ليس "مشالي" فقط.. خالد الميرغني طبيب غلابة آخر

مقالات الرأي

خالد الميرغني
خالد الميرغني


رحم الله الدكتور محمد مشالي، طبيب الغلابة، الذي وهب حياته لعلاج المحتاجين وغير القادرين من أبناء قرى ومراكز محافظة الغربية، وأبناء المحافظات الأخرى الذين يقصدونه واثقين بقدرته على المساعدة في شفائهم من أمراضهم، كبارا كانوا أو صغارا.

ولا شك بأن وفاته أحدثت صدمة كبيرة لدى مرضاه ومحبيه في مصر وخارجها وهو ما بدى جليا في حملة العزاء الإلكتروني على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، ترحما وحزنا على الرجل الذي قضى نحو 50 عاما بين جدران عيادته الصغيرة، بقيمة كشف لا تكاد تذكر بالنسبة لقيم الكشف الخرافية، في عيادات معظم الأطباء (التجار) الآن.

نعم لقد شكل الدكتور مشالي حالة فريدة في الزهد والإنسانية والضمير، وضرب أروع الأمثلة في مساعدة الناس من دون مقابل، وكان مشهد رفضه الحصول على مساعدة مالية كبيرة من أحد البرامج الخيرية الشهيرة في عيد الفطر الماضي، خير دليل على ذلك، فقد رفض المبلغ المعروض واكتفى بالحصول على سماعة طبية فقط لمساعدته في عمله.

إن الدكتور محمد مشالي، هو نقطة في بحر مليء بالنماذج المشرقة المشرفة، التي وهبت نفسها للإنسانية، ورفضت جميع مغريات الحياة، لإيمانها بمبادئ راسخة وقيم غائبة عن واقعنا المرير، وفي ذلك لا يسعني إلا ذكر أحد تلك النماذج، التي وإن كان للإعلام رسالة، فلا بد أن تكون تسليط الأضواء عليها، أملا في تثبيت تلك المعتقدات التي ينبغي أن تسود.

الدكتور خالد الميرغني، طبيب الغلابة في قرية طنبدي مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، لا يختلف كثيرا من وجهة نظري عن طبيب الغلابة الدكتور محمد مشالي، فرغم صغير سنة إلا أنه فضل حب أهل قريته على المال، حجز مكانا له في قلوبهم، قصده منذ أكثر من 35 عاما، الكبار والصغار الرجال والنساء، المقتدرين والمحتاجين، بقيمة كشف لم تتجاوز حتى يومنا هذا 20 جنيها -يتبرع بها إن وجد المريض في حاجة إليها، أو ليس معه تكلفة علاج أو تحليل مطلوب- وهي قيمة كشف صغيرة جدا ولكنها كبيرة عند الله.

لا أكذب إن قلت إن سبب الحب الجارف والشعبية الكبيرة للدكتور خالد، هي طريقة معاملته التي وجد فيها المرضى دواء لدائهم، وفي ابتسامته مُسكنا لآلامهم، لم يبخل بمعلومة ولم يكل أو يمل من تقديم الاستشارة لأي مريض أو حتى عابر سبيل.

بمجرد دخوله القرية، تجد ترحابا شديدا، ولم لا، فالرجل منذ أن تطأ قدمه أرض القرية، يسلم على الصغير قبل الكبير، بابتسامة لا تفارق وجهه، ويسأل هذا وذاك عن صحته، ويطمئن على الجميع الغائب قبل الحاضر، يحرص بشكل كبير على المشاركة في المناسبات المختلفة لأهل القرية.

إن مثل تلك النماذج، هي أضواء لنا في الطرق المظلمة التي نسير فيها الآن، وإشارات توجه بوصلتنا نحو القيم والمبادئ التي اختفت تماما عن حياتنا، وتسليط الضوء عليها واجب على كل فرد قبل كل إعلامي، بدلا من النماذج التي تظهر الآن، وبسببها نحن من سيء إلى أسوأ.