدة خمس سنوات». 

يعترف ساركوزى علانية بطموحه السياسى ويؤكد أنه لم يرغب أبدا فى أن يكون «رئيساً عادياً» مثل الاشتراكى فرانسوا هولاند، لأنه كان يحب دائما أن تتم ملاحظته.

2- الحب والألم 

فى هذا الكتاب المؤلف من 528 صفحة، عاد نيكولا ساركوزى إلى قصة انفصاله، والتى حدثت بعد خمسة أشهر فقط من توليه منصبه كرئيس لفرنسا، يكتب الرئيس الفرنسى الأسبق: «لم أتوقع أى شىء، لم أفهم شيئا، لقد عانيت دون أن أتمكن من السيطرة على وضع أصبح كل يوم أكثر صعوبة».  

انتشرت شائعات منذ انتخاب ساركوزى رئيسا فى مايو 2007 تفيد بانفصال الزوجين، وظهرت شائعات أخرى فى وسائل الإعلام الفرنسية فى أكتوبر 2007 بأنه من المتوقع أن يعلنا قريبا عن خططهما للطلاق، وفى 18 أكتوبر2007 أصدر قصر الإليزيه بيانا يعلن أن الرئيس الفرنسى وزوجته «أعلنا انفصالهما بالتراضى»، بعد ذلك بفترة وجيزة، صحح القصر إعلان الانفصال بالقول إن الزوجين قد انفصلا بشكل رسمى ، وفى 19 أكتوبر 2007، أجرت سيسيليا ساركوزى لقاء مع صحيفة إيست رايبلكيان، وهى صحيفة فرنسية إقليمية، اعترفت فيه بأنها هربت مع حبيبها ريتشارد أتياس، التقت سيسليا مع أتياس فى عام 2005 ووقعت فى غرامه، على الرغم من أنها عادت فى النهاية إلى ساركوزى، إلا أنهما لم يتمكنا من إصلاح زواجهما.

 فى الوقت الذى كان يعانى فيه ساركوزى من مشاكل عاطفية مع زوجته السابقة، كان أيضا يواجه مخاوف صحية خطيرة، فى كتابه (زمن العواصف) كشف أنه كان عليه الخضوع لعملية جراحية لإزالة تفاعل التهابى منتشر فى الحلق، عادة يرتبط هذا المرض بمضاعفات الذبحة الصدرية، والتى تتميز بتراكم القيح، ما يتسبب فى نوع من الخراج، الأمر الذى يتطلب جراحة فورية.

كان انفصاله عن سيسليا، وكذلك عمليته الجراحية بمثابة صعوبات أثقلت كاهله إلى جانب مهام وظيفته الجديدة كرئيس لدولة فرنسا، لكن الرئيس الفرنسى الأسبق عثر على السعادة مع المغنية وعارضة الأزياء، كارلا برونى، التى تزوجها فى 2 فبراير 2008 وأنجب منها ابنته جوليا، ومع ذلك، فإنه يتذكر المرحلة العصيبة التى عاشها مع بداية الفصول الأولى لقصة حبه لكارلا، فى كتابه الجديد يأسف نيكولاس ساركوزى على رغبته فى أن يكون صريحاً وواضحاً فيما يتعلق بحياته العاطفية، وكتب: «فى فرنسا، يكون إظهار سعادة المرء أمراً مثيراً للنقد تماما مثل التباهى بالثروة».

3-  شخصيات دولية 

يأخذ الرئيس القراء إلى كواليس السياسة الدولية ويقدم لمحة عما يجرى خلف الأبواب فى تلك الاجتماعات الرفيعة المستوى، الكتاب ملىء بالحكايات والاجتماعات مع القادة الدوليين: من أنجيلا ميركل إلى فلاديمير بوتين وباراك أوباما وجورج دبليو بوش وتونى بلير وملكة إنجلترا وسيلفيو برلسكونى.

تظهر الشخصيات الدولية بين سطور الكتاب مع تقييمات متناقضة، يقول ساركوزى إنه حاول أن يروى لحظات وأحداث من خلال ما شعر به، والتفاصيل التى بقيت فى ذهنه، وأضاف: «بالنسبة لى، هذه ليست ذكريات عقيمة، وليست تحليلات، إنها أكثر بكثير من وجهة نظرى الشخصية فى الأحداث». 

على سبيل المثال يروى ساركوزى عن زيارته الرسمية لبريطانيا عام 2008 مع كارلا، التى تزوجها لتوه، وعندما أقام ليلتين فى وندسور، يقول إن الملكة تركته يرتجف من الخوف، تناول السياسى اليمينى، الهادئ عادة، كأساً كان يعتقد أنه ماء، فقط ليكتشف بعد تناول رشفة كبيرة من السائل الصافى أنه كان جن وهو مشروب كحولى قوى، يكتب: «كانت هذه المرة الأولى التى أشرب فيها الكحول فى حياتى، كانت ساقاى ترتعشان وكان فمى يحترق»، ويضيف: «لم تلحظ الملكة شيئا»، يمدح ساركوزى ملكة بريطانيا ويصفها بأنها شخصية « ملكية، مجازيا وكذلك حرفيا»، كما كتب أنه كان متوتراً للغاية فى وقت الرحلة، لكن الأمير تشارلز الشخصية المبهجة، على حد وصفه، جعله يشعر بالراحة خاصة أنه يتحدث «الفرنسية بطلاقة، مثل جميع أفراد عائلته».

لدى ساركوزى الكثير من الاحترام لرئيس وزراء بريطانيا الأسبق تونى بلير، الذى يقدمه على أنه زعيم لامع يتطلع إلى المستقبل ويقترح أنه كان سيصبح رئيساً مثالياً للاتحاد الأوروبى (لولا خوف أنجيلا ميركل من أن يتفوق على رؤساء الدول والحكومات) ، فى المقابل، يقول إن ديفيد كاميرون كان ضعيف الإرادة ويفتقر إلى الصفات القيادية ما يعنى أنه كان غير قادر على رفض الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.

أعرب الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى عن إعجابه واحترامه للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فى مذكراته، تمتع الزعيمان بعلاقة وثيقة خلال فترة تواجد ساركوزى فى قصر الإليزيه، كتب ساركوزى أن التقليل من شأن ميركل كان خطأ فادحاً، كما كتب الزعيم الفرنسى السابق عن محادثات أجراها مع ميركل حول الفترة التى نشأت فيها فى ألمانيا الشرقية الشيوعية السابقة، من بين أمور أخرى، قال إنها قدمت له ذات مرة قرص دى فى دى من فيلم «حياة الآخرين»، الذى يدور حول الطريقة التى كانت تراقب بها الشرطة السرية فى ألمانيا الشرقية، الستاسى، المواطنون فى برلين الشرقية، ونقل ساركوزى عن ميركل قولها «أريدك أن تشاهد هذا»، «هذا يوضح كيف كانت حياتى حقا». 

نيكولا ساركوزى، الذى أشار فى كتابه إلى علاقات فرنسا مع إفريقيا وكذلك لقاءاته مع الرؤساء الأفارقة، أبدى رأيه فى الرئيس الجزائرى السابق عبد العزيز بوتفليقة، وقال الرئيس الفرنسى السابق إن اللقاءات مع بوتفليقة استمرت لفترة طويلة، يكشف أن الحديث مع بوتفليقة كان يستغرق عادة ثلاث ساعات، وإذا انتهى اللقاء قبل هذه المدة كان يتم اعتباره لقاء مختصراً. 

يتذكر ساركوزى عدم ارتياحه خلال المقابلات: «إحدى التفاصيل كانت تزعجنى، لم يكن يريد التحدث وجها لوجه، كنا نجلس جنبا إلى جنب، كان عليك أن تدير رأسك باستمرار لكى تتحدث إليه، غالبا ما كنت أغادر المنزل الذى استقبلنى فيه مع تشنج فى الرقبة». 

كما كشف نيكولا ساركوزى أن حرب التحرير الجزائرية كانت جزءاً رئيسياً من محادثاته مع بوتفليقة، ويروى أنه كان عليه «قبول أن الساعة الأولى (وكان ذلك الحد الأدنى) كانت مخصصة للحديث عن «حرب التحرير»، ويشير ساركوزى إلى أنه خلال هذه المقابلات كان يتم تذكر الفظائع التى ارتكبها الفرنسيون، كما انتقد بوتفليقة الرئيس الفرنسى السابق لتفضيله للمغرب، كتب ساركوزى: «كان على أيضا أن أبرر نفسى لما أسماه انحيازى المغربى».

وفى نفس الكتاب أشاد نيكولا ساركوزى بالملك المغربى محمد السادس. وكتب أن على  نحو خاص يعد «المغرب محظوظاً للغاية لامتلاكه ملكاً بهذه الصفات»، يصف محمد السادس بأنه «رجل يتمتع بذكاء كبير، ومحب للفرانكوفونية للغاية ولطيف ولا يفشل أبدا»، ويضيف ساركوزى أن العاهل المغربى يجمع بين «سلطة أبيه الحسن الثانى» و«حداثة عصره» و«طباعه الإنسانية».

4- حرب وفضائح

 يروى الكتاب الجديد أيضا كيف عين ساركوزى دومينيك شتراوس، الذى كان يُنظر إليه فى ذلك الوقت على أنه منافس محتمل لقصر الإليزيه، من أجل رئاسة صندوق النقد الدولى، لقد أنهى هذا المنصب الرفيع المستقبل السياسى لمنافس ساركوزى حيث  أُجبر شتراوس على الاستقالة فى عام 2011 بعد أن تم القبض عليه بتهمة محاولة اغتصاب عاملة فندق فى نيويورك، أسقطت التهم فى وقت لاحق، حيث قام دى إس كيه، كما يطلق على السياسى الاشتراكى، بتسوية القضية مع المرأة، مقابل 1.5 مليون دولار (1.27 مليون يورو).

ومنذ ذلك الحين، تعرض ساركوزى نفسه إلى سلسلة من فضائح الفساد والتمويل غير القانونى للأحزاب، بما فى ذلك مزاعم بأنه تلقى مساعدات من الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى فى تمويل حملته الرئاسية الناجحة لعام 2007، بعد أشهر، أعاد ساركوزى الرئيس الليبى الراحل القذافى إلى المشهد الدبلوماسى الدولى، وسمح له بنصب خيمته البدوية مقابل الإليزيه فى زيارة رسمية إلى فرنسا، لكن بعد أربع سنوات فى عام 2011 كان ساركوزى القوة الدافعة وراء الحملة العسكرية الدولية التى أطاحت بالقذافى.

سيصبح ساركوزى، البالغ من العمر الآن 65 عاما، أول رئيس سابق لفرنسا يقدم للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم مزعومة أثناء توليه منصبه فى قضية متهم فيها بمحاولة الحصول على معلومات سرية من قاضٍ، ويمكن أن تبدأ محاكمة أخرى بشأن التمويل غير القانونى المزعوم لحملته الرئاسية فى 2012 فى وقت لاحق من عام 2020، يبقى الرئيس الفرنسى الأسبق واحداً من الشخصيات المثيرة للجدل والقادر على جذب اهتمام الشعب الفرنسى الذى وقع فى حب مذكراته وكتبه التى تنجح دائما فى تحقيق أعلى مبيعات فى فرنسا.