منال لاشين تكتب: أزمة الصمت على جريمة فندق فيرمونت

مقالات الرأي




المجلس القومى للمرأة لا يحتاج لشهادة أى ضحية، فلسنا أمام جريمة خيانة زوجية 

الڤيديوهات تثبت ثلاث جرائم على الشباب ما بين الإعدام إلى السجن للمؤبد 

المخدر المستخدم شفاف ويؤدى إلى فقدان وعى وذاكرة مؤقت ومشهور فى أوروبا وأمريكا لحالات الاغتصاب

المتهمون هددوا من فضحوا جريمتهم بإيذاء أسرهم

عندما طالبت الأسبوع الماضى بالرحمة للفتاتين مودة وحنين غضب البعض، وأعلم أن ما أكتبه هذا الأسبوع سيثير غضبا أكثر، البعض يرى أن المرأة هى المخطئة دوما ومستعد لإدانتها حتى لو كانت الضحية، آخرون يرون فى مثل هذه القضايا أو القصص إحراجا للبلد خاصة أننا نعانى من مشكلات أكبر وأهم من تخصيص أو بالأحرى إضاعة وقتنا فى قضايا كام بنت، ولذلك سأحكى لهؤلاء وهم كثر مع الأسف فى مجتمعنا قصة حقيقية، قصة فاطمة مع الزعيمين سعد زغلول والنحاس، قصة حدثت قبل نحو 100 عام، ولابد أن الكثيرين سيشعرون بالخجل والحزن والغضب لما وصلنا إليه الآن.

1فاطمة والزعماء

فاطمة سرى هى ممثلة مسرحية ومطربة فى العشرينيات من القرن الماضى حققت نجاحا معقولا، أوصلها إلى أن تدعوها العائلات الأرستقراطية إلى الغناء فى حفلاتها الخاصة، من بين هؤلاء هدى شعراوى الزعيمة النسائية الشهيرة، وفى الحفل أعجب ابنها محمد بيه شعراوى بالفنانة الشابة وظل يجرى وراءها حتى أقنعها بالزواج العرفى، وعندما بدأ الخبر فى الانتشار قليلا كانت فاطمة حامل، وفى لحظة ضعف كتب الزوج ابن الأثرياء تعهدا للزوجة، اعترف فيه بأنها زوجته وأنه والد الطفل، ولكن ما إن علمت أمه بالخبر حتى ثارت وهددته بأن يترك فاطمة والوليد أى حفيدتها والتى حملت اسم ليلى، وبعد مغامرات كثيرة استطاع محمد أن يسرق الورقة التى كتبها، ولكن ما لم يعرفه أن زوجته كانت تملك الورقة الأصلية وأن ما أخذه منها كان مجرد صورة متقنة الصنع فى فرنسا، وكانت هذه نصيحة النحاس باشا زعيم الوفد فى ذلك الوقت بعد اعتزال سعد زغول السياسة، أرسلت فاطمة خطابا لحماتها هدى شعراوى، ولكن الأخيرة وقفت ضدها، بل وهددتها باستخدام نفوذها لتلفق لها قضية آداب، وقررت فاطمة الذهاب للمحكمة الشرعية فى أول قضية إثبات نسب عرفتها مصر، كانت فاطمة نموذجا سهلا لتشويه السمعة فنانة ومطلقة مرتين، ثم إنها رضيت بمعاشرة رجل بمجرد ورقة وفى السر، فهل يمكن أن نضحى من أجل هذه السيدة وطفلة صغيرة بسمعة عائلة كبيرة وامرأة بقيمة هدى هانم شعراوى، ولمن لا يعرف فإن عائلة شعراوى عائلة كبرى ووفدية فى الصعيد، وتعرضت فاطمة للكثير من المساومات، مرة أغروها بمبلغ 25 ألف جنيه وهو مبلغ هائل فى ذلك الوقت، بل إن أحد المحامين الكبار عرض عليها أن زوج يكتب الفتاة باسمه بعقد زواج سابق على تاريخ ميلاد الطفلة، هذا المحامى الكبير هو إبراهيم الهلباوى الذى لحقه العار بسبب قبوله الدفاع عن الإنجليز الذين قتلوا فلاحين مصريين فى دنشواى، وقف كثيرون من الكبار فى الحكومة والبرلمان ضد فاطمة، وكان معها النحاس باشا وفكرى باشا أباظة الذى ترافع فى قضية إثبات النسب، وعندما وجد النحاس أن التيار أقوى منه ذهب إلى الزعيم سعد، وأخبره أن وزير العدل سيضغط على المحكمة الشرعية لرفض قضية فاطمة، حينها طلب الزعيم مقابلة الوزير، وهدده بأنه سيتدخل لو حدث ذلك، وفى هذا اللقاء دار بينهما حوار مهم جدا للجميع خاصة المسئولين أن يعرفوه، تحجج الوزير بأن فاطمة مجرد ممثلة ومطلقة ووضعت نفسها فى هذا الموقف الشائن، فرد الزعيم سعد: أنها مواطنة مصرية ولها الحق فى حمايتها قانونا، فرد الوزير: أن تضحى بسمعة عائلة وفدية وانقسام وفدى وحكومى كل ذلك بسبب مواطنة واحدة، فرد سعد زغول: لهذا أنا زعيم الأمة وأنت لم يذكرك أحد، وبفضل تدخل سعد زغلول الحاسم حصلت فاطمة على حقوقها من المحكمة، وخسرت هدى هانم شعراوى وابنها محمد باشا، لم يقل سعد زغلول لفاطمة أن مصر محتلة وتخوض معركة الاستقلال، أو أن القضية تجرح أو بالأحرى تذبح رمزا من رموز مصر وهى هدى شعراوى وهى اللى قادت مظاهرات المصريات فى ثورة 19، لم يفكر فى سمعة عائلة وفدية من كبريات عائلات الصعيد، لم يحسب حساب غضب الباشوات أو فريق من حزبه، لأن سعد زغول كان يدرك أن ضياع حقوق مواطنة واحدة هو ضياع لحقوق الأمة وجميع المواطنين.

2ضحايا فيرمونت

وأعتقد أننا بعد معرفة قصة سعد زغلول مع فاطمة علينا أن نشعر بالعار لأننا لم نصل بعد إلى التحقيق مع المتهمين فى قضية فندق فيرمونت نايل سيتى، والتى خرجت من السوشيال ميديا إلى صحف العالم، القضية تعود إلى عام 2014، وبدأ نشر القصة على صفحات انستجرام من خلال فتيات، ثم نشرت صفحة (شرطة الاعتداء) القصة ثم صفحات أخرى مثل حماة وطن وأفضح متحرش، وأخيرا اطلق البعض صفحة مخصصة للقصة بعنوان (مجرمى الاعتداء الجامعى فى القاهرة)، بحسب هذه الصفحات فإن هناك ستة من الشباب معروفة أسماؤهم، كانوا يقومون بعمليات الاغتصاب الجماعى، ورقم الضحايا قد يصل إلى 12 ضحية، والعملية هى حجز غرفة فى فندق فيرمونت النايل سيتى، ويذهبون إلى الحفلات التى تقام فى بارات الفندق لاصطياد ضحيتهم، يقومون بالتقرب منها ومغافلتها، ووضع مخدر شفاف، وهذا المخدر يفقد الانسان الوعى والذاكرة المؤقتة، ويستخدم هذا المخدر فى الخارج فى عمليات الاختطاف والاغتصاب، يكفى نقطة منه فى كوب عصير أو زجاجة ماء أو أى مشروب ليبدأ مفعوله، وما إن يبدأ مفعول المخدر حتى يصطحبوا الضحية للغرفة، ويتناوبون على اغتصابها، والتصوير للتباهى وربما للضغط على الضحية فيما بعد، ومن قذارتهم يقومون بكتابة أول حروف من أسمائهم بسن حاد أو مدبب على مؤخرة الضحية، وهناك تفاصيل وحكايات مؤلمة ومحزنة ومقززة على هذه الصفحات وغيرها، وما إن انطلقت القصة حتى حدثت ثلاثة ردود أفعال، الفندق أصدر بيانا محترما أكد استعداده لمساعدة جهات التحقيق لمعرفة الحقيقة، وكان رد الفعل الثانى تهديد بعض أصحاب الصفحات التى نشرت الجريمة بإيذاء أسرهم، أما رد الفعل الثالث فجاء من المجلس القومى للمرأة، وذلك من خلال بيان بأن المجلس فى انتظار أن تتقدم الضحايا بشكوى وسيقوم بحماية اسمها من النشر والتصرف، ورد الفعل الخاص بالمجلس المنوط به حماية النساء هو ما أريد أن أتوقف عنده بغضب وباستنكار ربما، بدهشة حقيقية من هذا الرد الذى لا أجد له وصفا حتى الآن.

3جرائم واضحة

أفترض أن للمجلس القومى مستشارين قانونيين وإدارة تشريعية وأخرى قانونية، وأفترض أيضا أن هذه الإدارات تقدم النصحية للدكتورة مايا مرسى فى مثل هذه الأوضاع القانونية.

والحقيقة القانونية إنه مع صحة المعلومات المتداولة فإن الدكتورة مايا ومجلسها لا تحتاج أى ضحية من الضحايا لتقديم بلاغها، لأن الڤيديو يثبت ثلاث جرائم، أول جريمة هى الاغتصاب الجماعى لأن الضحية ليست فى وعيها، وبعض وجوه المتهمين مثبتة فى الڤيديو، الجريمة الثانية هى تسجيل الڤيديو وخاصة ما يتردد عن رفع بعض المتهمين للڤيديو على أحد المواقع الإباحية، الجريمة الثالثة إحداث عاهة فى جسد الضحية، وكل هذه الجرائم لاتحتاج إلى بلاغ أو تحرك من الضحية، وربما يكون من المفيد تذكير الدكتورة مايا وفريقها القانونى بقاعدة قانونية مهمة، فالجريمة الوحيدة التى لا يجوز تحريكها بدون بلاغ هى جريمة زنى الزوجة، فلابد أن يتقدم الزوج ببلاغ للنيابة حتى تستطيع التحقيق فى القضية، ولذلك كان يجب على المجلس القومى للمرأة التحرك فى اتجاهات أخرى للقبض على المتهمين دون انتظار الفتاة المذبوحة الخائفة المرعوبة على نفسها وأسرتها وسمعتها، وكان يجب أن يأتى بيان مايا مرسى مشجعا للضحايا ولكل من تابعوا القصة، ومؤكدا أن المجلس بصفته المدافع عن النساء لم يدخر وسعا ولا وقتا ولا وسيلة لإيجاد المتهمين والتحقيق معهم، وكان يجب أن تصدر جهات أخرى بيانات واضحة، وليست على طريق صرح مصدر أمنى أو مصدر مسئول.

4- غضب محلى

بداية لابد أن أؤكد أننى لا أفترض صحة كل ما ينشر على وسائل التحقيق، ولكن حين يرتبط الأمر بجرائم ضد الإنسانية وخاصة النساء، فإن الامر يتحول إلى وجوب التحقيق السريع والعاجل من كل الجهات المسئولة لمعاقبة من أخطأ ورد حقوق الضحايا، ولكن مرور أكثر من أسبوعين على انتشار القضية أو بالأحرى المأساة دون الوصول أو بالأحرى الإعلان عن وجود تحقيق وملاحقة للمتهمين أغضبنى مثلما أغضب الكثيرين، لا أتحدث عن الصحافة الاجنبية أو الميديا العالمية، بل عن شباب وشابات فى العشرينات من العمر يعتقدون أن المرأة فى مصر بلا ثمن وسرعان ما تتحول الضحية إلى جانى، ومن خلال متابعتى لردود الأفعال أشم رائحة مريبة، بدأ البعض يتحدث عن تأخر الضحية فى الاعتراف، لم يحترموا مأساتها ربما سافرت ربما أصيبت بمرض نفسى، وربما وجدت الشجاعة أخيرا بعد موقف المجتمع من الشاب المغتصب، مرة أخرى بدأ البعض تشويه سمعة الضحايا، فالفتاة ذهبت إلى بار بنفسها فعرضت نفسها للخطر، الأقذر أن الفتاة ربما شربت الخمر ووضعوا المخدر فيه، أو أن إحدى المدافعات عن الضحايا ترتدى مايوه، هناك بدايات لحكاية سمعة مصر، ومش كل يوم يبقى عندنا جريمة قذرة.

ولذلك أريد أن أقول لكل هؤلاء بوضوح تام أن محاولتهم تشويه الضحايا ربما تكون أسوأ من اغتصابهن، وأن ذهاب الفتاة إلى بار فى فندق مرخص ليس تصريحا لاغتصابها، وأن المخدر الشفاف يوضع فى الماء أو العصير، ولكن مرة أخرى إذا اختارت فتاة أن تشرب نوعا ما من المشروبات فى إطار القانون فهذا ليس مبررا أو دافعا لأن تتعرض للأذى والاغتصاب الجماعى أو الفردى أو التشهير أو التهديد، من يتحدثون كثيرا عن القانون عليهم احترام القواعد القانونية، وأول هذه القواعد أن الجانى هو المجرم والمعتدى عليه أو عليها هو الضحية، وأن دور القانون والمجتمع معاقبة الجانى والدفاع عن الضحية، فأرجو أن نحترم الضحايا الذين تعرضوا لأقسى أنواع الألم والعذاب المستمر الذى سيطاردهم طوال حياتهم، كفوا عن اغتصابهم معنويا بعدما عانوا من الاغتصاب الجماعى، أرجوكم حاكموا المجرمين الحقيقيين.