لأول مرة فى تاريخ الصحافة العربية.. الاستشارى هانى علوبة نجل أمير البحار يفتح كنز الأسرار

منوعات

بوابة الفجر


 شهيرة النجار


فيللا كفر عبده لم تكن هدية من مجلس قيادة الثورة بل من مال والدى

والدى كان «بك» بينما جدى محمد على علوبة «باشا»

كل عام وأنتم بخير.. كنت قد نشرت لكم العدد قبل الماضى بمناسبة ثورة يوليو كواليس أول حوار فى حياتى الصحفية، وكان فى مجلة «صباح الخير» بمناسبة ثورة يوليو مع أمير البحار جلال علوبة الذى أبحر بالملك فاروق فى رحلته الأخيرة لمنفاه فى إيطاليا، وأشرت لما قاله «علوبة» عن آرائه بخصوص موقف الملك من الأسلحة الفاسدة وعلاقته بـ»كاميليا» وموقفه من زواج «أم كلثوم» من خاله الوصى على العرش «شريف باشا صبرى»، ولما وجدت عدداً لا بأس من السادة القراء متابعين لهذا الأمر، ولديهم الشغف لمعرفة تلك الآراء نشرت العدد الذى تلاه رأى أمير البحار حول زواج أم كلثوم وموقف الملك فاروق منها، ونشرت أن جلال علوبة حصل على فيللا كفر عبده من مجلس قيادة الثورة مكافأة على كلمة الشرف وعودته بيخت المحروسة لمصر بعد توصيل الملك، وأنه باشا وقائد اليخت الملكى «المحروسة»، ليجئ لى تصحيح ملئ بعدد من المعلومات الثرية مصحوبة بصور نادرة ووثائق ربما ترى النور لأول مرة فى الصحافة المصرية والعربية من المهندس الاستشارى هانى علوبة ابن أمير البحار جلال علوبة ونقرأها فى السطور التالية.

■ جدى هو الـ«باشا» ووالدى جلال «بك» علوبة

قال المهندس هانى علوبة نجل أمير البحر: لقد عاهدت نفسى ألا أعلق على ما يكتب بالصحف أو ما يقال بالإعلام عن والدى، رحمه الله، ولكن لأنه فى عدد «الفجر» 29/7/2020 قرأت بعض المعلومات غير الصحيحة بعضها نسب عن أحد الزملاء المهندسين الذين أعتز بهم وأحترمهم كثيراً، لذا قررت التصحيح، بداية.. والدى ليس باشا ولكنه حاصل على البكاوية، أما الباشا فهو والده يعنى جدى محمد على علوبة الرجل المصرى الوطنى العصامى الذى كان أحد السياسيين البارزين ووزير الأوقاف وعضو مجلس النواب وسفير مصر فى باكستان وعضو حزب الوفد، ثم كان أحد مؤسسى حزب الأحرار الدستوريين، وشارك فى صياغة دستور 1924 وكان عضو لجنة المفاوضات فى معاهدة 1936 مع الإنجليز، وأيضاً من الذين كتبوا وناضلوا من أجل قضية فلسطين وقضايا تهم الأمة العربية عامة، وكانت له علاقات قوية بحكم مشاركته مع الزعماء سعد زغلول ومصطفى النحاس باشا، ونحن أسرة لا نلتفت كثيراً للألقاب، ولكن أعود للتوضيح أن الابن جلال الدين محمد علوبة ضابط البحرية الملكية المصرية حصل على تعليمه العسكرى البحرى فى إنجلترا ضمن مجموعة من زملائه من أولاد عائلات مصرية تم إرسالهم فى بعثة من الدولة المصرية آنذاك ليكونوا نواة للبحرية المصرية الملكية، وهذا ما حدث فعلاً بعد عودتهم من البعثة.

■ محمد نجيب هو من اختار والدى لمهمة توصيل الملك بحكم منصبه

خدم والدى جلال بك علوبة فى البحرية الملكية المصرية هو وزملاؤه كأى ضابط مصرى وطنى محب لبلده حتى وصل لرتبة أمير بحر «لواء بحرى»، وعُيّن ياور للملك فاروق ثم قائد اليخوت الملكية المصرية حتى رحلة منفى الملك فاروق فى 26 يوليو 1952، وتم اختياره لتنفيذ هذه المهمة الصعبة بحكم منصبه، وتم تكليفه من قِبل محمد نجيب بأمر كتابى محدداً ساعة الإقلاع فى تمام السادسة مساء ذات اليوم، وقد أتم المهمة ثم عاد باليخت المحروسة للإسكندرية فى الموعد المحدد، ولم يخطر بباله ألا يعود أو ما يقال من كلام لا يقبله أى ضابط مصرى وطنى لا هو ولا غيره، فالولاء الأول والأخير للوطن مهما كان من يحكمه.

■ مجلس قيادة الثورة لم يهده أى فيللا.. بل عانينا

وبعد عودة والدى سأل محمد نجيب: سيادتك هعمل إيه تانى؟.. فرد عليه: روّح بيتك، وتانى يوم طلب «نجيب» من والدى أن يتقاعد، وكان فى عمر 43 سنة وكنت أنا قرب الثمانى سنوات، وكان لابد من سرد هذه المقدمة كى أوضح ما يلى؛ أن أحداً لم يهدى والدى فيللا كفر عبده، لا مجلس قيادة الثورة ولا خلافه، بل على العكس لقد عانينا الكثير بعد ذلك، وبدون سبب تمت مراقبة تليفون بيتنا لنحو أربع سنوات وتفتيش شقتنا بالزمالك بحجة البحث عن مستندات أسلحة فاسدة.

وانتقلنا للعيش بالإسكندرية، وبدأ والدى يعمل فى التصدير والاستيراد لفترة ثم وكيلاً لشركة بريطانية لصناعة السفن، وأخيراً مكتب خبير بحرى، ولكنه عانى فى كل منهم أشد المعاناة، فلم تسند إليه المناقصات وخلافه لأنه من عهد الملكية على خلاف آخرين طبعاً كانوا من نفس العهد الملكى.. سبحان الله.

ويستطرد نجل جلال بك علوبة أن جده محمد على علوبة عمل بالمحاماة ولم يرث، وكان يمتلك قرب الألفى فدان أراض زراعية استصلحها هو وأحد أبناؤه، وبعد تطبيق قانون الإصلاح الزراعى صودرت الأرض فيما عدا 200 فدان فقط.

■ طلب التنازل عن فيللتنا بجليم بمقابل من أجل الروس

وكان جدى يقضى عندنا أشهر الصيف حتى توفى فى 1956، المهم مرت السنوات وأنهيت دراستى فى سان مارك ثم فى الثانوية وأخيراً كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، وكنا نسكن فى بيتنا المكون من طابقين فى شارع الأمير حليم خلف الإذاعة بجليم، حيث كنا نسكن الدور الأول ونؤجر الدور الأرضى بالحديقة لأحد الأجانب، وإذا بطلب غريب يُطلب من والدى وهو أن يتنازل عن البيت للروس بمبلغ أقل من القيمة الحقيقية وإلا سيصادر، وتحت الضغط اضطر والدى أن يوافق رغم حزن والدتى، وطلب منهم ألا يسلم البيت إلا بعد أن ينهى ابنه (المهندس هانى) امتحان البكالوريوس فى كلية الهندسة وكان ذلك فى 1969، وكان قد وعد والدى والدتى أن يشترى لها فيللا أخرى عوضاً، وفعلاً اشترى فيللا كفر عبده وانتقلنا للعيش فيها، والتى كانت بالنسبة لى أول عمل هندسى أقوم بتصميمه بعد تخرجى، والحمد لله نجحت فى تغيير الفيللا من الداخل للأفضل مع إضافة التشطيبات والتفاصيل الكلاسيكية التى تحبها والدتى، وبعد سنة من تخرجى تركت مصر لأعود فى 1980 بعدما حصلت على بعض الدراسات والعمل فى بعض دول الخليج وعدت وأنشأت مكتبى الاستشارى وأقام والدى مع والدتى فى فيللا كفر عبده حتى توفيا.. رحمهما الله.

■ فوجئت أن معاش والدى مع المعاشات الخاصة لأسرة محمد على!

ويستكمل المهندس هانى علوبة حديثه الذى أنقله كما سطره بيده ولم أضف أى تفاصيل دارت بيننا بالهاتف واعتمدت فقط على ما كتبه.

قال المهندس علوبة: عندما توفى والده فى 18 مايو 1999 كان عليه أن يحوّل معاشه إلى والدته، وظل يبحث فى البحرية بحكم وظيفته ولم يجد له عندهم معاش! وبعد بحث وتقصى علم أن الثورة (يقصد ثورة يوليو) أنشأت ما يسمى بـ «المعاشات الخاصة» ومقرها فى شارع قصر النيل بالقاهرة، وذهب هناك ليسأل عن معاش والده، فكانت دهشته أن وجده عندهم ضمن المعاشات الخاصة للأمراء وأعضاء أسرة محمد على..

ويكمل: طيب واحنا مالنا.. لا احنا أمراء ولا بيننا وبين أسرة محمد على نسب ولا شيء، باختصار فهمنا أننا ضمن غير المرغوب فيهم، ما فسّر لنا يومها علامات استفهام عشت بها عمرى كله، والأغرب يا سيدتى أن معاشه كان 800 جنيه حتى عام 1999، بينما زملائه فى مثل رتبته بالبحرية معاشاتهم بضعة آلاف، رحم الله جلال علوبة الذى علمنى الوطنية والانضباط والعسكرية والشرف وتحيا مصر، وهذا يا سيدتى ما حدث ولم يهده أحد بيته بل أخذوا منه الكثير.. تحياتى مهندس استشارى هانى علوبة.

■ جلال علوبة تقاعد وهو فى عنفوان الشباب 43 سنة

الحقيقة.. الأمانة فى نقل ما أرسله لى نجل المرحوم أمير البحار جلال علوبة كان مفاجأة لى ومن خلاله سطر جزءاً كبيراً كان مفقوداً عند كثير من محبى والده.

والأهم أنه سلط الضوء على تاريخ جده الذى لم أكن أعرفه، وأعتقد كثيرون، خاصة أنه كان من مؤسسى حزب الأحرار الدستوريين وكان وزيراً للأوقاف وسفيراً لمصر فى باكستان، وأن والده حصل فقط على البكوية وأنه لم يكن قائد اليخت المحروسة دائماً للملك وإنما بحكم منصبه أمير اليخوت الملكية يعنى بدرجة وزير البحرية الآن أو قائد القوات البحرية الآن تم اختياره ليقود للملك «المحروسة» فى رحلته الأخيرة، وعاد وتقاعد ثانى يوم يعنى آخر عمل لجلال بك علوبة كان توصيل الملك، والحقيقة أنا لا أريد أن أعلق على شىء، فالتاريخ له من يحكم عليه وهناك أشخاص كبار فى تاريخ الوطن مروا علينا لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لكن الحقيقة وحسب شهادة نجله أن يكون الرجل ضمن قلة سافروا وتعلموا أصول البحرية وكانوا نواة لتأسيس البحرية المصرية الملكية وتقاعد فى عنفوان شبابه 43 عاماً فى قمة العطاء وقمة الخبرة لا لشيء سوى أنه محسوب على الملك والملكية فيه كثير من الجور، ونحن جميعاً نعرف أن للثورات كثير من الصواب وأحياناً يجانبها الصواب فى أشياء أخرى، ولن أعقب على بقية شهادة نجل أمير البحار فقط عندما هاتفنى سألته: ومن أين كان ينفق والدك واشترى فيللا كفر عبده؟ فقال إن جده بعد أن أخذوا منه الألفى فدان وتركوا فقط مائتى فدان كان يخرج منها عائد، والحقيقة أننى عندما التقيت بالراحل كان قبيل وفاته بعامين وعندما سألته عن الفيللا أجاب أنه أخذها ووضبها، وكانت جملة «أخذها ووضبها» هذه مفتوحة، يعنى لم يتطرق الراحل هل تم شراؤها أم إهداؤها، حتى سمعت جملة قالها أحدهم لى «أنها كانت هدية له لوفائه بكلمة الشرف وعودته باليخت المحروسة»، لتأتى التصويبات التى شرفت بها من نجله بأنها لم تكن هدية من مجلس قيادة الثورة، وكان لهذا الأمر كلمة السر فى السرد والحديث عن أسرار، حتى أننى فوجئت عندما طلبت بعض الصور النادرة لجلال بك علوبة وأسرته ووالده أرسل لى المهندس هانى صورة طابع بريد يحمل صورة جده محمد على علوبة يعود تاريخه 1937، وهذا تخليد لمواقفه البارزة، واستوقفنى كذلك صورة المرسوم الموجه إلى اللواء بحرى جلال بك علوبة قائد اليخوت الملكية مختومة باسم محمد نجيب مكتوب فيه ما يلى: عليكم الإبحار باليخت الملكى المحروسة اليوم الساعة 18:00 لنقل حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول إلى خارج البلاد بعد تنازله عن العرش والعودة بهذا اليخت سليماً إلى ميناء الإسكندرية مباشرة. التوقيع مصطفى باشا الساعة 1511 يوم السبت 26 يوليو 1952 وموقع من محمد نجيب، رحم الله الجميع وحفظ مصر وشعبها ورجالها المخلصين.